كتَّاب إيلاف

من توثين الماضي إلى أسلمة الحاضر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يحبذ المسلمون صورة الماضي الجميلة، التي ينحتون في خيالهم، عن الحاضر الذي يتحداهم بأسئلته الكبرى، و يهابون أكثر من المستقبل الغامض الذي ينتظرهم. أمام عجزهم الفادح في ابتداع نموذج ثقافي آخر، طالما منوا النفس به، ما بقي لهم سوى الإحتماء وراء الذكريات، الإختفاء في حنين مزمن إلى ماضيهم البطولي التليد. ومع تراكم المحن والخطوب، ما انفك هذاالماضي المؤمثل يتحول إلى حاجة حيوية، بل مطية للهروب من الواقع الشحيح. أصبح ذكر و اجترار ذاك الماضي البعيد تنفيسا لتلك الروح المكبلة بقيود حرمان الحاضر. من نهضة عرجاء إلى نكبة سوداء فنكسة للعار... وهكذااشتد الشعور بالإنتماءإلى امبراطورية امبريالية هيمنت في زمن غابر، ومع تعاقب السنين العجاف تلو العجاف، تحول هذاالشعورإلى تضخم وهمي للأنا، حال دون تجاوزالمسلمين لذهنية الحروب الصليبية وابسيكولوجية الثأر، و منطق "إسلم تسلم". فكأنهم لم يدركوا أو يتظاهرون بعدم الإدراك، أن النور يأتي اليوم من الغرب، وأن شمس العرب لم تعد تستطع على هذا الغرب. وعلى الرغم من أن التاريخ، يؤكد بعد ذلك التصور الوردي للتاريخ الإسلامي، عن الحقيقة الموضوعية، فلإسباب تعويضية جلية، تبقى تلك الصورة المثالية عالقة في مخيلة الجماهير المصدومة، و يغدو الماضي وعدا والأساطير أهم من التاريخ. أتذكر حكايات مذهلة عن الإمام علي و سيفه الناري، كنت أسمعها في ساحات الأسواق، وأنا طفل صغير. يجد المسلمون في هذه الواحة الإفتراضية مكانا هادئا، يتصالحون فيه مع ذواتهم، بعيدا عن فظاعة الراهن و أخطارالآتي. كنت، كائن أنا، و سأكون، تقول جملة من النشيد القومي السويدي. كذلك هو حال أخينا المسلم، فهو لا يتغير أبدا. يبقى رازحا دوما تحت سلطةالأمس الأبدي. فهو من بين المخلوقات النادرة التي لا تطالها التغيرات. تبقى هويته دائمة كما هي، رغم تعاقب الأزمان و تغير الأمكنة و تجدد الأحوال. عملت النخب غير المعممة على أسلمة التاريخ العربي بدل تأرخة الأسلام. أما تلك المعممة، فهي لا تحمل أدنى ود لما تطلق عليه 'آخر زمان'. فالحاضر، في عرف شيوخ الدين، تيه وضلال، لأن الذاهب أحسن من الآتي. 'خير العصور عصري ثم الذي يليه فالذي يليه'يقول حديثا معنعنا. يرهّب الرهبان في آلاف المساجد، من هذا 'الآن' وذاك 'المستقبل'، و يرغّبون في العودة إلى الوراء، يدعون، بمناسبة و بغير مناسبة، إلى سجن 'اليوم'و 'الغد' في سراديب ذاكرة مؤسطرة لا تمل و لا تكل من التغزل بأمس الأجداد، تضخمه تارة، و تقدسه أخرى و تحرفه في كل حين. فكثيرا ما يكون الرجوع إلى الوراء هروبا إلى الأمام. ولكي أعبر بلغة الفيلسوفة، حنا آرنت أقول أن هذا السلوك هو فرار الذات إلى ذاتها، لتعويض خسارتها للعالم. ولكن إذااتجهت عبادة الذكريات حصريا إلى الماضي، فإنها تتحول في النهاية، إلى اجترار و تهييج للذاكرة. فلا تتحول التجارب إلى وعي تاريخي، و لا يتم الإنتقال من الذكرى إلى المستقبل. يقف الإلتفاف المرضي إلى الوراء عقبة كأداء في وجه القفز إلى الأمام. لنرم بالتاريخ جانبا ! كدت أن أصرخ مبالغا مع سان جوست. من شدة حنينهم إلى عصرهم الذهبي المفترض، لم يتمكن المسلمون من تجاوز النظرة الفقهية للتاريخ. إنهم ينتظرون اليوم الذي لا ريب فيه، يوم ينتصرون على العالم إجمع. إن الله معهم و ما كان سيكون، فلا بد أن يعيد التاريخ نفسه، إن شاءالله. قلما قرأ المسلمون تاريخهم قراءة نقدية، فرغم إنجابهم لفيلسوف تاريخ في عظمة ابن خلدون، فلا يخلو تصورهم للتاريخ من نفحات خلاصية أسطورية. أتذكر و أنا تلميذ، في قسم ما قبل البكالوريا، ذلك العرض البائس الذي قدم لنا فيه أستاذ التاريخ، ثورة الزنج. لا أنسى تلك الطريقة المقرفة التي كان يلقي فيها على مسامعنا قصيدة ابن الرومي العنصرية، في هجاء من ثاروا على الإستعباد. دخلوها كظلام الليل... كان الأستاذ يقول. كان يعبث بالتاريخ، ككل أساتذة المادة، الذين تعاقبوا على قسمنا، من قبله و من بعده. لم يرووا لنا سوى رواية واحدة، هي تلك التي تمجد دولة الخلفاء و حروب خالد بن الوليد الدموية، و قهر المسلمين للروم... تاريخ الإسلام هو التاريخ الوحيد الأوحد الذي كان يستحق أن يروى في نظرهم. لأن كل ما سبقه كان جاهلية قصوى، أو ضرب من ضروب ما قبل التاريخ. أقصي، بهذا اللامنطق، تاريخ قرطاج ، و سومر، والأمازييغ، وتاريخ فرعون... و بقية تاريخ الإنسانية غير المسلمة، من البرامج الدراسية. لا يحصّل، صاحب جائزة نوبل، نيبول، سوى حاصل، بعد نزهاته الطويلة في بلاد الشعوب المؤسلمة: "لقد اقتلع الإسلام الشعوب من ماضيها، ومن كل مايربطها بثقافاتهاالقديمة"(1). تتمترس الذات الإسلامية داخل 'أنا مسلم، إذا أنا موجود'. فيسمّر هذا الكوجيطو العسكري المسلمين في مكانهم، يبعدهم عن حاضرهم، و يضمن لهم غيابا أكيدا في عالم الغد المعولم. ليس للمسلم وطن واقعي في العالم المعاصر، كدت أن أقول. إنه تائه بين 'الذي لم يعد' و 'الذي لم يحصل بعد'. يبكي الأول الذي راح دون رجعة، وينتظر الثاني الذي يتأخر كثيرا في المجيء. و يبقى الوطن المثالي المحلوم به، نائما في بطون كتب تراثهم، كما يعتقدون، لا ينتظر إلا من يعيد له صحوته الماضية. فجاءت تلك الصحوة الإسلامية لتنتقل بهم إلى مرحلة غفلة أخرى، قد لا يستيقظون من ويلاتها أبد الدهر. تكمن أزمة المسلمين المزمنة في عجزهم البائن على تشخيص مرضهم، وعلى هضم فشلهم. و هما أمران متلازمان، لا يشفى منهما دون الشفاء من وثنية التاريخ أولا. يبقى المسلمون في حاجة ملحة لنظرية علمية صارمة في موضوع 'انحطاطهم'، تضع النقاط المناسبة على الحروف المناسبة، و تزرع فيهم الوعي بأن مصائبهم تعود بالأساس ، إلى ما هم عليه هم، لا إلى ما هو عليه الآخر. و في انتظار ذلك، تبقى دولهم في مرحلة ما قبل التخلف، و ليس في مرحلة تخلف، كما يقال عادة، لإن هذاالأخير مرحلة متقدمة، تعني حالة وعي بالتخلف، و هي بداية أساسية للنهوض. لا تنقطع المساجد و المدارس و الكتب ومختلف المطبوعات و الإذاعات و محطات التلفزيون و مواقع الأنترنت... في تكرار على مسامع الملايين و أبصارهم، على أنهم أصحاب خير الأديان، و على أنهم أحسن أمة أخرجت للإنسانية، و على أن البشر يولدون بالفطرة مسلمين، ثم يلقنون دينا آخر خاطئا. و كيف لا، و الإسلام قد نسخ الإديان جميعها، سابقها و لاحقها. فهو الحق وما هي سوى مسودات. "نحتفل بعودتك إلى الإسلام، لأننا نؤمن أن الناس يولدون مسلمين، بلا خطيئة"(2). هكذا قال إمام من أندونسيا، متوجها إلى أمريكي بمناسبة "عودته إلى الإسلام". لقد قطعت جهيزة قول كل خطيب، إن الماهية تسبق الوجود! إن المبالغة في اجترار هذه الخزعبلات قد حولها إلى بديهيات في أذهان العامة و بعض الخاصة من القوم المسلمين. فباتوا يتصرفون وفق قناعة لا يرقى إليها الشك، تلك القناعة المطلقة بمثالية المسلم و دينه، و تفاهة الآخرين وعقائدهم. و بالتالي تكون أسلمة العالم غير الإسلامي، أو دار الحرب، واجب عقائدي، على كل مسلم و مسلمة. أليس المسلم مخلصا للإنسانية جمعاء؟ أليس هو المكلف بتطهير الدنيا من كل ما هو مناف للحقيقة القرآنية؟ "عندما ينظر الناس إلى بعض الأوضاع على أنها وقائع حقيقية، تكون واقعية في نتائجها" (3). ليس لمملكة الله حدودا نهائية في نظر أغلب المسلمين. كيف يطلب مني أن أندمج في المجتمع الفرنسي، يصرح أحد الشبان من ذوي الأصول المغاربية إلى إحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية، بيد أن المسلم موجود في وطنه في كل مكان. " كان هدف الجهاد الأول و لا يزال، فتح العالم بأسره و إخضاع سكانه لحكم الشرع الوحيد الأوحد. " تشوه النرجسية الدينية الجماعية، فكر المؤمن وتدفعه إلى الإعتقاد بأفضلية أمته، عن سائر أمم الأرض، وبأن الله قد اختارها لتقود البشرية كلها." صدق الأستاذ لخضرعفيف، و كذب من منعوا قلمه العقلاني من ممارسة حقه في التعبير في الصحف العربية. يبكي المسلمون الأندلس، بعيون حرى، يبكون المستعمرة السابقة رسميا ورمزيا، بينما لا يتوقفوا أبدا عن تجريم الإستعمارات الأخرى. ولا يعتبرون ذلك كيلا بمكيالين، لأن استعمارهم للآخر، هو إخراج له من الخطيئة و الخطأ. فكأن كينونة الإنسان تكون معدومة، قبل أن يعثر الإنسان على أناه الإسلامي. وهو الأمر الذي يجعل أغلبية الإنسانية المسلمة، تستغرب من وجود بشر، غير مسلمين في هذا العالم. ومن هذا المنطق، تنظر إليهم كبشرية مغشوشة. فكأن لا آدمية بدون أسلمة. لماذا أنت غير مسلمة؟ تسألني، بوقاحة عدوانية، امرأة سعودية، منقبة، مغطاة من الرأس إلى القدمين. تروي شابة فرنسية عائدة من الرياض (4). بأي حق يراد حرمان الآخرين من حق الوجود؟ إلى متى يبقى النظرإلى هذاالآخر على أنه كان ينبغي ألا يكون ؟ تدرّس الكراهية تجاه الآخرين، في المدارس و الجامعات، التي تشرف عليها الدولة، و تضع برامجها. و بدلا من تربية عصرية منفتحة على الدنيا و ما فيها من تنوع و غنى، يبقى غسل مخ الأجيال الصاعدة مستمرا، عبر تعليم ديني في جوهره، معاد للسلم في عمومه. تبرر التربية المدرسية الإسلامية، من خلاله، دونية المرأة، كما ترسخ في أذهان الصغار، ضلال غير المسلم، مهما علت درجة روحانيته. القناعات أكثر شرا من الأكاذيب، يقول الفيلسوف سيوران في شذرة من شذراته. يطلب كتاب مدرسي رسمي، مقرر في المملكة العربية السعودية، من تلاميذ السنة أولى تكميلي، أن يكرهوا في الله. و نعثر على هذا العداء للآخر، مفصلا، في كتاب التوحيد المقرر لطلاب السنة الثانية و الثالثة ثانوي، حيث يجدد الدعوةإلى كره كل من لا يؤمن بتعاليم الدين الصحيح، و اعتباره كافرا. لأن الدين الحقيقي الصحيح و الوحيد، يقول الكتاب المقرر، هو الإسلام. واذا صدقنا ما جاء في الدرس الثالث عشر، من كتاب التوحيد، لمحمد بن عبد الوهاب، فإن كل الأديان الأخرى التي يتبعها الناس باطلة، و لا تجلب لمعتنقيها سوى الشر(5). ليس الإسلام مستقبل ألإنسانية المحتوم فحسب، في نظر مؤسس الوهابية، بل هو مستقبل الجن أيضا!(6). إنهاتبعث النشوة في نفوس المؤمنين، قال المسيح في الخمر يوما. لكن إذا كان المرء سودانيا ويتبع دين المسيح، يجلد عشرين مرة، عوض الأربعين المسلطة على أخيه المسلم. يا له من رفق بالإنسان في السودان ! أما في مصر، التي يؤكد البند الثاني من دستورها، منذ عام 1980، ورغم أنف الأقباط، على أن الشريعة هي مصدر التشريع الأساسي، فيمنع بيع النبيذ حتى للمصريين من ذوي الديانات الأخرى أو "البدون"، في شهر رمضان. لا يزال ينظر إلى الأقباط على أنهم أهل ذمة، على أرض أجدادهم ، لم يصبح عيد فصحهم عيدا وطنيا رسميا، في مصرهم إلا عام 2002. و قد بدؤا يهمون في ترك الديار، بعدما ازداد تعرضهم للإعتداءات الجسدية و المعنوية. اغتصبت و اختطفت وأرغمت على اعتناق الإسلام و الزواج، فتيات قبطيات كثيرات. و أحرقت معابد و أتلفت محاصيل لدفعهم إلى المغادرة. أما في فلسطين المنكوبة، فقد فرضت حركة حماس، خلال الإنتفاضة الثانية، الجزية على المسيحيين الفلسطينين لأنهم، عملا بممبدإ الذمة، لا يشاركون في الجهاد، فهاجر بعضهم إلى الخارج ، وهو ما بدأ يهم به مسيحيو العراق و في شمال نيجيريا، يضرب المسلمون بدستور البلاد عرض الحائط، ويفرضون بقوة العدد و العنف، أحكام الشريعة الإسلامية على المواطنين من ذوي الديانة المسيحية. ما تزال عقوبة المرتد بالإعدام سارية المفعول في إيران و دول الخليج. ولئن سقطت من القانون المكتوب في الدول الإسلامية الأخرى، فإن الإعدام الرمزي أو السري، يبقى مصير كل من تسول له نفسه الخروج عن دين الله. يولد المسلم مسلما، و يموت مسلما. ''نهار أمك أسود" ، كما تقول عبارة المصريين، لو اتهمت بالردة. كان الإسلام ولا يزال، في عرف المسلمين، مصدرا لكل الفضائل ومكارم الإخلاق و العلوم و العدل و الإحسان... فلا شيء من قبله و لا من بعده شيء. إنه الإنفجار الأعظم. فكأن الدنيا و ما فيها، انبثقت منه و لا يمكن أن تسير بغير هديه. فهو كلمة السماء الأخيرة. إن ما يسمى اليوم "أصولية"، ما هو إلا متداد منطقي لهذا التصور الأولي للوجود. و ماالإرهاب سوى ذلك السعي "باليد"، لفرض هاته الحقائق المطلقة على عباد الله أجمعين. و لهذا، فمن السذاجة بمكان، تضيع الوقت، في البحث عن إمكانية ما، توصل إلى فصل بين الديني و الدنيوي، تأتي من داخل الإسلام ذاته. إنه طريق مسدود، يلخصه موقف المفكرة وفاء سلطان، حيث لا ترى في هذا الدين "سوى منظومة مأزومة منذ نشأتها، قبل 14 قرنا. و التي يستحيل ايجاد أي مخرج تفاوضي معها"(7). تدعي التسامح الديني، تطالب لنفسك بحرية الإعتقاد. حسنا، و لكنك لا تقف عند هذا الحد. تريد أن يكون دينك هو الوحيد المقبول. إنك متسامح مع دينك فقط، و ليس مع الأديان كلها" (8). هكذا تكلم وليام رايش في كتابه: "انصت، أيها الرجل الصغير". فهل جانب الصواب، أم أصاب كبد حقيقة التدين ؟ أليس كل إيمان اعتقادا متعصبا؟ هل بإمكان الأديان أن تتفق فيما بينها، يوما، على وقف إطلاق النار؟ بالإضافة إلى تأكيده المشهور على جواز ضرب النساء شرعا، ففي رده على سؤال حول ما إذا كان يتمنى قيام دولة إسلامية في فرنسا، أجاب عبد القدر بوزيان، إمام في فينيسيو، قرب مدينة ليون الفرنسية، والمعلم السابق في الجزائر، أنه لا يرغب أن تقوم في فرنسا فحسب، و إنمافي كل بلدان العالم (9). فهل خان تطلعات إخوانه في الدين، كما يعتقد الكثير من المثقفين الفرنسيين السذّج، أم أنه عبر جهرا عما يختلج خفية في نفوس معظم المسلمين، المتواجدين في الغرب؟ و في الشرق أيضا. يوجد، حسب مصادر كثيرة، حوالي 300 شاب من فرنسا، يدرسون الإسلام الوهابي، في المملكة العربية السعودية. في سنوات قليلة قادمة سيكونون، في نضج تام و في أتم الإستعداد الشرعي و النفسي، ليتحولوا إلى قنابل بشرية لتأديب البشرية الضالة، كما يرجو من أغدق عليهم الهدايا والمنح. أصبح الإسلام الغاضب حاضرا بقوة و بعدوانية في بلاد فولتير: "هناك في الإحياء، استعمال سياسي للإسلام، من طرف أشخاص، يحملون شهادات عليا. أنا خائفة من هؤلاء الذين يرددون، بعنجهية، أنهم سيقيمون دولة إسلامية في فرنسا، طال الزمن أم قصر"(10). لا تتنافى تجربة رئيسة فيدرالية بيوت الصداقة و الناشطة فضيلة عمارة، و نبوءة الباحث الفرنسي، غي ميلير، صاحب كتاب: من يخاف من الإسلام؟ عندما يقول بالحرف الواحد، "أن الإسلام، سيكون مشكل فرنسا في القرن الواحد و العشرين (11)". فلنتأمل تطور عدد المساجد في هذا البلد : لم يكن يتعدى عددها الخمسة سنة 1965، تضاعف هذا العدد حوالي عشر مرات في حدود سنة 1975. ووصل في سنة 1980 إلى 274 مسجد. و لم تمر خمس أعوام حتى بلغ 922، ليصل إلى 1020 في سنة 1990، و1600 سنة 1995. وقد بلغ العدد، 1700في سنة 2000. و في انتظار استفحال الأمر، يحتل الإسلام، اليوم، المرتبة الأولى، في السجون الفرنسية. لا يكف الإسلام السعودي، عن طريق عديد من الجمعيات، عن توزيع نسخ القرآن على المساجين باللغتين (12). فتأسلمت السجون، إلى حد، أصبح فيه من المستحيل على أدمي، من أصول جزائريةأو مغربية أو تونسية... ألا يصوم رمضان. وفي حالات يجبر جبرا على أداء الصلوات الخمس. أما في بعض السجون، فلا يجد بعض المساجين من مخرج ، سوى اعتناق الإسلام، للتخلص من ضغط و تهديد قطاع طرق، لم يعرفوا الإيمان إلا في السجن، حديثا. هل يستطيع الإسلام، التأقلم مع الثقافة الديمقراطية، عن طريق المسلمين الذين يعيشون في الغرب؟ يبتسم ساخرا، من يعاشر هؤلاء و يعرف تفكيرهم عن قرب، عندمايسمع خبير الحركات الأصولية، جييل كيبل، يقول أن أوربة هذه الديانة، بمعنى تحديثها، من طرف المغتربين المسلمين، يمكن أن يكون مثالا يحتذى به كل المسلمين في العالم العربي الإسلامي. فهل ينتظر هذا العالم أن يأتيه الفرج من أولائك الذين يلهثون بحثا عن قطعة لحم حلال، في مدن الغرب؟ أم من الذين ينقبون بناتهم تنقيبا، و هن في سن الطفولة؟ أو الذين يطالبون بمسابح غير مختلطة؟ أو الذين يطالبون تطبيق أحكام الشريعة في المناطق التي يشكلون فيها الغالبية، وفي ما يتعلق بأحوالهم الشخصية في الغرب كله؟ لظروف وأسباب نفسية واجتماعية واقتصادية متعددة، وعلى الخصوص، تلك المتعلقة بفلسفة دينهم نفسه، ألاحظ أن المسلمين الذين يعيشون في الغرب، هم أكثر تشددا من غيرهم، وسيزداد تشددهم أكثر فأكثر، في المستقبل. لأن الحداثة المرئية، لاتنتهي من وضع 'القديم الميت' في أزمة، فيزداد انكماشا. وهكذا دواليك. فأمام التحرر الجسدي والحق في العري الذي تضمنه الحداثة ، مثلا، تتمظهر ردة فعل الممات archaique'l في تلك المظاهرات التي ينظمها الرجال، لنساء مسلمات في بروكسل و باريس و غيرها، من أجل المطالبة بكفنهن في حجاب أو دفنهن في جلباب أو نقاب. من يستطيع، اليوم، إقناع مسلمي الغرب بالإكتفاء بالبعد الروحي لدينهم، وحصره في مجال حياتهم الخاصة؟ يبقى الإسلام، لدى الأغلبية الغالبة منهم، متخيلا كنظام شامل، دين و دنيا. يتساوى الجميع في هذا الفهم، ابتداءا من الشخصية 'العلمية' و 'الثقافية'، مرورا بالمناضلين في الجمعيات الإسلامية(وية) في أوروربا و أمريكا، وو صولا إلى رئيس مسلمي ترّاب Trappes في ضواحي باريس. "إن بناء المساجد، يقول أحدهم، واجب إسلامي. فالمسجد، ليس، فقط، لإقامة الصلاة ، يضيف، و إنما هو مظهر من مظاهر تحرير المكان، و هو واجب إسلامي. " يعتبر مسلمو الغرب و الشرق، على حد سواء، مجرد الإشارة إلى وجوب إبعاد الإسلام عن الحقل العام، خروجا عن الملة. "القرآن دستورنا، يقول رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، فهو الذي ينظم حياتنا"(13). أما في كندا، وفي موضوع شرعية سياقة المرأة للسيارة، فيرى مجلس فقهاء المسلمين، أنه يجوز للمرأة أن تسوق السيارة، ولكن في نطاق الضرورة. أما السياقة من أجل المتعة، أو الذهاب والإياب من غير ضرورة، فلا يجوز. لا أبالغ في القول، إن قلت أن دين المهاجرين، هو الذي يقف حجرة عثرة أمام أي تصالح ثقافي بينهم وبين البلد المضيف. لا يزال الظلام الكثيف يغطي الأفق، و لا زالت الخرا فة بخير، ولم تطرق الحداثة الأبواب بعد، ما تزال بعيدة جدا عن جدول أعمال من يحصدون، في العالم الحر، الحقل الذي يناضلون من أجل حرمان شعوبهم الأصلية من زرعه: حقل الحرية و حقوق الإنسان. أمة العرب ما دهاها؟ كان السؤال. فتنة كبرى، كان جواب، وتكالب الغير، كان آخر... لا هذا ولا ذاك، أرى، إن العرب والمسلمين ضحية المواجهة المفتوحة، منذ قرون، بين الحقيقة المطلقة، التي يتوهمون امتلاكها والواقع المتحرك الذي لا يستجيب لمقتضيات تلك الحقيقة. .

المراجع
1-Naipaul, Jusqursquo;au bout de la foi. Excursions chez les peuples convertis. Plon,1998.
2-نفس المصدر ص.51
3-Robert K.Merton, Eleacute;ments et meacute;thodes sociologiques. Plon, Paris,1965,p.140
4-Lucie Werther, Le Monde 2, du 22janvier 2005.
5-مطبوعات وزارة التعليم الرياض ص.33
6-نفس المرجع ص.34.
7-Le Monde du 7 avril 2006
8-Wilhelm Reich, Ecoute petit homme !eacute;d.Payot,1972,p.64
9-Lyon -Mag , Avril 2004
10-Valeurs Actuelles,12 deacute;c.2003
11-نفس المرجع.19 مارس 2004
12-Farhad Khosrokhavar, Lrsquo;islam dans les prisons, Balland,2004,p.33
13-Le Parisien, 12 feacute;vrier 2003

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف