تركيا والكرد: حرب المائة عام تبدأ من كركوك!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي، وفي كلمة له أمام برلمان بلاده قال بأن "تركيا سوف تتدحل في العراق حال الكشف عن نتائج الأستفتاء الذي من المزمع أن يٌجرى حول مستقبل مدينة كركوك، والإقرار بضم المدينة للمناطق التي يسيطر عليها الكرد" أي إلحاقها باقليم كردستان كما هو متوقع.
أردوغان كان قد أشارّ قبل بضعة أيام إلى "أن تداعيات الأوضاع في العراق وتطورها الدراماتيكي، بات يشكل الأولوية لدى الحكومة، لتحل محل المفاوضات مع الأتحاد الأوروبي". وأشارّ رئيس حزب العدالة والتنمية( ذو{الأجندة الإسلامية الإصلاحية}، كما راهنّ الكثير من السذج في الشرق والغرب) بأن "الأستفتاء حول كركوك الغنية بالنفط سوف يفضي لوقوعها في حضن الكرد في النهاية"، وان "مايمارسه الكرد الآن في المدينة، من تغيير ديمغرافي، وفرض لسياسة الأمر الواقع على التركمان بشكل خاص، يشبه لحد كبير ما مارسه الأرمن في إقليم ناكورني كارابخ، الذي إستولت عليه أرمينيا من أذربيجان عنوةً". وبغض النظر عن "الإقتباس" الخبيث للمثال الأرمني ذاك، والذي يثير حقداً بربرياً دفيناً لدى عموم الأتراك، فإن رئيس الوزراء التركي يعي جيداً بأن الأوضاع في جنوب كردستان( كردستان العراق) قد خرجت تماماً من تحت السيطرة، وإن "طبخة البارزاني والطالباني" في السيطرة على المخزون النفطي الهائل في المدينة قد نضجت تماماً، وأصبحت على المائدة الكردية الآن.
وأشارّ أردوغان بشكل مطول في حديثه ذلك، لما وصفه "بخطورة الصمت على جرأة الكرد للإستيلاء على الثروة النفطية في الشمال الذي يديرونه"، وبالتالي "قرار إخراجهم النفط وبيعه لشركات أجنبية خاصة"، وبعقود يمضونها في أربيل وليس بغداد"...!
الأنظار في أنقرة تتجه نحو العراق. وهناك في الصحافة التركية مئات من الكتبة ممن يسٌودون الصفحات لوصف "خطورة الأوضاع في الشمال العراقي" والإسهاب في الحديث عن "خطط الكرد للسيطرة على كركوك كمقدمة لإعلان الدولة الكردية المستقلة"، منهين "مقالاتهم" بتحريض الجيش التركي وإنتخائه للتدخل قبل فوات الأوان. وقبل يومين من الآن، نشرّ رئيس هيئة الإستخبارات التركية( الميت) إيمرا تانير تقريراً على الملئ، على غير العادة تماماً، يحذر فيه الحكومة من الإستمرار في "إتباع سياسة الحياد والبقاء متفرجة إزاء تطور الأوضاع في المنطقة والعراق". وتابع تانير في تقريره، والذي صدرّ بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس جهاز الإستخبارات التركية، بان "الأحداث تتسارع وان التطورات القادمة سوف تفضي لفقدان الكثير من الدول في المنطقة لدورها ومكانتها الإستراتيجية"، وان "تركيا، ولكي لاتصبح من ضمن تلك الدول، عليها أن تبادر للتدخل في صنع الأحداث حسب مصالحها، والتخلي عن اسلوب الإنتظار والإكتفاء بردة الفعل، كما تفعل الآن".
