كتَّاب إيلاف

الأردنيون وذهبُ رغَد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

-1-
قالت الأخبار، بأن فئات من الشعب الأردني، وخاصة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، كانت من أكثر فئات الشعب العربي حزناً وتضامناً مع أسرة صدام حسين. ولم يسبق هذه الظاهرة غير الظاهرة الليبية الرسمية، التي أعلنت هي وحدها، دون العالم كله، بعربه، ومسلميه، ومسيحييه، ويهوده، حدادها على صدام لمدة ثلاثة أيام، على طريقة القذافي في نظرية العالمية الثالثة الخضراء، التي تتلخص في "خالف تُعرف"، ووجوب السماح لليهود والمسيحيين بالطواف حول الكعبة!
إنها جمهورية الهبل والجنون، تلك الجماهيرية الشعبية الديمقراطية العسكرتارية الديكتاتورية.
فلو سألنا أنفسنا: ما هو مبرر القذافي في هذا الحداد المشين، لما وجدنا له مبرراً. ولو كان هناك مبرر عقلاني للحداد الرسمي على اعدام صدام، لكان الأولى باليمن ومصر والأردن شركاء صدام في "مجلس التعاون العربي" الذي تشكل عام 1988، الحداد على "سيد شهداء هذا العصر" كما أُطلق على صدام بالأردن من قبل بعض الفعاليات النقابية ، وعلى "الأسد الضرغام الإمام أبو الشهيدين"، كما أطلق عليه الفلسطينيون.

-2-
ماذا جرى للعقل الأردني؟
ولماذا يتصرف الأردنيون على هذا النحو المخجل، والمهين للكرامة الأردنية أولاً؟
والسؤال هنا:
هل لو كان صدام حسين رئيساً للصومال الفقير، أو رئيساً لليمن المعوز، أو رئيساً لموريتانيا المعزولة، هل كان الاحتفال بشنقه سيكون على هذا النحو الذي جرى بالأردن وغزة على وجه الخصوص؟
من المعروف جيداً، أن صدام في حياته أغدق على النقابات الأردنية والإعلام الأردني والأحزاب الأردنية الكثير من المال، والكثير من العطايا والمطايا. وأن لحم أكتاف كثير من الزعامات الأردنية النقابية والسياسية والدينية والثقافية، هو من ذهب صدام، ومما سرقه من الشعب العراقي. وعندما خُلع صدام فجر التاسع من نيسان 2003 ، ولجأت ابنته رغد إلى الأردن، تابعت رغد الانفاق بسخاء على هذه الفعاليات. وظهر ذلك واضحاً من ذاك الجيش العرمرم من المحامين الأردنيين، الذين دافعوا عن صدام أثناء محاكمته. وتقدر بعض الأوساط، أن رغداً منذ أن لجأت إلى الأردن، صرفت ما يزيد على ملياري دولار من الأموال التي نهبها أبوها وأخواها من الشعب العراقي. وتم صرف هذه الأموال على النقابات وأجهزة الاعلام المختلفة والجمعيات الخيرية والدينية والتعليمية. وأصبحت رغد بذلك دعامة من دعامات الاقتصاد الأردني، ولهذا تم قبولها لاجئة في الأردن.
وأن رغداً التي ورثت مليارات الدولارات المسروقة عن أبيها هي وعائلتها، ما زالت تصرف إلى اليوم بسخاء على قطعان الشعب الأردني من الدهماء والمثقفين والنقابيين والسياسيين على السواء، الذي باع نفسه بثمن رخيص وبخس أمام العالم كله، بموقفه الغريب والمشين من خلع صدام، والقبض عليه، ومحاكمته، ثم شنقه.
فهل هذا الحزن العارم، وفاء من الشعب الأردني للذي غمره بالذهب والبترول المجاني، في سنوات خلت؟
إذن، فالشعب الأردني شعب شهم، ويحفظ المعروف، ولا يعضَّ اليد التي أطعمته وأحسنت اليه، ويستحق الاحترام، ويجب أن نبجّله بدلاً من أن نذمه!
وإلا، فما هو المبرر لكل هذه الدموع، وكل هذا اللطم، وكل هذا الحزن الكاذب والمموه، على واحد من أكثر طغاة الحكام العرب المعاصرين، والذي أذاق شعبه كؤوس العذاب والمرارة، واعتدى على جيرانه، واحتل أرضاً عربية؟
ما هو شعور الأخوة في الكويت ، الذين شردهم صدام، واحتل بلدهم، ولم يخرج منها إلا بقوة دولية؟

-3-
انني أطأطيء رأسي خجلاً أمام شعب العراق، وأرامل العراق، وأطفال العراق، وعائلات العراق، الذين كانوا ضحية الجلاد الذي تم شنقه بالأمس، ووصفته فئات من الشعب الأردني، بأنه "سيد شهداء عصره"!

يا للعار!
ولكن، لنعلم بأن ستين بالمائة من الشعب الأردني هم من الفلسطينيين البعثيين والإخوان المسلمين والحماسيين، المتحمسين لصدام منذ حرب الخليج، والذين وقفوا إلى جانبه في حرب الخليج.
ألم يقف الإخوان المسلمون إلى جانب صدام في حرب الخليج؟
ألم ير مشايخ الأردن صدام حسين في ليالي صيف 1991، وهو يركب حصاناً أبيض فوق سطح القمر؟
ألم يقف ياسر عرفات ومنظمة التحرير آنذاك، إلى جانب صدام في حربه على الكويت، والكويت هي التي على أرضها قامت فتح، وقام الكفاح الفلسطيني المسلح، واحتضنت وموّلت جزءاً كبيراً من الكفاح المسلح؟
ألم تنصب حماس سرادقات العزاء في غزة، عندما نفق عدي وقصي؟
ما أقسى جحود هذا الشعب الفلسطيني، الذي لا يميز بين عدو وصديق، وبين الأيدي البيضاء والكفوف السوداء؟

-4-
بئس هذا الشهيد، وبئس الشعب الذي يرقص لرنة الذهب، ويبكي لرنة الذهب، ويكذب لرنة الذهب.
فغداً سوف ينتهي ذهب رغد، فلنر من الفلسطينيين الأردنيين من سوف يذكر صدام، أو يبكي عليه، كما يبكون عليه اليوم؟
كلما نظرت إلى شعبي الأردني أزداد حزناً وأسى. فرغم هذه النسبة المئوية العالية من المتعلمين والمثقفين بينه، ورغم هذا الوعي السياسي الكبير، إلا أن هذا الشعب الفقير، يظل فقيراً بعقله، وذليلاً بحاجته. وطوال تاريخه كان الشعب الأردني هكذا قبل 1948 ، وبعد ذلك.
فناخبوه يُشترون بالمال، وسياسيوه يُشترون بالمال، وكراسيه تُشترى بالمال، وصحافيوه يُشترون بالمال.
وهذا ما فعله صدام، وفعلته بالأمس ابنته رغد، وتفعله اليوم كذلك.
لذا، كانت دموع الأردنيين بالأمس عليه مدراراً، وكان حزنهم عليه حزن اليتامى والأرامل.

فلا عجب، ولا عتب.

السلام عليكم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف