نصرُ الله والعَصابُ المُزمن للفاشية الأصولية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كيلا يتساهلَ أحدٌ بإحالة عنوان مقالي هذا، إلى شبهة الإقتباس من خطاب الرئيس بوش، حول ما أسماه بـ " الفاشيين الإسلاميين "؛ أجدني أسارع من فوري بإحالة القاريء الكريم إلى ما سبق من كتاباتي في هذا المنبر، الحرّ، وفيها ما فيها من تشديدٍ على ربط مثال السيّد حسن نصر الله، تحديداً، بأنماط تفكير الفاشية الجديدة، وسلوكياتها، المُستلهمة في كل شيء سنن أسلافها غير الصالحين؛ من أمثال هتلر وموسوليني وفرانكو.. وغيرهم. هؤلاء الأخيرون، إن كان لا بدّ من الذكرى، قد نقل كلّ منهم شعبه كارثة ً إثر كارثة، نحو الهزيمة الكاملة مادياً وروحياً. إلا أنه على حدّ مقولة همنغواي، الكاتب الأمريكي : " من الممكن هزيمة الإنسان، ولكن من المستحيل قهره ". فلا غروَ إذاً، أن تتناهض تلك الشعوب، التي كانت مبتلاة بالفاشية، من كبوتها مباشرة ً بعيْدَ الحرب العالمية الثانية، فتبلسم جراحها وتستعيد عافيتها وحيويتها. وها هيَ اليوم، كما في الأمس، شعوبٌ حضارية متبرأة من كل ما يمتّ لأولئك الطغاة بصلة، ومصرّة دوماً على تكريم ضحاياهم وتخليد ذكراهم؛ والأهم، العمل المثابر على ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية، للحيلولة بين مجتمعاتها والأفكار العنصرية المعتنقة من لدن المجموعات المتطرفة، القليلة العدد والتأثير.
هكذا هي صفات الأمم المتحضرة، الساعية إلى رفاهية أبنائها وإعلاء شأنهم إقتصادياً وثقافياً، قبل كل شيء. وحتى أبناء الغير، أيضاً، أتيحَ لهم الرعاية نفسها، سواءً بسواء من أي سبيل قدموا أو مشربٍ أو مذهبٍ أو لون كانوا. ما من ريبٍِ، أنّ أولئك القادمين من الدول الإسلامية إلى ذلك الغرب، الأوروبيّ والأمريكيّ الشماليّ، كانوا الأكثر إفادة من الغرباء الآخرين؛ لما نعلمه عن بلادنا عموماً من ضيق حال وعسفٍ وجهل وتخلفٍ. كان على هذا الغرب، أيضاً، أن يتحملنا بصبر أيوب حتى عندما صرنا عبئاً عليه بمشاكلنا وحروبنا وأوبئتنا وطغاتنا ومحررينا. من جهتنا، فكلّ ما يصيبنا من تبعات أخلاقنا وعاداتنا وأهوائنا وأنماط تفكيرنا، نحيله للفور إلى " مؤامرات " ذلك الغرب نفسه. ثمّ إرتقى خطابنا درجة ً فدرجة، في إنحطاطه المريع، لكي نتهم الآن المجتمع الدولي بكونه عنصراً فاعلاً في التآمر، الموسوم؛ ولكي نشتمَ، من ثمّ، الأشقاءُ العرب وأهلنا في داخل الوطن الواحد : هكذا يتأرجح الخطابُ البهلوانُ، الأخير، لمحررنا السيّد حسن نصر الله، بمناسبة إحتفاله بالنصر المؤزر على العدو الصهيوني. الخطابُ المزمنُ في عصابيته ـ كصاحبه المنصور بالله ـ وهوَ يهذي بإالإتهامات يميناً وشمالاً كـ " هدايا " للعيد المقترح. فبعد كل تلك الحملة التضامنية، الشاملة معمورتنا، تأييداً لموطن الأرز المواجه آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة؛ بدءاً بالحكومة اللبنانية ومروراً بالدول العربية وإنتهاءً بالدول الأجنبية، إذا بسيّد المقاومة هذا، يقول بلهجة ناكر الجميل، اللئيمة، مخاطباً جماهيره : " في ظل تخلّ عالمي وعربي عنكم، وفي ظل إنقسام سياسيّ من حولكم ". سأوفرُ هنا على القاريء الكريم إشاراتَ التعجب، اللازمة.
لن نجادلَ سماحة سيّد المقاومة هذا، في صواب أو بطلان إدعاء النصر. ما يهمنا في هذا المقام، المنذور لخطابه المنتصر، هوَ مقاربة بعض الأفكار الواردة فيه والمفصحة، ككل خطاباته السابقة، عن ذلك النمط، الموصوف آنفاً، للفاشيّ الأصوليّ قائداً كانَ أم داعية ً أم مريداً. سلوكُ هذا النمط من المخلوقات، خصوصاً إذا كان من مراتب الزعماء، مردودٌ دائماً لخطابه؛ توقيتاً وأداءً وطريقة ومفرداتٍ.. الخ. ها نحنذا في إحدى ساحات " الضاحية الجنوبية "، المنكوبة إثر ما يزيد على الشهر من القصف المتواصل براً وبحراً وجواً. مئات ألوف من البشر، تتقاطر إلى تلك الساحة كيما يُثبتَ لها " المحررُ " أنه لا يختبيء في أحد الجحور، كما كان يردده مسؤولو إسرائيل بشكل دائب. فحضور الزعيم، شخصياً، في نظر أتباعه، هوَ دلالة بينة على ترسخ حضوره في وجدانهم ودواخلهم، رهبة أم قناعة على السواء. هذا الجمهور التابع، الذي يخاطبه حسن نصر الله بقوله : " يا أشرف الناس وأطهرهم ". فهوَ جمهورٌ " مختارٌ "، كونه تبعَ أهل البيت، أولاً، ومن أهل المقاومة، تالياً. هكذا جمهور، ما كان له إلا أن يُقاد من زعيم يقود " حزباً إلهياً " ويحظى في كل مرة بما أسماه في خطابه الأخير بـ " نصر إلهيّ ". زعيمٌ منصورٌ، يزعم بعض الأدعياء أنّ إسمه مكنى في الكتاب الكريم : " إذا جاء نصر الله والفتح ". كما لو أنّ هذا الإسم، الإعتباطيّ، سيظفر بتلك الكناية الكريمة، وهوَ المُعَرّفُ أيضاً لعائلات لبنانية، نصرانية ؟؟
مفردات الفاشيين، متشابهة أيضاً. إنها تعوّل أبداً على التعريفات والدلالات، الكامنة خلف معانيها والمفصحة عن عقيدة أصحابها. ففي خطاب السيّد نصر الله هذا، يتعثر المرءُ بكلمات، من قبيل : " إيمان؛ يقين؛ تضحية؛ عقل؛ تدريب؛ تسليح؛ مقاومة تقية ومدربة ومجهزة وضد الفوضى؛ دولة قادرة وقوية ونظيفة؛ حكومة جدية .. الخ " كلماتٌ مشحونة، كيما تشحن بدورها جمهوراً منقاداً بسحر وقعها وكذا بسحر حضور الزعيم. كلماتٌ لامعة، يكاد لا يجيدُ غيرها الزعيمُ الظلاميّ، حال أنداده جميعاً من الطغاة؛ من هتلر الجرماني إلى نجاد الإيراني. مفردات العنصرية والإبادة، الموزعة بين أولئك الطغاة، نعثر عليها بكل دوغمائيتها لدى سيّد المقاومة، في خطابه المنصور : " بقرار صغير، وبكل صدق، العرب يستطيعون إسترداد فلسطين ". إذا كان هذا هو هدف " المقاومة الإسلامية "، في جناحها اللبناني الذي يقوده حزب الله، فلم إذاً كل تلك المنافقة المتواصلة منذ 12 تموز، حول الأسرى اللبنانيين في سجون العدو الصهيوني، التي جاءت عملية الحزب في الجنوب لتحريرهم ؟؟ ولمَ يتشدق نصر الله في خطابه بكون مقاومته : " نتيجة بسبب الإحتلال وإعتقال الأسرى وسلب المياه والإعتداء على السيادة اللبنانية " ؟؟ وهوَ في تحيته للنظام البعثي الأسدي / وإهانته بذلك لشعبه اللبناني وشعبنا السوري، لمَ لا يطالبه العملَ على تحرير الجولان، عبْرَ الجيش أو المخابرات أو أبي القعقاع المقاوم (!)، ليقصرَ الطريق إلى فلسطين ؟؟ يقيناً، أنّ خطاب حسن نصر وضعَ النقاط على الحروف. ومن حسناته، القليلة على أي حال، أنه كشف أهدافَ تلك الحرب ومن يقف وراءها والمستفيد منها، إقليمياً. ومن آفات ذلك الخطاب، تهديده لمكونات المجتمع اللبنانيّ بالحرب الأهلية، الموعودة، تناغماً مع الكلمة الشهيرة، المفضوحة، لـ " معلم " خارجية النظام البعثي. إنّ تشدق نصر الله، بالقول : " المقاومة حمت لبنان من الحرب الأهلية "، ما كان سوى إنذاراً للحكومة اللبنانية، المتمتعة بالأغلبية النيابية، في سعيه الصريح الفصيح للإنقلاب العسكريّ عليها، بمعونة تلك القوى الإقليمية وأدواتها الداخلية : " الدولة العادلة تبدأ من حكومة جدية، هذا مشروعنا الجدي الذي سنعمل له بكل قوة في المرحلة المقبلة ".