الولي الفقيه... بين الإحتلالين الإيراني والأمريكي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي لإيران وهو بالمناسبة نائب رئيس حزب الدعوة الإسلامية وهو الحزب المرتبط روحيا ومبدئيا وتأسيسا و عملا سياسيا لفترات طويلة بإيران رغم صور الخلاف الظاهري الذي تبلور على السطح فيما بعد!، دعا مرشد الثورة الإيرانية ووليها الفقيه الجامع للشرائط الجيش الأمريكي للإنسحاب السريع من العراق؟؟ وهي دعوة عامة تطلق في كل مناسبة ولا تعبر سوى عن مواقف إعلامية بعيدة كل البعد عن الوسائل والترتيبات السياسية والأمنية والموضوعية التي تحقق ذلك الهدف وهو هدف مشروع ونهائي وحاسم لا بد أن يحين وقته في يوم ما، فتلك من طبائع الأمور؟، ولكن قبل الإنسياق خلف تلك الدعوات المسمومة وفي ظل الظروف الدقيقة المعروفة التي يمر بها العراق بسبب ضعف الدولة المركزية وهشاشة الحكومة الإئتلافية وتزايد شراسة هجمات الجماعات الأصولية والطائفية التي تهدد بتقويض المجتمع العراقي وتحويل العراق لمستوطنة متخلفة وحقل لتجارب الجماعات الدينية بأطيافها ومذاهبها المختلفة؟ من حق السيد علي خامنئي أن يطرح ما يراه صحيحا، وهو في النهاية رجل سياسة يعمل في الشأن العام وليس معصوما ولا مسددا إلهيا ولا يملك من القداسة الإفتراضية أكثر من تلك التي تقدمها له وحوله الدولة الإيرانية بتوجهاتها الدينية والمذهبية المعروفة؟ والعراقيون بمختلف أطيافهم شيعة أو سنة أو مسيحيين، عربا وأكرادا وتركمانا وأقليات قومية أخرى لا يهيمون حبا بالإحتلال و لا يقبلون أحذية المحتل الثقيلة!، ولا يريدون أكثر من العيش بحرية وكرامة أسوة ببقية شعوب الأرض، والأمريكان في العراق من جانب آخر لا يقدمون دماء أبنائهم طلبا للسياحة والتشمس في المناطق الساخنة؟ وليس بحثا عن المتاعب؟ بل أن هنالك ستراتيجيات وخطط سياسية تتصارع حولها الدول والأمم وتتقاتل وتتدافع بالمناكب من أجل تحقيقها!! والدولة الإسلامية الإيرانية ذاتها سبق وأن لعبت لعبة الهيمنة في العراق وحاولت تحقيق مخططاتها في العراق تحت مختلف الذرائع والسبل والدعايات وهي مرحلة عايشناها بكل دقائقها وتفاصيلها وتحولاتها الميلودرامية والساخنة.
عودة سريعة للماضي....
السيد علي خامنئي وهو حاليا الإمام والمرشد والولي الفقيه، سبق له خلال مرحلة الحرب العراقية/ الإيرانية (1980 / 1988) أن شغل منصب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقائد العام لقواتها المشتركة المسلحة وكان النظام الإيراني وقتها بعد إنهيار المشروع العسكري العراقي (قادسية صدام) والإنسحاب والتراجع نحو الحدود الدولية في مايو / أيار 1982 بعد سقوط المحمرة وإستسلام أكثر من عشرين ألف جندي عراقي فيها، قد رسم وأعلن توجيها و ستراتيجية عسكرية وسياسية واضحة المعالم والأهداف تتمثل في:
إسقاط النظام العراقي بالقوة العسكرية ورفض التفاوض و وقف إطلاق النار قبل سقوط النظام وتقديمه لمحكمة دولية!! ومن أجل تحقيق هذا الهدف (المقدس) والمصيري تم رفع شعار: (طريق القدس تمر من كربلاء)!! وهو شعار واضح المعاني والأهداف والدلالات!!، أي أن الوصول لكربلاء والتي حددت كهدف وتوجيه ستراتيجي للحرب في العمق العراقي بعد نهاية مرحلة الحرب الإيرانية الدفاعية في العمق الإيراني كان يقتضي إحتلال العراق من أجل تحقيقه؟ وفعلا جرب الإيرانيون حظهم وكانت البداية الملتهبة في رمضان وتحديدا ليلة 13/14 تموز (يوليو) 1982 في عمليات ما سمي وقتها شرق البصرة الأولى وتحت شعار: { يا مهدي أدركني }!! ولم يدركهم (المهدي) بل فشل ذلك الهجوم الساحق فشلا ذريعا أثر على مسيرة الحرب القادمة والتي إستمرت بعد تلك المعركة لأكثر من ستة أعوام كانت حافلة بالخسائر الجسيمة والغير مبررة لشعبي البلدين المسلمين الجارين ولم يتخل الإيرانيون عن شعار (تحرير كربلاء)!! بل شنوا سلسلة أخرى من العمليات العسكرية أسموها: (عمليات كربلاء)!! وأسسوا لها مركزا عسكريا متقدما أتبعه سلسلة من العمليات العسكرية تحت عنوان كربلاء؟ بل أنهم رفعوا ورددوا شعارا بالفارسية يقول: { براي فتح كربلا.. مهدي بيا)!!! أي ما ترجمته: { من أجل فتح كربلاء.. تعال يا مهدي }!!! ولم يدركهم المهدي أيضا هذه المرة!؟ وكان الشحن الديني والطائفي على أشده ورغم كون غالبية الجيش العراقي السابق من الشيعة العراقيين إلا أن ذلك لم يفد النظام الإيراني في شيء بالمرة وإنتهت الحرب بالطريقة المعروفة في صيف 1988 بعد تجرع الخميني الراحل لكأس السم الشهير كما قال؟ وتوارت أحلام تحرير كربلاء أو إحتلالها خلف التطورات التي حدثت وتوجت برحيل مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني ودخول العلاقة مع العراق مرحلة السلام البارد الصقيعي قبل أن تتكفل حماقات صدام ومخازيه وجرائمه في إحتلال دولة الكويت في صيف 1990 بتغيير الصورة النمطية للصراع الإقليمي وبعودة قوية للدور السياسي والعسكري الإيراني وذلك موضوع آخر، ولكنني هنا أقول ماذا ستكون إتجاهات الأحداث لو أن الإيرانيين نجحوا في إحتلال العراق وأسقطوا صدام وفرضوا بديلهم الإسلامي الجاهز؟ وأقاموا دولة الولي الفقيه في العراق؟ هل كانوا سينسحبون من العراق طوعيا؟ أم أنهم سيبقون للحفاظ على مشروعهم طالما كان بقائهم ضروريا؟ فالمقاومة ضدهم ستنمو ليس من بين فئات أخرى من العراقيين بل من شيعة العراق ذاتهم الذين هم في النهاية أهل العراق وأصحابه وليسوا طارئين عليه؟ والسيد علي خامنئي يعلم علم اليقين من أن أي إنسحاب أمريكي مستعجل وغير مخطط وبدون تحقيق الحد الأدنى من آليات الضمان للسلم الإجتماعي والتوافقي بين المكونات العراقية سيؤدي لكارثة كبرى ستعجل بإنفراط العراق بأسره وإختفائه من دائرته الإقليمية وهو خيار مرعب لن تستطيع إيران ذاتها مواجهة إستحقاقاته؟ فالدولة الإيرانية الحالية تحمل بين جنباتها بذور تفككها؟ فالعرب والكرد والآذريين والبلوش في إيران ذاتها لهم مطالبهم وحقوقهم القومية والطائفية والثقافية و أي تفتيت للعراق سينعكس على التركيبة الإجتماعية والقومية والطائفية الهشة للعديد من دول الإقليم؟ لذلك فبدلا من الصراخ حول الإنسحاب الأمريكي على الجميع مساندة المشروع الديمقراطي في العراق والتخلي عن الأحلام المريضة والمتخلفة بتصدير الثورة؟؟ فالثورة ليست حذاءا لتصدر؟ بل أنها قيم ومسلمات وسلوك؟ و قد جرب الإيرانيون حظهم طويلا في خطة تصدير ثورتهم ولم ينجحوا وسوف لن ينجحوا؟ كما صدروا رجالهم وعمائمهم وتنظيماتهم ومؤسساتهم فلم يستطيعوا تحقيق أي شيء؟ وإذا ما أراد الخامنئي فعلا مصلحة الشعب العراقي وشعوب المنطقة فعليه التحلي بسياسة واضحة أساسها الحكمة وليس تصدير التخريب، فالشعارات الحماسية لا تبني الأوطان بل تخرب النفوس والكيانات؟ وأعتقد أن الولي الفقيه المرشد ليس بحاجة لمن يرشده...؟ أليس كذلك؟