بكائيات العربان في سيد الطغيان!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأولى
تم إعدام القاتل الطاغية المجرم صدام حسين صباح يوم السبت الموافق الثلاثين من ديسمبر من العام الماضي، ساعات قليلة قبل بدء مراسم عيد الأضحى المبارك، وكان رأيي وما يزال أن إعدامه شنقا هو حكمة إلهية حسب قوله تعالى (وما للظالمين من أنصار) و (فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين) و ( سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) و (لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)، وبالتالي فقد قضت الحكمة الإلهية أن يشرب ذلك القاتل من نفس الكأس المريرة التي سقاها لمئات ألآلآف من العراقيين من مختلف الطوائف والقوميات. و من المهم أن نتذكر أن محاكمة الطاغية امتدت حوالي عاما كاملا سمح له فيها بحضور المحكمة في بدلاته الأنيقة، وكان في كل جلسة يخاطب الغوغاء كما كان في فترة استبداده، وكان يدخل المحكمة وهو يحمل القرآن الكريم من باب التمثيل والضحك على الجماهير الغفورة، وهو يعلم أن هذا القرآن العظيم كما ذكرنا يحمل كل الإدانات له ولجرائمه، بينما هو كان يقتل ألآلآف بدون محاكمة وفي أحيانا كثيرة بمسدسه شخصيا كما فعل مع أعضاء قيادته القطرية والقومية في بداية استيلائه على السلطة، وكما قتل زوج ابنته رغد بمسدسه دون أن يفكر في مصير أطفاله الذين هم أحفاده!.
بكائيات العربان
ومن حق أي معترض أو مستنكر لإعدامه أن يصرح بذلك،إلا أن نوعية التعبير عن هذا الاعتراض توضح بطريقة صارخة كارثة البلاغيات العربية التي تؤكد فعلا القول بأن (العرب مجرد ظاهرة صوتية)، وأنا متأكد أنه لم يكتب في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما انتقل للرفيق الأعلى أية نسبة مما كتب في هذا الطاغية عند تنفيذ الحكم فيه، فعند وفاة الرسول بكى بعض المسلمين ولم يصدقوا،فوقف فيهم أبو بكر رضي الله عنه وقال قولته المشهورة:(من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). أما عرب الخطابة والبلاغة اليوم وهي سلاحهم الوحيد لدغدغة عواطف الجماهير الأمية، فقد قالوا في إعدام الطاغية ما لا يصدق، وسأعرض لبعض هذه النكات دون ذكر أسماء قائليها كي لا يفهم أنه تعريض شخصي بالأشخاص، فأنا يهمني هو تشخيص هذه الظاهرة فقط:
أولا: كتب واحد من البكائين يقول: (قتلوك يا أبو الشهداء...قتلوك يا أبو عدي). تخيلوا هذا المجرم (أبو الشهداء)، فماذا بقي من صفات يمكن أن تعطى مثلا لشهداء الإسلام منذ عصر الرسول (ص)...أو للشيخ أحمد ياسين مثلا؟؟. ثم من يملك الحق في تصنيف البشر، أن هذا شهيد أو قتيل أو شيخ الشهداء؟؟.
ثانيا: كتب آخر: (أخافتهم هيبة صدام وشموخ صدام ورفض صدام وتهديد صدام وعملقة الكبرياء ولتعيش الأمة). أنا شخصيا ورغم إنهائي للمرحلة الإعدادية من دراستي فلم أفهم شيئا عن هذه الهيبة والشموخ والتهديد والعملقة!!!.
ثالثا: كتب آخر: ( فارقنا في الأمس بطل وقائد عربي لم يشهد تاريخنا العربي الحديث مثيلا له، فقد كان على الدوام قائدا شجاعا عربيا حرا مهيبا، فارقنا في الأمس شهيد الحرية والعروبة...أعدمت الأمة العربية بأسرها...أعدمت المروءة العربية والكرامة والشهامة والرجولة...لم يعدم صدام بل أعدم تاريخ العراق بأسره..لا بل تاريخ أمة عربية)...أين وماذا سيقول أنصار البطل العروبي جمال عبد الناصر؟.
رابعا: يقول آخر: (رأيتهم ملثمين يقودونه نحو حبل المشنقة...يقودون اسما وتاريخا وبطلا ورمزا...وهل تعدم الأسماء؟ هل يعدم التاريخ؟ هل يموت الأبطال؟ هل تموت الرموز؟ هل مات صدام حقا؟ ما مات صدام...وما شنقوه وما أعدموه ولكن خيل لهم!!. من المهم ملاحظة استعارة أو تقليد الآية القرآنية الكريمة في السيد المسيح ( وما قتلوه أو صلبوه ولكن شبه لهم)!!.
خامسا: كتب آخر (اغتيلت العروبة واغتيلت القيم والمبادىء والأعراف والقوانين السماوية والأرضية وكل معاني الآدمية وكسرت عقيدة فداء الإنسان، لينحروا رحمة الله التي أنزلها في كتبه وعلى رسله..). أعتقد أن هكذا بكائيات لا تحتاج لتعليق,
سادسا: وكتب آخر (لم يعدموا صدام، لكن أعدمونا كلنا من مأرب في الشرق حتى القيروان...لم يعدموا صدام لكن أعدموا عدنان مع قحطان)...وفي هذا الموقف لا أملك إلا أن أقول (عظّم الله أجركم) في وفاة أمة متوفية منذ زمن قحطان و عدنان!!!.
سابعا: كتب آخر (كان صدام يعتبر ثروات العراق هي ثروات العرب)، وهذا الكلام صحيح بالنسبة للقائل فقد كان ممن أكرمه صدام بالمال والجاه، عندما رفض وساطة المرحوم الملك حسين في الإفراج عن عدد من السجناء الأردنيين، واستدعى المذكور وأفرج عنهم ليعود بهم في همروجة وفزعة لا مثيل لها!!!.
ثامنا: ما تسمى (حركة القوميين العرب)، أصدرت بيانا قالت فيه: (قرار إعدام صدام حسين في عيد التضحية أطاح بتوازنات تاريخية في المنطقة وأصاب العرب بنكبة قد يتبين أنها أخطر من نكبة فلسطين)...تصوروا كم من مراكز البحث نحتاج لتحديد هذه (التوازنات التاريخية) التي أشك أن من كتبوا هذا البيان يعرفون ما يقصدون!! فهو مجرد كلام بلاغات فارغة، أترك الفتوى فيها لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، الذي آمل أن يكون على علم بهذه التوازنات التاريخية!!!.
هذه الأمثلة تكفي لأن رصد كافة ما قيل يحتاج لعشرات المئات من الصفحات، وليت بعض المحايدين يقوم بدراسة هذه الظاهرة البلاغية الصوتية التي أصبحت سمة أساسية للعرب، ولا يوجد أي إنجاز عربي آخر في ميدان العلوم والاختراعات والتكنولوجيا والصناعات.
هل هذا المجرم أول من يعدم صباح العيد؟
بعض الدول العربية والعديد من الأشخاص والمنظمات، أقرت أنه يستحق الإعدام ولكن ما كان يجب إعدامه صباح عيد الأضحى، وأعتقد أن هذه مسألة شكلية لا قيمة لها فهي ليست غريبة على الثقافة العربية الإسلامية فقد سبق وفي عهد قريب لعهد الرسول أن تم تنفيذ الإعدام صبيحة يوم العيد وبطريقة أبشع من طريقة إعدام المجرم صدام، وكما لفت انتباهي الزميل الدكتور شاكر النابلسي لهذه الحادثة ففي العام 124 للهجرة في العصر الأموي وفي الكوفة بالعراق تحديدا، وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، خطب أمير العراق آنذاك خالد بن عبد الله القسري في المصلين خطبة عيد الأضحى، وقال في خطبته: (أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا)، ثم نزل عن المنبر وذبحه بسيفه،أمام مئات من المصلين في صلاة عيد الأضحى، فلماذا نلوم المالكي وحكومته على ما هو أساسي و جوهري في الثقافة العربية الإسلامية؟ مع التذكر أنه في ذلك الوقت في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك لم يكن هناك جورج بوش ولا قوات تحالف دولي كي نتهمهم بأنهم وراء العملية نكاية بالإسلام والمسلمين، فهل يعقل أن الخليفة هشام بن عبد الملك وأمير العراق خالد بن عبد الله القسري كانوا يضمرون شرا بالإسلام والمسلمين؟!!.
أرى أن إعدام القاتل صدام بهذه الطريقة كان مناسبة لفئتين:
الأولى: ضحاياه بمئات ألآلآف ليتيقنوا من رحمة الله التي أشرت إليها، ولترتاح ضمائرهم من حكمة و دلالة (وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين).
الثانية: هولاء كتاب البكائيات العربية كي ينعوا لنا الأمة العربية، وبالتالي فإن أمة يتم نعيها بسبب إعدام مجرم منها لا تستحق إلا النعي، وها هو قد جاء من القائمين على أمور الوحدة ذات العلاقة ب (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).
وهنا لا أملك إلا التعزية بالقول (عظّم الله أجركم)!!!. وهنا أيضا أتذكر حديث الرسول (ص): " ما من عبد ظلم فشخص ببصره إلى السماء إلا قال عزّ و جل: لبيك عبدي لأنصرنك ولو بعد حين "...يا الله كم من مئات ألآلآف كانوا قد شخصوا بأبصارهم نحو السماء كلما قتل المجرم العشرات والمئات وألآلآف منهم!!!.
ahmad64@hotmail.com
الحلقة الثانية
(تفاصيل حول " الأردنيون و ذهب رغد " للدكتور شاكر النابلسي)