كتَّاب إيلاف

فتاوى التطرف تغتال الدراما الرمضانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بدأت فتاوى التكفير وسيوف التطرف تطالب برقبة المسلسلات الرمضانية التى تحظى كالعادة بأعلى نسبة مشاهدة وتتمتع بجماهيرية كاسحة، فالفن والإبداع وخاصة الدراما وبشكل أشد خصوصية الدراما الرمضانية، صارت هى لوحة التنشين السهلة لسهام التكفيريين الذين يريدون إخصاء الدراما التليفزيونية وسحبها إلى حظيرة الأغوات، وتحويلها إلى نصائح مدرسية مثل التى كانت تكتب على ظهر الكراريس من طائفة إغسل يديك قبل الأكل وبعده، وتعقيمها حتى تصبح صالحة للمعدة الوهابية، وقصقصة ريشها وأجنحتها حتى تصبح فرخاً أليفاً لايهش ولاينش ولايعرف إلا أن يكون دجاجة تدمن إلتقاط الحب وتسوله من صاحب المزرعة.
[أصبح رمضان هو شهر المشاكل الدرامية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر التى تعرف فى أدبيات التطرف وتنظيم القاعدة بغزوة مانهاتن، فقد تم منع مسلسل "الطريق إلى كابول " وملاحقته ومطاردته ثم إغتياله فى ظروف غامضة مما يذكرنا بنفس الطرق الغامضة لإغتيال زعماء الأفغان لبعضهم البعض، ثم رفعت السيوف والخناجر على مسلسل " الحور العين " الذى برغم سقطاته الدرامية كان موضوعاً جريئاً عن إنفجار مجمع المحيا السعودى، وكيفية ولادة جنين الإرهاب فى عقول الشباب المتطرف، وبالطبع رفض شهر رمضان وأبى أن يمر هذا العام بدون إثارة زوابع درامية وعواصف فكرية مع قبائل التخلف فى العالم العربى، ولوبى الطالبانيين العرب ممن يتخيلون أنهم فى فسطاط الإيمان وماعداهم فى فسطاط الكفر.

مسلسل "خالد بن الوليد " يفجر قضية تجسيد الصحابة، والبرلمان الكويتى يطالب بمنعه.

المقصلة التكفيرية الأولى نصبت فى الكويت وإنتشرت شرارتها فى باقى دول الخليج، حين حذر نائب مجلس الأمة الكويتي عبدالله عكاش من عرض المسلسل التليفزيوني الجديد "خالد بن الوليد" على شاشة تلفزيون الكويت في رمضان، وسبب التحذير كما قال عكاش يرجع إلى أن "المسلسل يجسد حياة الصحابة والنيل من تاريخهم سواء بالانتقاص أو التطرق لحياتهم وهو يعد من وجهة نظره أمراً غير مقبول لأن الأنبياء والصحابة لهم حرمتهم "، إنتهى كلام النائب الكويتى والذى فجر من جديد قضية تجسيد الصحابة فى الدراما، وبالطبع تأتى القضية المتفرعة من القضية الأولى وهى تجسيدهم الدرامى الصادق بمعنى إيجابيات الشخصية وسلبياتها، وبالطبع تعبر القضية الثانية قضية هامشية حالياً لأن التجسيد الدرامى أصلاً مرفوض فمابالك بتجسيد العيوب.
[ قضية تجسيد الأنبياء والصحابة هى قضية قديمة، يستعر لهيبها كل حين ولكنه أبداً لايتحول إلى رماد، كانت البداية صادمة مع الفنان يوسف وهبى حين قرر فى لحظة طيش فنية أن يقدم شخصية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فى فيلم وأعتقد أنه كان إنتاجاً أجنبياً، ولكنه سرعان ماتراجع وبالطبع تم وأد الفكرة وماتت فى المهد، ولكن المدهش أن الهجوم على يوسف وهبى لم يكن حاداً ومرعباً ومهدداً بالقتل مثل هذه الأيام بالرغم من جرأة الفكرة بل وحماقتها الصادمة بالنسبة للذهن العربى، والمدهش أن قصة خالد بن الوليد نفسها تم تقديمها من قبل فى فيلم إنتاج ضخم من بطولة الفنان حسين صدقى والذى يقال أنه أحرقه هو وأفلامه الأخرى بعد أن تحول من فنان إلى درويش !، والأكثر إدهاشاً أن الفيلم قد تم إستقباله بكل حفاوة من النقاد والجمهور بدون أدنى إحساس بالذنب أو إتهام بالكفر، وقد شاهدته شخصياً وأنا طفل فى التليفزيون المصرى قبل أن يختفى فى ظروف غامضة ومريبة.
[ إمتد الحظر من الأنبياء إلى ظلال الأنبياء ومتعلقاتهم الشخصية، وكان فيلم الرسالة لمصطفى العقاد شهيد الإرهاب ضحية هذا الحظر الجديد والمفهوم المتطور للرقابة الدينية على الأفلام، فتم منع الفيلم بسبب الظل تارة والعصا التى ظهرت فى نفس الكادر مع الجمل تارة أخرى، وخرج الحظر من مساحة الأنبياء والصحابة إلى مساحة أخرى وملعب أكثر إتساعاً وهو الأبناء والأحفاد، وكانت أشهر الضحايا مسرحية "الحسين ثائراً " لعبد الرحمن الشرقاوى وإخراج كرم مطاوع وبطولة الفنان العبقرى عبد الله غيث الذى مات وأغلى أمنياته هو تجسيد دور الحسين، قمع الأزهر تلك التجربة المسرحية العبقرية، فإضطر كرم مطاوع أن يعرض بروفات جنرال متعددة للمسرحية لكى يشاهدها الجمهور فى حركة إلتفاف ومناورة ضد تعنت الكهنوت، وظلت لعبة توم وجيرى بين الرقابة الدينية وبين الدراما بالنسبة لمسألة تجسيد الصحابة تلقى بظلالها مع كل عمل جديد، وصار المبدع يقدم شخصية ملائكية سماوية بلا أخطاء خالية من نبض الدراما باردة كالثلج لكى يرضى كهنوت الرقابة الدينية ويمر من ثقب إبرته الضيق، وكانت إحدى هذه النتائج الباردة مسلسل "عمرو بن العاص" الذى شاهدنا فيه عمرو آخر ينتمى إلى خيال الدراويش أكثر مما ينتمى إلى كتب التاريخ، مما إستفز كاتباً كبيراً مثل أسامة أنور عكاشة بأن يصرخ هذا ليس عمرو بن العاص الحقيقى مما عرض رقبته لمقصلة التكفير وإقامة حد الردة بقيادة أحد دعاة الفضائيات الجدد.


