سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأولى: "البداية"
هذا المقال هو بداية مسلسل من المقالات عن سعيد أبو المعاطى، ولم أفعل هذا للمشاركة فى حمى المسلسلات الرمضانية، ولكن التوقيت جاء مصادفة، ومين عارف يمكن ربنا يفتح علينا ويقتبس أحد كتاب السيناريو فكرة تلك المقالات ويصنع منها مسلسل لرمضان العام القادم!!
سعيد أبو المعاطى هو مواطن بسيط ولد وترعرع فى قرية صغيرة بالقرب من مدينة رشيد وليس بعيدا عن مصب نهر النيل فى البحر المتوسط، وهو ولد وحيد على خمس بنات، وقد مات والده وهو فى نهاية المرحلة الثانوية، وكان سعيد يعد من المتفوقين فى مدرسة رشيد الثانوية والتى كان يسافر لها يوميا أكثر من ساعة ذهابا وإيابا، حيث كانت المدرسة الثانوية الوحيدة فى المنطقة. وكان أمل حياة سعيد أن يذهب إلى جامعة الإسكنرية، ويدخل هذا المبنى الفخم والذى يبدو وكأنه أحد المعابد الرومانية القديمة لكى يصبح مهندسا (قد الدنيا)، ولكن وفاة والده المفاجئ بالسكتة القلبية جاءت فى أسوأ توقيت وأسكتت آماله بعد أن أسكتت قلب أبيه، وكان هو أكبر أخوته البنات والولد الوحيد، لذلك وجد نفسه وبدون أى إختيار من جانبه وقد أصبح (رجل البيت) بما ما عليه من مسئوليات وبما له من صلاحيات، وهو لم يعبأ كثيرا بالصلاحيات، فقد كان كل همه كيف يتصرف فى المسئوليات.
....
وبعد مرور فترة الحداد على والده، واجه الحياة بقسوتها، فما لديهم من مال يكفى لبضعة أيام، ووالده كان فلاحا بسيطا لا يملك من متاع الدنيا سوى البيت الطينى والذين يتكسدون فيه مع بضعة بهائم، وكان هناك غرفتان، غرفه لأمه وأبيه، وغرفة للبنات الخمس يفترشن الأرض والحصير، أما هو فلم يكن له أى مكان خاص به، فقد كان ينام فى (الجاعة) وهى بمثابة صالة توزيع بين غرفتى النوم وزريبة البهائم والتى كان لها باب من خارج البيت وباب آخر يفتح على (الجاعة)، وكان سعيد ينام على كنبة خشبية عليها مرتبة من قش القمح.
وعندما مات والده لم يكن يبقى على نهاية مرحلة دراسته الثانوية سوى بضعة أشهر، لذلك حاول أن يقوم بعمل والده فى الفلاحة والزراعة حيث كان يستيقظ ويصلى الفجر ويذهب إلى الغيط لمدة ساعة ويهرول بعدها حتى يلحق بالقطار المتجه إلى رشيد، وعندما يعود من المدرسة كان يتجه مباشرة للعمل فى الحقل حتى غروب الشمس، ثم يذهب لصلاة المغرب ويتناول طعام العشاء مع شقيقاته وأمه ويستذكر قليلا وينام محطما، وعرضت عليه والدته أن ينام فى حجرتها وتنام هى على الكنبة القش ولكنه رفض بشدة، وكان سعيد (سعيدا) بتضحياته من أجل أمه وأخوته رغم أنه كان يفتقد والده، ولم يدر مدى أهمية والده حتى فقده.
.....
وحصل سعيد على الثانوية العامة وإن كانت درجاته قد تأثرت كثيرا بسبب قيامه بأعمال والده، ولكن هذا لا يهم لأنه كان قد فقد أمل حياته فى دخول ذلك المعبد الرومانى بالأسكنرية ويصبح مهندسا، وبواسطة والد أحد أصدقائه فى مدرسة رشيد الثانوية، وكان يعمل ظابط بوليس برتبة محترمة فى مديرية الأمن، تمكن من مساعدته فى الحصول على وظيفة كاتب حسابات فى قصر الثقافة فى مدينة رشيد، وقد فكر كثيرا فى أن يستمر فى الإستمرار فى تأدية وظيفة والده كفلاح ولكنه وجد أنها مهنة لا تفتح بيتا إلا بالكاد، وهو يريد أن ينشأ أخوته أفضل تنشئة، ويمكن أن يبتسم له الحظ مرة أخرى ويتمكن من تحقيق حلمه بالإلتحاق فى المستقبل بجامعة الأسكندرية.
....
وقد أقبل على عمله بهمة ونشاط، وهو عمل فى الحقيقة لم يأخذ الكثير من وقته، وكان يقضى معظم وقته فى قراءة الجرائد اليومية وشرب الشاى والقهوة، وقيد بعض حسابات قصر الثقافة فى دفتر اليومية الحسابى.
...
وقصر الثقافة لم يكن قصرا بأى حال من الأحوال، ولكن بعد بحث بدأب إكتشف سعيد أن تسمية قصور الثقافة جاءت أثناء العهد الإشتراكى حيث إقتبست تلك التسمية مع غيرها من الشعارات من الدول الشيوعية فى روسيا والصين، وحيث كان يطلق أسم القصور على المراكز الثقافية وذلك لكى تعطى للناس أهمية ذلك المركز الثقافى، وكانت بعض قصور الثقافة فى مصر هى قصورا بالفعل وكانت قد تمت مصادرتها من أصحابها أثناء فترة الستينييات، وكانت الميزة الكبرى لوجود سعيد داخل قصر الثقافة هو وجود تلك المكتبة الكبيرة فى قصر الثقافة والتى كان يقضى وقتا كبيرا بين كتبها، وكان يهتم كثيرا بقراءة كتب السياسة والتاريخ، وكان سعيد ينعى حظه دائما بأنه لولا وفاة والده لكان الآن مهندسا محترما بعيدا عن هؤلاء الموظفين الكسالى والذين حتى لا يعرفون مضمون كلمة الثقافة وهم داخل قصر الثقافة الذى يأويهم، وكلهم (بما فيهم سعيد) قد تم تعينهم إما بالواسطةأوبالرشوة، وقصر الثقافة بإمكانه الإستغناء عن ثلاثة أرباع العاملين فيه (مثله مثل معظم الدوائر الحكومية) وسوف تسير دفة العمل أفضل كثيرا، ولكنها (تكية الحكومة).
.......
إهتم سعيد أبو المعاطى بالسياسة كثيرا وكان دائما يتكلم عن التغيير وعن أن الديموقراطية هى السبيل الوحيد للتغيير، لذلك أطلق عليه زملاؤه فى العمل :" سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى"، وقد سعد (سعيد) كثيرا بهذا اللقب كثيرا، وأشعره بالتمييز عن أقرانه ممن يعتبرهم فى عداد الأميين رغم معرفتهم القراءة والكتابة.