كتَّاب إيلاف

لا تظلموا شيعة العراق؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

التداعيات و ردود الأفعال المتوترة عراقيا وإقليميا التي أعقبت تنفيذ حكم الإعدام بديكتاتور العراق الأسبق صدام التكريتي قد رسمت في إطارها العام خيوطا و ملامح ذات أبعاد موغلة في الطائفية و سوء الفهم و التعدي على شريحة واسعة و مهمة للغاية من شرائح الشعب العراقي، فبريدي الشخصي مثلا وإنطلق هنا من تجربتي الشخصية مليء يوميا بكل أشكال و عبارات الشتم البذيء و الرديء و التكفيري الواضح ضد إخوتنا الشيعة ظنا من المرسلين لتلك الأراجيف من أنني أحد (دعاة الشيعة) أو أحد عناصرهم الحزبية بسبب موقفي المناهض لنظام صدام!! وكأن صداما البائد كان إماما من أئمة السنة!! أو لكأنه أحد أهل الحل و العقد في الجماعات الإسلامية ؟ أو لكأنه أيضا ممثلا لسنة العراق في صراعهم ضد شيعته؟؟ وقد تناسى هؤلاء الهوية الحقيقية لصدام البائد و لنظامه المقبور وهي هوية بعثية إشتراكية إنقلابية عفلقية تدين بالولاء لفيلسوف البعث المقبور (ميشيل عفلق)!! وهو قبرصي الأصل وعلماني التوجه ولا علاقة له لا بالخلافة الراشدة ولا بالإمامة العادلة ؟ و لا يعرف الفرق بين الإمام مالك أو الإمام أبو حنيفة فضلا عن جهله التام بأهل السلفية المسالمة أو المجاهدة ؟ ثم أن صداما ذاته لم يكن في صفوف حزب (سني) أو ديني بل في حزب قومي ذو ملامح نازية وفقا للطريقة العشائرية العربية المتخلفة المعروفة وشعار هذا الحزب الحقيقي هو:
"البعث ديني والعروبة مذهبي!!"

أو ذلك الشعار البعثي المعروف و القائل : (إن تكن سائلا عن مذهبي، فأنا بعثي إشتراكي عربي)!! ولم يقل البعثيون الأوائل يوما بأنهم متدينون أو يقيمون وزنا للطوائف و المذاهب وحتى للدين أي دين ؟ بل كان رائدهم و دليلهم هو الشعارات القومية ووحدة الأمة العربية على النمط البسماركي و بالطريقة الإنقلابية أي الهيمنة على السلطة بالقوة ثم تنفيذ برنامجهم الفاشي وهو ما فعلوه في سوريا و العراق وبكفاءة منقطعة النظير حيث تفننوا في تدمير البلدين وإفقارهما و نهبهما و تعطيل كل آفاق النهضة و التطور، وساهما في إرجاع شعبي سوريا و العراق لمرحلة داحس و الغبراء الجاهلية عن طريق إثارة الأحقاد و النزاعات الطائفية وتهشيم كل أسس التواصل الإجتماعي و الحضاري، ونظام صدام البائد الذي تحاول بعض الأطراف اليوم تصويره على كونه (نظام سني وقف في وجه الشيعة وأطماعهم) كان قد بدأ حكمه و هيمنته بقطف رؤوس كبار زعامات أهل السنة من أمثال الشهيد (الشيخ عبد العزيز البدري) أحد كبار الزعامات الإسلامية في العراق بداية السبعينيات من القرن الماضي في (قصر النهاية) كما قتل الشيخ (ناظم العاصي) وهو من قيادات أهل السنة أيضا و تطاول على القيم الدينية و العقائدية متحديا مشاعر المسلمين في العراق بسلسلة من جرائمه الموثقة و المعروفة قبل أن يرتدي جبة الإيمان المفاجئة و المنافقة في حملته الإيمانية عام 1994 و التي كانت حملة منافقة لنظام أبدع في الإجرام و الرذيلة، وصدام المقبور نفسه هو من أعدم قيادات بعثية (سنية) مهمة ورفيعة في عام 1979 وبدون محاكمة كثمن لهيمنته على الحزب و الدولة ومنهم القيادي البعثي المعروف عربيا (عبد الخالق السامرائي) و (محمد محجوب) و (غانم عبد الجليل) و (اللواء وليد سيرت) و المرحوم الرفيق الأردني منيف الرزاز، دون أن ننسى الشاعر الذي أوصله لدرجة الألوهية وهو المرحوم (شفيق عبد الجبار الكمالي) صاحب المعلقات في مدح صدام و حيث وصفه في إحدى قصائده بقوله :
تبارك وجهك الوضاء فينا كوجه الله ينضح بالجلال (أستغفر الله العظيم)!!، أو قصيدته الأخرى التي غنتها المطربة العراقية المعروفة (مائدة نزهت) و التي وصف فيها صدام بكونه أعذب من نهر الفرات : (هو الزورق المنتخى للفرات و تحتار أيهما الأعذب !!! هو القدر الواحد الأوحد... هو البعث و البعث لا ينضب... هو المبتدى ما له منتهى... إلى آخر ذلك اللغو الرخيص... ولم يفلت صاحبنا الشاعر من سوء المنقلب بل أعتقل ودس له السم ليموت في سم الفئران موتا بطيئا فيما بعد دون أن يتذكره أحد رغم كونه شاعر النشيد الوطني العراقي حتى اليوم (وطن مد على الأفق جناحه وأرتدى مجد الحضارات وشاحا بوركت أرض الفراتين وطن عبقري المجد عزما وسماحة)!! فهل كان الكمالي صفويا ؟؟، لقد كان صدام ظالما من نمط خاص و متميز فهو قد وزع ظلمه على جميع العراقيين وهو في سبيل بناء زعامته الفردية المريضة كان يستعين بكل الأدوات ويبطش بكل الأشياء دون مراعاة للجوانب الطائفية، و التعدي على شيعة العراق هو تعدي فج ووقح على العراق ذاته، فالشيعة في العراق لم يمارسوا عملا خارجا عن الأعراف الوطنية المعروفة وكان أبرز رمز من رموزهم وهو
الشهيد السيد محمد باقر الصدر الذي أعدمه صدام وبيد شقيقه المجرم برزان التكريتي يوم الثامن من نيسان/ إبريل 1980 كان يبدأ بياناته السياسية بلغة توحيدية جامعة لكل العراقيين بقوله : (يا أبناء عمر وعلي)، وكان مشروعا وطنيا موحدا و جامعا، أما خلط الأمور وإعتبار جرائم بعض مراهقي ومنحرفي الشيعة بكونهم المعبر الحقيقي عن وجه أهل الشيعة في العراق ففي ذلك ظلم و تجني كبير، ولعل العديد من المغرمين بإجرام نظام صدام في العالم العربي المتوتر و المريض لا يعلمون بأن آخر هارب من البعثيين وهو وزير الإعلام السابق محمد سعيد الصحاف (أبو العلوج) كان شيعيا (صفويا) وليس تكريتيا أو فلوجيا أو رماديا أو من بقية العترة الرئاسية (المقدسة) أو من جماعات العشائر الإنكشارية المؤيدة لصدام ؟ كما أن كثير من زعامات البعث هي ذات أصول شيعية مثل (سعدون حمادي) وقيادات الفرق الحزبية في الوسط و الجنوب العراقي، وإذا كانت عملية إعدام صدام قد تمت بصورة رديئة وحملت طابعا طائفيا فإن مسؤولية ذلك لا تقع على شيعة العراق و لا علاقة لذلك الأمر بوطنيتهم وإنتماؤهم العراقي الذي نرفض رفضا باتا أن يزايد عليه جمهرة من العرب لا يعرفون من القضية العراقية أبسط أبجدياتها ؟ فماذا يعرف مثلا المغربي وزعيم المؤتمر القومي العربي المدعو (خالد السفياني) عن التركيبة الشعبية العراقية لكي يصم شيعة العراق بالخيانة وهم مادة العرب ووجودهم في العراق ؟ وماذا يعرف القوم في الجزائر عن حقيقة الولاء الوطني و القومي لشيعة العراق ودورهم التاريخي في حفظ الإسلام و اللغة العربية من الإندثار في العراق الذي كان مستقرا لغزوات وأقوام غريبة ؟ و ما علاقة لجان العقيد الخضراء الليبية في القضية الشعبية في العراق وهم الذين لا يمتلكون من أدوات الإصلاح السياسي سوى العويل و الشعارات البايخة كالمرأة تحيض و الرجل لا يحيض !! أو أن السود سيسود!!! عيب و الله مهرجان الشتائم و التكفير الغبي السائد في الساحة العربية بشكل أهوج ومريض، ثم ماذا قدمت تلكم الأحزاب العربية المتخلفة لشيعة العراق أيام كان نظام صدام يقتل ويبطش بالجملة و المفرد ؟ من دافع عن عروبة العراق أمام محاولات الغزو الإيرانية ؟ ألم يكن شباب الشيعة في العراق يمثلون أكثر من 90% من حجم الجيش العراقي السابق ؟ ألم يقدموا ملايين الشهداء في حروب النظام العدوانية الخاسرة ؟ إنني أرفض و بشدة الطعن في ولاء شيعة العراق من أطراف لا تعرف عن العراق وتركيبته شيئا سوى تلك الدعايات المغرضة المترسبة من غياهب تاريخ الفتنة الكبرى، فمصير نظام صدام البشع لم يقرره الشيعة أبدا بل قرره وحسمه النظام البائد العدواني بأساليبه الإرهابية وترويعه للجوار و للشعب الذي حكمه بالحديد و النار، ألم يغز نظام صدام دولة الكويت في محرم الحرام ويلغيها من الخارطة بجرة قلم ؟ فهل كانت دولة الكويت دولة صفوية....!، حرام و الله كل هذا اللعب و العبث اللامسؤول الذي تمارسه اليوم أحزاب وجماعات عبثية مخربة تحاول تصعيد الفتنة الطائفية في العراق وتشويه مواقف الأحرار والإساءة المباشرة لمكونات المجتمع العراقي فضلا عن تشويه الوقائع و التاريخ... صدام قد أعدم نفسه بيده بجرائمه النكراء التي لا يمكن الصفح عنها فهي ذات طبيعة شمولية، فالعرب وضمائرهم الميتة لم تبك للأسف على أرواح ملايين العراقيين التي تساقطت بأيدي النظام ولا زالت تتساقط في حرب الإرهاب اليومي بينما يصلون صلاة الغائب ويقيمون سرادقات العزاء ويلطمون على مصير نظام إرهابي مجرم معفرة يداه بدماء العرب في الكويت ومصر و الأردن وعرب الأهواز في إيران وعرب العراق وكردهم من السنة و الشيعة... لا تظلموا شيعة العراق وحاولوا قراءة الواقع و التاريخ العراقي جيدا قبل أن تنضموا لزفة النفاق القومي السائدة حاليا، فشيعة العراق كما هم سنته كانوا ضحايا في حروب ومجازر نظام لم يعرف تاريخ العرب الحديث مثيلا لهمجيته... أما عويل المنافقين و المرضى النفسيين فإن التاريخ سيتكفل بهم، وسيظل العراق واحدا موحدا ومقبرة للطغاة و القتلة.
dawoodalbasri@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف