النظام السوداني لا تزال لديه فرصة...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس من مصلحة السودان الدخول في حروب القارة الأفريقية. الدليل على ذلك ما تشهده الصومال حالياً، حيث "المحاكم الأسلامية" التي حاولت اقامة نظام شبيه بنظام "طالبان"، فأذا بها أمام هزيمة نكراء تجسّدت بفقدانها آخر مواقعها في كاسمايو. يفترض في النظام السوداني أدراك أنّه يدخل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حروباً لا يمكن ألاّ أن ترتدّ عليه، بدل أن يكون عاملاً من عوامل التهدئة في المنطقة المحيطة به بما يخدم مصالحه ومصالح المنطقة وأهلها في المدى الطويل. ما يقوم به السودان حالياً يصب في عملية تستهدف ضرب الأستقرار في المنطقة المجاورة له مع ما يؤدي أليه ذلك من أنعكاسات على القرن الأفريقي كلّه. يحصل التدخل السوداني، الذي يشكّل قبل كلّ شيء عملية هروب ألى أمام، تحت شعار المواجهة بين العرب والأفارقة. وفي ذلك ظلم للعرب وللعروبة أوّلاً نظراً ألى أن هناك أفارقة عرباً من الأجدر بالسودان المحافظة عليهم بدل أستخدامهم في معارك لا هدف لها سوى المحافظة على النظام في الخرطوم عن طريق خلق عصبية ما له. مثل هذه العصبيّة يمكن أن تفيد النظام ولكن لفترة محدودة جدّاً، في حين أن ما يخدمه في المدى الطويل وما يخدم السودان كدولة أفريقية وعربية كبيرة العلاقة الطيبة بمحيطها العربي والأفريقي. ما يخدم السودان ووحدة السودان، في حال كان مطلوباً المحافظة على هذه الوحدة، الأبتعاد عن كلّ ما يفرّق بين ما هو عربي وما هو أفريقي، خصوصاً أن المنطقة التي يقع فيها السودان وتركيبة البلد نفسها لا تسمحان بمثل هذه التفرقة التي هي أقرب ألى جريمة أكثر من أيّ شيء آخر.
من هذا المنطلق، يفترض في السودان الأهتمام بمشاكله الداخلية والسعي ألى حلّها بدل التورط في نزاعات أقلّ ما يمكن قوله أن البلاد في غنى عنها. تلك مصلحة السودان، وتلك مصلحة السودانيين الذين يستحقّون حياة أفضل من تلك التي يعيشونها حالياً بعيداً عن الأوهام والمغامرات التي تؤخّر ولا تقدّم.
وما دام مطلوباً تسمية الأمور بأسمائها، لا بدّ من الأعتراف بأنّ هناك مشكلة حقيقية في دارفور. ليس في اٍستطاعة الحكومة السودانية تجاهلها عن طريق القول أن عدد ضحايا النزاع لا يتجاوز بضعة آلاف وأن ما تدّعيه المنظمات الدولية، وهي منظّمات غير حكومية، مجرّد مبالغات ليس ألاّ. الحقيقة مختلفة للأسف الشديد. هناك مئات آلاف الضحايا في دارفور بسبب تشجيع الحكومة السودانية ميليشيات الجنجويد على أرتكاب فظاعات. الموضوع ليس موضوع نفي ما ترتكبه هذه الميليشيات بمقدار ما أن الموضوع مرتبط ألى حدّ كبير بتقديم أدلّة ملموسة تدحض ما لدى المنظمات الأنسانية الدولية من براهين على الجرائم التي ترتكب في حق قسم من أهل دارفور. هذه جرائم ترتكب في حق أولئك الذين من واجب الحكومة السودانية حمايتهم بدل السعي ألى تغطية الجرائم التي يتعرّضون لها بشكل يومي، بل في كلّ ساعة، وهي جرائم تشمل الأطفال والنساء للأسف الشديد.
يُختصرما يحصل حالياً في دارفور والمنطقة المحيطة بالأقليم، خصوصاً في التشاد، بأن الحكومة السودانية ترتكب الخطأ نفسه الذي أرتكبه الدكتور حسن الترابي عندما كان مسيطراً على جزء من القرار السوداني. كانت لدى الترابي أحلام كبيرة تبيّن لاحقاً انها مجرد أوهام. وقد تمكّن الرئيس عمر البشير من التخلّص منه ومن مزايداته ووضعه على الرف بعد أدخاله السجن لفترة قصيرة. كان الترابي يحلم بتغيير الأوضاع في كلّ المنطقة المحيطة بالسودان، بما في ذلك مصر والتشاد ، وفي منطقة القرن الأفريقي. لكنّ أحلامه وطموحاته ما لبثت أن أصطدمت بالواقع. وما يثير الحزن والأسى اليوم أن البشير يكرّر خطأ، بل أخطاء، الترابي بعدما تخلّص منه بالمعنى السياسي وليس جسدياً كما نوي أن يفعل لولا تدخلّ أحد الزعماء العرب الحريصين على السودان والسودانيين والذي من الأفضل عدم ذكر أسمه . يبني الرئيس السوداني أستراتيجيته على مجموعة من المعطيات في أساسها أن الصين ستحميه من أي عقوبات أو أجراءات دولية. ولذلك في أستطاعته التدخلّ في غير مكان، في التشاد وأفريقيا الوسطى وحتى في الصومال. نعم، أن الصين دولة مهمّة وهي من الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن كما تمتلك أحد اكبر الأحتياطات العالمية من العملات الصعبة. وبغض النظر عن الأستثمارات الصينية في السودان ، خصوصاً في المجال النفطي، لا بدّ من الأعتراف بأن العالم لن يقبل في أي شكل أستمرار المذابح التي يشهدها أقليم دارفور كما لا يمكن السماح للسودان بلعب دور يفوق طاقته وقدراته، لا في التشاد ولا في أفريقيا الوسطى ولا في الصومال ولا في أيّ مكان آخر من أفريقيا. يدرك العالم، على رأسه أوروبا والولايات المتّحدة، أن السودان يصرف الأموال على مغامرات خارجية بدل الأنصراف ألى معالجة أوضاعه الداخلية في مقدّمها التوظيف في التنمية والسعي ألى معالجة المشاكل التي يعاني منها شعبه أكان ذلك في الجنوب أو الشمال. أكثر من ذلك، يمارس السودان هروباً من الواقع معتمداً الأنتهازية ولا شيء غير الأنتهازية. صار فجأة حليفاً للنظام الأريتري الذي كان ألى ما قبل فترة قصيرة يوفّر الملجأ الآمن للمعارضة السودانية. يفعل كلّ ذلك من أجل أن يصير طليق اليدين في التشاد والصومال وأفريقيا الوسطى وأماكن أخرى. ثمة أمر مهمّ لم يدركه البشير في ما يبدو. أن نقل حرب دارفور ألى دول الجوار، على رأسها التشاد يوسّع هذه الحرب ولا ينهيها. والدليل على ذلك أن الحرب مستمرة منذ مطلع العام 2003، ولم تستطع القوات السودانية وضع حدّ لها على الرغم من كلّ عمليات التطهير العرقي التي مارستها مباشرة أو بالواسطة والتي ذهبت ضحيتها قبائل عربية في أحيان كثيرة. ففي دارفور ليس هناك تفريق بين عربي وأفريقي ألاّ في نظر الحكومة السودانية التي تشجع على التفرقة مفسحة في المجال أمام تدخل دولي ترفضه، علماً بأنّها تسسببت به. يفترض في من يقدم على ما أقدمت عليه الحكومة السودانية في دارفور ألا يستغرب حصول التدخل الأجنبي. ستكون هناك عاجلاً أم آجلاً قوّات دولية في دارفور ألى جانب القوات الأفريقية. لن تتمكن الصين من الحؤول دون ذلك مهما بلغت التسهيلات التي يقدمها لها نظام البشير.
في النهاية، يستأهل السودان نظاماً أفضل من النظام الحالي الذي حصر همّه في الدفاع عن مصالحه بدل الدفاع عن مصالح شعبه. كان في الأمكان البناء على المصالحة الوطنية التي تحققت مع ثوّار الجنوب ألى أن تبيّن أن المصالحة فرصة للأنقضاض على دارفور بدل السعي ألى أستيعابها وفرصة لتكرار أخطاء الترابي في حين كان في الأمكان تفاديها والأنصراف ألى ما هو أجدى للسودان والسودانيين الذين سئموا الحروب والمغامرات التي لا طائل منها. النظام الحالي لم ينته.لا تزال لديه فرصة لأصلاح نفسه. هل يفعل ذلك قبل فوات الأوان؟ هل يستفيد من تجربة الترابي ومن الأسباب التي جعلت الرجل القوي في البلاد سابقاً ينتهي ألى ما أنتهى أليه! هل يستفيد من تجربة الصومال؟