وكانت أنقرة، وخلافاً لمحتوى التقرير الذي يهدف لإستنهاض همم الأتراك ومناداة نزعة البطش والقسوة المتأصلة فيهم، قد بدأت في الشهور الماضية بإحداث تغيير في سياستها إزاء العراق، كشفت معه عن تدخل سافر في الشؤون الداخلية العراقية عامة والكردية بشكل خاص. فكان، بادئ ذي بدء، إحتضان مجموعة من البعثيين والإسلاميين السنّة المرتبطين بتنظيم (القاعدة) الإرهابي، وبعض الخارجين عن القانون لتنظم لهم مؤتمراً سمٌي بمؤتمر إسطنبول لأهل العراق( والذي غيرّه عدنان الدليمي لمؤتمر {نصرة أهل السنة}، لكي يٌصبح اللعب مكشوفاً، كما قال)، وتوقف المؤتمر على سبل إعاقة العملية السياسية في العراق، وكيفية تطويق الحكومة العراقية الحالية بغية "عودة الأمور لنصابها ووضعها الطبيعي" مثلما نٌقل حرفياً.
وكان من بين الحاضرين في المؤتمر، كل من الأصولي السعودي سلمان العودة( الذي حذر قبل مدة، وفي قراءة إستخبارتية لافتة، من حالة تشيع شاملة تستهدف سوريا) والمنظّر السنّي الطائفي الكويتي عبدالله النفيسي!. وتقول مصادر مطلعة ان الإجتماع أتى أوكله وذلك بنجاح أنقرة في جمع دزينة من الكرد من عملاء النظام العراقي السابق( يقودهم الوزير السابق في عهد البعث والشخصية الكردية العميلة والأكثر كرهاًً في كردستان أرشد زيباري)، وتمويلهم بالمال ليؤسسوا حزباً مرتزقاً بإسم (حزب العدالة والحق الكردي). وهذا الحزب سوف يعمل، بموازاة الجبهة التركمانية العميلة لأنقرة، لخلق المشاكل والإتصال مع رؤساء العشائر الكردية في كركوك، بغية إقناعهم بعدم منح أصواتهم للتحالف الكردستاني في أمر تقرير مصير كركوك، وبيعها بدل ذلك لأنقرة.
وكان أردوغان قد أشار لعدة خطوات تزمع أنقرة القيام بها للتحرك أمام "التهديدات التي يواجهها أمنها القومي"، حيث إنه دعى واشنطن للإسراع في تطبيق بنود تقرير بيكر ـ هاملتون السيء الصيت ذاك، وإعادة القرار للمركز وتمكين رجالات النظام البائد من العودة وإستخدام العصا الغليظة ضد العراقيين من جديد. كان هذا طبعاً قبل قرار بوش الأخير ركلّ تقرير بيكر، وإرسال المزيد من الجنود للعراق وتطمين حلفائه في بغداد بعدم تركهم في نصف الطريق يواجهون إرهاب القاعدة الممول من دول الجوار. ولم يكتف بوش بذلك فقط ـ ولسوء حظ أردوغان ـ بل عمد لإرسال عشرات القطع العسكرية البحرية من حاملات طائرات وغواصات نووية لمياه الخليج العربي، فيما يبدو انها تحضيرات أولية وعد عكسي لحرب القرن ضد نظام الملالي المصمم في صنع القنبلة النووية وتهديد العالم الحر.
الكرد في جنوب كردستان فهموا اللعبة. فمع الكشف عن المضمون الإستسلامي المخزي لتقرير بيكر ـ هاملتون، كشفوا في الحال بدورهم، عما لديهم من أوراق وأدوار مفتاحية في الحفاظ على مستقبل وأمن العراق، وعدم إفشال الإنموذج الأميركي التغييري الأول في المنطقة. ولعل قرار الحكومة الكردية إرسال لوائين من قوات البيشمركة للمشاركة في الحملة الأمنية الجديدة ضد الإرهابيين في بغداد هو ورقة من تلك الأوراق. وهذا أمر مؤلم ومكلف حقاً، ومغامرة خطيرة لم يكن ثمة من دواعي لها، لما هناك من خطورة لتعرض هؤلاء للتصفية على يد الإرهابيين وفرق الموت المنتشرة في العراق العربي، هذا ناهيك عن التورط الكردي في حرب "الألف وأربعمائة عام"، التي يخوضها الأخوة الأعداء ضد بعضهم البعض.
هناك أيضاً كردياً، وإستعداداً لأي حماقة تركية في إجتياح اقليم كردستان والتدخل في كركوك( وهوأمر نستبعده، لوجود الهراوة الأميركية تلك) دعوات متكررة لعقد مؤتمر كردي موسع تشارك فيه القوى الكردية الكبرى الثلاث: الأتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني.
والمبادرة جاءت من قبل قيادات الأخير، وعلى لسان الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان، والذي دعى الكرد في آخر تصريح له للتوحد ونبذ الخلافات وعدم الثقة بواشنطن كثيراً، والكف عن تسليمها رقابهم مثل كل مرة. وكررّ كل من مراد قره يلان وجميل باييك، وهما من كبار قادة الحزب الدعوة للحزبين الكرديين الرئيسيين في اقليم كردستان لضرورة عقد مثل هذا المؤتمر لرسم إستراتيجية كردية جديدة للتعامل مع الأخطار التي تواجه الأمة الكردية، وتجربة جنوب كردستان بشكل خاص.
وثمة إشارات إيجابية من الجهة المقابلة، سيّما وان العسكر في أنقرة رفضوا حتى الآن عملية وقف إطلاق النار التي أعلنها العمال الكردستاني ولم يتوقفوا عن خوض العمليات العسكرية ضد مقاتلي الحزب في ولايات اقليم كردستان الشمالية( تلك العمليات التي قالت {قوات حماية الشعب}، الجناح المسلح للحزب الكردي الشمالي، إنها أسفرت في عام 2006 عن مقتل 853 جندياً تركياً و131 مقاتلاً كردياً)، وقيادة العمال الكردستاني أكدت مراراً على ان أي تدخل عسكري تركي في اقليم كردستان الجنوبية سوف يجابه بعمليات عسكرية عنيفة في الداخل التركي. والتعويل التركي على ماتسمى (باللجنة الثلاثية المكلفة بمتابعة ملف حزب العمال الكردستاني) وإمكانية أن تتدخل واشنطن لتحارب قوات العمال الكردستاني نيابة عن أنقرة، فشل فشلاً ذريعاً هو الآخر. وظهرت بوادر هذا الفشل في الإنتقادات العنيفة التي وجهها أردوغان لعمل اللجنة، وفي تصريح الممثل التركي في اللجنة جنرال الحرب السابق أديب باشار، والذي قال إنه سوف يستقيل لعدم وجود نية لدى واشنطن للعمل ضد الطرف الكردي.
الحكومة التركية فشلت في إحداث الإصلاح رغم التفويض القوي الذي حصلت عليه من الشعب التركي( وقطاع كبير من الكرد كذلك)، ورجب طيب أردوغان، ومن أجل ضمان موافقة الجيش على تعيينه رئيساً للبلاد خلفاً لأحمد نجدت سيزر الذي تنتهي ولايته بعد بضعة أشهر، لن يتوانى عن فعل أي شيء يٌطلب منه. وكان أوجلان قد حذرّ الكرد في وقت سابق من وجود سيناريو بهذا الشكل: الرئاسة وتخلي الحكومة عن مفاوضات الدخولية/الصداع مع أورويا، مقابل إطلاق يد الجيش في جنوب كردستان، ووصف ذلك في حال حدوثه "ببداية حرب المائة عام" بين الكرد والترك .
الكرد مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى بالتوحد. ليس هناك من شيء مؤكد وثابت في ظل المتغيرات المتسارعة التي تجتاح المنطقة. الوضع الأمني في العراق، حيرة إدارة بوش وإقتراب رحيل الأخير عن البيت الأبيض، بالأضافة للتصعيد المرتقب في الملف الإيراني ومايعنيه من تحرك الكرد في شرقي كردستان، والتحضيرات اللازمة لكل ذلك. تركيا قد تصعد الأمور في الفترة القادمة: حصاراً وقصفاً ومزيداً من الحشود العسكرية على الحدود. في المقابل الكردي، هناك حاجة كبيرة للأتحاد وترتيب الصفوف والتعاون ليكمل كل طرف الآخر، إستعداداً للدفاع عن الشعب الكردي ومنجزيه الكبيرين: الثورة الكردية الشمالية المشتعلة منذ 25 عام، والمكسب الكردي الجنوبي...