جمال البنا حلقة جديدة في سلسلة المرتدين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
-1-
جمال البنا، شقيق مؤسس حركة الإخوان المسلمين جمال البنا، ولكنه هو القائل "لن أعيش في جلباب أخي". وهو من رجال الدين المسلمين الذين أحببناهم وقدرناهم واعتبرناهم من التنويريين الدينيين الجدد. فموقفه كان شجاعاً من حجاب المرأة. وهو الذي اعتبر أن الحجاب فُرض على الإسلام ولم يفرضه الإسلام، وأنه لا يوجد نص قرآني بتغطية مكان معين من جسم المرأة إلا فتحة الصدر. وحلّل زواج المتعة، ودعم إمامة المرأة في الصلاة، وعارض ختان البنات. وكانت له مواقف لا تنسجم مع مواقف الإخوان
جمال البنا: لا راحة لأمريكا بعد اليوم
-2-
هذه الآراء الحداثية العقلانية التنويرية جميعها، أبهرتنا بنورها وجرأتها وشجاعتها ومنطقها العصري. وأصبح جمال البنا شيخنا وإمامنا نحن معشر الليبراليين. وكان منارتنا الدينية الهادية والداعية والمرشدة في بحر الظلمات. فخلفه وحده نصلي، وفتاواه وحدها ضالتنا ومشكاتنا. وآراؤه في الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد هي المنارة والعصارة. واغتاظ السلفيون والمتشددون المتخشبون من هذا الصوت الديني الجديد. ورحب الليبراليون بهذا الداعية التنويري، واحتفلوا به، وأطلقوا عليه مربي الأجيال، والمفكر التنويري، وشيخ الإسلام المجدد، وخليفة الشيخ محمد عبده، وقبس من روح أبي ذر الغفاري، والعالم القرآني. وكانوا كمن وجد ضالته في جمال البنا، في صحراء التيه العربية، سيما وأنه القائل في عام 2003 ، بأن القتال إلى جانب الأمريكيين في العراق ضد الطاغية صدام حسين أكثر ثواباً وأفضل جهاداً من القتال إلى جانب الطاغية صدام حسين ضد الأمريكيين. وبمناسبة الذكرى الأولى لكارثة سبتمبر 2001، أي في سبتمبر 2002، كتب جمال البنا مقالاً في جريدة "القاهرة" الأسبوعية، مجدداً دعوته للإصلاح الديني في الإسلام. وأفردت له صحيفة "القاهرة"، صفحة كاملة، ليكتب حول الحاجة لحركة إصلاح ديني مثل تلك التي حدثت في أوروبا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، على يد "مارتن لوثر" و "جون كالفن"، مما يعني أن كارثة 11 سبتمبر كانت بفعل خلل في فهم الدين. وأن الذين ارتكبوا هذه المجزرة خطفوا الإسلام وزوّروه. ولكن لم يمضِّ على هذا المقال غير أربع سنوات حتى قال جمال البنا في المناسبة نفسها، وفي الذكرى الخامسة لكارثة 11 سبتمبر، من أن الذين ارتكبوا كارثة 11 سبتمبر هم من "أشجع الشجعان" . وأن هجومهم الانتحاري الهمجي على برجي نيويورك، وقتلهم حوالي ثلاثة آلاف من الأبرياء كان "أداءً رائعاً". وهو ما قاله بن لادن حين وصف منفذي الكارثة بأنهم "كوكبة من أبطال الإسلام". وأبدى جمال البنا، عظيم اعجابه بالانتحاريين الـ 19 الذين شنوا تلك الهجمات البشعة، كما صرّح لصحيفة "المصري اليوم"، في 10/9/2006!
فما الذي حصل لعقل جمال البنا؟
وهل كان مُقنّعاً طيلة هذه السنوات الأربع، وخلع قناعه الآن؟
هل أصابته لوثة الارهاب الديني؟
وهل كان ذلك بسبب المال، أم التهديد بالقتل، أم بإغراء مادي معين، أم ماذا؟
أم أدركته عقد الذنب الدينية التي أصابت من قبله مجموعة من المفكرين التنويريين المصريين، منهم طه حسين الذي خضع لرأي رجال الدين والشارع الغوغائي، وحذف فصلاً كاملاً من كتابه العاصفة "في الشعر الجاهلي" وغيّر عنوانه بعنوان جديد "في الأدب الجاهلي". وكفّر بعد ذلك عن ذنوبه الدينية، وكتب عدة كتب في تاريخ الإسلام، لم يقدم فيها شيئاً جديداً ، عما هو معروف ومكشوف.
أم هل أصبح جمال البنا عنصراً في تنظيم "القاعدة" عندما قال لجريدة "المصري اليوم" في التاريخ السابق وفي نفس الحديث الصحافي، من أن "أحداث سبتمبر فتحت آفاقاً جديدة، وأسلوباً جديداً ، يمكن به تصفية الحسابات القديمة".
فهل انضم جمال البنا الى أيمن الظواهري ويوسف القرضاوي وفهمي هويدي وأحمد عاكف ومنتصر الزيات وغيرهم من منظري "القاعدة" المباشرين وغير المباشرين؟
وهل أصبح جمال البنا المثال الآخر للرِدَّة في الفكر الديني المصري المعاصر، مثله مثل خالد محمد خالد، الذي فصل الدين عن الدولة في الخمسينات، ثم عاد وقال في الثمانينات بربط الدين بالدولة في كتابه (الدولة في الإسلام، 1981) ، وتخلّى عن كافة آرائه السابقة، تحت تهديد الإخوان المسلمين، وبقية الجماعات الدينية في مصر؟
هل انقلب جمال البنا على الحركة الليبرالية العربية، وارتد عن كل ما قاله من آراء، تحت أول تهديد من الارهابيين في مصر، بحيث فاجأنا بقوله في جريدة "المصري اليوم" أن الثورة الخمينية الداعية الى ولاية الفقيه هي "ثورة رائعة" مثله في ذلك مثل سيّد القمني الذي أعلن التوبة، وتخلّيه عن أفكاره السابقة، والتوقف عن الكتابة. وما زال متوقفاً حتى الآن؟
من يتصوّر أن ينقلب جمال البنا على يقيناته هذا الانقلاب الفجائي، ويعلن بأن مجموعة من شباب الخليج ومصر، الذين فجّروا برجي نيويورك كانت "تتابع المشهد وتشهد فصوله المأساوية فصلاً فصلاً، وترى بأم عينها الدول العربية تتساقط وتستسلم لأمريكا، وتشهد الأوغاد الأمريكان يمرحون ويبرطعون في الأرض المقدسة. ففكر هؤلاء الشبان في طريقة لإعطاء أمريكا درساً بطريقة فريدة لم تسبق. وهداهم التفكير إلي خطة ما كان يحلم بها أكثر المخرجين السينمائيين الأمريكيين، وأن يدمروا رمز الازدهار والخيلاء الأمريكية ".
-4-
لم يكن جمال البنا الشيخ العربي المسلم، أول من يبارك جريمة وكارثة ككارثة 11 سبتمبر. فقد باركها وامتدحها كثير من الأشياخ العرب المسلمين قبله، واعتبروها أول "الحملات الهلالية" ثأراً للحملات الصليبية في القرن الحادي والثاني عشر. وامتلأت الصحف والفضائيات ومواقع الانترنت بـ "الفكر الهلالي" التكفيري الذي ينادي بالجهاد الثأري لكل ما حدث للمسلمين منذ 14 قرناً حتى الآن، مقابل "الفكر الصليبي" الذي ينادي بالتفكير بدلاً من التكفير، وبتفجير الطاقات والمواهب بدلاً من تفجير الأجسام وقتل الأرواح وهدم المباني. ولم نكن نعترض على مثل هذه الآراء المتشنجة التي قال بها جمال البنا الآن وغيره في الماضي. فلا حادثة تاريخية مهمة، إلا واختلفت فيها الآراء. ولكن المفاجأة هو أن ينقلب جمال البنا على عقبيه، كما لم ينقلب أية داعية ديني آخر. فانقلب من داعية للتنوير الى آلة للتزوير، ومن فكر حداثي الى طبل خرافي، ومن داعية حداثي إلى مهرج تاريخي، ومن فقيه تنويري الى درويش من دراويش التكايا.
-5-
يقول الشيخ محمد عبده: "لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين".
لهذا، ومن أجل هذا كله، نقول لكم: افصلوا الدين عن السياسة، واحذروا من آراء رجال الدين في السياسة والاجتماع مهما أظهروا من تنوير وتفهم وتقدم. فهم متقلبون وانقلابيون مغامرون، لا يُؤمن لهم جانب. وهم يغررون بنا. فمواقفهم وآراؤهم ككثبان الرمال في الصحراء، تتغير كلما يوم حسب اتجاه الرياح وقوة هبوبها. وهم يستعملون النص الديني الواحد لليمين واليسار والوسط. ويطبخون بالنص الديني الواحد كافة الأكلات العربية والغربية. فهم طهاة مهرة يطبخون لك ما تشتهي من حديقة الإسلام المسروق والمخطوف، التي تنبت لهم كل ما يحتاجونه من خضروات.
ويظل كلامنا قائماً ونافذاً ولائقاً بجمال البنا، ما لم ينكر جمال البنا صحة ما قاله من تصريحات في جريدة "المصري اليوم"، ويهتدي.