كتَّاب إيلاف

عن حماس التي لا تعرف كيف تخسر في السياسة!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

جمّد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) المفاوضات مع "حماس" بهدف في غاية الوضوح . يتلخّص هذا الهدف بأنّ على الحركة التي فازت في الأنتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة وشكلت الحكومة الفلسطينية المستقيلة أن تحزم أمرها. وبلغة أخرى يفترض في "حماس" أن تستوعب أنه لو كانت حكومتها حقّقت أي نجاح من أيّ نوع كان، لما كان عليها أن تقدّم أستقالتها ولما كان على قادتها في الداخل على رأسهم رئيس الوزراء السيّد أسماعيل هنية المطالبة بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وبلغة أكثر وضوحاً، يفترض في "حماس" أن تعرف كيف تخسر في السياسة، نظراً اًلى أن معرفة كيف التعاطي مع الخسارة السياسية أهم بكثير من معرفة كيف يكون التعاطي مع الربح في السياسة.

عندما تعرف كيف تخسر، يعود هناك أمل في أن تربح يوماً. أما الذين لا يعرفون كيف يخسرون، لا يعود أمامهم سوى الخسارة وتغطية كلّ خسارة بمزيد من الخسائر. كما في أيّ ناد للقمار، يعرف اللاعب الذكي كيف يحدّ من خسائره. من لا يعرف ذلك، يغرق ثم يغرق... ألى أن يغرق نهائياً. هذه حال "حماس" التي لا تعرف حتى كيف تحدّ من خسائرها بعد فشلها الذريع في أدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية أو في غزة من جهة وفي التعاطي مع العالم من جهة أخرى.

يمكن وضع الضفة الغربية جانباً، خصوصاً أنها مستهدفة من أسرائيل التي تسعى ألى تكريس الأحتلال لجزء منها. وموضوع تكريس الأحتلال لجزء من الضفة عبر بناء "الجدار الأمني" موضوع في غاية الأهمية وهو في صلب النضال الفلسطيني في هذه المرحلة، في حين أن تركيز "حماس" على أن المطلوب منها الأعتراف بأسرائيل وهو أمر غير صحيح، ليس سوى هرب من الواقع ومن مواجهته. لو كانت "حماس" جدّية في التصدي للأحتلال الأسرائيلي، لكانت عملت قبل كلّ شيء على أستتباب الأوضاع الأمنية في قطاع غزة بعد الأنسحاب الأسرائيلي منه قبل ما يزيد على سنة وذلك بغية التفرّغ لمواجهة الوضع الخطير في الضفة.

في الفترة التي تلت الأنسحاب الأسرائيلي من غزّة، غرقت "حماس" في الأوهام، أعتقدت، ولا تزال تعتقد، أن في أستطاعتها تحرير فلسطين من البحر ألى النهر أو من النهر ألى البحر أنطلاقاً من غزّة ناسية أن أسرائيل أنسحبت من القطاع تنفيذاً لسياسة لئيمة من بين أهدافها أظهار أن الفلسطينيين لا يستطيعون حكم أنفسهم بانفسهم وهم لا يستحقّون بالتالي دولة.
ما يساعد في تنفيذ السياسة الأسرائيلية فوضى السلاح في غزة حيث يقيم أسماعيل هنيّة ووزير الداخلية سعيد صيّام الذي لا يبدو أن في أستطاعته أن يكون أكثر من زعيم ميليشيا في هذا الحي الفلسطيني أو ذاك.

هل يمكن أن تسقط القضية الفلسطينية وهي قضية العرب الأولى وربما الأخيرة، نظراً ألى أن لا قضايا أخرى يستطيعون التحكّم بها ولو بنسبة واحد في المئة كما الحال في العراق، هذا السقوط المريع نظراً ألى عدم قدرة "حماس" على مواجهة الحقيقة والتعاطي مع الواقع؟ نعم أن القضية الفلسطينية من سيء ألى أسوأ في ظل حكومة "حماس" المستقيلة وفي ظلّ رفض الحركة تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على التعاطي مع العالم وفك الحصار عن الشعب الفلسطيني.

ليس كافياً أن يلتقي الرئيس بوش الأبن مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس في البيت الأبيض كي تعود الحياة ألى الضفة الغربية وغزة وكي يُفك الحصار الظالم الذي يتعرّض له الشعب الفلسطيني. لا بدّ من الأعتراف بأن الكرة في الملعب الفلسطيني في هذه الأيّام وأنّ على الفلسطينيين أعادة ترتيب أمورهم ومواجهة الأحتلال بغية التخلّص منه. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في النهاية هل "حماس" تمتلك حرّية قرارها؟ هذا هو السؤال الكبير. هل "حماس" حرّة؟ هل تستطيع السيطرة على الأوضاع في غزة على الأقلّ؟ أم أن الحركة أسيرة المحور الأيراني- السوري وأنها لا تعرف أكثر من تقديم الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها هي تتمة لمعركة الفنادق في بيروت؟ ماذا أستفاد الشعب الفلسطيني من تدمير فنادق بيروت في العام 1976 ؟ هل كان يدافع عن فلسطين، أم كان يلعب لعبة النظام السوري الذي سعى دائماً ألى تهديم كل معلم حضاري في لبنان؟

المؤسف أن التاريخ يعيد نفسه في هذه الأيّام، مع فارق أن الفلسطينيين يدفعون حالياً الثمن من اللحم الحيّ وليس من لحم لبنان واللبنانيين. المسألة ليست مسألة حكومة وحدة وطنية تلتزم قرارات الشرعية الدولية لا أكثر ولا أقلّ. الموضوع هل "حماس" قادرة على أن تكون حرّة وأن تضع نفسها في خدمة الشعب الفلسطيني؟ كلّ ما عدا ذلك كلام بكلام، كلام يقوله أسماعيل هنيّة وينفيه أحد قادة الحركة من دمشق. وفي غضون ذلك، تستمر فوضى السلاح. ولا يرى العالم، الذي يفترض أن يتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع أنواع ألأرهاب الذي هو أرهاب الدولة الذي تمارسه أسرائيل، سوى ملثّمين مسلّحين في غزة وغير غزة يطلقون النار في الهواء لسبب أو لغير سبب. ربما كان المطلوب أظهار أنّ الشعب الفلسطيني لا يستحق دولة وأنّه شعب من الرعاع... وهو ما تريده أسرائيل قبل أيّ شيء آخر.
مرة أخرى، هل تعرف "حماس" كيف تخسر... أم أن ليس أمامها سوى الهرب من الأستحقاق الحقيقي المتمثل في قبول ما هو مطلوب منها من الأسرة الدولية عن طريق القول أنّ المطلوب منها الأعتراف بأسرائيل، فيما المطلوب حقيقة أحترام الأتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية. أنّ عملية الهرب ألى أمام هذه لا تستهدف سوى أمر واحد هو تغطية واقع أن الحركة ليست حرّة وأنها غير قادرة على أتخاذ موقف واضح من تشكيل حكومة فلسطينية تقول في بيانها الوزاري أنها تلتزم قرارات الشرعية الدولية لا أكثر ولا أقلّ. الأيام القليلة المقبلة حاسمة فلسطينياً. ستظهر ما أذا كان في أستطاعة "حماس" الأنتصار على "حماس" وأن تقول أن هناك شيئاً أسمه القلرار الفلسطيني المستقل. أنّه القرار الذي أستشهد ياسر عرفات من أجله لا أكثر ولا أقلّ... كذلك ستكون الأيّام المقبلة حاسمة نظراً ألى أنها ستكشف هل في الأمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تجمع بين البرنامج الذي أنتخب على أساسه "أبو مازن" رئيساً للسلطة الوطنية وبين ما ينادي به قادة "حماس".على من يريد تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أن يطرح على نفسه سؤالاً في غاية البساطة هو الآتي: هل تملك "حماس" ما يكفي من الشجاعة لتحديد الأسباب التي أدّألى السقوط الذريع لحكومتها؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف