هل كانت موقعة (بدر) إسلامية خالصة؟ (1/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قراءة تفصيلية نقدية لوقعة (بدر) الكبرى
مقدمة توضحية
في هذا الفصل من حياة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم نتحدث بالتفصيل عن معركة (بدر)، نتحدث عنها بلغة نقدية فاحصة، نفتش عما بين السطور، ونستقرئ ما نستطيع استقراءه من أخبار ورويات عن أخطر المفاصل في المعركة، سواء على صعيد الحوادث أو الشخصيات أو النتائج، مستندين على أهم مصادر السيرة والمغازي والتاريخ، من دون التسليم بما تتحفا به من معلومات ومعطيات دون نقدها هي أساسا، فإن نقد المصادر والرواة عمل مقدم على كل محاولة لاستكشاف التاريخ، حيث مرت عملية الكتابة التاريخية بمراحل معقدة ومفصلة، فقد تجاوزت الكتابة التاريخية مرحلة النقل الحرفي، وتخطت مرحلة الاعتماد على مصادر لأن أصحابها ثقاة أو معروفون بالعلم والتتبع، كما أن قراءة الخبر التاريخي هي الأخرى تجاوزت القراءة الحرفية، وتخطت الأخذ بالظاهر، ومن هنا يطالب كثير من العلماء بإعادة كتابة التاريخ، وإعادة كتابة التاريخ تعني قراءة التاريخ من جديد بالدرجة الأولى. إن السند والمتن وورود الخبر في مصادر معتبرة لم تعد هي آليات البحث التاريخي الوحيدة، بل هي أليات أخذت تتعرض للنقد والتشريح، خاصة بعد أن كشفت العلوم عن الفارق الكبير بين الرواية الشفاهية والرواية المكتوبة، وكشفت الدراسات الدقيقة عن أهمية العلاقة بين الرواة والانتساب العشائري، وبين الرواة والإنتماء المذهبي، و كشفت عن علاقات خفية بين كيفية صياغة الخبر وطبيعة عصره... لا أريد هنا أن أطيل في هذه النقطة، فلها وقتها المناسب بإذن الله تعالى، ولكن أردت أن أبين المنهج أو بعض معالم المنهج الذي سوف نتعامل به مع مادة معركة (بدر)، وكل أملي أن نشهد ثورة تا ريخية تعيد قراءة السيرة النبوية، وتهذبها مما علق بها من أكاذيب ومبالغات وتهويمات، فإن ذلك من أهم ما يجب ان يقوم به علماء الإسلام، للدفاع عن شرف رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكي نقطع الطريق على هذه الجماعات الإرهابية التي راحت تغرف من كتب السير والمغازي بلا تحقيق وبلا تدبر، فسببوا لإسلامنا ونبينا ومجتمعنا وجعا مؤلما، أعترف أن هذا البحث سوف يثير الكثير من الاوجاع، وربما الاتهامات، فهو قد يصدم الكثير من الناس، لأنه قد يجرح بالكثير من المسلمات التي درج عليها المسلم، فيما يخص تاريخ بدر وغير بدر، وقد وفقني الله أن اقوم بجولة طويلة معقدة مع كل غزوات الرسول الكريم، فظهر لي أن أكثر اخبارها مبالغ فيه، وكثير منها مشكوك فيه، وهناك فهم مخطوء للكثير من مواقف النبي الكريم وعموم المسلمين في معاركهم مع الأخر، وسبق أن كتبت عن معرجة قريضة وقد استطعت أن ابين ما فيها من دس خطير، شوه سمعة الرسول الكريم، وكما تعرضت لبعض سراياه قبل بدر، ولاحظت كيف انها مجموعة أخبار لا تغني ولا تسمن لمن يريد أن يؤسس تاريخا مضبوطا، يتمتع بالقوة والحيوية. واليوم وبمناسبة شهر رمضان الكريم، أقدم لقراء إيلاف هذه الدراسة المتواضعة عن وقعة بدر، كل أملي أن نقرأها بهدوء وتأني، والله الموفق للحق.
تلخيص المعركة في فصولها الرئيسية
نعتمد في هذا التلخيص على المصدر الرئيسي ذلك هو (سيرة بن هشام)، مركزين على المافصل المهمة، وربما نطعَّم في الأثناء ما يرد بـ (مصادر) أخرى مع الإشارة إليها ضمنا، ونؤجل علمية نقد المسانيد والمضامين بعد أن نكمل عملية التلخيص هذه.
البداية
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سمع أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام إلى مكة بقافلة تجارية عظيمة، وفيها أموال لقريش، يقودها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون، ويروي ابن ا سحق في ذلك قائلا (فحدثني محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن بن بكر، ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس، وكل قد حدثني بعض هذا الحديث، فأجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مُقبِلا من الشام، ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عِير قريش فيها أموالهم فأخرجوا إليها لعل الله يُنْفِلُكُموها...).
هذه هي البداية، قاقلة قرشية عائدة من الشام إلى مكة بقيادة أبي سفيان، فأثار الرسول أصحابه ليتصدوا لها عسى أن ينفلوها!
ويستمر بن اسحق ليقول ما معناه، أن بعض الصحابة خف فيما أخرون ثقلوا، وفيما كان الرسول يستثير أصحابه كان أبو سفيان (يتحسس الاخبار ويسال من لقي من الركبان تخوفاَ من أمر النا س) فعلم ان الرسول الكريم كان قد استنفر أصحابه لملاقاته. فما كان من أبي سفيان إلا ّ أن يخبر قريش بما كان الرسول يخطط له، فأرسل لهم (ضمضم بن بن عمرو الغفاري) ليخبر قريشا بذلك، وبالفعل وصل (ضمضم) إلى مكة مسرعا، وأشاع الخبر هناك بطريقة دراماتيكية مخيفة!
رؤيا عاتكة بنت عبد المطلب
وقبل أن يصل (ضمضم) إلى مكة المكرمة بـ (ثلاث أيام)ليخبر قريش بالخبر كانت (عاتكة بنت عبد المطلب) قد رأت رؤيا في منامها وهي كما تقصها لأخيها العباس بن عبد المطلب (رأيت راكبا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح ـ والابطح مكان فيه دقائق الحصى بين مكة ومنى ويضاف إلى مِنى لأنه اقرب إليها من مكة ــ ثم صرخ بأعلى صوته: ألا أنفروا يا لَغُدر ـ وهي كلمة شتم ــ لمصارِعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فينما هم حوله مَثُل به بعيره ــ أي قام به بعيره ـ على رأس أبي قبيس ــ جبل مشرف على مكة من شرقيها ــ فصرخ بمثلها، ثم أخذ صخرة فأ رسلها، فأ قبلت تهوي، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضَّت ـ أي تفتت ــ فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دارّ إلاّ دخلتها منها فلقة، قال العباس: والله إن هذه لرؤيا، وأنت فاكتميها، ولا تذكريها لأحد...).
قبل أن يصل (ضمضام) لقريش في مكة كانت عاتكة بن عبد المطلب رأت هذه الرؤيا، وعاتكة هي عمة (رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت الرؤية طبعا في مكة.
لم يكتم العباس خبر الرؤيا، بل قصًََّها لصديقه (الوليد بن عتبة بن ربيعة)، والاخير كان طريقا لأفشاء الرؤيا حتى وصل خبرها لـ (أبو جهل بن هشام)، فتألم أبو جهل، فلقيه عند البيت الحرام، فقال له (يا بني عبد المطلب، متى حدَثت فيكم هذه النبية؟ قال ـ العباس لابي جهل ـ وما ذاك؟ قال: تلك الرؤية ا لتي رأت عاتكة، قال ـ العباس لأبي جهل ـ فقلت وما رأت؟ قال: يا بني عبد المطلب، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم، قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: أنفروا في ثلاث، فسنتربص بكم ثلاث، فإن يك حقا ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شي، نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت العرب...).
ومن كل هذا نفهم ما يلي:
1: إن المقصودين بالشتيمة (يالَغُدُر...) إنما هم بنو أمية، فالقائلة هي الهاشمية (عاتكة بنت عبد المطلب) عمة رسول الله.
2: وقد شخَّص أبو جهل ذلك ـ بطل الرؤيا ــ الذي كان يهتف بهؤلاء، والذي أرسل تلك الصخرة القاتلة، أنه (محمد بن عبد الله).
لم يصدق أبو جهل رؤيا عاتكة، أعتبرها نوعا من الدجل أو الكذب، ومن هنا تحدى العباس بن عبد المطلب، وكان تحديه للعباس هو تحدي عشائري، لم يكن تحديا للعباس بعينه، بل لبني هاشم.
نكتفي الأن بهاتين النقطتين.
(ضمضم) يصل قريش في مكة
بعد أن راجت وماجت رؤيا عاتكة الهاشمية بين القوم، وأخذ الناس يتحدثون بها، وصل رسول أبي سفيان إلى مكة، وهناك جلجل صوته ينذر من خطر محمد على قافلة قريش العائدة من الشام! فقد وقف هذا الرسول المُخبِر ليهتف (... يا معشر قريش: اللطيمة اللطيمة ـ أي الأبل التي تحمل البز والطيب ــ أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تُدركوها، الغوث الغوث...).
وقد هرع الناس يتحالفون بينهم أن يمنعوا محمدا من أن يعبث في قافلتهم، وقد عبًَت قريش كل رجالها، ولم يتخلف من أشرافها أحد، إلاّ أن أبا لهب كان قد تخلف وأرسل من ينوب عنه.
إذن توفر لحد الآن عاملان رئيسيان على طريق التجهيز للمعركة.
الأول: هي مستحقات رؤيا عمة النبي الكريم عاتكة بنت عبد المطلب.
الثاني: علم قريش أن محمدا كان يدبر التعرض للقافلة.
(إبليس)... ذلك البطل الخفي
ولم يكن الطريق سهلا لقريش في مسيرها لمواجهة محمد بن عبد الله، فعلى طريقها إليه كان هناك (بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة)، حيث بينهما خلاف على دم، فكيف يعالجون هذه الثغرة، ولكن كان (إبليس) حاضرا لحل هذه المشكلة العويصة، ففي ذلك يقول بن اسحق (وحدثني يزيد بن رومان،عن عروة بن الزبير، قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي كان بينها وبين بني بكر، فكان ذلك يثنيهم، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جُعشم الدْلجي، وكان من أشراف بني كنانة، فقال لهم: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشي تكرهونه، فخرجوا سراعا).
وهكذا نفهم أن كل شي يهي للمواجهة، الرؤيا والخبر الواصل وإبليس في مسعاه الخفي...
ثم ماذا؟
يواصل بن اسحق كلامه القصصي السردي الجميل، فلنواصل معه القصة.
يتبع