أخطاء قاتلة وقع بها سنة العراق (1/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان بإمكان (سنة) العراق أن يبقوا سادة العراق، أو بتعبير أدق (سادة في العراق)، بكل تأكيد أقول ذلك، كان بإمكانهم ولا زال بإمكانهم فيما لو تفهموا أن ما حصل في العراق إنقلاب هائل، ويجب التعامل معه بموضوعية وعلم وفكر سياسي ناضج، ولكن يبدو أن بعض زعاماتهم وشخوصهم الكبيرة ما زالت تحت ضاغط الزعامة التاريخية المطلقة، وما زالوا يفكرون أن الزمن يسير على وقع ثابت، وإن هناك قدرا محتوما مؤداه أن سادة الماضي يجب أن يبقوا سادة الحاضر والمستقبل.
كان بإمكان سنة العراق أن يقودوا العراق مرة أخرى لو أنهم طرحوا مشروعا عراقيا جديا يعمل على تعديل المعادلة السائدة والتي كانت تحمل الكثير من التناقضات والمفارقات، وفي مقدمتها الظلم والتمييز الطائفي والقومي في العراق اللذين لم يكونا في زمن صدام حسين حصرا كما يدعي بعضهم ، بل يمتد لزمن طويل قبل صدام حسين نفسه. كان بإمكانهم أن يتحولوا إلى قادة تغيير وعدل وإصلاح وأمل لو طرحوا مشروعا عراقيا يقر بما حصل لغيرهم من ظلم وإضطهاد وتشريد وتعذيب وتخوين وحرمان وتشويه، ويشرع لحياة جديدة قائمة على مراعاة وإحترام حقوق الآخرين من خلال بنود مادية جدية، وليس من خلال كلام إنشائي شعبوي تدبيجي.ولكن للأسف الشديد الذي حصل هو أن (سنة) العراق تعاملوا مع الموقف الجديد بلغة الرفض المطلق، وراحوا يتصورون أنهم خسروا كل شي، وإن المجد الغابر يجب أن يبقى كما هو عليه، بلا تغيير حتى ولو في حدود دنيا!!!
لقد كان المشروع السني العراقي من البدايات، أي من بداية سقوط نظام صدام حسين هو يجب أن يعود كل ما قبل السقوط إلى حاله، حتى بالنسبة إلى صدام حسين، فقد طرح أكثر من مرة بأنه زعيم العراق الخالد الذي يجب أن يقود العرا ق مرة أخرى، وإن سقوطه كان ضد الشرعية! لست في معرض مناقشة مدى موضوعية هذا الطرح، ولكن في صدد بيان طريقة التفكير التي كانت سائدة لدى بعض الزعامات السنية المحترمة.
يجب أن تعود الامور على حالها، هذا هو المنطق الذي كان سائدا لدى الرموز السنية العراقية، مدفوعة إلى هذا التفكير بدافع الخوف من المستقبل المجهول أو بدافع التراث القديم او بدافع بعض النصوص الدينية المبطنة عن الشيعة أو بدافع الشعور بالقوة والآنفة...
لو أن سنة العراق تفهموا أن سقوط نظام صدام حسين بداية فاصلة في تاريخ العراق، ولو أن سنة العراق تفهموا إن العالم أقبل على فكر سياسي جديد، ولو أن سنة العراق تفهموا أن سقوط النظام الصدامي فجر حالة من الغضب الشعبي الذي لا يمكن أخماده، ولو ان سنة العراق تفهموا أن شيعة العراق جزء من حالة شيعية شهدت في السنوات الأخيرة نهوضا شعبيا وفكريا وسياسيا عالميا، ولو أن سنة العراق تفهموا أن القضية القومية في العالم العربي لم تكن عربية وحسب بل هي قضية مبداية بالنسبة لكل القوميات، ولو أن سنة العراق تفهموا أن حقوق الأقليات أصبحت مسألة في صلب الفكر السياسي الحديث، وفي صلب حركة التاريخ المعاصر، ولو أن سنة العراق تفهموا أن صدام حسين خلف جروحا عميقة في جسد العراق، وخاصة لدى الشيعة والاكراد... لو تفهموا كل ذلك، وتقدموا بمشروع في ضوء كل هذه المقتربات، لكان سنة العراق اليوم هم قادته كما كانوا قبل.
ماذا سيكون موقف (الآخر )عندما يصر السنة على ضرورة عودة الجيش العراقي القديم بكل ما سبب للشعب العراقي من مأسي ومصائب وكوارث؟ وماذا سيكون موقفهم عندما يطلق بعض السنة على المقابر الجماعية عنوان (المزابل الجماعية )؟وماذا سيكون موقف الآخر عندما يصر بعض السنة على إلغاء مشروع إجتثاث البعث؟ وماذا سيكون موقف الآخر لما تُسترجع المصطلحات القديمة المشحونة بالحساسية كمصطلح الصفويون مثلا؟ وماذا سيكون موقف الآخر عندما ترفض هيئة علماء المسلمين ـ مثلا ـ إدانة الزرقاوي في قتله للشيعة وتفجيره لمزاراتهم الدينية المقدسة؟ بل كانت الهيئة تشكك بوجود الزرقاوي أصلا، وماذا سيكون موقف الآخر عندما يوصف بالمجوسي وهو يقاتل على خط النار على الحدود اللبانية الإسرائيلة؟ وماذا سيكون موقف الأخر عندما يسمى قرود؟ وماذا سيكون موقف الآخر عندما لا يصدر من سنة العراق أي إستنكار أو رفض لفتاوي بعض علماء السعودية الداعية إلى تكفيرهم ومحاربتهم في كل أنحاء العالم؟ وماذا سيكون موقف الآخر عندما تُلْغى أكثريته كحقيقة سكانية مقيدة رسميا؟
لا أريد أن أطيل الحديث عن الكثير من المواقف السنية تجاه الآخر التي سجلها في دفتره، وعلق عليها بهامش بسيط مؤاده: عجيب، وهل هذا يتلائم مع حقائق الأمور؟ وهل هذا ثمن مواجهة العدوان الأمريكي في النجف وفي الناصرية وفي البصرة مع أن هذا العدوان وجد الطريق امامه مفتوحة في الرمادي والموصل؟ وهل هذا معقول وشرط جدولة إنسحاب قوات الإحتلال من أكبر المشاكل العالقة بين أكبر تيار شيعي والحكومة التي تعد شيعية؟ وهل هذا معقول مع فتاوي أكبر عالم ديني شيعي إلى حقن الدماء وعدم الرد على أي عملية تفجير وقتل حتى ولو طالت آلاف من شيعة العراق المساكين؟ وهل هذا معقول مع بسط اليد للتعاون على كل شي مقابل إدانة الزراقوي فقط؟ وهل هذا معقول مع الدعوة الملحة إلى مشروع الوحدة الإسلامية رغم التكفير المقابل؟
كان المفروض على سنة العراق أن يطرحوا مشروعهم التغييري الشا مل، المشروع الذي من شأنه إرساء العراق على معادلة جديدة، معادلة تر اعي حقوق الأكثرية، وتعوض عما لحقها من ضيم وشر وقهر على يد النظام السابق، مشروع يحترم حقائق الجغرافية العراقية والتاريخ العراقي، فليس سرا أن هذا (الآخر) هو الذي أسس أو كان المؤسس الرئيسي للدولة العراقية الحديثة.
كان المفروض على سنة العراق أن يتولوا بأنفسهم الدفاع عن شيعة العراق، وبذلك يحققون أكبر نصر ساسي وشعبي وفكري في العراق بالذات، ولكن للأسف الشديد كان سنة العراق محكومين بقانون رد الفعل غير المدروس، لقد وقع في روعهم أنهم خسروا كل شي، وأنهم أضاعوا العراق، وأنهم دخلوا مرحة العدم، العدم السياسي والفكري والروحي والاقتصادي، فكان هذا الموقف المتشنج، وكانت كارثة، ليس بالنسبة لهم فقط بل بالنسبة لشيعة العراق، وبالتالي، لكل العراق.
ملاحظة: اكتب بطبيعة الحال بشكل عام، ولا أقصد كل سنة العراق، ومثل هذه القضايا تطرح نسبيا وليس شموليا كما هو معلوم.