لبنان في فم الأسد، مجدداً؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كثرت التكهنات في الآونة الأخيرة، خصوصاً، عن المكاسب التي من الممكن أن يجتنيها النظام السوري، جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان. فهذا البلد المنكوب، الخارج للتو من ربقة تبعيته الطويلة، المريرة، لذلك الجار البعثيّ، اللدود، ما أسرع أن وجدَ نفسه ضحية ً للعبة إقليمية، محبوكة بعناية، سيكون أداتها طرفٌ "يُمثل" إحدى مكوناته المجتمعية. غنيّ عن القول، أنّ إشارتنا الأخيرة تتجه رأساً إلى حزب الله؛ بما أنه إرتضى لنفسه ـ وقبل كل شيء للطائفة المفترض أنه يُمثلها ـ الإرتهان لتلك اللعبة، الشريرة، لتي جلبتْ كل هذه النكبة على وطنه. ثمة حقيقة اخرى، باتت معروفة للملأ، من المفيد التذكير بها؛ وهيَ أنه مهما يعاد القول على مدار الساعة، من خدمة الحزب للأجندة الإقليمية ـ بفعلته المتهورة، المغامرة، المتمثلة بخرق هدوء الجنوب اللبنانيّ ـ فتبقى ردة الفعل الإسرائيلية، المتناهية في همجيتها، هيَ المتصدرة وسائل الإعلام جميعاً، وبالتالي مهيمنة على مشاعر الجماهير العربية والإسلامية.
ردة فعل ساسة إسرائيل تلك، لبنانياً ـ المدانة عالمياً بما تخلفه كل ساعة من ضحايا وخراب وتشريد ومعاناة ـ متوافقة مع رغبة حكام دمشق، اللئيمة، في تحطيم البلد الجار على رؤوس ساكنيه، عقاباً لهم على تمردهم وإنتفاضتهم من أجل نيل الإستقلال والكرامة والحرية: هذا بالضبط ما كان في تفكير السادة السوريين، ومن خلفهم الإيرانيين، حينما خططوا طويلاً، بتأن وصبر، لإشعال فتيل برميل البارود، الذي سيودي إنفجاره بالمنطقة رأساً على عقب؛ فيكون من نتيجته، بوهم تصورهم، دفع المجتمع الدولي إلى الإنكفاء لمواقع دفاعية، ضعيفة، سواءً بسواء أكان الأمرُ متعلقاً بالتحقيق في تورط دمشق بإغتيال الحريري، أم التحقيق في أنشطة طهران النووية. يقيناً أنّ المراقب للأحداث، قد رأى بوادر ذلك التصور، الموصوف، في قيام النظام السوري بإعطاء إشارات عن رغبته التعاون مع الغرب؛ تارة ً بتطوعه لـ "كشف" مواقع تنظيم القاعدة في لبنان، وتارة ً اخرى بإستعداده لـ " الضغط " على حزب الله وتحجيم نشاطه. علاوة على قيام النظام الإيراني، بدوره، بتوجيه إشارات ممائلة لتلك الدول الغربية. هنا وهناك، يتمّ التراجع عن تلك الوعود، بل تكذيبها أيضاً، حينما لا يجد أركان النظاميْن، الطائشيْن، أذناً صاغية لدى الدول الغربية؛ وبالأخص الولايات المتحدة وفرنسة، المصرّتيْن على ضمان إستقلال لبنان، الناجز، بعيداً عن أيّ وصاية أو تدخل في شؤونه الداخلية؛ والذاهبتيْن إلى أبعد من ذلك، إلى كسب تأييد دوليّ لإدانة نظاميْ دمشق وطهران بوصفهما المحرضيْن الوحيديْن على هذه الحرب المجنونة، والمسؤوليْن مع لعبتهما حزب الله عن كل ما أعقب ذلك من ويلات ومحن.
حديثنا عن دور وسائل الإعلام، في تغطية أنباء الحرب اللبنانية، الجديدة، يُحيلنا إلى واحدة من الفضائيات العربية؛ وهي قناة "الجزيرة"، المعروفة بإرتباطاتها الملتبسة مع أنظمة الإستبداد؛ من البعث الصداميّ، البائد، إلى شقيقه الأسديّ، السائدِ بَعْدُ. ففيما يخصّ خدمتها لهذا الأخير، وجدنا القناة القطرية وعلى مدى العاميْن الأخيريْن، تحديداً، تجول وتصول في إثارتها للرأي العام؛ مرة ً بقضية رسوم الكاريكاتور الدانمركية، المهينة للنبيّ محمد، والاخرى بقضية فيلم "شيفرة دافينشي"، المهين للنبيّ عيسى ! وكل ذلك، كما يتبيّنه المرءُ، لاحقاً، كان بغية تحقيق هدفيْن مرتبطيْن بجريمة إغتيال الحريري : أولهما، تحويل الأنظار عن تلك القضية الكبرى، التي أضحى لها بعدٌ دوليّ معروف، وكان من تداعياتها إجبار النظام السوري على سحب قواته ومخابراته من لبنان. والهدف الثاني، هوَ خلق حالة دائمة من العداء للعالم الغربي، وصولاً إلى التشكيك بمصداقية مجلس الأمن وكل ما يصدر عنه من مقررات بخصوص التحقيق في قضية الشهيد الحريري؛ من محكمة دولية إلى مذكرات جلب قضائية للمتهمين فيها. لا يحتاج الأمرُ إلى كبير برهان، فيما أسلفنا من اللبس في أنشطة تلك القناة الفضائية، الموضوعة بخدمة كل طاغية غاشم. خاصة ً ما نعلمه بشأن تلك المعمعة الكاريكاتورية، الموسومة، التي وافقتْ هوى النظام السوري، فزجّ خلالها كل ما يملك من أبواق وأدوات، محلية وإقليمية، في حملة هستيرية على الغرب؛ حدّ دفعه الرعاع إلى حرق بعض السفارات والمقار الديبلوماسية، في دمشق وبيروت : وفي هذه المدينة الأخيرة، تكرر الأمر نفسه؛ إلا أنه في إطار الحرب الدائرة حالياً، حينما أوعز حزب الله لعناصره ومناصريه بإحراق ممثلية الأمم المتحدة. وهذه المنظمة الدولية، هيَ الآن في مرمى نار الأبواق السورية ـ الإيرانية. حتى وبلغ من شناعة الحملة المنظمة تلك، أن يوعزَ أولو الأمر إلى الفنانين السوريين، والعرب أيضاً، بالإستقالة من منصب " سفير النوايا الحسنة "، بحجة أنّ الأمم المتحدة تمالىء العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين.
جبهة اخرى، جديدة أيضاً، باشرها نظام دمشق، بفتحه النار على الأنظمة العربية المعتدلة؛ وخاصة ً مصر والسعودية والأردن. فإثر إغتيال الحريري، وما كان من التضامن العربي والعالميّ مع شعب لبنان، هرولَ رأس ذلك النظام، وأقرب معاونيه أيضاً، صوبَ عواصم تلك الدول المعتدلة سعياً وراء وساطة مع الغرب، تخرجه من ورطته. وكان موقف السعودية، كما هو معروف، الأكثر حزماً في إدانة جريمة الإغتيال، والتشديد على التعاون السوري مع التحقيق الدولي؛ وقبل كل شيء، تطبيق كامل بنود إتفاق الطائف وكذلك القرار 1559، المتعلق برفع الوصاية عن لبنان وحل جميع الميليشيات وبسط الدولة لسيادتها على جميع أراضيها. على أنّ المملكة، جنباً إلى جنب مع مصر والأردن، حاولت أيضاً إخراج النظام السوري من مأزقه المزمن، وكذلك من عزلته الدولية الخانقة، بما أتاحته له من وساطة متعددة المستويات مع عواصم الدول الغربية، صاحبة القرار، وعلى رأسها واشنطن. فبدلاً عن حمل جميل المملكة وأخواتها في مصر والأردن، بادرَ الفأفاء المتفرعن بدمشق، مستغلاً الحرب اللبنانية الجديدة، إلى تنظيم الحملات الإعلامية الرخِصة على كل من تلك الدول، واصماً إياها بالتخاذل والإستسلام أمام العدو الصهيوني: وكأنما هذا العدو يحتل أراضيها هيَ، وليسَ أرض الجولان السوريّ ؟؟ هذه الأرض، ربما سنسمع قريباً بأنّ مهمة تحريرها قد أوكلتْ للمقاومة اللبنانية بدلاً عن الجيش السوريّ، العقائديّ، الذي له مهمة واحدة، لاغير؛ وهيَ حماية نظام الأب القائد والعائلة المقدسة والطائفة المختارة!