هل وصل العراق إلى نفق مغلوق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد تحويل فرح العراقيين بتنفيذ حكم الاعدام بصدام حسين إلى مهرجان طائفي واختزال جرائمه وجرائم نظامه بحق كل اطياف الشعب العراقي القومية والدينية وحتى الطائفية، إلى انتقام لعائلة وحزب وطائفة واخيرا هدية لمقتدى في الصراخ باسمه وهو الذي اول من رفع السلاح ضد العراق المحرر من البعثفاشي. لقد قسم العراقيين ذلك الفعل غير المسؤول في تصوير عملية الاعدام وما دار خلالها من مسرحية كانت لمصلحة المجرم على حساب الضحية " الشعب العراقي" ونشرها، تعميق هوة الخلاف بين ابناء الوطن الواحد التي قاما بها مسؤولين احدهما رفيع المستوى في الحكومة العراقية، حسبما صريح به يوم الثاني من كانون الثاني الحالي منقذ آل فرعون آل فتله، مساعد المدعي العام لقضية الدجيل، وأحد الذين حضروا عملية إلاعدام ؛ من إن مسؤوليَن أحدهما حكومي "رفيع المستوى" هما من صورا عملية إعدام صدام. وفي نشر ذلك. وبعد هذا وما جرى خلال اربعة سنوات بعد التاسع من نيسان هل وصل العراق إلى نفق مغلوق؟
اقف بين صديقين مفكرين يعملان بإخلاص مؤمنين بالعراق الجديد. احدهما له باع طويل في العمل السياسي العملي والتنظيري والثاني مفكر يقيم السياسة عبر منظور السلم التاريخي للاحداث. الاول اخذ اليأس ماخذه كما هو حال الكثيرين في ان العراق في سيره الحالي انزلق إلى ما لا امل. والثاني يعلل ذلك كطبيب في ان الامراض الفتاكه سيقضى عليها لا محالة٬ على الرغم ما تحصده من ضحايا. وانا انظر إلى واقع الحال العراقي عبر كلا الصديقين مسترشدا بفكر الاول وتجربته السياسية الطويلة بأن العراق يسير في طريق موغل بالمخاطر وينزلق كل يوم إلى بعد لا امل فيه عبر القادة الجدد واحزابهم الدينية والقومية٬ بغض النظر عن دورهم في عملية تحرير العراق من النظام الفاشي. اما الحالة المرضية التي يصورها الصديق الطبيب فقد بدأت تستفحل إلى مرض فتاك قاتل " الطائفية" اصبح مستشري اكثر من حدود المعقول واخذ يصيب مفاصل المجتمع العراقي ويتسرب حتى إلى بعض عقلائه ومفكريه. ومن المؤسف انها كانت اللاعب الفصل في عملية اعدام صدام. ولا اود ان اكون توفيقيا بين كلا الرأين، ولكني اود ان ادلو بدلوي انطلاقا من تجربتي السياسية التي لا ترقى باي حال من الاحوال إلى تجربة الاول ولكنها غنية على اي حال وكذلك قراءة التاريخ وفعله على الاحداث كما يبني الصديق الثاني فكره وتحليلاته السياسية. وانا انطلق مما ذهب إليه المفكر العفيف الاخضر في مقابلة معه في إيلاف في الثامن والعشرين من كانون أول 2006 بتبنيه لفلسفة التاريخ حيث يقول :" يحركه، اي التاريخ، صراع أبدي بين الاتجاه والاتجاه المضاد؛ الاتجاه هو التقدم إلى الأمام والاتجاه المضاد له اي ألعودة إلى الوراء. اتجاه التقدم إلى الأمام هو الاتجاه إلى الانتقال دائما أكثر من الطبيعة إلى الثقافة، من العقل الإلهي إلى العقل البشري، من الفطرة المتوحشة إلى التحكم في هذه الفطرة، إي في النوازع العدوانية المتأصلة في النفسية البشرية؛من الاتجاه إلى القتل والحرب والعنف إلى الاتجاه إلى حب الحياة والتعلق بالسلام، ومن الدولة الدينية إلى الدولة المدنية. وهذا الاتجاه يقابله الاتجاه المضاد إلى العودة إلى الوراء: من الثقافة إلى الطبيعة، ومن التحكم في الفطرة إلى تحريرها من عقال العقل، ومن التعلق بالسلام إلى فريضة الجهاد إلى قيام الساعة، ومن الدولة المدنية إلى الدولة الدينية. التاريخ المتحقق في الواقع هو حصيلة الصراع بين هذين الاتجاهين".
ان ما يجري الآن في العراق ليس فقط حصيله ذلك الصراع وانما ايظا ما خلفه النظام الساقط في بغداد وما غيره في خلق العراقيين وتصرفاتهم وكذلك يتحمل العراقيون انفسهم مسؤولية كبيرة. يمكن اعتبار تاثير النظام القمعي علي عراقي الداخل قد خلف ما نراه ولكن، كيف بعراقي الخارج والكثير منهم يعيش عقود بعيدا عن الدكتاتورية والقمع والتسلط الحزبي؟ فالكثير منهم ينعم في حياة رغيدة من حيث الامن والحرية وكذلك لدي الكثير منهم ضروف اقتصادية لا باس بها، لكن الكثير منهم ايظا يحملون نفس الصفة الوراثية للامراض المزمنة التي يحملها الفرد العراقي في الداخل في شخصيته وسلوكه،ومنها مرض الشخصنة وعدم الاعتراف بالجميل التي، لربما يحملها العرب اكثر من غيرهم في جيناتهم وفي طبيعتهم كما يحملون الشبق الجنسي حسبما ذهب إليه الصديق المفكر شاكر النابلسي في مقالته الاخيرة والمنشورة في إيلاف في السادس والعشرين من كانون الثاني 2006، اكثر من غيرهم، واحد الادلة علاقة الشعب الكردي مع محرريهم ( القوات الامريكية) وعلاقة العرب الشيعة مع محريررهم من الاستبداد البعثصدامي وآخرها ما صرح به عضو البرلمان العراقي عن القائمة الكردية حميد عثمان يوم الثالث من كانون الثاني الحالي :" إن القيادة الكردية لم تعلم بموعد إعدام صدام حسين ولم يشارك أى مسؤول كردى فى مراسم تنفيذه".
لقد وصف مسعود البارزانى رئيس إقليم كردستان العراق فى كلمة أمام له امام البرلمان الكردستانى كانون اول الماضي الأوضاع في بغداد بأنها عبارة عن صراع شيعي_ سني وآخر مع الإرهابيين. وقال "للاسف أستطيع القول حاليا بأنه يوجد صراعين في العراق، أحدهما داخلي بين الشيعة والسنة، والاخر مع الارهابيين الذين استفادوا من هذا الوضع وأصحبت الاجواء مناسبة لهم." واضاف "هناك أشخاص داخل الوزارات، وفي نفس الوقت وبأمكاينات الدولة، يرتكبون الجرائم ويساعدون الارهابيين، والحكومة أصبحت جسرا للارهابيين أو الاشخاص الذين هم ضد القانون." (http://www.iraqoftomorrow.org) فإلى اي مدى ينطبق قول البرزاني مع الحقيقة انطلاقا من كلا وجهتي المفكرين العراقيين؟ ان ذلك الصراع اساسه عدم الفصل بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة وفي استمرار ذلك سيقود إلى حروب دينية وطائفية ويعمق الهوة بين العراقيين.
اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خلال اجتماعه بالرئيس بوش في عمان بان مقتدى الصدر وجيش المهدي جزء من العملية السياسية في العراق، على الرغم من توقف جماعة الصدر عن المساهمة بالعملية السياسية جملة وتفصيلا وبداية تجميع تواقيع مطالبا بإنسحاب قوات التحالف من العراق،على الرغم من معارضة حلفائه في الاتلاف ومنهم نوري المالكي وعبدالعزيز الحكيم في تصريحه في واشنطن. وحسب اعتراف المالكي بان فرق الموت تاتي من بين ظهارني عصابات مقتدى او ما يسمى ب " جيش المهدي"، منها المذابح التي قامت بها في السماوة والرميثة وقبلها في الديوانية فهل ذلك جزء من العملية السياسية؟ وذهب المالكي بعيدا بنفي تدخل إيران في الشأن العراقي، في الوقت الذي، يعترف به احمدي نجاد بذلك ضمنا حيث يعتبر " العراق الحلقة الاضعف.. وانه يمسك بخيوط العراق بيديه.. وانه هو القادر على مساعدة الامريكان من خلال تاثيره في الواقع العراقي". وقد نشرت الصحيفة النمساوية فينر سايتونغ (WienerZeitung) في يوم الثاني من كانون الثاني الحالي مقالا في هذا المعنى.واخيرا جاءت تصريحات الناطق باسم قوات التحالف في العراق يوم السابع والعشرين الماضي أن لديهم صورا ووثائق وأفلام تثبت أن الدبلوماسيين الإيرانيين الذين اعتقلتهما القوات الأمريكية في نفس الشهر متورطان في عملياتإرهاب وقعت في بغداد. فمن نصدق إذا؟ وكانت تصريحات السيد عبدالعزيز الحكيم في عمان وهو في طريقه إلى واشنطن للمرة الثانية بانه يفخر ب" عروبة العراق"، وهذا جميل ان تسمعه من مسؤول في العراق الجديد، ولكن هل التاكيد على عروبة العراق والفخر بذلك عن طريق فتح كل الطرق والابواب امام الهجمة الإيرانية المغلفة باسم الإسلام؟ فقد صرح النائب في البرلمان العراقي حميد عثمان بان الايرانين الذين القت القبض عليهم القوات الامريكية كانوا في بيت "ضيافة" عبد العزيز الحكيم ( اصوات العراق ليوم 27 كانون الثاني 2006). كما وان الاخبار القادمة من مدن الوسط والجنوب العراقي تؤكد وجود جيش كامل من الحرس الثوري الايراني بملابس مدنية في الديوانية والسماوة وغيرها تحت راية قوات بدر التابعة للمجلس الاعلى للثورة الإسلامية. اما الافغان الذين يحتلون مناطق من بغداد وبشكل علني لم يدخلوا حتما من افغانستان مباشرة عن طريق الكويت او السعودية او حتى سوريا وانما عن طريق إيران وتسهيل منها قطعا. ان توسيع نيران الحرب الاهلية الطائفية، مهما كان نوعها وحجمها يجب ان يدان من الجميع ولا بد من ان توقف عبر خطوات وطنية سليمة وليس بالامنيات والاحلام، مثل إلغاء مبدئ المحاصصة الطائفية والتقوقع المناطقي والقومي والتحالفات غير الوطنية على اسس مصالح قومية وطائفية. ان ازدياد اعمال الارهاب في الفترة الاخيرة ودخولها حرب عشوائية باطلاق صواريخ الكاتوشا على الاحياء السكنية دون تميز او اطلاق قذائف الهاون على البيوت دون تفريق واغتيال القناصة للمدنين بالاضافة إلى الخطط العسكرية والسياسية المنظمة التي تنفذها عصابات الارهاب بقيادة ضباط النظام الساقط والمتعاونيين معهم من الجماعات التكفيرية والسلفية القاعدية ومخلفات حزب "العبث العربي " التي تمثلت في توزيع منشورات وعقد اجتماعات في عواصم اوربية كل ذلك غدى، ان لم يؤرق المخلصين للعراق ومستقبله ولكنها اخذت تضع اكثر من علامة استفهام ما العمل؟
مرة اخرى أعود إلى السؤال نفسه الذي طرحته في مقالة سابقة والذي اسال به من قبل الكثيرين، اصدقاء، قراء وكتاب في كتاباتهم ايضا. والمقصود؛ ما العمل من اجل الخروج من الوضع الذي يعيشه العراق بعد ان أصبح الذين عملوا ودعموا وساهموا في عملية إسقاط النظام البعثفاشي، اضحوكة ليس فقط من قبل اعداء عملية التحرير بمجملها وشماتة اعداء العراق الجديد وانما ايظا من قبل المتعطافين الخجلين من مشروع دمقرطة الشرق الاوسط.
