هل يتسبب المهدي المنتظر في إسقاط سلطة ولاية الفقيه؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أخذت ساحة الصراع السياسي بين أجنحة النظام الإيراني تشتعل سخونتها من جديد وذلك مع بدء تشكيل التحالفات لخوض انتخابات أعضاء ما يسمى بمجلس خبراء القيادة وشورى المجالس البلدية المزمع عقدها أواخر السنة الجارية، وذلك عقب فترة الهدوء النسبي التي أعقبت الانتخابات البرلمانية و الرئاسية في العام الماضي والتي تمكن فيها المحافظون من تسجيل الفوز على خصومهم في الجناح البرغماتي بقيادة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني والجناح الإصلاحي بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي.
وقد عادت سخونة الصراع بين أجنحة النظام الإيراني في الوقت الذي تشهد فيه البلاد أزمة علاقات دولية شديدة بشأن ملفها النووي حيث استغل من يسمون بالإصلاحيين هذه الظرف ليصعدوا من ضغوطهم الداخلية في وجه خصومهم المحافظين. و لما كان المحافظون قد تعودوا على استخدام سياسة القمع المدعومة بضوء اخضر من رأس الدولة ومرشد ها الأعلى، الولي الفقيه آية الله علي خامنئي، لإسكات خصومهم فكان لابد للإصلاحيين من البحث عن وسيلة تبطل فيها قدسية الولي الفقيه الذي يعد نقد سياساتها أو التعرض لقراراته خط احمر لا يمكن المساس به. ولهذا فقد لجأ الاصلاحيون إلى أثارت مسألة غاية في الأهمية وهي مسألة " الإمام المهدي المنتظر " لتكون بابا لتسليط الضوء على مكانة الولي الفقيه وسلطته المطلقة التي يستمدها من مكانته التي تعرفه بأنه الحاكم بالنيابة عن الإمام الغائب.
فالاصلاحيون الذين يفترض أنهم ضد الخرافة والتعصب المذهبي قد تحولوا فجأة إلى اشد الناس تحمسا لمسألة "المهدي الموعود" وبدؤوا بنشر القصص والرواية وإحياء المناسبات الخاصة به بشكل لم يسبق له مثيل في إيران وذلك اعتمادا على تجربتهم السابقة في تغذية وإنعاش الحركات الصوفية التي نجحوا في جعلها ظاهرة تمكنت من استقطاب شرائح واسعة من أبناء المجتمع الإيراني و لهذه عمدوا إلى دعم الحركة "المهدوية" لتكون ظاهرة قوية مرادفة لظاهرة الصوفية لاستخدامها وسيلة في مواجهة "سلطة الولي الفقيه" حيث أن الحركتين لا تقيمان وزنا لنظرية ولاية الفقيه وسلطته المطلقة. وهذا ما أثار المحافظين الذين أدركوا أن في ذلك لعبة تستهدف مرشد الثورة، آية الله علي خامنئي، الذي يمثل لهم الخيمة التي يستظلون بها في مواجهة خصومهم. لذا فقد سارع المحافظون إلى العمل على أبطال هذه اللعبة وسحب ورقتها من يد الإصلاحيين وذلك بملاحقة أتباع ومريدي الحركتين عبر إصدار فتاوى التكفير تارة و تارة أخرى عبر المطاردة و الاعتقالات. و قد دشن المحافظون حملتهم ضد " المهدويين " باعتقال آية الله السيد حسن ابطحي والد محمد علي ابطحي نائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وذلك بتهمة ادعائه "ألارتباطه بالمهدي المنتظر"! كما طالت حملة الاعتقالات أكثر من خمسة عشر رجل دين من مؤيد آية الله ابطحي في مختلف المدن الإيرانية.
وفي خطوة بدأت وكأنها استعراضا للقوة فقد استغل "المهدويون" مناسبة النصف من شعبان الماضي الذي يعد بالنسبة لهم ذكرى ولادة المهدي المنتظر ليحشدوا أكثر من مليون شخص في حفل أقيم لهذه المناسبة في "مسجد جمكران" بمدينة قم. حيث أصبح هذا المسجد معقلا لهم بعد أن صنعوا له رواية وأحاديث عديدة تزعم انه المكان الذي يلتقي فيه المهدي بأنصاره ومريديه وهو ما أحرج المحافظين ودفهم لتصعيد هجماتهم الإعلامية ضد الإصلاحيين متهمين إياهم بالترويج للخرافات. وقد شارك في هذه الحملة إلى جانب وسائل الإعلام (صحيفة جمهوري إسلامي وغيرها من الصحف الإيرانية الكبرى الموالية لمرشد الثورة) عدد من رجال الدين الكبار من أمثال أمام جمعة مدينة قم و احد أساتذة الحوزة آية الله الشيخ "إبراهيم أميني" الذي وصف ما جرى في ذلك الحفل بأنه من الخرافات، متسائلا عن القيمة الثقافية والعملية التي قدمها المداحون لشباب في ذلك الحفل؟ منتقدا في الوقت نفسه التلفزيون الإيراني الذي نقل مشاهد ذلك الحفل الخرافي قائلا: أن الناس قد حضروا الحفل بحسن نية إلا أن المنظمون للحفل استغلوا هذا الحشد لترويج خرافاتهم وخيانتهم.
والمقصود بكلمة " خيانتهم" فسرها المراقبون يعني بها الاصلاحيون الذين أرادوا من وراء ذلك الحفل استهداف نظرية وسلطة ولاية الفقيه.
وفي السياق ذاته كتبت صحيفة جمهوري إسلامي الحكومية في 13سبتمر أيلول الجاري مهاجمة الحفل المذكور وطاعنة بمصادر الروايات التي تتحدث عن " مسجد جمكران " على انه ملتقى الإمام المهدي الغائب بمريديه. قائلة : أن أول المصادر التي تحدثت عن " مسجد جمكران " كانت كتب الميرزا حسين النوري الطبرسي (م ت 1320 هـ.) وهي كتب ملؤها خرافات، مستشهدة على ذلك برأي الخميني السلبي من كتب المحدث النوري، حيث ذكر الخميني في بحثه المسمى " حجة ظواهر الكتاب " والذي كتبه في حاشية كتاب "كفاية الأصول" تعليقا على مسألة "تحريف القرآن "الوارد في كتاب" فصل الخطاب" فقد ذكر الخميني: أن الذي كتبه صاحب فصل الخطاب (النوري) لا يفيد علما ولا عملا وإنما هو إيراد روايات ضعاف اعرض عنها الأصحاب و تنزه عنها أولو الألباب من قدما أصحابنا كالمحمدين الثلاثة المتقدمين ـ رحمهم الله ـ وهذا حال كتب روايته غالبا كالمستدرك ولا تسال عن سائر كتبه المشحونة بالقصص و الحكايات الغريبة التي غالبها بالهزل أشبه منه بالجد و هوـ رحمه الله ـ شخص صالح متتبع إلا أن اشتياقه لجمع الضعاف و الغرائب والعجائب ومالا يقبلها العقل السليم والرأي المستقيم أكثر من الكلام النافع.
هذا الاستشهاد الذي أوردته صحيفة جمهوري إسلامي عن لسان الخميني بحق النوري كان القصد من ورائه أبطال الروايات التي استند إليها "المهدويون" في تعظيم مسجد جمكران الذي نقل النوري بحقه رواية عن " المهدي المنتظر" تقول من صلى فيه ركعتان كمن صلى في البيت العتيق !.
و قد أردفت الصحيفة في هجومها قائلة: أن جميع المصادر التي تحكي اليوم عن منزلة وأهمية "مسجد جمكران" ينسبها النوري إلى كتاب اسمه "تاريخ قم" لشخص مجهول الهوية يدعى "الحسن بن محمد بن الحسن القمي" وهو بدوره ينقل رواية مسجد جمكران عن كتاب آخر اسمه "مؤنس الحزين في معرفه الحق و اليقين" للشيخ الصدوق (من أصحاب الصحاح الأربعة عند الشيعة) والذي قال أن الصدوق ذكر فيه اسم شخص يدعى " الحسن بن مثلة الجمكراني " وهو الذي كان قد ادعى إن في ليلة 17من رمضان عام 373هـ طرق باب داره طارق وقال له "اجبzwnj; مولاكzwnj; صاحبzwnj; الزمانzwnj;..." يقول وقد امتثلت لدعوته وذهبت معه إلى لقاء " الإمام المهدي " وحين صرت بين يديه قال لي : إن هذه البقعة من الأرض مقدسة وتحظى بعناية ربانية وآمرك أن تبنى عليها مسجدا ليكون يوما ما مركزا تتهافت عليه القلوب وتتوافد إليه الناس من أطراف الدنيا والشباب يطوفون حوله كل الفراشات طالبين الهداية، ففيه تقبل توبتهم وتحل مشاكلهم. !.
و قد استشكلت الصحيفة على تلك الرواية قائلة: أولا لا النجاشي ولا الطوسي، الذين لم يتركوا شاردة أو واردة من مصنفات الشيعة ذكروا في فهارسهم المعروفة (فهرست رجال النجاشي) و(وفهرست رجال الطوسي) هذه الرواية، كما أن أياً منهم لم يذكر اسم " الحسن بن محمد بن حسن القمي" أو كتابه " تاريخ قم ".
ثانيا: أن أياً من كُـتب " رجال الشيعة " المتأخرين لم يرد فيها اسم "للحسن بن علي بن الحسن القمي" كما أن ألمجلسي في كتابه بحار الأنوار (ج5) والذي تطرق فيه لموضوع "مسجد جمكران" صرح انه لم يطلع على كتاب "تاريخ قم" وهذا يدل على أن " الحسن بن محمد بن حسن القمي " شخص مجهول. يضاف إلى ذلك إن أصحاب الفهارس وتراجم الرجال الذين تناولوا حياة الشيخ الصدوق ومصنفاته لم يذكروا له كتابا باسم "مؤنس الحزين في معرفة الحق و اليقين " وهذا يدل على أن العملية مفبركة حيث لا يخفى أن الشيخ الصدوق هو من اشهر الرواة والمؤلفين الشيعة وجميع كتبه معروفة و في غاية الشهرة فكيف يمكن لأصحاب التراجم إهمال كتابه المذكور أن كان موجودا؟. أما كيف استطاع الشيخ النوري العثور على كتاب "تاريخ قم" وكتاب "مؤنس الحزين في معرفة الحق و اليقين" لينقل منهما رواية "الحسن بن مثلة الجمكراني" تقول الصحيفة أنها قصة عجيبة !.
وردا على هذا الهجوم العنيف من قبل "صحيفة جمهوري إسلامي" وباقي المشككين برواية "مسجد جمكران" فقد ردت الهيئة الإدارية للمسجد المذكور على لسان امينها العام "أبو القاسم الوافي" الذي استهل كلامه بالآية الكريمة (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ْ اتَّقُوا ْ اللَّهَ وَ قُولُوا ْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَــلَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).(سورةzwnj; أحزابzwnj;، آيةzwnj;70). مؤكدا على أن ما جاء في الصحيفة الموالية لمرشد الثورة " آية الله علي الخامنئي " من طعن و تشكيك في المحدث الميرزا حسين النوري ورواية " الحسن بن مثلة الجمكراني " عمل غير صالح وقول يغضب الله !!. وأضاف قائلا.
أولاً : إن مسجد جمكران من ناحيتنا يعد مكان مبارك يتشرف بزيارته مئات الآلاف من الناس أسبوعيا ويصلون فيه ركعتي تحية وركعتين لصاحب الزمان الإمام المهدي ويتضرعون فيه إلى الله ويتوسلون بأولياء الدين عليهم السلام طالبين من الله التعجيل في فرج موالهم (المهدي) !.
ثانيا : إن قائد الثورة المعظم (علي الخامنئي) في لقائه مع مسؤولي "مسجد جمكران" وصف هذا المسجد المقدس بأنه،الخزانة الشيعية التي لا تنفذ، وقد دون في دفتر الزيارات أن هذا المكان المبارك يعتبر قاعدة عظيمة للتشيع.
ثالثا: أن المرحوم أستاذ الفقهاء والمجتهدين حضرة آية الله الحاج شيح حسين مرتضى الحائري عد " مسجد جمكران " من الآيات الباهرة و قال أني اجزم بصحة ما جاء بحق هذا المسجد المبارك. كما أن إقبال الناس المنقطع النظير على " مسجد جمكران " لا يمكن عده مجرد فعل عوام بل أن هناك الكثير من الخواص و عباد الله الصالحين والنخب العليا في الحوزة العلمية و من بينها شخصيات كبيرة من أمثال الملا محمد تقي ألمجلسي والشيخ البهائي والفيض الكاشاني وغيرهم ومنذ مئات السنين كانوا يترددون على هذا المسجد.
وقد انتقد الرد ضمنا إمام جمعة مدينة قم الشيخ " إبراهيم أميني"، الذي كان قد وصف الحفل الذي أقيم في " مسجد جمكران" بمناسبة النصف من الشعبان بأنه حفل لترويج الخرافة و الخيانة. وقد تسائل أبو القاسم الوافي في رده قائلا: أليس، دعوة العلماء والمراجع الكبار من اجل إقامة صلاة الجماعة و إلقاء الخطب في حفل النصف من شعبان و نشر البوسترات الثقافية وتوزيع المنشورات المتنوعة بين المصلين وترويج الأخلاق والآداب الإسلامية وتوزيع الكتب الخاصة بفضائل أهل البيت لاسيما منها تلك التي تتحدث عن خصائص الإمام المهدي، عمل ثقافي مفيد؟. وهل حضور العشرات من الشخصيات البارزة والمحققين من أساتذة الحوزة العلمية بالإضافة إلى حضور أعددا كبيرة من الأخوات الدارسات والمطلعات إلى " مسجد جمكران " في ليلة الأربعاء والذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية نشر الثقافة المهدوية والإجابة على المسائل الشرعية ورفع الشبهات، يعد عملا خرافيا وفعل من أفعال العوام؟. فلماذا تسمح صحيفة حكومية أن تفتح موضوعا هاما مثل هذا الموضوع ليكون مادة بيد وسائل إعلام أعداء الثورة الذين لا يعترفون بالنظام ولا بقائد الثورة وليس لهم أي معتقدات دينية؟.
الاصلاحيون وجودوا في ما نشرته " صحيفة جمهوري إسلامي " من هجوم فرصة لكي يصعدوا من الجدل الدائر بين " المهدويين " و المحافظين ولهذا فقد قاموا بتوزيع كاتب بعنوان " الطرق العلمية للالتقاء بإمام العصر" وهو من تأليف، أستاذ علم لأخلاق في حوزة قم الشيخ مرتضى الطهراني، وهو كتاب حديث جاء في أربعة فصول شارحا في الفصل الأول منه تعريف كلمة "المهدي " من الناحية اللغوية و يستعرض فيه كيفية الاتصال بالمهدي والأماكن التي يمكن أن يتم فيها اللقاء. أما الفصل الثاني فيقسم فيه اللقاء إلى قسمين اللقاء العام واللقاء الخاص ويبين فيه الأرضية و الأسباب التي تهيئ فرصة اللقاء بالمهدي والتي من بينها، الزيارات المتكررة لمسجد جمكران، كتابة العرائض للإمام المهدي يطلب فيها المريد اللقاء مع تقديم الهدايا.
أما الفصل الثالث فيشرح فيها الموانع التي تحد من عدم تحقيق اللقاء و أهم هذه العوائق هي الذنوب. أما الفصل الرابع و الأخير فيؤكد على الراغب بلقاء المهدي أن يكون من المريدين المخلصين والسالكين للطريقة المهدوية. وعلى الرغم من تأكيد صاحب الكتاب على أن تطبيق هذه الطرق العلمية كفيلة بتحقيق اللقاء بالمهدي إلا انه لم يقل إذا ما كان هو قد حظي بلقاء المهدي أم لا؟.
المهم في ما كشف عنه الجدل الدائر بين أجنحة النظام الإيراني أن مسألة المهدي المنتظر تحولت إلى مادة صراع كل طرف يحاول أن يجيرها لصالحه بما يتلاءم ومصالحه السياسية. وهنا يحاول كل طرف إن يستند إلى اكبر عدد ممكن من الروايات والأسانيد التي تدعم موقفه لتحقيق غايته وهذا ما شاهدناه في العرض المتقدم حيث لوحظ أن المحافظون قد لجؤ إلى الطعن بمصادر" المهدويين" و أولهم أحد مشاهير المحدثين الشيعية " الشيخ حسين النوري الطبرسي" وبكتبه لكي يفندوا رأي خصومهم ويردوا الهجمة التي تستهدف مرشد الثورة وسلطة الولي الفقيه. وهذا بحد ذاته وضع المحافظون بين فكي كماشة فهم أن أرادوا تفنيد الأسانيد التي تدعم حجة خصومهم يكونوا قد فتحوا باب التشكيك بجميع الكتب التي تحدثت عن موضع " المهدي المنتظر " و بالتالي يكونوا قد لامسوا المحذورات. و إذا سكتوا وسلموا بالروايات و الأحاديث التي يستند إليها خصومهم في المحاججة يكونوا قد اقروا بضعف موقفهم وبالتالي عليهم القبول بنسف سلطة ولاية الفقيه وهذا ما لا يريدوه. ولكن إذا ما استمر الجدل فهل سيطيح " المهدي المنتظر" بالولي الفقيه وسلطة المطلقة أم انه سينتصر له؟. ذلك ما ستنبأ عنه الأيام.