ميشال عون زعيماً لموارنة لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يشاع في اوساط 14 آذار - مارس هذه الأيام اخباراً عن خلافات في اوساط المعارضة، بين شقها السوري الخالص المتمثل بالجنرال ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية وبعض الزعامات الأخرى، وحزب الله وحركة امل اللذان مهما بلغ عمق تحالفهما مع النظام السوري إلا ان قادتهما يدركان ان ثمة صعيداً لبنانياً خاصاً يجدر بهم ان يأخذوه في اعتبارهم. والحق ان رغبة الجنرال ميشال عون المعلنة في التصعيد ختى اسقاط الحكومة تجعله يقع حكماً في خانة الموالين لسورية موالاة تامة. لكن الجنرال عون بين هؤلاء هو واحد من زعماء الموارنة الابرز ولا يستهان بمدى شعبيته في وسط هذه الطائفة، رغم الضمور الذي اصاب شعبيته نتيجة التوتر الذي يضرب البلد منذ عدوان تموز وحتى اليوم.
لا يمكن ان تقاس مدى شعبية الجنرال ميشال عون في وسط الطائفة المارونية بمدى شعبية الرئيس عمر كرامي في وسط الطائفة السنية. فالرئيس كرامي ولأسباب لا تخفى على احد لم يعد يملك زعامة حاشدة، بعدما استطاعت الزعامة الحريرية ان تمد يدها على معقله في شمال لبنان، وبعدما اصبح نتيجة الانتخابات النيابية الأخيرة واحداً من المهزومين في معركة الزعامة السنية. كذلك الامر بالنسبة للوزير السابق طلال أرسلان وحجم زعامته مقارنة بالغلبة الكاسحة التي يمثلها وليد جنبلاط في وسط الطائفة الدرزية. لكن زعامة ميشال عون الحاشدة في وسط طائفته لم تضطره لإعادة الحسابات في ما يذهب إليه بحماسة قل نظيرها. ذلك ان زعامته الحاشدة شعبياً لا تتناسب مع الدور الضامر الذي اصاب الطائفة المارونية بسبب من فقدانها للمشروع السياسي الجامع على غرار ما يملك حزب الله الشيعي مشروعاً جامعاً وعابراً لحدود البلد اولاً وفي الأساس، وعلى غرار ما تملك الزعامة الحريرية في الطائفة السنية مشروعاً جامع هو الآخر ويتجاوز حدود لبنان نحو كل بلاد العالم.
هذان المشروعان مهما بلغت قوة علاقاتهما بمصالح واطراف خارجية، قد لا تتطابق بالضرورة مع مصالح اللبنانيين عموماً، يملكان نصاباً لبنانياً حاسماً. ولا يستطيعان تجاهل المزاج اللبناني العام والمزاج الطائفي الخاص الذي يرتكزان عليه. إذ ثمة وجهان متلازمان لأي مشروع من هذه المشاريع: وجه طائفي - مذهبي يعنى بدور الطائفة وموقعها في الفسيفساء اللبنانية ووجه لبناني عام يعنى بتسويق نوع من الهيمنة لمشروع هذه الطائفة في اوساط الطوائف الأخرى. وهذا ما يدل عليه بوضوح ومن دون لبس اصرار الزعامات الكبرى في البلد على تقديم وجوه سياسية ودينية من الطوائف الاخرى في اي نشاط يقومون به. فحزب الله وحركة امل الشيعيان يقدمان وجوهاً سنية ودرزية إلى الصفوف الأولى في محاولة منهما للتأكيد بأن المشروع الحزب اللهي هو مشروع عابر للطوائف، وان هيمنة حزب الله على القرار اللبناني في الحرب والسلم تجد ما يسندها محلياً ويرتضي بها حشد من اهل الطوائف الأخرى ومقدميها ووجهائها. وشأن حزب الله في ذلك كشأن تيار المستقبل الذي يكاد يحتكر النطق باسم طوائف كاملة في لبنان، ويقدم بعض رموز الطائفة الشيعية الدينية والسياسية في كل مناسبة من المناسبات.
يملك الجنرال عون هذه الخاصية ايضاً. لكن المفقود في حركة الجنرال السياسية هو الدور الذي يجدر بالموارنة ان يؤدوه في البلد في وجه عام. إذ لا يكف الجنرال عون عن التصرف كما لو ان الدور الأهم والأوحد الذي يجدر باللبنانيين ان يسلموا به للموارنة في لبنان هو دورهم في ان يكونوا حكاماً. كما لو ان الوصول إلى سدة الرئاسة الاولى واستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي اكل اتفاق الطائف بعضها يمكن ان يكون بالنسبة لسائر اللبنانيين من الطوائف الاخرى مطلباً حيوياً وغير قابل للنقاش. لهذا السبب، ربما، تبدو الطائفة المارونية في ظل زعامة من هذا القبيل كما لو انها تبدد كل ما تحصل لها تاريخياً وكل ما تملكه من موارد، على مذبح الإصرار على الحق الإلهي والتاريخي في حكم لبنان منفردة والهيمنة على قراره السياسي.
مستنداً على هذا الحق شبه الإلهي يرتضي الجنرال عون تعويد اللبنانيين على تعطيل مهام رئيس الجمهورية الماروني، وضرب الموقع الدستوري الأهم لدى الموارنة، واكثر من ذلك تعويد البلد على تصوير الطائفة المارونية في خانة الطوائف المغبونة سياسياً ودستورياً والتي لا مكان لها إلا في موقع معارضة السلطات الحقيقية والفعلية والتي تملك موارد وامكانات غير متحصلة للموارنة. بهذا المعنى يبدو الاستمرار في التصعيد الذي يمارسه الجنرال عون كما لو انه يصب واقعاً في خانة تضئيل دور الطائفة المارونية وضرب مكتسباتها تمهيداً لجعلها طائفة ثانوية في البلد في مواجهة طوائف تملك من المشاريع ما يؤهلها للهيمنة على البلد قولاً وفعلاً. فمن صفات الطوائف الكبرى في البلد انها تحرص اشد الحرص على بقاء الدولة، وان كانت لا تكف عن النضال لتحسين دورها وزيادة حصتها في قطعة الجبنة اللبنانية. لكن دخول زعيم كبير، لجهة الشعبية والموقع، في مصاف زعماء سابقين لم يعد لهم الكثير مما يخافون على خسارته في البلد، تجعله لا يغامر في دوره فقط بل في وزن الطائفة المارونية برمتها في المعادلة اللبنانية الداخلية.