وهل وصل العراق وحلفائه وكذلك مستقبله كبلد محرر ديمقراطي فديرالي النظام وموحد التراب الوطني إلى طريق مسدود وعلى الجميع الاستسلام؟ وان اليأس قد وصل حده؟ اي خروج قوات التحالف من العراق قبل تحقيق الوعد ببناء نظام ديمقراطي يتمتع به الجميع بكامل الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الدين والقومية والمنطقة، عودة ازلام النظام البعثفاشي وحلفائهم من جديد إلى سدة الحكم، تفتيت العراق إلى دويلات وصوملة بلد الحضارات؟ كلها سيناريوهات مشروعة تلقي ما يعززها بما يجري على ارض الواقع وهذا ما يعزز تشائم الكثيرين ومنهم، الصديق السياسي المخضرم.
ففوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات التشريعية الامريكية افرحت الكثيرين بان ذلك نهاية لوجود قوات التحالف في العراق. نشاط ازلام حزب البعث غير العادي داخل العراق وخارجه وبث معلومات عن اتفاقات ما بين قادة الحزب المقبور او فصائل منه وقوات التحالف من جهة ومن جهة اخرى عملية تاهيل لبعض قادته من قبل سياسيين عراقيين يحتلون مراكز رفيعة في هرم السلطة العراقية الحالية واخيرا محاولة توسيع نار الحرب الطائفية وفرق الموت التي تحصد ارواح العراقيين على اساس سياسي أو حقد طائفي ومن اجل اراقة دماء العراقيين بالكثرة وترويعهم، حتى وصلت الاعمال الاجرامية إلى تفخيخ لعب اطفال العراق واغتيالهم ووضع العبوات الناسفة في طريقهم او تفجير مدارسهم، كما حدث في مدينة الموصل او كركوك. ان المجازر التي جرت في مدينة الثورة والتي راح ضحيتها اكثر من 200 شخص وجرح 250 آخرين جاءت كقمة التطرف الطائفي والتكفيري الذي تقف وراءها عصابات البعثقاعدية. ولا يغيب عن البال ايظا خروج جماعات الموت الطائفي من بطون المدينة نفسها التي تحملت اكثر ما تحملت منطقة عراقية من حقد النظام الفاشي الساقط. ومن خلف جدران بعض بيوتاتها نظمت عصابات " فدائي صدام " و "جيش القدس" وكذلك عصابات "ابو درع "وغيرها من التنظيمات التي شكلتها اجهزة نظام صدام حسين وجماعات الحقد الطائفي فيما بعد، مسفيدة من حاجة الشباب العراقي إلى العمل حتى عبر خيانة الاخوة والوطن. حقيقة اكدتها جميع المصادر واعترافات الارهابيين من فرق الموت انفسهم بان ما يسمى ب " جيش المهدي" الذي يقود عملياته ضد السلطة الوطنية وقوات التحالف والذي يتخذ من المدينة مقرا له اغلبه من عصابات "فدائي صدام" التي كانت بامرة المقبور عدي صدام وكذلك من عناصر "جيش القدس" والكثير من رجال استخبارات النظام البعثي الساقط. وفي اليوم التالي لمجزرة مدينة الثورة قامت عصابات اخرى بالهجوم على حي الحرية شاعلة النار الطائفية من جديد على الرغم من طلب سياسيين عراقيين عدم الانجرار وراء الجماعات الحاقدة والمرضى الطائفيين بعد مجزرة مدينة الثورة. وكانت عمليتي منطقة البياع والاعظمية وآخرها مدينة الكوفة التي جاء منفذوها من بغداد الكرخ. ان تلك الاعمال الاجرامية، مجازر طائفية يذهب ضحيتها العشرات من العراقيين وتنفذ من قبل كلا المعسكرين. ان ذلك الحقد الطائفي تغذيه وتدعمه، ليس فقط الجماعات السلفية كعصابات القاعدة وانما أيظا زمر حزب البعث الساقط في داخل الوطن وخارجه مدعومة من عناصر كانت ولا زالت ضد عملية تحرير العراق وبناء عراق جديد ومنها حارث " الضار" وغير "الخالص" وغيرهما من الإسلامويين والقومجين العرب.
فعمليات الاختطاف الفردية والجماعية من قبل ميليشيات تعود إلى احزاب وصلت إلى حرب ضروس بين المليشيات نفسها، بغض النظر من انها من طائفة واحدة او مختلفة، الغرض منها الكسب المادي وتخويف الشارع العراقي وترويعه، تحت شعار "انا اقتل إذا انا موجود ". ان صورة مأساوية مروعة ترسم في العراق في كل مكان يجب ان نعترف بها دون مجاملة. وفي اعترافنا بذلك واحدة من الخدمات التي يمكن ان نقدمها من اجل الخروج مما نحن به. ولا بد من وضع النقاط على الحروف للاسباب وكذلك القاء الضوء على مفاصل حلها. ان الصورة الماساوية الحالية لم تخطر تفصيلاتها على ذهن من انتظر سقوط النظام الصدامي عقود اربعة وكان يحلم بزوال كابوسه المرعب، حتى وصل الامر بالبعض التصريح والكتابة على صفحات ادبياتهم ( الانترنيت، الصحف، الاذاعة المرئية والمسموعة) لا مانع بان يقوم حتى شارون بذلك. فما حدى مما بدى؟ اين الخلل في مسار العملية السياسية وما وصلت إلى حالتها اليوم حتى غدى كثيرين يترحم على نظام صدام حسين ويفضله على العراق المحرر من الفاشية؟ اما المخلصين فينظرون إلى ما يجري على ان هناك اكثر من فاشية جديدة ولدت على انقاض النظام الساقط تسود الشارع العراقي اليوم وتتحكم به، ولكن بلون آخر واسماء اخرى منها الطائفيةـ الدينية والتكفيرية القاعدية وكذلك التعصب القومي والتي يذهب ضحيتها العشرات من العراقييين يوميا في طليعة الاسباب ولا داعي من تعليق اخطائنا على شماعة الآخرين او رميها على قوات التحالف، كما قال الرئيس طالباني. ان الحقيقة الواضحة والجلية ان من يقف وراء الإرهاب اليومي عناصر اصبحت معروفة للعراقيين قبل سواهم. فالحلف غير المقدس بين القاعدة الجماعات التكفيرية من جهة وبين مخلفات نظام صدام حسين من جهة اخرى على الرغم من انها تتقاطع خطوطها واهدافها العقدية لكنها تسير معا في توجيه اشد الضربات الموجعة للامن والمواطن العراقي وكذلك زهق اكبر عدد من ارواح المواطنيين والتمثيل بضحاياهم. كما تساهم المليشيات مثل " جيش المهدي" في حربها المفتوحة ضد العراق الجديد وسقوط العشرات من الابرياء من عناصر الشرطة العراقية في الديوانية والسماوة والرميثة اخيرا. ان هناك حلف اجرامي لربما غير مكتوب بين تلك الجماعات الارهابية والخارجة على القانون لتحطيم الحلم في وطن آمن وعراق جديد. وللعودة إلى حالة الاستسلام التي يمكن ان تصيب البعض او فقدان الامل بعراق الغد، لا بد من الابتداء من نتائج الانتخابات الامريكية الاخيرة التي يعول عليها البعض في داخل العراق والاغلبية العربية من المستفيدين السابقين من كابونات النفط وانتهاءا من مطايا التنظيمات القومجية والبعثصدامية وغيرها. وقبل الخوض في هذه النقطة لا بد من الاشارة إلى اخطاء غير قليلة قامت بها الادارة الامريكية في العراق، ولكن يقف وراء اغلبها العراقيون انفسهم، خاصة اولئك الذين كانوا أدلة ومستشارين وقدموا النصح لها في مختلف الجوانب الادارية والسياسية والعملياتية، هذا من جانب ومن جانب آخر ان النجاحات الهائلة التي تحققها امريكا في جميع المجالات الاقتصادية، العلمية (اغلب العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل للعلوم هذا العام جائوا من الولايات المتحدة) وكذلك الصناعية خلفت نوعا من الشعور لدي واضعي السياسة الستراتيجية بان ما يخطط له ويفكر به امريكيا هو عين الصواب. وإذا اضيفت إلى تلك القاعدة،أخطاء الجانب العراقي يمكن قياس درجة الخطأ الذي تدفع ثمنه الادارة الامريكية نفسها والشعب العراقي. وآخرها توريط الادراة الامريكية وبوش نفسه في ان عملية اعدام صدام حسين قد مرت بشكل حضاري وبحضور 7 اشخاص، حسب تقرير موفق الربيعي لمحطة سي ان ان وبعد ذلك تظهر فضيحة شريط الفيدو في غرفة الاعدام. وانطلاقا من فلسفة التاريخ التي عرضها العفيف الاخضر كما ذكر اعلاه "على وقف القتل والحرب والعنف والاتجاه إلى حب الحياة والتعلق بالسلام، وتغير الدولة الدينية إلى الدولة المدنية"، وفي العودة إلى فرح الكثيرين بهزيمة الحزب الجمهوري وانعكاساته على الساحة العراقية يمكن ان يطلق على ذلك مرضى عمى الألوان(Colour Blindness). أما في الشكل الوخيم لهذا الاضطراب اي العمى الالوان الكلي
((Total Color Blindness فترى جميع الألوان سوداء وبيضاء وهذا ما ينطبق على ذلك القطيع لاعتبارات بان حصول الحزب الديمقراطي على الاكثرية سيغير سياسة الولايات المتحدة بالنسبة للعراق وكأن هؤلاء الناس لا تهمهم مصلحة امريكا وامنها . ان الحزب الديمقراطي هو الذي كان وراء مشروع تحرير العراق وإقراره. وان قادته كالسناتور جون كيري كان مهتما بالملف العراقي والتقى بالكثير من زعماء المعارضة العراقية قبل التاسع من نيسان وبالتالي فامن الولايات المتحدة مرتبط بما تقوم به قواتها من قتل عشرات القاعديين في العراق والقاء القبض على المئات منهم. والحرب على الارهاب لا تهم فقط الحزب الجمهوري وحده وانما كلا الحزبين ويتنافس على الحفاظ سمعة اعظم بلد في العالم كل سياسي امريكا، ومنها نجاح قواتهم في العراق وفي افغانستان وفي غيرها من الاماكن. أن اعدام صدام حسين وجه صفعة قوية وبدد احلام الكثيرين الذين راهنوا على عودته. ان المعركة التي تجري على الارض العراقية اليوم، هي معركة بين مستقبل العالم المتحضر وبين الهيمنة والتسلط الديني المتطرف. وكما قال جنرالات امريكا " نحن قادرون على خوض اكثر من معركة في نفس الوقت ". وقال وزير الدفاع الجديد روبرت غيتس من ان الفشل الامريكي في العراق سيكون كارثة على امريكا. وقال خلال مراسم ادائه القسم وزيرا للدفاع: "اننا جميعا ننظر في السبل التي تعيد ابناء امريكا وبناتها الى ارض الوطن ولكن وكما وضح ذلك الرئيس "جورج بوش" فاننا ببساطة لانحتمل أي فشل في الشرق الاوسط." واضاف "ان الفشل في العراق في مثل هذا الوقت يعد كارثة على امريكا وسيضعف مصداقيتنا ويعرض الامريكان للخطر على مدى العقود القادمة." وبالتالي فان الولايات المتحدة الامريكية وجيشها باقي في العراق إلى انتهاء المهمة التي خطتها امريكا لنفسها بغض النظر من يحكم، الحزب الجمهوري او الديمقراطي، في بناء عراق جديد وتصيفة الارهاب والقوى الداعمة له في العراق وفي المناطق المحيطة به، وهذا في مصلحة العالم وامريكا ايظا. كما وان هناك رعب حقيقي، لدي الأوربيين من ان انسحاب مبكر للقوات الأميركية من العراق سيكون عملا خطرا وهزيمة مذلة، ليس لأميركا وحدها، وإنما لعموم العالم الغربي. فشهادة مايكل هادن التي جاء فيها، بأن أي نصر لتنظيم القاعدة في العراق، إنما يعني وقوع العراق بأيدي المتشددين الأصوليين الذين سيهددون، ليس أمن المنطقة كلها فحسب، وإنما امن الولايات المتحدة. جاء اعلان القائد العام لقوات الحرس الثوري الايراني الجنرال رحيم يحيى صفوي الخميس 28 كانون الثاني 2006 :"ان ايران تسعى لتكون القطب الاول في منطقة الشرق الاوساط اقتصاديا و سياسيا و امنيا واضاف: "ان الاعداء يخشون ان تتحول ايران الى القوة الاكبر في المنطقة". والسؤال على حساب من؟
اما بالنسبة لتفتيت العراق، ذلك الهاجس الذي يخيف ويؤرق كل وطني العراق وكذلك الدول المجاورة المهتمة بامن العراق ومستقبله وكذلك العالم بمجمله له ما يبرره من خوف ومن خطر قريب يمكن ان يرى المرئ علاماته على الارض انطلاقا من مفهوم الفدرالية وممارستها (عقدت مليشيات بدر مؤتمرا في منتصف كانون اول الماضي عن اهمية الفدرالية، حسب تصور الذين تعمل لانجاح مخططاتهم في العراق من دول الجوار). وهناك الرغبة الجامحة من قبل الاخوة الاكراد الاستفادة من الوضع غير الطبيعي الحالي لبناء كيان كردي مستقل داخل الدولة العراقية، يستفاد من خيمتها ولا يقدم لها ما يدعم وحدتها وسيطرتا على مجمل اراضي العراق انطلاقا من حجج لا تستند على الارض وليس لها دليل تاريخي يحميها ومنها الاستيلاء على اراضي الاقليات من الكلدان والآشوريين وتفريغ قراهم ووصل الامر إلى عرب مدينة الموصل. على الرغم من الايمان بحق الشعب الكردي الشقيق في تحقيق امانيه القومية، ولكن ليس على حساب دولة واحدة تعترف بحقوق كافة القوميات المتآخية في العراق، ذات إدارة مركزية قوية تاخذ على عاتقها قضايا الدفاع والخارجية والمالية والتعليم.
فليس غريبا على العديدين الايمان بنظرية تفتيت العراق انطلاقا من الفدرالية على اساس طائفي او قومي،فدرالية الوسط والجنوب والشمال والغرب فهي قنابل متفجرة لتفتيت التراب الوطني العراقي ووحدته ولاول مرة في تاريخة الحديث. إستنادا إلى ما طرح من كلا الجانبيين العراقي وغير العراقي، اصوات من خارج الحدود وبعضها امريكية لاغراض سياسية داخلية بحته ومصالح حزبية متاثرة ب " لوبيات" محددة الاهداف في حل القضية العراقية بتقسيم العراق من اجل ان تكون منطقة آمنة في شماله يعول عليها دائما. فان تلك الاصوات بعيدة جدا ليس فقط عن المصلحة الوطنية العراقية وانما عن مصلحة الولايات المتحدة الامريكية على المدين القريب والبعيد. فقد نشرت الواشنطن بوست مقالا للسيدة رند الرحيم، اول سفيرة للعراق في واشنطن بعد سقوط الصنم البعثي حول الموضوع كان مقالا موجها اصلا للادارة الامريكية من ان تقسيم العراق يظر المنطقة ومصالح الولايات المتحدة. وقد اكدت رايس، وزيرة الخارجية الامريكية في اربيل ذلك التوجه في أن وحدة التراب الوطني العراقي قضية لا يفرط بها. كما وان صوملة العراق ولبننته لدي المطبلين والمروجين لذلك له ما يبرره . فالمليشيات التي اصبحت دول داخل الدولة الواحدة والاحزاب التي تديرها تدخل في صراع دموي يومي يذهب ضحيته عشرات العراقيين الابرياء. وما الجثث المجهولة الهوية التي تكتشف يوميا في بغداد والمدن الاخرى إلا شواهد بسيطة على ذلك. ان الصراع الدموي ذلك من اجل المصالح الذاتية والفئوية والطائفية والحزبية هي إشارة واضحة تشير إلى انزلاق العراق إلى حالة " الصوملة " او " اللبننة" بالنسبة للعيون التي تريد ان ترى ذلك وتامل منه من اجل افشال تجربة بناء العراق الجديد. ان تسيس الدين الإسلامي واعطاء رجال الدين الكلمة العليا في قضايا دنونية، كما هو الحال استغلال الدين من اجل منافع سياسية قادت إلى ذلك وابقائها سيفاقم الحالة. فأن عدم الفصل بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة إحدى الأسباب التي ستقود إلى الحروب الدينية والطائفية.
نعم الوضع سئ وصعب للجميع وليس لطرف من الاطراف ولكن الاقوى هو الذي سينتصر مهما كانت الصعاب. ان النفس الطويل والامكانيات الهائلة والمصلحة القومية والمسؤوليه الدولية التي تتحملها الولايات المتحدة كقوة عظمى ستخرج من الوضع العراقي منتصرة لا محالة، يغيض البعض ذلك او يفرح الاخرين. ان انتصار الولايات المتحدة ينبع اساسا من منطق التاريخ الذي ترسم صوره الاحداث التي مرت بها الانسانية عبر تاريخها ولا يمكن مقارنة حادثه ما مع اخرى وان تشابه اللاعبين. فلا يمكن مقارنة فيتنام بالعراق ولا الصومال به ايظا. فالعراق قمة امل كل القوى عبر التاريخ، القريبة منه والبعيدة عن بلاد ما بين النهرين، ومن يحكم زمامه استطاع ان يمسك بزمام اغنى واهم منطقة استراتيجية في العالم من حيث امكاناتها الاقتصادية ( النفط والغاز) وموقعها الجيوسياسي وبالتالي لا يمكن أن يتصور عاقل ان تقدم الولايات المتحدة بعد التضحيات التي قدمتها من ارواح ابنائها وأموال دافعي الضرائب الامريكين العراق لاعدائها واعداء الشعب العراقي والحضارة الإنسانية عامة. قال روبرتس غيتس خلال لقائه مع الجنود الاميركيين اثناء زيارته لبغداد بعد ادائه القسم كوزير للدفاع، عن قلقه ازاء الدور السلبي الذي تلعبه سوريا وايران، خصوصا في العراق وقال :"ان جيران هذا البلد يجب ان يفهموا جيدا اننا سنبقي طويلا في الخليج العربي."،واشار غيتس الى اهمية فهم السياق الاقليمي الذي يجري فيه الصراع في العراق. واضاف :"يجب ان نتاكد تماما من ان الجيران يفهمون اننا سنبقى هنا طويلا، و(هنا) اعني بها الخليج." ان ما يجري على الارض صعب ومرير وكثير الالم ولكنه افرازات اربعة عقود من الحكم الدكتاتوري الذي شوه الخلق العراقي والنزعه الوطنية لدي العراقيين وكذلك تكالب دول الجوار من اجل افشال مشروع في حالة نجاحه سيغير المنطقة برمتها وسوف تطيح رؤوس وانظمه كثيرة من جرائه. أن مثال واحد ما احدثته هزة التاسع من نيسان من انجازات في المنطقة، وهي الخطوة الاولى واعني بها التغيرات التي حدثت في السعودية من مؤتمرات التفاهم الوطني واشراك شريحة مهمة من الشعب هناك فيها لم يكن يعترف بها اطلاقا. واجراء انتخابات مهنية لبعض منظمات المجتمع المدني، انتخابات البحرين والكويت واخيرها الانتخابات في دولة الامارات العربية المتحدة ودخول اول نائبة منتخبة بشكل ديمقراطي ومباشر للبرلمان وكذلك ما يجري في مصر وفي غيرها. ان حداد القذافي ونظامه الاستبدادي على اعدام صدام حسين مؤشر آخر على الخوف من رياح التاسع من نيسان التي ستصل حتما إلى خيمة القذافي وتقتلعها من جذورها. ومن يدري لربما سيشهد العالم تعليق حاكم آخر على مشنقة اخرى. ان هذا ما كان يحدث لولا التاسع من نيسان. ان الكثير من الحكام ومنهم في الدول العربية شاهدوا وصول صدام حسين ذليلا إلى قفص الاتهام في محكمة وطنية وتنفيذ حكم الاعدام به، يمكن ان يطيل اي رأس في المنطقة، وليس ذلك ببعيد. قال الرئس مانديلا بعد 27 عاما من السجن :" اعظم ما في الحياة ليس في عدم السقوط بتاتا، بل بالوقوف بعد كل سقوط ". لقد سقط العراق لاربعة عقود ماضية في فخ الاستبداد البعثصدامي واخرج منه في التاسع من نيسان 2003 والآن تحاول قوى دينية ازلاقه إلى دكتاتورية بلبوس الدين والطائفة ، ولحسن الحظ ان العالم قد تغير وكذلك موقع اللاعبين فان العراق سينهض من هذا السقوط ايظا، إذا استطاع التيار الوطني العراقي ان يكون للاعب الأهم على الساحة السياسية واعتبار الوطنية العراقية المعيار والعراق اولا الهدف.