"دعاة على أبواب جهنم "..مسلسل كتبه متطرف تائب، وبطله حاولوا إغتياله فى لندن

مقصلة التكفير الرمضانية الثانية طالت رقبة مسلسل آخر هو مسلسل "دعاة على أبواب جهنم " والذى كان يحمل إسماً سابقاً هو "سرايا الظلام "، وهذا المسلسل يتعرض لحملة شعواء فى الصحف الخليجية ومواقع النت المتطرفة، وكلها تطالب بمنع عرضه، وسر هذا الهجوم الكاسح ليس موضوع المسلسل فقط، ولكن الأهم أن كاتب المسلسل عبد الله بن بجاد العتيبى وهو متطرف سابق أو تائب خرج من عباءة فكر غلاة الوهابيين الذين يهاجمونه الآن، أى أنه عالم بدقائق الأمور فى هذه التنظيمات السرية المتطرفة، ومن هنا كانت الخطورة والعدوانية والشراسة فى الهجوم على المسلسل، والتى وصلت لحد الإعتداء الجسدى من المتشددين على أحد أبطال المسلسل وهو الفنان غسان مسعود أثناء تصوير أحد مشاهد المسلسل فى المركز الإسلامى بلندن، ومن باب الصدف الغريبة أن هذا الفنان يمثل دور داعية معتدل يتعرض لإعتداء من المتطرفين، والمسلسل إنتاج تليفزيون أبو ظبى ويقوم ببطولته الفنان الكبير سلوم حداد والذى أدى دور المتنبى من قبل، ويشاركه ممثلون من كافة الجنسيات العربية مثلما حدث فى مسلسل "الحور العين" فى العام الماضى، ويشارك الممثل المصرى أحمد ماهر فى هذا المسلسل بدور رئيسى، وسيناريو وحوار المسلسل لعادل الجابرى وياسر قبيلات والإخراج لإياد الخزوز، يقول منتجو المسلسل عن موضوعه أنه "يتناول حكاية مجموعة من الشباب العربى فى مرحلة مابعد الجهاد الأفغانى ويستعرض مصائرهم فى نسيج إنسانى يبرز التناقض مابين الدين الإسلامى السمح ودعاوى المجموعات التكفيرية، ويضع مشاهديه على مدار ثلاثين حلقة وجهاً لوجه مع سلوك وعقلية التطرف التكفيرى وتنظيماته العنيفة، والتى لجأت إلى تكفير الدولة والنظام بل والمجتمعات نفسها ".

