خطابات تخوينية وبلطجة مُنَظَّمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الدولة الرعوية في المشهد العالمي
عند استعراض بانوراما الثقافة السياسية في الشرق الأوسط،على امتداد العقود الأربعة المنصرمة نجد أن فكر "التخوين" يطغى على الخطاب السياسي والثقافي على حدٍ سواء، حيث يمنح إنسان "القرن الواحد والعشرين " نفسه حق محاكمة "الآخر" ونفيه وتشريده، وهذا ينسحب طبعًا على كافة الشرائح المجتمعية دون استثناء،فغالبًا يجد من هو في موقع " السلطة "مهما كانت، المسوغات لمحاكمة من هو في الموقع "الآخر"..
ولعل السبب الرئيسي الذي يكمن وراء هذه الخطابات "التخوينية " والسجالات "الاتهامية"، هو إحلال الأشخاص محلَّ العلاقات، وإبدال المسؤوليات محلَّ الأسباب، والأغراض محلَّ الشروط والإمكانيات المتاحة للفاعلين. ومن هنا انتشار "نظرية المؤامرة" في الثقافة السياسية الحديثة.
"فنظرية المؤامرة" هي إضفاء نزعة شخصانية بحيث يكون هناك "أشخاص معنويين " في المُخيِّلة يُتَصوَّر من خلالهم أنَّهم أعداء، يُهددون "الأنا المجتمعي "، وبالتالي تعمل هذه الأنوية على الاستنفار والمواجهة.
والعالم العربي يحفل بالمصطلحات والرموز التي تُصوّره على انه مُستهدف، لذلك نجد انتشار مصطلحات ذات دلالات: "الهوية القومية"، "الغرب "، وعودة "الحروب الصليبية "....
وبالطرف المقابل نجد أن الإدارة الغربية بمجملها طرحت العديد من المصطلحات ذات الدلالات منها "الإرهاب " و"محور الشر" و"الديموقراطية " و"السيادة "....
هذه المصطلحات في الغالب يتمّ إضفاء الطابع "الشخصي" و"النفسي" عليها، والخطورة الحقيقية تكمن في إضفاء الطابع "الإيديولوجي " والعقائدي عليها، بحيث تُصبح "دوغمائية مؤدلجة "، ذلك أن الخاصية الرئيسية لثقافة المحاكمة هي "التصنيم" من جهة وتأليه "الإيديولوجية " من جهة أخرى.
فالإدارة الاميريكية جعلت من "الإرهاب " صَنَمًا يَجِب أن يُرجم وأَلَّهَتْ ما سَمَّته "مكافحة الإرهاب" و"الديموقراطية على طريقتها طبعًا.....وأعطت لنفسها الحق في محاكمة من تُسول له نفسه أن يقف في وجه "مشروعها الخيري الكبير".....
فهي تنظر الى بعض "الدول " على أنها "مُصَدّرة للإرهاب "، وأنها "محورًا "للشرور " وتنظر الى أن هناك "مؤامرة" يحيكها "إرهابيون " ضدَّ "الإنسانية " بزعمها، وتُقدم نفسها أنّها هي الوحيدة والفريدة "الواهبة للحرية " المانحة "للسلام".....
وأنها هي المثال الذي على بقية شعوب الكون أن تحتذيه إن لم يكن باللين فلا بأس من خوض الحروب تحت "شعارات فاضلة " ضد عدو "مُتَخَيَّل " من أجل هذا "المشروع الخيري الضخم "....
وأمام هذا المشهد، يبدو العالم مكوَّنًا من ذوات "متنافرة " مُغرِضَة، لا من علاقات وتقاطعات عارضة، وتُنَصْبِ حواجز وسياج عالي بين الذوات في العالم.
فنظرية المؤامرة هي المفهوم الشخصاني للعالم: فالغرب شخص يقابله الشرق شخص، أمريكا شخص، اليهود شخص، الأصولية شخص والإسلام شخص.....
من هنا كذلك انتشار نمط عقلية "الضد "، والتفكير "ضد" فلان، بدلاً من التفكير في أنَّ الموضوع كذا والفعل "ضد" بدلاً من الفعل المُتروَّى فيه؛ أي في بساطة، شيوع سلوك ردِّ الفعل.
هذا كله على صعيد العلاقات الخارجية، أما على الصعيد الداخلي، فبعض السلطات في الأنظمة الشمولية، تنظر الى مواطنيها المعارضون لها على أنَّهم فئة خارجة عن القانون والنظام يجب تأديبهم، وهي استمدت سلطتها من انتخابات" شكلية" بنتائج "خيالية"، تحت أنظمة طوارئ الدائمة، هذه النُّظُم السياسية تُعاقب شعوبَها وتقمعها كثيرًا وتهينها،و تعمل على ان تَحُول بين الشعوب وبين النضج والوعي وتُبقيها في طور الطفولة الحضارية.
كما أن الفرد في هذا الشارع المقموع، ينظر الى رؤسائه على أنهم "خَوَنَة " لقضياه " وهمومه ومشاكله، وأنهم عملاء لِشَخص معنوي "هو "الغرب " وان هم من يُشَّرعُون "المشروع " الاميركي ويسوقونه "
ويصبح الخطاب السياسي" سلطوي " داخليّا على الشعوب "ضعيف "خارجيًّا و ممتثل لأوامر "سياسات "الإدارات الكبرى ".
هذا هو المشهد في تكنولوجيا السلطة الرعوية حيث يطغى "مفهوم الراعي والقطيع"، واعتماد الدولة الرعوية على علاقة فردية أخلاقية لا علاقة قانونية، ويتحول الخطاب الإيديولوجي، الى راية حرب، وتكون العلاقة بين المُخَاطِب والمُخَاطَََب علاقة أمر ونهي والجواب الوحيد المقبول هو الامتثال والقبول و انتشار " العنف" الذي يترعرع في أحضان التسلط و"البلطجة ".....
وتصبح المعادلة للأنظمة الُمتعددة على الشكل التالي:
bull;أنظمة تمارس "التسامح " مع رعاياها ومواطنيها فقط وتمارس " البلطجة " خارجيًّا بحق " الدول الأخرى فتفرض ما تفرض بالعصا....
bull;أنظمة تمارس "القمع " و"البلطجة " بحق مواطنيها "الاكارم " بالمقابل فهي تطيع و تمتثل لإرادة "السياسات الخارجية " التي تفرضها القوى " الأقوى "في العالم....
bull;أنظمة تمارس البلطجة داخليا على شعوبها وخارجيًّا على الدول المجاورة الضعيفة....
bull;أنظمة إنسانية حقيقية متسامحة داخليًّا وخارجيا، تنظر للإنسان على انَّه فرد محترم له "حقوق "، تحترم اختياره ورأيه وترتكز تربية الفرد فيها على حريّة الاختيار وعملية صنع القرار، كما تنطلق في علاقتها الدولية من رؤية عالمية كونية فترحب بالحضارات والإبداع والجمال أينما كان....
مروة كريدية / كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr