عن الملهاة العربية – العراقية أحدثكم !!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأحداث المتلاحقة في العالم العربي تكشف حجماً من الخلل في طريقة الحكم داخل أروقة صنع القرار في دوله المترامية بين اليمين واليسار، بين حكم الحداثة وحكم التقاليد، بين نياشين الجنرالات وعباءات الشيوخ، بين عروش الحكم المهتزة على وقع المدافع، وعروش السلطة الثابتة بالنور الإلهي، والمصاحف، والصلوات، والقيادات الواقعية البعيدة عن "بدعة المايكرفونات" وشهواتها وشعاراتها... وهو خللٌ تتفاوت نسبته، وطبيعته الظاهرة، بين دولة وأخرى.
بل أن المشكلة تنسحب أيضاً على طريقة تعامل بضعة من هذه الإدارات الحاكمة مع الملفات السياسية ورياحها العاتية التي تتنازع المنطقة منذ أوائل ساعات القرن الميلادي الفائت، وما يجرّ هذه المشكلات من تغلّب الإقليمي الضيق، على خط القومي الواسع، إضافة إلى صراع الأولويات، ولا أقول صراع الإرادات.. فصراع الإرادات يعني أن هناك حراكاً مستتراً أو ظاهراً يهيمن على أجواء إدارة حكم ما في أي دولة مقصودة، وهو بدوره يستدعي وجود ما يمكن أن يُسمّى بتكافؤ الفرص في جزء من منظومة السلطة الحاكمة، وهي كلها أمور ٌ لا أعتقد أن أي نظام عربي يملك قدرة عليها، أو طاقة لتحمل أصواتها المزعجة.
أما صراع الأولويات فهو ماثلٌ بشكل لا يمكن تجاهله على فعاليات الحكم في أغلب الدول العربية، ذلك أنه يدخل في منظومة حكم تسير وفق منهجية أوتوقراطية صرفة، وهي مشكلة تلقي بسحائبها على أنظمة حكم عديدة في العالم العربي لا أستطيع أن أضعها جميعاً في سلة واحدة، كون أن التعميم مقصلة الخطأ، ولكل مرحلة ظروفها، وشجونها... وسجونها أيضاً.
وهذا الصراع المتعلق بالأولويات ضوء خادع أكثر خداعاً من سراب الصحراء ذاته الذي يخاله العطشان ماءاً، فهو وإن بدا بديعاً ساحراً محققاً لتمام المصلحة الخاصة بالدولة المقصودة في النظرة الأولى، إلا أنه ضررٌ لا تبدو صواعقه إلا مع مرور الوقت، وتحرك مياه النهر تحت الجسر وفوقه، وهو نار موقدة لا ينكفئ ضوئها ولا ينطفئ.
ولذلك حري بنا القول أن اصطدام الإقليمي- الخاص، بالقومي- العام، اصطدام لا بد منه ولا مفر من تجاوزه، بل لعلي أقول أنه يمثل نقطة الانعطاف الأخطر أمام منظومة الحكم في أي دولة عربية، فالنتائج غالبا مهلكة، والإيجابيات مربكة، والسلبيات صواعق من دم ونار !!
ومن تلك المقدمة ألج إلى المسألة العراقية كتنويع بسيط وواضح على هذا الاصطدام ما بين المفهومين في ممارسة الحكم وتحركاته الخارجية، وطريقة تعامل الحكومات العربية مع الغزو الأخير إلى العراق.
ففي البداية توّهم العرب أن بإمكانهم أن يضعوا ثقلهم في مواجهة المحاولة الأميركية لغزو العراق معتمدين على الحلفاء الكبار، وأهمهم فرنسا والإتحاد السوفييتي وبضعة من دول اختلفت مواقعها على خريطة الجغرافيا، إلى درجة أن كثير ٌ منهم لم يأخذ النية الأميركية على محمل الجد.
وحين بدأت الحشود والأساطيل تقترب من البحار المالحة، والمضائق، في البحر والمحيط والقناة، ظنوا بأن الحليف الأكبر يجري مناورة لا سبيل أمامه للاستمرار فيها، في ظل الرفض العالمي الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث، وأن تحركه على لوحة الشطرنج العربية لن يزداد بأكثر من نقلتين للتهديد والوعيد وتحريك الهراوة الغليظة أمام الرؤوس لا فوقها.
وحين بدا أن النية تدخل إلى حيز الجدية ظهر الواقعيون من السياسيين العرب بغية الإمساك بزمام المبادرة كي يكون لهم دور في الدخول الأميركي، غير أن صوتهم كان خافتاً، أو لنكن صادقين أن صوتهم لم يكن يريد أحد أن يسمعه، لأن صوت الضمير محرق لا يراوغ، ويعتمد على الوقائع والمعطيات الماثلة على الأرض، لا الآمال والأمنيات التي تحلّق في العقل الباطن، وأحلامه الوردية..
( أذكر أن من أهم هؤلاء الواقعيين كان الأمير بندر بن سلطان الذي كان سفيرا لبلاده في واشنطن لأثنين وعشرين عاماً ويتولى حالياً الأمانة العامة لمجلس الأمن الوطني في بلاده المملكة العربية السعودية. الأمير المحنك قال حينها بما معناه أنه طالما أن العرب لا يستطيعون منع الغزو الأميركي المحتّم فعليهم التعامل مع ذلك المنطق بذكاء والدخول في اللعبة لضمان ألا تكون عواقبها وخيمة لو تركت للحليف الأميركي وحده..)
وتحت سماء عربية ملبدة بالخلافات البينية، والشك المُطلق بين الأنظمة، والشعارات الرنانة، وزعماء المايكروفونات.. حدث ما حدث : دخل جيش أجنبي بعدته وعتاده لثالث عاصمة عربية في عصر ما بعد الاستقلال - بعد بيروت والقدس - وها قد أصبحت أميركا على الحدود دولة جاره سوف يهيئها نجاحها في الغزوة الجديدة أن ترسل أوامرها لدول الجوار بالفاكس، وما على حاملي الأوراق من الفاكس سوى السمع والطاعة وهز الرؤوس دلالة الموافقة دون النقاش والاستفهام..
وهذه القوة الأميركية تدخل على وقع أنغام حلم يرفرف في المخيلة بإنشاء شرق أوسط جديد يكون لإسرائيل فيه دورٌ مؤثر، بل لأقل أنه ذروة سنام السيطرة والتركيع لكل قطر عربي على حده، في إطار إجادة التعامل مع الإقليمي الضيق والعام الواسع كما سبق وأن قلنا في البداية، وبالرقص على خلل المفاهيم.. بغض النظر عما تحاول الآلة الإعلامية الأميركية ترويجيه بأن المستقبل الآتي ما هو إلا "جنة جديدة" لمنطقة تعبت من الكوارث، أو تعبت منها !!
....... ( واللافت هنا أن الولايات المتحدة الأميركية تخوض حرب مفاهيم في توازٍ مع القيام بحروبها العسكرية، إذ تأتي المصطلحات الرنانة مرادفة لصواريخ كروز وطائرات الإف 18.. فبينما نستيقظ من سكرة مصطلح "الحرب على الإرهاب" واستغلاله بكل ما يمكن من الطرق، تفاجئنا الآلة الأميركية بـ"الشرق الأوسط الجديد" وصولاً إلى "الفوضى الخلاقة" و "الاحتواء المزدوج"، وإلى آخره من أكوام المصطلحات، وما على العرب إلا الانشغال بتفكيك أسرار المصطلحات وتفاعلاتها حتى يكتشفون أن بساط الجغرافيا يتقلص من تحت الأقدام، أما بساط التاريخ فقد غادر منذ أمد !! )
وهناك قريباً من الحدود العراقية أولئك الذين يعضون أصابعهم من فرط القلق داعين أن تفشل المهمة، ويعود الغزاة إلى مواطنهم، في آخر الغرب من الكرة الأرضية، "كلمى هزيمة" كما يقول شيخنا المتنبي، وهناك من يضربون على أطراف أجنحتهم كل يوم بغية التحليق في سماء الشهادة والإسلام الجديد وتفجير الآخرين وتكفيرهم..
ومن ثم جاء الحدث الذي يكشف أن التفريط بالقومي العام لصالح الإقليمي الخاص أسهم في ضياع الخيط والإبرة من اليد العربية، حتى أصبحت الخياطة باللغة الفارسية الفصحى، لتفصيل معطف جديد يليق بعراق جديد على حد ما يزعمون ويأملون، وذلك بعد أن حاولوا تغيير العلم العراقي وألوانه وأشكاله، لكن ما لبث العلم أن تهاوى تحت ضربات مطرقة التاريخ وسندان الجغرافيا ورياح الأصالة.
في ساعات عيد الأضحى - بالتوقيت السني- تمت التضحية برأس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. ولا تكمن المشكلة في حكم الإعدام الصادر بحقه من محكمة - بغض النظر عن مدى شرعيتها- تحوي على كراسيها وقضاتها خيرة من كوادر العراق وحافظي قانونه - أقول ذلك افتراضا دون أن أنصب نفسي قاضياً يجعل من صدام بين ليلة وضحاها بريئا رغم الدماء التي تلبد قفازاته العسكرية، وهي دماء تنوعت جنسياتها، وطوائفها، وأعمارها..
بل أن اعتراضي كان على الآتي:
- إعدام صدام استنادا على الحكم في قضية واحدة هي قضية الدجيل الشيعية، وكأن الدماء التي أريقت ووجب إنصافها حكرٌ على طائفة أو عرق معين، أما البقية فهم متحركون أو طارئون على خريطة الدولة... بقية عابرة لا أمل لها ولا ألم !!
- مكان الإعدام، وهو مركز لجهاز كان مسؤولا ًعن مكافحة التغلغل الإيراني، وبه أعدم محمد باقر الصدر قريب مقتدى، الشاب الذي يتهم بقيادة فرق الموت الشيعية، وكأن هذا الإعدام قد جاء عملية انتقام لزعيم طائفة ما، والهتاف لحياة زعيم طائفة جديد - ويقال أن أحد الملثمين كان مقتدى الصدر نفسه انتقاماً- وإرسال رسالة أن مكافحة النفوذ السابقة، لا مجال لها بعد اليوم، بل غدت طهران هي النفوذ وسنامه وصاريته الباسقة !!
- اختيار العيد السني لتنفيذ الإعدام، رغم أن القانون العراقي الرسمي يمنع القتل في مواسم الأعياد وعطل الدولة الرسمية، - قانون عراقي قديم ولا أعرف إن كان بريمر قد غيره حين تولى حكم العراق - لكن ربما احتسبت الحكومة العراقية أن العيد يبدأ بتوقيت الطائفة الشيعة كونها الطائفة التي تسيطر على مقاليد الحكم..
........
.......
( أيضاً هناك مخالفة صريحة لقانون العقوبات العراقي رقم 23، والصادر عام 1971، والذي ينص في المادة 290 انه لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام في أيام الأعياد الرسمية، ولا في المناسبات الدينية التي تعود لديانة المحكوم عليه.
و هناك مخالفة أيضا لما ورد في المادتين 285 و 293، واللتين تنصان على ضرورة استحصال مرسوم جمهوري قبل تنفيذ الإعدام، وتشكيل هيئة خاصة تشرف على الإعدام تضم كلا من قاضي المحكمة، والمدعي العام، وطبيب السجن، ومحامي الدفاع، وممثل عن الحكومة، ورجل دين ينتمي لديانة المحكوم عليه، وشهود، ومنفذي الإعدام. وهذا يستغرق وقتا عادة لتحضيره واستكماله.
أما الخرق الثالث، أن المادة تنص على إتمام عملية الإعدام " بمرور ثلاثين يوما على صدور الحكم "...
والباء هنا في "بمرور" تعني بعد مرور المدة حسب ما يقول فقهاء اللغة وسدنتها الكبار إن لم تكن قواعد اللغة قد تغيرت في العراق الجديد والله أعلم !!.. ).
-سرعة المحاكمة وسرعة تنفيذ الحكم، وكأن صدام لم يحكم هذه الدولة إلا لسنوات قليلة، وكأنهم تناسوا أنها 30 عاماً شهدت خلاها المنطقة رياحا وأعاصير وكوارث لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى ضباب السياسة الذي لم يمر دون أن يلقي آثاره عليها.
وهذه هي الأسباب التي ركزت عليها الحكومة السعودية، التي قاد ملكها عبد الله بن عبد العزيز الصوت العربي المستهجن لانتهاك حرمة العيد الإسلامي ذو القدسية المطلقة، وموسم الحج المقدس الذي تتولاه المملكة، خلال بيانها الرسمي الذي صدر تعليقاً على إعدام صدام، وكان البيان العربي الأول الذي يتحدث عن الإعدام...
وإن كان الملك السعودي غاضباً الآن فيحق له الغضب، ذلك أن الحكومة العراقية الجديدة تجاوزت حدود لعبة الولاءات للطائفة ولدولة الجوار الراعية الكبرى للتغلغل الطائفي، وقامت بتجاوز الخط والإساءة إلى دولة تعتبر قائدة لواء السنة في العالم الإسلامي، وذلك تماشياً مع الأجندة الإيرانية في المنطقة التي تريد تحجيم نفوذ الحكومة السعودية على الجبهات الثلاث: العراق، إيران، فلسطين.
ويبدو أن الحكومة السعودية - يدفعها استياء ملكها - في طريقها إلى تقديم دعم تاريخي للسنة الذين يمثلون أقلية في العراق عبر دفعات من الأسلحة والأموال، والاستفادة من الروابط القبلية التي تربط الشريط الشمالي للمملكة مع الجنوب العراقي. كما أن بإمكانها العمل بنقلة احترازية بتأمين مواقع نفوذ وخطوط وصل مع الأكراد على الشمال، والعمل على تدعيم الكماشة السعودية على نفوذ طهران ومناصريها في الوسط الجغرافي عراقياً.
إلا إن الملك عبد الله وإن كان يدرك أن بيديه العديد من الأوراق التي يمكن بها أن يرد على التحركات الإيرانية الاستفزازية، فإنه لن يستخدمها إلا حين تصبح هذه الأوراق ضرورة لا مفر منها، كون أنه - أي الملك عبد الله- يؤمن بضرورة وجود عراق عراقي، لا أن يكون عراقاً سعودياً ولا إيرانياً، ولا أميركيا أيضاً.
( وهنا أضع قوسين لأصل إلى أحاديث مع مسؤولين غربيين كنت قد حادثتهم سابقاً بخصوص أحاديث ما قبل الإعدام مع الرئيس المخلوع.. لقد قالوا لي أن الأمريكان لم يحاولوا الوصول مع صدام إلى أي صفقة سياسية منذ أن تم إخراجه من إحدى الحفر بعد سبعة أشهر من سقوط حكمه، بل الأدهى والأمر أن جل ما كانوا يسعون إليه هو صفقة مالية بغية الحصول على عناوين الأرصدة السرية التي تقدر خزائنها بملايين الدولارات، ولكن صدام رفض..
وأيضاً فعلت السيدة رغد صدام حسين التي طالبت حكومة الإمارات بفك أرصدة زوجها الراحل حسين كامل المجمدة لديها، ولا أعرف مالذي حدث للقضية الآن كون السيدة رغد لم تشأ التحدث إلي رغم أنني قدمت إليها واجب التعزية الإنساني لا أكثر ولا أقل !!)
وقفزاً على الأسباب كلها التي سقتها في ثنايا المقال وبين سطوره، فإن كل رجال الدين الذين حضروا عملية الإعدام هم من الطائفة الشيعية، أما رجال الدين السنّة فرفضوا الحضور والمشاركة في عملية تهز أكثر أوقاتهم قدسية، وهو يعني أن رحى الاستقطاب قد دارت وأن الشيعة وجدوا من يحتضنهم، ويؤمن خطوط الإمداد والهجوم، بينما السنة مشردون في ريح الفرقة بانتظار "الهولوكست" المقبلة التي سيتعرضون لها، حين تأتي صواعق الحرب الأهلية المقبلة وشراراتها..
وعن توقيت الإعدام قالت صحف بريطانية متفرقة أن التوقيت يكشف مدى طائفية الحكومة العراقية الجديدة وعلى رأسها رئيس وزرائها نوري المالكي، ذلك أن رئيس الجمهورية جلال طالباني أثبت أنه رجل دولة فعلاً حين رفض التوقيع على وثيقة الإعدام في ذلك الوقت.. إما ترفعاً، أو تقززاً، أو إيماناً بمبادئ سياسية معينة لا مجال للإفصاح عنها في جو مشحون كالذي يم به العراق.
ولعل أن اللافت هو "التقاء الأجندات" لساعات قصيرة بين أميركا وطهران في الإعدام..
فبينما رأت إيران أن بهذا الإعدام للشخص الحاكم، وفي اليوم الزماني الموعود، وفي المكان المشهود، ( مكان مكافحة نفوذها السابق) سيكون أداة لترسيخ لنفوذها، ورسالة واضحة لدول الجوار بأنها بدأت تمسك بخيوط اللعبة أكثر مما كانت تطمح إليه منذ الاحتلال الأميركي للعراق، فإن بوش وجد أنه سيعبر بذلك للولاية الثالثة للرئاسة الأميركية التي اقتربت انتخاباتها وضجيج متنافسيها ومناظراتهم.
لكن كيف تكون الولاية الرئاسية ثالثة؟ والرئيس الأميركي لا يحق له تجاوز فترة ثماني سنوات مهما حدث، كما يقول بذلك الدستور، وهو ما التبس على قرائي الأفاضل في قطعة سابقة كنت قد كتبتها عن الموضوع ذاته فور صدور التعليق السعودي الشجاع..
وتفسير ذلك أن الولاية الثالثة التي يبتغيها بوش الابن ستكون عبر تمهيد الطريق لبوش الثالث جيب بوش الذي كان يحكم فلوريدا، حتى وإن كانت الرغبة في إكماله لمسيرة آل بوش لم تختمر بعد، وهو تمهيد لا بد أن يمر عبر طريق تدعيم قوة الحزب الجمهوري، الذي سقط تحت ضربات متوالية من قبل الديمقراطيين خلال هجمتهم الضروس عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة.
ولا حاجة لذكريات بغيضة تخيّم على آمال الرئيس المقبل ولا على حزبه... !!
وتحاول حكومة بوش بهذا الإعدام أن تؤمن بعض اللحظات المشرقة أمام الناخب الأميركي في محاولة إقناعه بمدى عدالة الحرب على العراق بعد المأزق الذي وصلت إليه الأمور على الأرض، وهو يرى تساقط الحلفاء الذين أيدوا معه الحرب واحداً إثر الآخر، ولعل أهمهم رفيق حربه ودربه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي يتعثر في كل لحظة، وسيخرج من السلطة حتماً قبل إتمام مدة رئاسته للوزارة.
ومن هذا الأفق يُظهر الرئيس الأميركي الذي تسيطر دولته على الأرض والبحر والجو، مدى انتصاره الذي لا يتعدى كونه انتصارا مصطنعاً، أما على الأرض فالإحصائيات تختلف، والمعطيات تتغير يوماًُ إثر آخر!!
وهذا الوهج الكاذب كفيلٌ بتخفيف الوطء عن الجمهوريين الذي يواجه رموزهم سلسلة استجوابات متكررة بخصوص الحرب الأخيرة.
وإن كانت الحكومة الأميركية ومن خلفها إسرائيل تريد إنهاء نفوذ العرب، أو تحجيمه خشية التأثير على المنطقة الغنية بالنفط، أو لضمان بقائها كمنطقة موالية في وجه روسيا والصين الناهضتين بقوة، فهذا شأنها ومصلحتها، وهي تمارس اللعب على الحبل السياسي بفن وحرفنة، وبلطجة في غالب الأحيان..
لكن الكارثة هي طريقة تعامل العرب مع الآخر الأميركي باستثناء بعض المواقف الرئاسية المشرفة كموقف الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي لا يبالي بأن يقول لا بصوت مرتفع حين تصل الأزمة إلى حلقومها ولا مفر من اختيار إحدى الضفتين، وهي مواقف نشرتها مصادر معلومات محايدة ليست ناطقة باللغة العربية الرسمية..
....
( ذات يوم رفض الملك السعودي القيام بزيارة إلى أميركا حين كان ولياً للعهد بسبب اختلاف المواقف بخصوص التعامل مع القضية الفلسطينية، وجاء بوش الأب إلى الرياض لمحاولة إصلاح ما أفسده الابن، وقد قدم تعهدات ونجح في استمالة الآذان السعودية لحين...
أما المرة الثانية التي سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فلم يكن باستطاعة الملك عبد الله إلا أن ينحاز لعروبته ويبعث بإحدى أقوى الرسائل الرسمية إلى الحكومة الأميركية، وقال فيها أن التحالف بين البلدين لن تكون بلاده مضطرة للمضي فيه بعد الموقف المنحاز لواشنطن مع إسرائيل، وأن بلاده لن تهتم إلا بمصالحها فوق كل شيء..
ووصفها صحفي أميركي كبير حينها بأنها "الرسالة الصاعقة" التي هزت البيت الأبيض.. )
وبدلاً من أن يعمد العرب إلى تكسير قناديل بعضهم البعض في ليل المنطقة الدامس، عليهم أن يحتضنوها سوياً، وبيد واحدا، كي يسيروا أماماً وبعيداً عن العتمة التي تريد أطراف دولية عدة وضعها فيها، وإن اختلفت الوسائل والمعطيات والأسباب.
فيا أيها العرب.. احتفظوا بسيف الشمس !! (بالتزامن مع "الجزيرة" السعودية)
ـــــــــــ
sultan@elaph.com