الدين من وجهة نظر الهرمينوطيقا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإسـلام بين التاريخ والحقيقة
تـوطئـة :
يعتقد البعض أن الإسلام كلمة مألوفة شاعت لدى مختلف الأمم وتناقلتها جميع الألسن وأن المسلمين شعوب معروفة يعتقدون في اله واحد ويتبعون ما جاء به نبيهم محمد (صلعم) ويعتبرون أنفسهم أمة واحدة لا فرق فيها بين أعجمي وعربي إلا بدرجة التقوى والإيمان والقرب من الله لكن الأمور ليست بهذه السهولة إذ نجد العديد من الأفراد والأمم التي تعتقد في الإسلام ونعثر على الكثير من الفرق والمذاهب وكلها تقول أنها تمثل الدين الحق وأدركت جوهر الإسلام، الأمر الذي عقد المشكلة وجعل النظرة إلى الإسلام تكون مشوبة بالحذر ومحفوفة بالمخاطر خصوصا وأنه تحول إلى ساحة حرب ومجال للسجال فدار صراع بين الجميع في مختلف العصور على استعمال هذا الدين واحتكاره لصالحهم في الصراع الاجتماعي والسياسي وقد قيل أنه حمال أوجه،ف مـا هو الإسـلام؟ ما هي طبيعتـه؟ وعلى ماذا تقوم أصوله؟ هل هو حقـائق أم أوهـام؟ هل هو جوهر أم عرض؟ ما الفرق بين الإسلام كما هو في حدّ ذاته والإسلام كما مورس تاريخيا؟ هل يجوز أن نفرق بين الظاهرة القرآنية والظاهرة الإسلامية؟ ما هي المسافة التي تفصل بين الإسلام والإيمان؟ ما الوجه الذي يكون به الإسلام إيمانا والإيمان إسلامـا؟ كيف نقنع الناس به دون أن نلجئ إلى الإكراه أو التشدد؟
ألا تختلف دلالة الإسلام من عصر إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى؟ أليس هناك فرق بين الإسلام كما يحفظه التراث والإسلام كما يؤوله المعاصرون؟
هل من المشروع أن نخضع الدين إلى الهيرمينـوطيقـا بماهي اجتهاد تأويلي على النصوص المقدسة؟ وما هو الغنم الذي نحصل عليه من هذه الدراسـة؟
إن حـددنا الهيرمينـوطيقـا بأنها فـن في الفهم وتجربة للفوز بالمعنى فإنه من المسموح لنا أن نبحث عن سبل جديدة لتحقيق فهم أفضل للقرآن وللحصول على المعنى الجوهري للإسلام.
1* الدلالـة التـراثيـة للإسـلام :
" إن الدين عند الله الإســلام " آل عمـران 19
إن معنى الدين هو الطاعة وقد يرد بمعنى الجزاء إذ يقال كما تدين تـدان أي كما تفعل تجـازى. وقد يرى الدين بمعنى الحساب يوم المعاد والتنـاد، فالمتدين هو المقر بالجزاء والحساب يوم التنـاد والمعـاد.
ولما كان النوع الإنسـاني محتاجا إلى الاجتماع في إقـامة معاشه والاستعداد لمعاده فإن صورة ذلك الاجتماع تحصل بالتعاون و التمانع ضمن أفق الملّة أمّا الطريق الخاص الذي يوصل إلى هذه الهيئة فهو المنهـاج والشرعة والسنة والاتفاق على تلك السنة هي الجماعة.
ولن يتصور وضع الملة وشرع الشرعة إلا بواضع شارع يكون مخصوصا من عند الله بآيـات تدل على صدقه وهذا الشارع هو النبي المصطفى.
والدين عندنا هو الإسلام والملة هي ملة إبراهيم الخليل وهي الحنيفية والشريعة ابتدأت من نوح عليه السلام أما الحدود والأحكام فقد ابتدأت من آدم وتواصلت مع شيث و إدريس وختمت بمحمد المصطفى الذي أتمها حسنا وجمالا. وقد خص آدم بالأسماء وخص نوح بمعاني تلك الأسماء وخص إبراهيم بالجمع بين الأسماء ومعانيها ثم خص موسى بالتنزيل وخص عيسى بالتأويل وخص المصطفى محمد بالجمع بين التنزيل والتأويل على ملة إبراهيم ثم كيفية التقرير الأوّل والتكميل بالتقرير الثاني بحيث يكون مصدق كل واحد ما بين يديه من الشرائع الماضية والسنن السالفة تقديرا للأمر على الخلق وتوفيقا للدين على الفطرة. إذا كان الدين هو الإسلام والإسلام هو الفطرة فإن الله عز وجلّ أسس دينه على مثال خلقه ليستدل بخلقه على دينه وبدينه على خلقه. وقد قال النبي الحبيب. محمد "كلّ مولود يُولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه كما تناتج الإبلُ من بهيمة جمعاء".
على هذا النحو يكون الإسلام جوهر الدين، يقول تعالى : "ذلك الدين القيّـم" -[التوبة 36] [1] -
فمـاهو الإسـلام؟
سأل أعرابي النبي( صلعـم ): يا رسول الله ما الإسـلام؟ فأجاب : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأتي رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قـال صدقت. ثم قال "ما الإيمـان؟" قـال عليه السلام : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره" قال صدقت. ثم قال : ما الإحسان؟" قال عليه الصلاة والسلام : "أن تعبـد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" قال صدقت. ثم قال : متى الساعة؟" قال عليه السلام : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" ثم قام وخرج فقال النبي( صلعم) : "هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم".
بادئ القول أن الإسلام هو الخضوع والانقياد ل م ا أخبر به الرسول( صلعم) أي كل ما يكون الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب. لذلك وقع التمييز بين الإسلام والإيمان، فالإسلام قد يرد بمعنى الاستسلام ظاهرا ويشترك فيه المؤمن والمنافق أما الإيمان قد يرد في اللغة بمعنى التصديق بالقلب وفي الشرع بمعنى الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان أي ما وطئ فيه القلب اللسان وقد قيل : من شهد وعمل ولم يعتقد فهو منافق ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق ومن أخل بالشهادة فهو كـافر وبالتالي ثمة فرق بين النفـاق والفسق والكفر.
أمّا الإيمـان فيقـال على خمسة أوجه : إيمان مطبوع وهو إيمان الملائكة وإيمان معصوم وهو إيمان الأنبيـاء وإيمان مقبول وهو إيمان المؤمنين وإيمان موقوف وهو إيمان المبتدعين وإيمان مردود وهو إيمان المنافقين. وقد فرق التنزيل بين الإسلام والإيمان.
قال تعـالى:"قالت الأعراب ءامنا قل لم يؤمنوا ولكن قولوا أسلمنـا"وكان الإيمان دائرة أصغر وأضيق من دائرة الإسلام الأوسع والأكثر انفتاحا لأنها يمكن أن تضم الكفار والمنافقين والفاسقين ولا تبقى إلا المشركين خارج دائرتها.
بيد أن الإيمان على الحقيقة إسلام والإسلام على الحقيقة إيمان ومن يبتغي غير الإسلام دينا كان كافرا بالإيمان.من هنا فإن الإسلام هو الاستسلام أي أن يلقى المرء السلم إظهـارا لطاعة من قهره فيكون من فاعله نفاقا لكن من جهة أخرى الإسلام هو ما انشرح الصدر إليه وأما ما ضاق الصدر عن قبوله ونفر منه عند سماعه فصاحبه غير مؤمن.
فالإيمـان هو التصديق في القول والقلب أي هو قول باللسان وإخلاص بالقلب وإقرار بما سماه النبي صلعم أما الإسلام فهو عمل بالجوارح بما فرض عليها لأنه هو الذي يدلّ على استسلام من قال : أسلمت لله. ومن قال آمنت فإنما هو مخبر عن تصديقه ومحل صحة التصديق فيما عقد عليه القلب واطمأن إليه.
فإذا كان الإيمان هو القبول من الرسول ما جاء به يصححه لقائله اعتقاد قلبه بتصديقه فإن الإسلام هو أن تعبد الله لا تشرك به وهو العمل بما أمر به ودعا إليه والانتهاء عما نهى عنه يصححه اعتقاد قلب.
اللافت للنظر أن الدين له مبدأ ووسط ويمكن أن يرتقي إلى درجة الكمال فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد هو المبدأ والإيمان بمعنى التصديق بالقول والقلب هو الوسط فإن الإحسان بمعنى الإخلاص والاستقامة والصلاح هو الكمال.
قد ذكرنا معنى الإسلام وفرقنا بينه وبين الإيمان ونبين هنا معنى الإحسان بوصفه درجة الكمال في الإسلام.
قال تعالى : "إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمتُ لرَبّ العـالمينَ" ) البقرة 131 .( ولكن قد يرد الإسلام وقرينه الإحسان قال تعالى : "بلى من أسلم وجهه لله وهوَ مُحْسن" .
فما معنى الإحسـان؟
الإحسان لغة هو فعل ما ينبغي أن يُفعل من الخير، أما في الشريعة فهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. بعبارة أخرى الإحسان هو إحسان عبادة الله في كل ما يُعبد من الشهادة له بالألوهية وحده ومن كل ما أمر به من عمل بطاعته وأن يكون العامل بذلك يعمله لله وأن يعلم أن الله يراه فيما يؤدّيه إليه من طاعته ولا يخفى عنه ما في سره من ذلك وأن ينتهي عما نهاه الله عنه لله.
وإذا تكلمنا بلغة الباطن فإن الإحسان هو التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة أي رؤية الحق موصوفا بصفاته بعين صفته فهو يراه يقينا ولا يراه حقيقة ولهذا قال صلعم "كأنـك تـراه" لأنه يراه من وراء حجب صفاته فلا يرى الحقيقة بالحقيقة لأنه تعالى هو الداعي وصفة لوصفه وهو دون مقام المشاهدة في مقام الروح.
ويمكن أن ننتقل في الفقه من الإحسان إلى الاستحسان وهو ترك القياس والأخذ بما هو أرفق للناس قال تعالى : "فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"ولا نقصد من الاستحسان المعنى اللغوي أي عد الشيء واعتقاده حسنا بل المعنى الاصطلاحي أي الرأي الجلي والمستحسن.ولا يكون المسلم محسنا إلا إذا كان مخلصا ولذلك اقترن الإسلام بالإحسان واقترن الإحسان بالإخلاص، فما المقصود بالإخلاص؟
إن الإخلاص في اللغة هو ترك الرياء في الطاعات، أما في الاصطلاح فهو تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدّر لصفائه وتحقيقه أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه سمي صالحا ويسمى الفعل المخلص إخلاصا. قال تعالى : "من بين فَرْثٍ ودمٍ لبنًـا خـالصًا" النحل 66.
وقال ابن عيـاض : "ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجلهم نفاقا والإخلاص : الخلاص من هذين" ومن هنا فإن الإخلاص هو أن لا تطلب لعملك شاهدا غير الله ولا يكون إلا بعد التحول في العمل بتصفية الأعمال من الكدورات وأن لا يعلم الستر القائم بين العبد وربه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله.
عندئذ الإخلاص هو أن يصدق المخلص بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويقر عقدا بأن القدر خيره وشره من الله تعالى بمعنى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وبالتالي يكون مؤمنا حقا. وهكذا كان الإسلام هو المبدأ والإيمان وسط والإحسان كمالا.
وقد شمل لفظ المسلم الناجي والهالك، المؤمن والمنافق، الفاسق والكافر إذ يقول سيد البرية محمد عليه الصلاة والسّلام :"المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترنجة طعمها وريحها طيب والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالثمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مرّ ومثل المنافق الذي لا يقرأ كالحنظلة طعمها مرا وخبيث وريحها مرّ" [صحيح البخاري] [2] .
علاوة على ذلك يتطلب الإسلام لتحقيق الكمال الاستقامة والصلاح. أمّا الاستقامة فهي القيام بما أمر الله به، فالمستقيم هو واحد من أولى الألباب الذين يصلّون ما أمر الله به أن يوصل، والاستقامة في الدين هي مداومة المقام فيه على استوائه واعتداله لا ينكب عنه يمينا ولا شمالا ولا يلتزم منه مالا يطيقه، وهو كذلك الإتباع والسداد والمقاربة والاستغاثة بالله في كلّ أمر بالقصد والتوجه والتوكل والتحلي بالتؤدة والصبر وحسن الصّمت أثناء المتابعة.
قال تعالى : "اهدنا صراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" (الفـاتحة).
بقي أن نشير أن صفة الصلاح لا يمتلكها إلا من وفى بجميعه وفاءا حسنا واستكمل خصال الشاكرين والتزم بها في أحوال متقلبة ومثواه. والمصلح هو الذي تعلم القرآن وعلمه وعمل به وكان من أهله دون أن يضيعه أو ينسيه، الذي لا يقتصر على أداء الفرائض واجتناب المحارم بل يستكمل العبادات بأداء النوافل.
فإذا قرن المرء بين الإيمان والإحسان والإخلاص والاستقامة والصلاح وقرن المجاهدة بالمشاهدة وصار غيبه شهادة وشهادته غيب كان مؤمنا حقا وحصل على الإسلام بدرجة الكمال الذي هو المبدأ والمعاد والمبتدى والمنتهي وعلى هذا خص الإسلام بالفرقة الناجية و الرسول خاتم النبيين والقرآن ناسخ لكلّ الكتب والصحف والشرائع المنزلة. قال تعالى : "فلا تمـوتُـن إلا وأنتـم مسلمـون" البقـرة 132
وعلى الرغم من أن المسلمين تفرقـوا إلى مذاهب وطبقات وملل ونحل فإنهم أجمعوا على أن الإسلام له مجموعة من الأصول والشرائع لا يمكن لأحد أن ينكرها. يقول الرسول صلعم:"تفترق هذه الأمـة على ثلاث وسبعين ملة كلّهم في النار إلا واحدة" قـالوا : يا رسول الله وما الملة التي تتغلب " قـال : "ما أنا عليه وأصحابي" ويقول أيضا : "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمرُ الله" الحق هنا هو الإسـلام، فما هي أركان الإسلام التي هي محل اتفاق بين جميع الفرق والملل؟
من المعروف أن الأمة أجمعت أن الإسلام يقوم على مجموعة من الأركان والشرائع وهي خمسة :1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله... 2- إقامة الصلاة 3- إيتاء الزكاة 4- صوم رمضان 5- حج البيت الحرام.
ومن أسقط وجوب ركن من هذه الأركان أو تأولها على معنى موالاة قوم فقد كفر وخرج من دائرة الأمة. وقالوا أن أصول أحكام الشريعة : الكتاب والسنة والقياس والإجماع والاستحسان والاستصحاب والعقل والمصلحة المرسلة والعرف وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي وفتح الذرائع وسدها.وعرفوا أحكام الأمر والنهي وقسموا أفعال المكلفين إلى خمسة : واجب ومحظور ومسنون (مندوب) ومكروه ومٌباح.
فالواجب: ما أمر الله به على وجه اللزوم وتاركه مستحق العقاب على تركه المحظور : ما نهى الله عنه وفاعله يستحق العقاب على فعله.
المسنون: ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه (النوافل)
المكـروه: ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله (التدخين)
والمبـاح: ما ليس في فعله ثواب ولا عقاب ولا في تركه ثواب ولا عقاب إنّ هذه الأحكام تتوجه إلى المكلفين العقلاء أما البهائم والمجانين والأطفال فخارج دائرة التكليف.
وقالوا: إن كل ما وجب على المكلف من معرفة أو قول أو فعل فإنما وجب عليه بأمر الله تعالى إياه به وكل ما حرم عليه فعله وقوله ومعرفته فينهى الله تعالى إياه عنه ولو لم يرد الأمر والنهي من الله تعالى على عباده لم يجب عليهم شيء ولم يحرم عليهم شيء.
وهذا التكليف يتوجه على العاقل بخاطرين يخطران بقلبه الأول من قبل الشيطان يدعوه به إلى العصيان وينهاه به عن طاعة الله والخاطر الثاني من قبل الله سبحانه يدعوه به إلى النظر والاستدلال.
نتكلم الآن عن أصول الإسلام وهي معرفة الباري تعالى بوحدانيته وصفاته ومعرفة الرسل بآياتهم و بينـاتهم. ومن المعلوم أن الدين منقسم إلى معرفة وطاعة وإلى حقيقة وشريعة وإلى مقصد وطريقة، فمن تكلم في المعرفة والتوحيد والحقيقة والمقاصد كان أصوليا ومن تكلم في الطاعة والشريعة والطريقة كان فروعيا وبعبارة أخرى كل ما هو معقول ويتوصل إليه بالنظر والاستدلال فهو من الأصول وكل ما هو مظنون ويتوصل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروع.فالأصول موضوع علم الكلام والفروع هو موضوع علم الفقه.
أصول الدين هي التوحيد والعدل والوعد والوعيد والسمع والعقل والولاية والإمامة. وقد اتفق الجمهور من المسلمين على صدقية هذه المبادئ :
1- إثبات الحقائق والعلم على الخصوص والعموم.
2- العلم بحدوث العالم من محدث هو الله.
3- معرفة صانع العالم وصفاته الأزلية وأسمائه وأوصافه.
4- معرفة الرسل والأنبياء ومعجزاتهم وكرامات الأولياء.
5- معرفة ما أجمعت عليه الأمة من الشرائع وأحكام الأمر والنهي والتكليف.
6- معرفة فنـاء العباد وأحكامهم في المعـاد.
7- معرفة شروط الخلافة والإمامة وأحكام الأعداء من الكفرة وأهل الأهواء.
قال تعالى : "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا" [الأنعام 125].
وقد قال المسلمون إن أصل الإيمان المعرفة والتصديق بالقلب واتفقوا على وجوب جميع الطاعات المفروضة وعلى استحباب النوافل المشروعة فاسم الإيمان لا يزول على مرتكب الذنوب وهو ليس الإقرار الفرد سواء كان معه إخلاص أو نفاق وقالوا : إن اسم الإيمان لا يزول بذنب دون الكفر ومن كان ذنبه دون الكفر فهو مؤمن وإن فسق بمعصية، وقد استثنوا من ذلك المشركين.والله تعالى يقول : "ما كان للمشركين أن يعمرُوا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر" [التـوبة 17].
ولم يبح المسلمون قتل كل عاص لله تعالى ولو كان المذنبون كلّهم مشركين لكانوا مرتدين عن الإسلام ولكان الواجب قتلهم بل دعوا إلى إقامة الحدود عليهم فحكم السارق قطع اليد والقاذف للمحصنات يجلد والزاني المحصن يرجم.
وقالوا لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : من ردة بعد إسلام أو زنى بعد إحصان أو قصاص بمقتول هو كفأه و هذه أمور ليس من اليسر إثباتها على أحد.
وقد ترتب عن هذا التصور التراثي للإسـلام :
1- الاختلاف في الأصول.
2- بروز المذاهب ونشوب التوتر فيما بينها.
3- التكفير والإقصاء والتقاتل.
4- ظهور دعوى الفرقة الناجية.
5- إغلاق باب الاجتهاد وتغلب التفسير على التأويل.
6- جمـود الإسلام وذهاب ريح حضارته.
7- انفصال الدين عن الحياة والواقع وتحوله إلى كهنوت ووثنية.
وإذا كان غرضنا إحياء الدين وإصلاح عقيدته وبناء فهم صحيح للإسلام ملائم للعصر ومتطلباته فإنه لا مناص لنا من عرضه على محك النقد الفلسفي الهيرمينوطيقي.
لكن قبل ذلك حري بنا أن نعرف حقيقة فلسفة الدين ما هي ومن ثمة ننتقل إلى التحدّث عن الدلالة المعاصرة للإسلام. لكن ماذا تعني هذه الآية: " اليـوم أكملتُ لَكُـمْ دِينـكُـمْ وأتْمَمْـتُ عَلَيـكُـمْ نِعْمَتِـي وَرَضِيتُ لَكُـمْ الإسـلاَمَ ديـنًـا... " ( المـائدة 3)؟
2* الديـن على محـك العلم والفلسفـة :
" إن الدين رغم كثرة ارتباطه بالحركات الرجعية هو من أكثر العوامل الاجتماعية بقاء ومن أقوى الوسائل الفعالة للسمو بحياة الفرد والمجموعة البشرية " [3]
ما دام الدين قد انفصل عن الحياة وما دام الفكر الإسلامي قد ابتعد عن الواقع ومادام الإسلام استقل بنفسه وتحول إلى كهنوت عندما تصور أنه ينفرد بمعرفة الله وأنه يمتلك سلوكا خاصا هو العبادة ومكان خاص هو الجامع وموظف خاص هو الشيخ وزي خاص هي العمامة ولغة خاصة هي لغة المفتي والداعية والمرشد الوعظية المعيارية فإنه من البديهي أن يصبح الإسلام في حالة من الضمور والانكماش ومن المنطقي أن يكون للدين عالمه الخاص هو الغيب والآخرة وما وراء الموت وهو مليء بالأسرار والألغاز يختلط فيها بشعوذات الجمهور من الاعتقادات الأسطورية.
وقد استطاع الحس الشعبي أن يكشف هذا الكهنوت في ممارسة الشعائر لأن الحياة أقوى من أي مظهر خارجي فالصلاة قد تدل على التظاهر بالإيمان وقد لا تنفع التوبة في تغيير الحال وقد تكون قراءة النصوص مجرد ترتيل دون فهم معناها ودون أن يعيها أحد أما رجل الدين نفسه فقد يسرى عليه ما يسرى على سائر البشر وقد لا يكون لروحانيته أي أثر في سلوكه وقوله وفكره بل تسيطر عليه أمراض النفاق وسوء النية تظهر في ازدواجية الشخصية والتناقض في الأفعال والتباعد بين النظر والعمل بيد أنه إذا أمعنا النظر وفصلنا في الإيمان بين الجوهر والعرض فإننا سنجد أن الإسلام لا يوجد فيه كهنة أو طبقة جامدة تحترف إقامة الشعائر وتباشر الوساطة بين العبد وربه وأن علماء الدين ليسوا فئة بل هم مجرّد مبلغين وليسوا مقدسين ومسيطرين،أضف إلى ذلك أن كلّ مسلم هو رجل دين يستطيع أن يتعلّم من القرآن ومن الله بنفسه عندما يناجى ربه مباشرة بلا واسطة.
وحتى وإن وجد رجال الدين في الإسلام مثل الأئمة والفقهاء فهم في غالب يقفون إلى جانب الأمة والشعب ويناصرون المظلومين وليس إلى جانب "الدولة والطبقة المالكة والظالمين".
كما أن الشعائر الدينية متطورة وليست جامدة لاعتمادها على نصوص تقتضي الفهم وإعادة القراءة، فالإسلام بعد أن وضع النبي أصوله وحدد نصاب شعائره فتح مجالا واسعا للتطور الاختياري من خلال الاجتهاد النظري والتأويل والاعتبار العقليين في الطبيعة دون أن ننسى الجهاد العملي في السلوك اليومي والحياة المجتمعية.
ولا يرتضى الإسلام أن تصطدم شعائره بفروض الحياة ومتطلبات الواقع لذلك كانت الشعائر اختيارية متروكة لظروف الأفراد واختلاف الزمان والمكان وبإمكان الناس أن ينتقلوا من الشعائر المحددة إلى الشعائر الميسرة. فالشريعة المحمدية هي شريعة إنسانية ولا روحانية والدين هو دين يسر وليس دين عسر فليس هناك كهنوت وينبغي أن نعترف أن الدنيا كلها مساجد وأن مساحة الطقوس والعبادات محدودة ولا تمثل عائق أو عقبة أمام التطوّر والإبداع والتمتع بالحياة. إن الكون مستودع ضخم لنعم الله أبيح للناس أن يتمتعوا بها والقرآن دستور حافل بالآيات للإفادة من هذه النعم.
على هذا النحو فإن الدين نفسه خاضع لجدلية الهدم والبناء وإن نقده هو الشرط الممهد لكل نقد في السياسة أو في المجتمع لأنه لا تقدم لأي شعب ما لم يجدد في نظرته إلى عقيدته ويطور أصولها بشكل يجعلها تتأقلم مع معطيات العصر.وقد نتج عن هذه الحداثة الدينية أن تحول الدين نفسه إلى موضوع أسمى للفلسفة وللعلوم الإنسانية وهي علم النفس الديني وعلم الاجتماع الديني وعلم الأديان المقارن.وقد ترتب عن ذلك أن الوحي المقدس لم يعد المقصود منه إثبات موجود مطلق متعالي لا يحتاج إلى الغير وإنما غايته هو تطوير الواقع في لحظة تاريخية معينة ومساعدة الإنسان على تطوير قواه وقدراته لتحقيق حسن البقاء وتنظيم علاقته بنفسه وبالآخر وبالعالم. وقد نشأ علم التفسير من أجل ضبط معاني النصوص والحصول على معاني الوحي طبقا لحاجات العصر وبناء على اتجاهات المفسر.
من هذا المنطلق فإن العقائد مثل الإسلام ليس لها صدق داخلي في ذاته بل صدقها هو مدى أثرها في الحياة وتغييرها للواقع لأنها موجهات للسلوك وبواعث عملية لا أكثر، وأي حكم فقهي بالتحليل أو بالتحريم أو بالإلحاد أو بالإيمان هو حكم قيمة وليس حكم واقع لأن مقولتي الإلحاد هما مقولتان نظريتان لا تعبران عن شيء واقعي لأن ما يظنه البعض على أنه إلحاد قد يكون جوهر الإيمان وما يظنه البعض الآخر على أنه إيمان قد يكون جوهر الإلحاد. فالإيمان بناء نفسي للفرد وبناء اجتماعي للواقع بالانتقال من العرض إلى الجوهر ومن الشكل إلى المضمون و لابد من القيام بتحول من القول إلى الفعل ومن النظر إلى السلوك ومن الفكر إلى الواقع. وأعلى درجات الإيمان هو كلمة حق في وجه حاكم ظالم. إنه اختيار الطريق الصعب طريق الشهادة والعدل وترك طريق الادعاء والمنصب والرياء والنفاق.
كما أن الإلحاد يمكن أن يكون في جوهره رغبة في بيان الأثر العملي كالأفكار ورد فعل على الإيمان العجائزي الموروث المتحجر الناتج عن تقليد لا أصالة فيه . و قد يكون الإلحاد ثورة داخل الدين من أجل تجديده تعبيرا عن تطابق الفكر مع الواقع والوصول إلى درجة من الوعي بالحاضر والشروع في درء الأخطار وفضح شتى أنواع التسلط والتزوير ومقاومة للاستعمار بمرونة الفكر وشجاعة في الموقف.
غني عن البيان أنه يمكن إعادة بناء العلوم النقلية الخالصة مثل "علوم القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه من أجل إسقاط المادة القديمة التي أصبحت بغير ذي دلالة مثل الآيات التي نسخت قراءتها وحكمها أو تاريخ المصاحف وجمعها وإبراز الموضوعات الدلالة مثل أسباب النزول (أولوية الواقع على الفكر) والناسخ والمنسوخ (الزمان والتطور)..الخ.أما علم التفسير فانه أيضا يعاد بناؤه بحيث يتم تجاوز التفسير الطولي(سورة سورة وأية آية) وتجاوز التفسيرات اللغوية والأدبية والفقهية...الخ،وبداية التفسير الموضوع بوصف بناء الشعور ووضعه في العالم مع الآخرين ووسط الأشياء. أما علوم الحديث فانه يتم فيها تحليل الشعور،شعور الراوي من خلال مناهج الرواية ثم تجاوزها الى النقد العقلي والحسي للمتن.وفي علوم السيرة يتم الانتقال من الشخص الى الكلام حتى يتم القضاء على التشخيص وعبادة الشخص في حياتنا العامة.أما علم الفقه فانه يتم إعادة بنائه بحيث تعطى الأولوية للمعاملات على العبادات ولنظم الدولة على قانون الأحوال الشخصية." [4]
إن تحديث الدين علميا وفلسفيا هو أمر ممكن سواء بتطوير العلوم الدينية أو بتسليط أنوار علمية وفلسفية على الظاهرة الدينية من أجل تحقيق فهم آخر لها. فالغرض من فلسفة الدين هو إثبات أن حرية الفكر لا تعارض الإيمان الصحيح بالبرهنة على أن حرية التفلسف لا تمثل خطرا على التقوى الصحيحة: فإيمان يقوم على البحث الحر خير من إيمان يقوم على العادات والتقاليد الموروثة وحرية التفكير هي السبيل إلى تطهير ما يعلق بالإيمان مما يضاده من مصلحة طبقية أو رياء نفسي أو نفاق سياسي. ويؤدي القضاء على حرية التفكير إلى ضياع التقوى و تحويل الإيمان إلى وثنية أو طاغوت.
على هذا النحو لابد من تطبيق منهج العقل ضد الخرافة والجهل ولابد من استخدام سلاح العلم على ما يعتري الناس من مخاوف وأوهام نتيجة الاستبداد والقمع والتقليد. إن الشعور الديني يميل بطبعه إلى التصديق السريع بتذبذبه بين الرجاء والخوف وبين الرهبة والرغبة،إذا اعتراه الشك تاه بين تفاصيل الوجود وإذا حصل على اليقين سقط في التعصب والغرور.
فماهي المسلمات الضمنية لفلسفة الدين؟ ماهي رهاناتها واستتباعاتها؟
أzwnj;- فلسفـة الدين :
"إن مجتمعا بـلا ديـن مصيـره الاسترخـاء" ( أوليفـر ليمـون).
تكتسب فلسفة الدين أهمية أكثر من مجرد الأهمية النظرية لأن لديها ارتباط وثيق بأكثر الأشياء خصوصية وشخصية لدى الإنسان ولأنها تهتم بأكثر المسائل حيوية والتي لها تأثير على الحياة مثل الأصل والهدف والمصير. لذلك انهمك الكثير من المؤمنين بالدين في الفلسفة للتعبير عن مبادئ وأساسيات الدين بطريقة عقلانية ولاستخلاص منهج عقلاني للدفاع عن القضايا التي يثيرها الجدل حوله.
إنّ فلسفة الدين لا ينبغي أن توضع على رف الأفكار غير المهمة والمهملة بل لابدّ من إسقاط الكثير من القضايا التقليديـة التي تشكل معضلات تمنع الفلسفة من فهم طبيعة الدين. فاللاهوت التقليدي هو بالفعل مضلل وقائم على فكرة مبسطة وتصور ساذج ويقيس الغائب على الشاهد أي بتصور الله على مثال الإنسان وبالتالي فهو لم يعد مستودع المشاكل الفلسفية المثيرة، فالله لا ينبغي أن تنظر إليه على أنه نوع الجنس الإنساني وما بعد الحياة لا ينبغي فهمه على أنه شكل من الوجود الذي يستمر بعد الموت وفيلسوف الدين ليس ذلك المفكر غير المتأكد مما يفعله بل إن حديثه لا ينبغي أن يدور حول البرهنة على وجود الله فهذا أمر مفروغ منه بل ينبغي أن ينصب حول العلاقة الممكنة بين الله والكون ويبحث عن الرباط الأصيل الذي ينبغي أن يصل الإنسان بالله.
ينبغي علينا توظيف الفلسفة ليس لتعريف الدين والقول بأن مصدره هو الخوف من القوى الغامضة في الطبيعة بل في استكشاف الطرق التي يساعدنا بها الدين في فهم أنفسنا وفي كيفية تصرّفنا إزاء أنفسنا وإزاء الآخر وإزاء الكون. فإذا كان الإيمان يتعلق بالسلوك أكثر منه بالاعتقاد فإن الدين يتعلق بالأفكار التي ينبغي أن نرى بها الحياة ويحدد ويضبط ماهية مثالياتنا الأخلاقية وماهية وجهة نظرنا حول معنى العالم. إنه شكل من أشكال الحياة ونهج للسلوك، فإذا كان الدين في الغالب مؤسسة قديمة فإن القضايا التي تبرز اليوم فيه كانت تقلق الناس منذ زمن طويل ولم يعثر لها عن حلّ بعد و لابد من إعادة طرحها على صعيد البحث من جديد. بيد أن الاعتقاد الديني هو مسألة التزام بطريقة للحياة وليس سلسلة من المعتقدات النظرية والأحكام المعرفية.يساعد الدين المؤمنين وغير المؤمنين على إيجاد معنى لحياتهم سواء بقبولهم وانقيادهم وطاعتهم أو بسخطهم وعنادهم وجحودهم.
ومن الواضح أن خطوط التأويل المختلفة للنصوص الدينية مهمة في تعزيز قدسية هذه النصوص ولبيان إعجازيتها ولإنقاذ معانيها لأن التمسك بفهم واحد للنص لن يسهم بشيء في تكسير الجليد في إطار الظروف التي لم يعد فيها الحديث عن هذا الفهم أي رجع صدى عند العامة، فالإيمان الديني يكون ناجحا إذا كان مرنا بما فيه الكفاية وإذا كان يميل إلى التغيير في كل مرّة بحيث يأخذ في الحسبان تغير الظروف والأزمان.
إنّ الدين يتغير مع مرور الزمن ولم يعد يسمح بإقامة علاقة عاطفية مع الله تشابه العلاقات التي نقيمها مع البشر وهذا التغيير هو تطور يسمح للناس بأن يفهموا لله ويفهموا أنفسهم ويفهموا إيمانهم بطرق ومواضع مختلفة على حسب تغير ظروفهم. الناس يتغيرون بسرعة هائلة بمرور الزمن ونحن لا نستطيع في كل لحظة أن نتوقع منهم أن يغيروا جذريا موقفهم من الله [5] بل بمقدور الله عن طريق المعجزة أن يجعلهم يغيرون مواقفهم وممارساتهم في الحال ولكن يرجع الفضل لهم وحدهم في إحداث تغييرات جذرية وتطويرات حاسمة خاصة بحياتهم، لذلك ينبغي أن يستجيب الدين للظروف الاجتماعية والتاريخية المتحولة وإلا فإنه سيخفق في أن يكون له معنى في الطرق التي يتفاعل بها الناس مع الأشياء المحيطة بهم.
المشكلة هي في اصطناع التفرقة بين الدين والفلسفة لكون الفلاسفة حينما يفكرون في الدين يرون أنه من غير الملائم أن يعتقدوا فيه لكن ينبغي أن تنظر إلى الفلاسفة كعلماء دين وإلى علماء الدين كفلاسفة لأن الدين هو الذي يزود الفلسفة بموضوعها الرئيسي كما أن الفلسفة هي وحدها التي تحوز على الفهم الحقيقي للدين.
كلّ الفلاسفة يبدؤون من دون أن يكون لديهم اعتقاد ديني في الأساس ولكنهم يتوصلون إلى الاقتناع بأن الله موجود من خلال بحثهم العقلي. فلسفة الدين هي فلسفة دين ما أو فلسفة أديان ولكنها تجمع على أن الدين له صلة شخصية بالإنسان لأنه الوحيد الذي يطرح هذه المسائل:
من يكون الإنسان؟ متى وأين يحيا؟ إلى أين سيذهب؟
غير أن فهم ما يجعل الدين جذاب يختلف تماما عن سبب قبوله لدى الناس لأن الفيلسوف غير قادر على الفصل بين الديني والشخصي وإذا لم يكن معتقدا ملتزما فإنه لن يكون قادرا على فهم جوهر الدين ولن يتمكن من الحصول على إدراك مطابق لحقيقة الوعي الديني.
إن فلاسفة الدين هم الأقدر على تأسيس رؤية دينية للعالم يشرعون لحق الاختلاف والتعدد في التأويل مع البحث عن التأويل الأفضل دون أن يكون الوحيد المقبول بوصفه التأويل الصادق والحقيقي. وإن رأى البعض من الفلاسفة : أن الدين بقية من بقايا تفكير الطفولة أو راسب من رواسب الهمجية البدائية أو مجرد أثر خرافي لا يجدر بالفكر المستنير الإبقاء عليه لأنه قريب من السحر والخرافة ولون فقير من ألوان هذا الفكر الساذج القديم فإنّ ماركس يحشره ضمن دائرة الأوهام التي كبلت الناس وسببت تعاستهم وعبوديتهم و هذا موقف قلة من الفلاسفة و لكنه ليس موقف معظمهم .
وقد قال فيورياخ في هذا الصدد :" لقد هجرت اللاهوت ليس عبثا أو استهتارا أو كرها ولكن لأنه لا يشبعني، لا يعطيني ما أحتاج إليه ولا أستطيع الاستغناء عنه، أود أن أضم الطبيعة إلى قلبي، تلك التي يرتد عن أعماقها رجال اللاهوت الجبناء أود أن أعانق الإنسان، الإنسان في كماله" [6] . ويضيف "لقد كان شغلي دائما وقبل كل شيء أن أنير المناطق المظلمة للدين بمصابيح العلم حتى يمكن للإنسان أن لا يقع ضحية للقوي المعادية التي تستفيد من غموض الدين لتقهر الجنس البشري"
[7] .
على هذا النحو يرى البعض الآخر أنه يمكن دراسة الدين بالعلم أو بالأحرى الدين نفسه يمكن أن يأخذ شكل العلم لأنه في القرون المغايرة كان الدين هو العلم الذي ينظم الوجود بمختلف أبعاده. غير أن إخضاع الدين للعقلانية العلمية يؤدي إلى الفصل بين ديانة الجماهير الغالبة على الناس والمتغلغلة في نفوسهم والمبادئ والأصول النظرية التي يصبها العلم في قوالب فارغة وأشكال وأبنية جاهزة.
إن الدين يتوقف على عوامل نحن بها نصف شاعرين وعندما يتحول إلى مجال ذهني خالص سرعان ما يفقد نكهة كونه دين لأنه سيصبح لاهوت أو فرع من الميتافيزيقا، في حين أن الميتافيزيقا ولا حتى العلم بالمعنى الوضعي لا يستطيعان أن يعطينا في شكلهما الحاضر صورة نهائية ومقنعة عن الوجود وعلاقته بالفرد الإنساني، ولهذا نجد معظم الناس يشعرون بالحاجة إلى شيء ما، قوة غيبية مثلا أو مبدأ أول يطمئن إحساسهم ويقوي إراداتهم وهذا الأمر لا يوفره لهم غير الدين.
وقد انتبه سبنسر إلى أن معظم نظريات الدين وشعائره قد تطورت من عبادة الأسلاف في الزمن الأوّل أين كان أفراد القبيلة يعبدون سلفهم المقدس الذي انحدروا من صلبه إلى عبادة روح حالة في شيء معين من الخلف أو من الطبيعة.
أما برجسن فإنه يقر بحتمية تلازم الظاهرة الدينية و الظاهرة الاجتماعية : "فلقد نرى في السابق أو في الحاضر مجتمعات لاحظ لها من علم أو فن أو فلسفة ولكن لا نعرف مجتمعا لا دين له [8] " وآية ذلك أن الدين ضرورة أساسية في هذه المجتمعات وامتداد لوظيفة الأخلاق التي تنشر الإخاء والتضامن وتعمل على التضحية بالنوازع الخاصة للأفراد في سبيل المصلحة العامة، إلا أن هذه التضحيات لا تجد المكافأة إلا بالإيمان بوجود جزاء في العالم الآخر، وهو ما يرجع إلى النفوس نوع من الطمأنينة يجعلها تقبل على الحياة الجماعية بروح كلها أمل واندفاع للمثابرة في العمل والبذل لأنه "ثمة قسطاس إنساني يزن العقاب والثواب كما ينبغي أن يوزنا" وها هنا تبدو وظيفة الدين.
وعلى مستوى الحياة اليومية نجد الأفراد في حالة صراع مع الطبيعة لافتكاك ما يمكن به تلبية حاجياتهم إلاّ أنّ هذا الصراع لا يكون دائما لصالح الإنسان وذلك ما للضعف البشري وقلة الوسائل وتخلفها أو لندرة الموارد وشحتها، فكثيرا ما يرجع الملاح من البحر دون أن يتمكن من توفير رزق يومه بالرغم من جميع الاحتياطات المتخذة أثناء إعداد أدوات الصيد وأثناء القيام بالعمل، وقد يرجع البدائي بدون قنص وفير بالرغم من مهارته الجيدة، كما يمكن للعواصف والرياح أن تأتي على المحاصيل الزراعية في هذا الموسم دون ذلك الشيء الذي يجعل هؤلاء الأفراد يشعرون بأن مجهوداتهم معرضة للإخفاق دون سبب واضح ممّا يهيئ هؤلاء الأفراد إلى الاهتمام بإمكانية الخلاص من هذا الفشل وأن يأخذوا احتياطاتهم ضدّ كلّ شيء غير محتمل وغير متوقع.
إنّ هذه المحاولات التي يسعى إليها كلّ فرد وكلّ مجتمع تجد خير تعبير لها في الدين.
إن عمل التفكير حسب برجسن لا يتماشى وسير الحياة واتجاهها لأن العقل له يقين بالموت لذلك يقوم بعمل موجه ضد الفرد والجماعة بما يوحي به في النفس من قنوط ويأس وبما ينشره داخل الجماعة من أنانية وتشتت وانفصام وإن الدين يتدخل لحماية الفرد من التصورات العقلية فيعطي دعما روحيا متمثلا في نشر فكرة البقاء بعد الموت والدعوة إلى الخلود وراء الفناء المؤقت فيحدث هذا الاعتقاد انقلابا عكسيا يظهر أثره في استقرار الفرد وراحة باله، الشيء الذي ينجر عنه استقرار المجتمع ذاته وتوازنه وانصراف أفراده للعمل والإنتاج وتسود روح البذل والعطاء. إنّ الدين عند برجسن يمثل ردّ فعل دفاعي تقوم به الطبيعة ضد كل الأفراد الذين يتهاونون في أداء واجباتهم الاجتماعية مثلما أنه وسيلة للحيلولة دون نفاذ العقل إلى ما يريد أن يصل إليه من تثبيط للعزائم وتوهين للقوى.
إن الدين يقلل من الخوف والقلق الراجع إلى الضياع واليأس بأن يحل الطمأنينة والسكون بين الأفراد ويحول دون انتشار الأفكار العقلية الهدامة والأنانية.يقول برجسن:"فكيفما فسرنا الدين، وسواء أكان اجتماعيا بالجوهر أو بالعرض فإن ثمة ناحية لا سبيل إلى الشك فيها، وهي أنه قد قام دوما بوظيفة اجتماعية" [9] ،فإذا كانت العلاقة ثابتة بين الدين والمجتمع ألا يجدر بنا إذن أن ندرسه من زاوية علم الاجتماع؟
ب- علم الاجتمـاع الدينـي
" أول شكل من أشكال الدين، إذن، يجب أن يتطلب في الإحساس الديني أكثر ممّا يتطلّب في المذاهب الدينية، إن الدين مدين بميلاده إلى بعض غرائز غامضة، ولكنها عامة تشترك فيها الجنس البشري كله، هي غرائز الخوف والرهبة والخضوع والإعجاب بشيء خارجي يصح أن نسميه الروع أو التقي،فهذا المعنى معنى الشيء الرائع تعمرنا قبل أن تكون لأنفسنا رأي واضحا عما فوق الإنسان أو فوق الطبيعة بأمد طويل... " [10]
ما هو مصدر الاعتقـادات الدينية حسب علم الاجتماع؟ هل هي الانفعالات السحيقة القابعة في أعماق النفس أم العادات والتقاليد الموروثة؟
سادت منذ مدّة في الدراسات الاجتماعية للظاهرة الدينية نظرية E.B.Taylor والتي ترى بأن التصورات الدينية الأولى عند المتوحشين نبتت من اعتقادهم في وجود أرواح تسكن الأشياء Animisme والتي قد يتّخذون الكثير من هذه الأشياء أو واحدة آلهة يعبدونها ويتقربون منها.
كيف غزت هذه النظرية الإحيائية الأرواحية الساحة الدينية المقدسة؟
والحق أن المتوحشين الأوائل والأطفال والعرافين يحوزون على صور ذهنية بصرية غير واضحة ومشوشة تعكس خيالاتهم أكثر من واقعهم فهم مثل هاملت الذي يرى صورا غريبة بعيون عقله وبحذاء بصيرته، ولذلك نجدهم يتحدثون عن الأطباق والأشباح والمسوخ لوصف هذه الصور الذهنية الغريبة، ففي الغابة الكثيفة أو بين القبور حيث يخيم الصمت والظلام فيمنع من رؤية الأشياء على حقيقتها يرى الفطري البدائي خيالات أولئك الذين غابوا عنه أو ماتوا وكان كثيرا ما تعلق بهم وتأسف على مغادرتهم وبالتالي فإنه يتخيل أن أحياء يجيئون لزيارته وهو نائم ليلا حتى أنه إذا استيقظ وفكر في تلك الرؤى الغريبة ملأ الدنيا حديثا عن تلك الأطباق والأشباح الرقيقة شبه الشفافة التي تزوره بينما هي مجرد انعكاس في مخيلته ووجدانه لكائنات كان قد رآها في يقظته.
غير أن نظرية تايلور التي تذهب إلى الاعتقاد في الأرواح في الأشياء تعطينا تعريفا ممكنا للدين يضعه في علاقة عضوية بالأسطورة والسحر خصوصا وأن الاعتقاد في القوى الغيبية وتأثيرها على الأشخاص واضح للعيان لذلك سيسعى جيمس فرايزر إلى التفريق بين الدين والسحر، لأن السحر ليس دينا بدائيا بل هو نوع من العلم الضارب في القدم، إذ يقول : "إن عصر السحر قد سبق عصر الدين في كلّ مكان،" فالساحر يسير على ضوابط تقليدية متوارثة يحاول أن يسيطر على الطبيعة ويخترق قوانينها ليوجهها نحو رغباته فهو يحاول مثلا أن يثير الريح بالصفير أو يجلب المطر بأن يلوح بفرع نخل بعد غمسه في ماء حار، وهو بذلك لم يبتهل مثل رجل الدين إلى قوة عالية تتدخل بالنيابة عنه بل إنه لا يثق حتى ثقة ساذجة في العلية الإلهية المباشرة ولا يؤمن بالعناية الربانية للكون والخلق، لذلك فإنّ غلطة الساحر أنه يختار السبب البعيد الخاطئ ويهمل السبب القريب الفاعل وسبب غلطته أنه يفضل أن يحدث الشبيه بالشبيه ويرفض البحث عن القوانين الكلية التي تختفي وراء ظواهر الطبيعة.
غير أنّ نظرة فرايزر للساحر خاطئة لأنه ليس رجل علم بدائي ولا رجل علم ناشئ ولا كذلك مفكرا منطقيا واضحا وإنما هو شخص سريع التأثر حريص أن يخبر من حوله ويسعى إلى خداعهم والتأثير عليهم أكثر من سعيه إلى السيطرة على الطبيعة لذلك يلجأ إلى الخوارق والبدع. هكذا فإن الأحاسيس والأعمال البشرية تندفع إلى الظهور أولا ثم تنبعث العقائد والتصورات الدينية متأخرة لتبرز هذه الأحاسيس والأعمال.
من زاوية أخرى إذا عدنا إلى ليفي بريل في كتابه الميثولوجيا البدائية نجده يعتبر ظاهرة الأسطورة سابقة على الظاهرة الدينية لأنها منتمية إلى مرحلة ما قبل الدين، فهي لا تمثل جزءا من الديانات القديمة بل تعتبر سابقة على الديانات الموجودة لاحقا لأن عملية الانتقال من الأسطورة إلى الظاهرة الدينية قد تمّت من خلال تغيير جذري في مستوى العناصر الأساسية المكوّنة للأساطير باختفاء بعض العناصر التي تكون مرحلة الأسطورة وبروز عناصر جديدة تكون العقلية الدينية، إذ ينتقل من مشاهدة تأثير الحوادث في الكائن البشري إلى الإقرار بوجود قوى خفية لهذه الحوادث ويختلف تأويله لهذه القوى والأحداث تبعا لأهميتها بالنسبة لحياة الأفراد.
هنا نرى كيف يحس الإنسان الأول البدائي/الهمجي بالفزع من شيء يعامله كأمر خطير وغير عادي ثم يقوده فزعه بعد ذلك إلى أن ينسج تفسيرا عقائديا حول ذلك الشيء الذي كان مصدر خوفه لكن أسلوبه في التفكير والاستنتاج وهو محدود يجعله يعتبر التخويف من عمل كائن مثله ولذلك يرد الفعل ويحاول بدوره أن يخيف ذلك الكائن الذي هدده أو يتقرب إليه زلفى وينافقه ليتجنب شره من خلال الأضرحة والدعاء أو عن طريق تعويذات ورقيات السحرة. وهناك أشياء عادية وظواهر طبيعية تؤثر في انفعالاتنا بطريقة غير مفهومة مثل الرعد والبرق والأجسام الميتة (الجثث) والدم فكل ذلك رائع ولكنه مخيف، إن مجرد رؤية هذه الأشياء أو التفكير فيها يجعل البدائي يخاف ويرهب لأنه يعتقد أن لها من القوى الخفية اللامادية التي يمكن أن تغير مجرى حياته، تجمع هذه الظواهر بين الإعجاز والغموض وبين التقديس والتحريم وتتضمن عناصر الشدة والحيوية والنفوذ وتمارس التأثير السحري والقداسة الممجدة ولذلك فهي ليس فقط تنذر وتخيف بل تثير أيضا كل الانفعالات الإنسانية العميقة.
الإنسان الأول البدائي/الهمجي إذ يؤمن بهذه القوى الخارقة للعادة فإنه يحاول أن يسترضيها في حذر وأن يحصلها لنفسه فقد يشرب دم الأضحية أو يأكل لحك العدو من أجل أن يحصل منه على القوة التي يستخدمها ضدّه ومن أجل أن يرهبه وينتصر عليه. هذه المناسك والشعائر تلعب دورا كبيرا في الديانات الفطرية وتحولت إلى طقوس وحفلات رمزية والتي مازالت إلى الآن محور تأويلات مختلفة.
إن انفعالاتنا الموروثة هي مصدر التدين الإنساني وهي لم تتغير ذرة واحدة عما كانت عليه عندما فارقنا عهد البربرية فلا تزال تبعث فينا الرهبة والروعة تحت تأثير نفس الأحداث والوقائع مثل المرض والخطيئة وأزمات الحياة ومصائب الميلاد والزواج والموت المفاجئ وحكم القوى الغامضة (القدر المحتوم) والتي يبدو أن لها دور كبير في كل ما يحصل لنا ويحل بنا في حياتنا.
من جهة أخرى يستبدل دوركايـم الطبيعة بالمجتمع في تفسير نشأة نزعة التدين لدى الإنسان ويبرز الدين كجزء ملازم للحياة الخلقية والحياة الاجتماعية. إن الظاهرة الدينية جزء لا يتجزأ من الظاهرة الاجتماعية بل هي التعبير عن مطلب المجتمع ذاته، فهي راجعة إلى نوع من الاحترام والتقديس الذي يشعر به كل فرد تجاه الجماعة التي ينتمي إليها.
إن التصوّرات الدينية المختلفة تقوم بوظيفة رئيسية تتمثل في بقاء المجتمع واستمراريته على قيد الحياة. كما أن المجتمع يقوم بصنع آلهة بنفسه ويصطنع أشياء مقدسة لخدمة هدفه في البقاء والنمو.إن هذه المقدسات ليس لها من هدف سوى إرضاء طموحات المجتمع وخلق الوسائل الكفيلة بتلبية مطالبه وحاجياته، زد على ذلك أن مختلف الأشكال الدينية لا تمثل سوى تعهد للمشاعر الاجتماعية وتثبيتها في المراسم والاحتفالات فنشوء الآلهة لا يبرز للعيان إلا أثناء الغليان والتقلب الاجتماعي، إذ يصرح في هذا السياق : "إن استعداد المجتمع لكي ينصب نفسه إلها أو ليخلق آلهة لم يكن واضحا أكثر من السنوات الأولى للثورة الفرنسية" [11] فقد حلت مقدسات الحرية والمساواة والإخاء السياسية محل مقدسات الدين : الابن والابن والروح القدس. لذلك يرى دوركايم أن المجتمع محتاج للوصول إلى أهدافه في التماسك والازدهار والنمو إلى صنع رموز وشعارات تعبر عن قوته المقدسة والتي يجدها في الآلهة.
فالدين له وظيفة إنتاج الرمز وكذلك نشر مشاعر الاحترام والتقدير،إن الأفراد يعبدون من خلال مجموع مقدساتهم المجتمع ذاته ذلك أن الإله والمجتمع شيء واحد. وهذا واضح في القرآن الذي ربط الإله بالناس "ملك الناس، إله الناس" ويعترف دوركايم أن المجتمع يغير من هذه الرموز ومن وظائفها تبعا لتبدل حاجاته وظروفه المعيشية فيخلق للشعائر الدينية والطقوس وظائف متماشية مع النظام الاقتصادي والاجتماعي ويؤدي هذا التغيير أحيانا إلى نحت آلهة جديدة لها خاصيات ووظائف جديدة.كما أن المجتمع يستعمل طرقا ملتوية وغامضة قصد إخضاع الأفراد لسلوك ديني معين يتعارض مع ميولهم الفردية الغريزية ويستند على جملة من التصورات الخيالية تحظى بنوع من القداسة تخول لها التعالي على الأفراد وقهرهم.
واللافت للنظر أن وظيفة الدين الأصلية هي تلبية مطامح المجتمع وشواغله، فنظام الرموز والطقوس الديني ليس له من هدف سوى تمتين الروابط بين أفراد المجتمع وتحقيق مصالحهم الحيوية حتى وإن كانت مادية.ما هو هـام عند علماء الاجتماع هو تأكيدهم أنّ الأديان قديمها وحديثها تشمل دائما على جوهر واحد وحقيقة واحدة وهي خدمة التماسك الاجتماعي وإعطاء المعنى الذي نفسر به وقوع الحادثة على الشخص. لكن ما هو خاطئ هو إيمانهم بوجود تناقض بين العقلية البدائية المتخلفة والعقلية المدنية المتحضرة وفاتهم أن التفكير ا