منذ مسلسل "العائلة" وتوقيع شيخ الأزهر عليه، تضخمت سطوة الأزهر الرقابية على الدراما

يستمد مسلسل "دعاة على أبواب جهنم" إسمه من حديث شريف فى صحيح البخارى يقول " قوم من جلدتنا، ويتكلمون بلغتنا، وهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها "، وليست المسلسلات الخليجية التى تناقش التطرف هى التى تعرضت للهجوم فقط، ولكن البداية كانت قبل أحداث سبتمبر بكثير حين عرض مسلسل العائلة للكاتب الكبير وحيد حامد وفي أحد مشاهده أنكر بطل المسلسل محمود مرسى قضية عذاب القبر، وقامت الدنيا ولم تقعد وكانت بداية الشرارة رسالة لعبد الوهاب مطاوع فى بريد الأهرام، والغريب أن كاتب الرسالة ممثل أغلب أعماله هى مسلسلات دينية وهو الممثل مدحت مرسى، وتهدد المسلسل بالمنع، وكشر المتطرفون عن أنيابهم، وتزعم شيخ الأزهر جاد الحق الهجوم، وقرر ممدوح الليثى أن ينقذ الموقف بإقناع وحيد حامد بكتابة موقف مفتعل مفصل خصيصاً لإنقاذ مايمكن إنقاذه فى صورة حوار بين محمود مرسى وشيخ قام بدوره ممثل كبير هو حمدى غيث، إمتد الحوار لمدة دقائق وكان محوره رد الإعتبار لفكرة عذاب القبر، وكاد السيناريست وحيد حامد أن يصاب بذبحة صدرية من جراء هذا القمع، ونزلت صورة فى آخر صفحة من الأهرام تعبر بكل صدق عن مدى التردى الذى وصلنا إليه وعن مدى التسلط والجبروت الذى أصاب المؤسسة الدينية، وكانت الصورة المعبرة ذات الدلالة هى لممدوح الليثى يقف خاشعاً أمام شيخ الأزهر الجالس على مكتبه، أما ماذا يفعل شيخ الأزهر على مكتبه ؟، إنها المأساة والكارثة، كان الشيخ جاد الحق يوقع على السيناريو موافقاً على فحوى الحوار المقحم ومحتواه، ومنذ ذلك الوقت ذبح الأزهر القطة لعروس الدراما حتى لايعلو صوتها وتتجرأ وتقتحم المناطق المحرمة.

* الذوق الوهابى فرض سطوته ومسلسلات المحجبات أكبر دليل
*طبخ وتعقيم المسلسلات المصرية على الطريقة الوهابية!

ليس مصادفة أن يتزامن تدخل العمامة مع إقتحام الحجاب للشاشة الرمضانية هذا العام، فنجد أن الكثيرات ممن أعلن إعتزالهن وتوبتهن عن الفن يعدن وبقوة كبطلات للكثير من المسلسلات، من قدامى المحجبات المعتزلات سهير البابلى وسهير رمزى، ومن المحدثات حنان ترك وعبير صبرى، ومن البين بين صابرين، وتدفقت الملايين وفرضت الشروط ورفع شعار الدراما التليفزيونية النظيفة الخالية من كوليسترول المصافحة والخلوة غير الشرعية، وتفوق فضول الجماهير المتعطشة للنميمة حول المعتزلات على مقتضيات الدراما، وفرض الذوق الوهابى شروطه وأوامره وفرماناته، فالزبون على حق، وسوق الخليج هو الزبون، والفنانة المحجبة المعتزلة تكسر الملل وتثير الفضول حتى ولو كان تمثيلها صفر على عشرة بعد فقدان اللياقة الفنية.
[ الجو الدرامى الرمضانى ملبد بغيوم الوهابية والتزمت، والتربص بكل مسلسل يناقش فكر التطرف ويحاول تحليل أسبابه وفضح منظريه وأبطاله هو مخطط مرسوم تتحالف فيه قوى كثيرة منها البرلمانى والإعلامى والسياسى والإقتصادى، فمطاردة الكتب التى تخالف فكر التكفيريين يخفت صوتها تماماً إذا حضر المسلسل الرمضانى صاحب الحضور الكثيف والزخم الطاغى والإنتشار الرهيب، إن الكتاب أو المقال أو اللوحة أو الرواية أو القصيدة... الخارجون عن النص مهما بلغت درجة إنتشارهم فمن يتعاطاهم هم بالألآف وأحياناً بالمئات، أما الدراما فمن يتعاطونها بعشرات الملايين ولذلك لن يرحم المتطرفون مسلسلى "خالد بن الوليد" و"دعاة على أبواب جهنم "، وأتوقع حرباً لاهوادة فيها ضدهما خاصة المسلسل الأخير، فالمناخ معبأ وجاهز لبذر التطرف والتزمت والتشدد فى أرضنا الخصبة، التى تكره كل مايخرج عن التقليدى، ويعاكس التيار، ويخاصم السائد، ويدق جرس الإختلاف، ويحض على التمرد، نحن نفضل مسلسلات وسائد ريش النعام لا مسلسلات مراتب المسامير الهندية التى توخزنا وتوقظنا وتوجعنا وتدمينا، مسلسلات المكسرات والمخدرات لا مسلسلات المنبهات، وليكن شعارنا هذا العام المسلسل التليفزيونى لن يخدرنى بل سيحذرنى.
khmontasser2001@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف