كتَّاب إيلاف

لمن هذه الأساطيل كلها في بحر بيروت ولماذا؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الأمور بخواتيمها

لمن هذه الأساطيل كلها في بحر بيروت ولماذا؟
بعد أن كانت القوات الأوروبية هي عماد قوَّة اليونيفل الجديدة التي سميَّناها "قوَّات حفظ الحصار"، يبدو وكأن معظم دول العالم ترغب أن يكون لها موطئ سفينة في البحر المتوسط، أو موطئ قدم في لبنان. وإذا كان هدف القوات الأوروبية هو نزع سلاح المقاومة تحت شعار "بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية"، فإن هدف دول مثل روسيا والصين هو حفظ مركزها في الشرق الأوسط الجديد بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق.
انسحاب القوات الأميركية من العراق! نعم. في رأينا أنها مسألة وقت تحت العد العكسي. فهذه القوات عالقة ولم تعد تستطيع البقاء ولا الرحيل. التاريخ يعلمنا أن في وضع كهذا، الخيار الوحيد هو الرحيل. شاهدنا من التاريخ المعاصر انسحاب الأميركيين من فيتنام، والروس من أفغانستان وإسرائيل من لبنان (سنة 2000). لنبق هذا الاحتمال خلفيَّة لنا فيما نحن نتأمل أوضاع المنطقة.
إسرائيل: ستحاول إسرائيل تسويق نفسها على أنَّها ضرورة إقليمية كبيرة تملأ الفراغ الذي يخلفه خروج القوات الأمريكية من العراق. ولكنها تواجه ثلاث عقبات كبار. أوَّلاً، في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الجو الإيجابي الذي حاول دايفد والش أن يشيعه أثناء شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، فإن نفرًا في وزارة الدفاع الأميركية، ما يزال يعنف إسرائيل على إنجازاتها "الهزيلة" في الحرب، كما نقل الكاتب شمويل روزنر في صحيفة هآرتز. المشكلة الثانية هي الانعكاسات الداخلية للحرب التي أدت حتَّى الآن إلى استقالة قائد المنطقة الشمالية "عودي آدم"، وإلى دعوة رئيس الأركان السابق يعالون رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان الحالي إلى الاستقالة. المشكلة الثالثة هي الرأي العام العالمي الذي رفع الصوت عاليًا في انتقاد إسرائيل، والعديد من الجهات الدولية التي تحضِّر لعدد من الدعاوى القضائية ضد ممارسات إسرائيل في لبنان، وضد بعض الضباط بصورة شخصيَّة.
لبنان: تأمل الولايات المتحدة أن تعوِّض خسائرها الكبيرة في العراق، نصرًا في لبنان "ديمقراطي"، أكثرية برلمانية تحكم وأقلية برلمانية تعارض، و"مسالم"، أي منزوع السلاح. ولكن الواقع يبدِّد الآمال. فالحكومة اللبنانية المدعومة أميركيًّا هي الأخرى عالقة. إنَّها حكومة أكثرية نيابية لأقلية شعبية. فلا هي قادرة على قيادة البلد، وممنوع عليها تشكيل حكومة وحدة وطنية. راهنت الحكومة، كما فعل الأميركيون، على أنَّ إسرائيل ستسحق المقاومة خلال أيام، فخسرت الرهان. وعوضًا عن إعادة النظر في حساباتها وتحالفاتها، فإنَّها تجمح أكثر في الاتجاه الأميركي وبتشجيع من بعض الدول العربية ودعمها. لقد فصَّلنا سبب ذلك في أكثر من مقال ونعيد إيجازه هنا:
"إنَّ انتصار المقاومة يعرِّي الأنظمة العربية ويكشف عجزها، ويعطي أملاً جديدًا للفلسطينيين، ويدفع المواطن العربي إلى التساؤل عن أمور كان يأخذها على أنها من مشيئة الله لا يمكن تغييرها، مثل أزليَّة الحكام العرب وحتمية الهزيمة أمام إسرائيل. هذه التعرية هي ما يجب أن تخشى المقاومة منه، ومن انعكاسه عليها، لا سيَّما إذا تلاقت الإدارة الأميركية - الإسرائيلية والأنظمة العربية والانتهازية اللبنانية على رؤية موحَّدة لخطر المقاومة على كلٍّ منها." (من مقال "حرب إسرائيل الأخيرة.)
المقاومة الآن هي في قلب هذا التلاقي والانعكاس. تحت جميع عبارات المجاملة هناك نيَّة واضحة صريحة لا لبس فيها تقول بضرب المقاومة كي تكون عبرة لكلِّ من يتجرَّأ على كشف عورة الواقع العربي وتغييره.
إذا أصرَّت الحكومة على تحويل هزيمة إسرائيل العسكرية إلى نصر سياسي، ونصر المقاومة إلى هزيمة سياسية وعسكرية عبر نزع سلاحها، فإن تبعات ذلك على لبنان ستكون قاصمة. أوَّلاً، لبنان بدون المقاومة سوف يستباح كما لم يُستبح من قبل. ثانيًا، لم يسبق في تاريخ الحروب، لحدِّ علمنا، أن جُرِّد فريق منتصر عسكريًّا من سلاحه، بل العكس. المنتصر هو من يفرض شروطه. بالتالي فإنَّ المقاومة والقوى الحليفة لها، ستكون أمام واحد من اثنين: الإذعان وتسليم السلاح، وما يتبع ذلك من محاكمة قيادتها كمجرمي حرب، كما تأمل إسرائيل وأمريكا، أو مقاومة المحور الأميركي -الإسرائيلي عبر إسقاط أدواته الداخلية. إن التصعيد المتبادل بين قوى الحكومة وقوى المقاومة وحلفائها، في حال استمر، وبما يرافقه انتهاكات إسرائيلية يومية للبنان، لا بد أن يوصل إلى مواجهة يحسم فيها الأمر لصالح جهة من الاثنين. رب قائل: "ولكن إسرائيل هي التي تنتهك الاتفاق. طبعًا. ولكن القوى الدولية غير معنية بذلك. إن "بسط سلطة الدولة اللبنانية" لا يعني بالضرورة منع إسرائيل من انتهاكها للأراضي اللبنانية. إن لهذه القوات وللحكومة اللبنانية مهمة واحدة: نزع سلاح المقاومة، نقطة.
سورية: تقف الولايات المتحدة حيال سورية محتارة بين ود مفقود وغزل مردود. إنها مترددة بين ضربة عسكرية تخشى من نتائجها، وغزل سياسي يعني اعترافًا بفشل سياستها. إنها تحاول فك التحالف السوري مع إيران، فتدفع إسرائيل للتلويح بإمكانية "إحياء المفاوضات." الثمن السوري واضح لأية مفاوضات مع الأميركيين. الجولان كلُّه.
فلسطين: بين مرتاح ومرتاب. مرتاحون إلى فك العزلة عن حكومة حماس ومرتابون أن يكون ذلك محاولة إسرائيلية لالتقاط الأنفاس فرضتها الهزيمة في لبنان. مرتاحون إلى حكومة الوحدة الوطنية العتيدة ومرتابون من الثمن - المزيد من التنازلات - الذي يفرضه بعض العرب والغرب لقاء فك التجويع عن فلسطين. مرتاحون إلى الدعوة لإناطة المفاوضات مع العدو بمنظمة التحرير الفلسطينية، ومرتابون من إمكانية تحقيق ذلك، ومن تاريخ تلك المنظمة لا سيما في أيامها الأخيرة قبل نقل صلاحيتها إلى السلطة الفلسطينية.
في العراق، الرابح لتاريخه هما إيران وإسرائيل. إيران، خصم الأميركيين اللدود الذي قطف ثمار الغزو الأميركي زيادة في النفوذ الإقليمي وصل إلى لبنان. أما إسرائيل فتكسب من تقدُّم العراق خطوات حثيثة على طريق التقسيم تحت اسم الفدرالية. الانسحاب الأميركي سوف يفتح العراق أمام مجهول كبير ليس أقله انفصال كردستان وما يحمل ذلك من أخطار.
نعود إلى الأساطيل الدوليَّة. إن وجودها لم يعد منوطًا بسلاح المقاومة اللبنانية بل بالفراغ الذي تراه دولها حاصلاً بعد انسحاب أميركي من جهة، وبالشرق الأوسط الجديد الذي نراه يتشكَّل بالحديد والنار أمام أعيننا بدءًا من مشرقنا العربي: تقسيم في العراق، وهزيمة عسكريَّة لإسرائيل في لبنان، ودمار لا سابق له فيه، وفلسطين المجوَّعة حتى الركوع، وإيران نوويَّة، وعروش عربيَّة تهتز تحت مؤخَّرات القابعين عليها منذ ما يبدو دهورًا.
إنَّنا أمام شرق أوسط جديد، ليس تمامًا كما تخيَّلته "كوندي"، بل لعلَّه أسوأ بكثير، ولعلَّه أفضل! من يدري! فالأمور وجهة نظر، والأمور بخواتيمها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف