شكرا ايلاف لم اتصل بعباس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شهد نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات، انكفاء اغلب الكتاب السوريين الذين يحتفظون بمسافة استقلالية من النظام عن المطبوعات الرسمية - التي لم يكن هناك غيرها- من صحف وخلافه. وكاد يقتصر قراء المطبوعات السورية على الموظفين الحكوميين الذين يقطّعون وقت دوامهم في الدوائر الرسمية بحل الكلمات المتقاطعة أما تلك التي لا تحتوي على كلمات متقاطعة كمطبوعات اتحاد الكتاب العرب ووزرارة الثقافة فشهدت تدهورا مريعا في عدد قرائها، إذ اقتصروا على من يكتبون فيها ونيف من القراء الذين يحملون نفس حماسة الكتاب وشعورهم القومي حول فلسطين، فقد كانت تخلو هذه المطبوعات من كل ما يمس الشأن الداخلي الذي اقتصر على بعض مطولات المديح وافتتاحيات الوزراء حسب تابعية المطبوعة فقد كانت افتتاحية مجلة المعرفة السورية محجوزة لوزير(ة) الثقافة وافتتاحية مطبوعات اتحاد الكتاب محجوزة للدكتور المبدع علي عقلة عرسان قبل أن يخلفه الدكتور أيضاً حسين جمعة وافتتاحية مجلة السياحة ( فيما لو وجدت ) لوزير السياحة وافتتاحية مجلة البيئة (أيضاً فيما لو وجدت) لوزير الدولة لشؤون البيئة أما افتتاحيات الصحف والمجلات النقابية المتخصصة فكانت تحجز ( لقادة) الاتحادات والنقابات من الفلاحين الى العمال الى الطلائع الى منظمات شبيبة الثورة واحيانا كانت تعطى في بعض المناسبات افتتاحيات الصحف المناطقية للمحافظين أو أمناء الفروع الحزبية إذا كانت المناسبة ( تاريخية ) ويجب أن يقول رأيا تاريخياً في هذه المناسبة التاريخية أو تلك ( ولم يكتب قادة الفروع الامنية افتتاحيات لكن بعضهم كتب فيما بعد مقالات ) والمناسبات التاريخية تقتصر على أربع مناسبات: ثورة أذار (ميلاد فجر عربي أصيل) و7 نيسان ( يا رفاق ميلاد الحزب العملاق) والحركة التصحيحية المجيدة ( التي قادها وفجرها الرفيق المناضل حافظ الاسد) وحرب تشرين التحريرة ( التي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وأعادت للانسان العربي كرامته وأرضه!! ) وترافقها مناسبات عظيمة غير سنوية كتجديد البيعة... وكنت دائم الحزن ولا زلت على بعض الاتحادات التي ليس لديها مطبوعات تحجز افتتاحياتها لرئيسها في الوقت الذي أرى أنه كان يجب أن يكون لها صحيفة يومية يكتب افتتاحياتها قائد الاتحاد كفلحوط مثلا رئيس اتحاد الصحفيين الذي كان يكتفي من ( التاريخية ) بكلمات تنقل جزء منها الصحف وينقل نفس الجزء القصير تلفزيوننا الابي ورغم تغير فلحوط إلا أن ذاكرتي مع كل القادة التاريخيين عصية على التغيير.
بعد هذا الموجز( التاريخي )لحال المطبوعات السورية والتي فاجئني ذات يوم إحصاء لها !!أن عددها يبلغ رقما مخيفاً من وجهة نظري فقد ناف في ذلك الوقت على (193) مطبوعة قومية تعبر عن النهج القومي للقيادة التاريخية وعن مشاعر الشعب في التصاقه بقيادته التاريخية التي تقوده نحو العزة والكرامة و( تحرير الارض والانسان )
في هذا المعمعان الذي اشتد أواره منذ نهاية السبعينات واستفحل استفحالا قوميا كاملا مع نهاية التسعينات، انكفأ الكتاب السوريون المستقلون، و لم يكن لدينا في ذلك الحين معارضون فهم اما تحت الارض أو تحت الارض والاولى تعني السجن والثانية تعني القبر.
في هذه الاثناء وإبانها( أي نهاية الثمانينات وبداية التسعينات) بدأ اولئك الكتاب المستقلون أو الذين لا يجيدون المديح، الاتجاه الى الفسحة التي وفرتها الصحافة العربية فمنهم من اتجه خليجاً ومنهم من اتجه دولياً ( أي الصحافة العربية المهاجرة ) ومنهم من استقرب واتجه لبنانيا كوننا في ذلك الحين لازلنا نحن ولبنان (شعب واحد في دولتين) و( سوا ربينا ) ولم تمزقنا التقارير الدولية التي تلت اغتيال الحريري .. وقد كانت السفير صحيفة أثيرة لدى النخب المثقفة السورية لانها اولا ذات مزاج قومي عروبي وموالية لتلاحم المسارين ووحدتها إلا أن النشر فيها يوفر إحتراما للمادة الثقافية المنشورة فيها إضافة لبدل الاستكتاب الذي تدفعه، فتوجه نحوها المثقفون المستقلون وكذلك فيما بعد نحو جريدة المستقبل قبل اغتيال الحريري والخروج اللاحق لجيشنا العقائدي ( قواتنا العاملة في لبنان) من لبنان ( بعد أن ادى مهامه القومية على اكمل وجه ) بينما اتجه (فيما بعد أيضاً) الكتاب المعارضون الى النهار اللبنانية.
وقد كان ولا زال النشر في الصحافة العربية من سوريا يمر عبر علاقات ارتباطية صنعها بعض المثقفين مع هذه الصحف فلا يمر كاتب سوري الى الصحيفة مباشرة ولا يمكنه أن يتسلل دون أن يشفع مقاله أو نصه بتوصية خطية او شفهية أو يرسل المقال عن طريقهم، أي شخوص الارتباط وهم عادة مراسلو هذه الصحف او كتابها وقد كان اكثر المشرفين على الصفحات الثقافية شهرة، عباس( كما يحب ان ينادى وكما ينادي المثقفون السوريون الشاعر اللبناني عباس بيضون المشرف على القسم الثقافي في السفير) فكان الكاتب السوري يجلس في المقهى مخبراً بعض اصدقائه عن مقال له أو نص ... وغالبا يختتم هذا بأنه أرسله لعباس وسينشر في السفير وغالبا أيضاً تتأخر مواد المثقفين الذين يكتبون على فترات متباعدة فيسأل أحد المتخابثين من ذكر قبل أيام أنه ارسل مقاله لعباس : لك شو صار بمقالك ما نشروه الى الان ؟؟ فيرد الكاتب: والله غريبة عادة لا يأخرون لي مادة .. فينبري أحد أصدقاءه لم لا تتصل بعباس يارجل ربما لم تصل المادة ..
وغالبا يحدث هذا الاتصال إلا انهم لا يستطيعون أن يتصلوا بعباس (عـ الطالعة والنازلة) كي لا يمل منهم و(يبطل) ينشر لهم فيتحينون فرصة يكتب فيها عباس مقالا ما ليهاتفوه ويتحدثوا عن مقاله ويخبروه كم ضحكوا على بعض الفقرات وهذا يحتم أن يحفظوا بعضها ويذكرونها له وهم يضحكون حتى لو لم تكن ساخرة وتختتم المحادثة بالسؤال عن المادة وصلت أم لم تصل فقط دون أن يجرؤوا أن يسألو عباس فيما إذا كان سينشرها أم لا .. و ان لم يكتب عباس مقالاً فعلى المتصل أن يخبره أنه انتهى للتو منم قراءة ديوانه الشعري(...) وعليه ان يذكر انه دهش من بعض المقاطع ويسردها له وربما يبالغ المتصل ويقارن بين عباس وأيف بونفوا أو سنان جون بيرس.. مرجحا قوة الجملة لدى عباس ...
وقد كانوا يرسلون مقالاتهم مع الكتاب الذاهبين الى لبنان- الذي كان شقيقا- ليستلموا مكافآتهم الى ان جاء عصر الفاكس الذي دخل متأخرا الى بلادنا إلا أن استعماله اقتصر على ارسال بعض النصوص إذ كان كل فاكس لا بد أن يسجل لدى الدوائر الامنية وهذا ما يجعله وسيلة غير آمنة لارسال بعض المقالات وقد كانت المكالمات في ذلك الوقت مرتفعة وكذلك أجور الفاكس ولم تكن سيرياتيل قد جادت بخدماتها شبه المجانية تقريبا!!! وهو ما سهل الاتصال بعباس.
وحين يعود الكاتب السوري من لبنان بعد أن يكون قد قبض مكافآته الزهيدة على اية حال لابد أن يبدأ حديثه بالتذمر من اصوات زمامير السيارات وان بيروت ليس فيها هكذا، او لا بد أن يتحدث عن ارتفاع نسبة التلوث في دمشق أو حلب إذ نادرا ما يكون لا بناء المحافظات الاخرى صلات بعباس ويتحدثون عن جمال بيروت وعن التقاليد العريقة في مقاهيها وانفتاح النساء اللبنانيات المتخلصات من العقد التي لازالت ترزح تحتها المراة السورية ومهما كان الحديث وحتى لو كان عن الحرب الصومالية لا بد أن يذكر المتحدث أن عباس قال " كذا " ليؤكد أنه قابله وان علاقته به متينة مما يثير غيرة الاخرين وحسدهم واحيانا يشككون بكل هذا الكلام.
أما لوجاء احد الكتاب اللبنانيون ممن تشكل العلاقة معهم نافذة للنشر في الصحف اللبنانية فسيكون على المثقف السور ي الذي ينشر هناك أن يحتاط للامر جيدا فلا يترك من هب ودب يسلم عليه عندما يجلس في مقهى ما وغالبا يكون ذلك مناسبة لان يغادروا مقهى الروضة الى مكان اخر لا يذهب اليه هؤلاء الـ من هب ودب . وهكذا يكون السوريون الذين يكتبون في الصحف اللبنانية قد ضربوا حوله طوقا وحصارا شديدا وتعتيما على تحركاته وأن وقته مزحوم جدا وسيسافر بعد قليلا وانهم ذاهبون لتوديعه وهذا الكلام لاصدقائهم الدائمين أما البعيدون فلا يؤبه لهم ولا تقدم لهم التبريرات فالموقف اهم منهم .
أما لوجاء عباس نفسه فستعم حالة الطوارئ كل الحانات والمقاهي الممكنة كي يضمن مضيفه السوري عدم اختلاطه بالكتاب الاخرين وحينها ربما تتعمق علاقة عباس بهم ويتجاوزونه وهكذا يفقد ميزته العباسية ومن (اصدقائي) الكتاب اصبحت اعرف ليس مزاج عباس وتفضيلاته في النثر والشعر والقهوة بل اعرف مزاج اسكندر حبش الذي يستقيظ متأخراً وبسام حجار الذي لا يحب ارتداء الاحذية بالكعب العالي وكذلك اعرف ان حسن داوود يحب الديك الرومي اكثر من السباغيتي بينما يوسف بزي يحب صيد البط البري بعكس يحيى جابر الذي هو على الدوام مغرما بصوت الدوري ويربي في برندة منزله اربعين منها أما الياس خوري فهو جدي ودائم التجهم ولا يحب التركيز...
والحقيقة بشكل شخصي كان مزاجي في قراءة الصحف ليس لبنانيا بعد وقبل اهتراء مطبوعاتنا الورقية من كثر اعادة طبعها وتغيير التاريخ وبعض الصور فقط بل اتجهت خليجا نحو المطبوعات الكويتية واضطررت ان اقرأ الصحف اللبنانية بعد منع كل الصحف الكويتية من دخول سوريا وفيما بعد بدأت الصحافة الامارتية والسعودية ( الرجعية ) تدخل الى بلادنا لابدأ بقرائتها رغم بقائي على قراءة الصحف اللبنانية لان الشأن اللبناني اصبح داخليا لنا.. الى أن صدرت الصحف العربية الدولية، التي منها ما كان يصنف سورياً من قبل جماعة الصحف اللبنانية بصحافة البترو دولار، وظل الكاتب فيها ينظر له بطرف عين كونه على صلة بالرجعية والتهم له جاهزة وقد كان كتاب هذه الصحف في البداية يهادنون كتاب الصحف اللبنانية ولا يصطدمون بهم لان اولئك تقدميون وهؤلاء رجعيون الى ان ماتت التقدمية واصبح من يستطيع المرور الى احد هذه الصحف التي اصبح تصنيفها ( رصينة ) قد فتحت لها طاقة القدر إلا أن بعد إداراتها وعدم قدرة السوريين على الذهاب ابعد من لبنان حد من المتسللين فاغلقت هذه الصحف على اسماء محددة وفقط
وحين جاء عصر الانترنت وبدء الشباب السوري الذي ليس له صلة بعباس او سواه، النشر عبر امكانياته التي اتاحها لهم حاولت العصبة العباسبة التقليل من شأن النشر الالكتروني واعتبار النشر فيه لمن هب ودب بل بالغوا بداية بمخاطر الانترنت على الصحة والبصر والامن القومي بل اشاع احدهم ان الانترنت ينقل الايدز وتجدهم يتحدثون عن الانترنت وعدم اهميته وينظرون فيه ولا تستغرب أن يكون المنظر عن النشر عبر الانترنت لا يعرف كيف يستخدم الايميل او حتى الطباعة على الكي بورد. ورغم ان الصحافة اللبناية تعطي مكافآت بسيطة للكتاب السوريين إلا أنهم غالبا يدفعون اكثر منها اجور اتصالات وعزايم على مدار العام.
وهكذا فإن اغلب الكتاب السوريين الذين لم تخدمهم امكانياتهم البسيطة في الوصول الى نقاط الارتباط بعباس أو بمن يمون عليه والامكانيات هنا لا علاقة لها لا بالابداع ولا بالعبقرية بل بامتلاك امكانية اقامة وادارة هذه العلاقة مع عباس، وجدوا انهم بعد دخول عصر النت ليسوا مضطرين أما ان يمروا عبر هؤلاء أويموتوا دون أن ينشروا كلمة... ورغم أني بشكل شخصي نشرت نادرا وغالبا باليد في مجلات وصحف قليلة محلية وعربية ليس من بينها مطبوعة لبنانية إلا أن الانترنت أتاح لي النشر دون أن أضطر أن احفظ شعر عباس او اتابع اخر نتاجاته من شعر و مؤتمرات.. ودون أن اضطر لحفظ بعض النكات لترطيب الاتصال أو الجلسة... وكان أول مقال أرسلته لإيلاف معنون بمقال للنشر دون أي كلمة أخرى وذكرت هذا في "استعطاف لعمنا بوش .." وفيما بعد أصبحت أضيف لـ العنوان المذكور مع المحبة أو مع كمشة محبة أو ... ورغم أن ايلاف لم تدفع لي يوما مكافآة على ما اكتب فيها إلا أني على الاقل وفرت اجور الاتصالات والعزايم وهكذا أنا رابح من عدة جهات وكذلك لم تضطرني لأن أريق ماء وجهي في تسول النشر إذاً شكرا إيلاف.. شكرا للصحافة الالكترونية ... شكرا بيل غيتس لست مضطرا أن اتصل بعباس.
Khalaf88|@hotmail.com
شاعر وكاتب سوري لم يتصل بعباس