كتَّاب إيلاف

برزان وأموال العراق

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

في عمليات شبه منتظمة دأب نظام صدام منذ أكثر من ربع قرن على تهريب الأموال العراقية من مليارات عوائد النفط الى خارج العراق، وعمليات التهريب تلك كانت منتظمة تقوم بها منظمات متخصصة في تهريب الأموال، وشبكات تجيد غسيل الأموال، بالإضافة الى مستشارين في الأقتصاد والقانون لتنظيم وترتيب تلك العمليات، مع وجود وكلاء وسماسرة لترتيب استقرار وتأمين تلك الأموال في المصارف والبنوك كودائع أو استثمارات أو على شكل ثروة غير منقولة في دول اجنبية.
وجاء الحصار المفروض على الشعب العراقي ليحقق فرصة كبيرة لنظام صدام ليفسح المجال إمام رأس العائلة لبناء القاعدة المالية التي تشكل الأمبراطورية التي ترتكز عليها العائلة مستقبلا، حيث تم توظيف شركات واشخاص بغية العمل على غسيل وتنظيم وجود تلك الأموال من خلال الأستثمارات، ومن خلال شراءالعقارات، ومن خلالتأمين آلية استغلال تلك الأموال والأنفاق منها في حال حدوث أي خلل لأستمرار حكم العائلة في العراق وتحسبا لأية ظروف طارئة أو غير محسوبة.
وبقيت تلك المعادلة مستمرة حيث لم تكن عائدات العراق النفطية معروفة، فلا ميزانية ولاموارد ولاصادرات التي صادرتها العائلة في أبشع استلاب تأريخي ليس في العراق فحسب بل في العالم كله، حيث صارت العائلة مالكة لمليارات الدولارات من مداخيل بيع النفط وصادرات العراق وتجارته وعوائده لم تدخل الى ميزانية العراق ولاعرف بها الشعب العراقي، ولم يتم تسجيلها بأسمه ولاقيدتها السجلات والميزانيات العامة.
وتعددت تلك الجهات التي تتعامل بتلك الأموال، وتنوعت الجهات التي تعمل ضمن هذه الشبكات العنكبوتية، وللذاكرة فأن عمليات القتل التي تمت لمجموعة من العاملين ضمن تلك الشبكات في فيلا بعمان بعد مقتل حسين كامل المجيد كانت نتيجة محاولة هذه المجموعة الأستيلاء على جزء صغير من تلك الأموال.
كل العائلة دون استثناء كانت تحاول إن تبني أمبراطورية مالية لها، وكل منهم في حدود ماتم رسمه من حدود له يحدد له اسم الشركة وأسم المتعاون ومقدارلا العوائد والأرباح، غير أن صدام كان يعد العدة لمثل هذه الأيام التي حسبها ودققها ودرسها بكل تمعن ولكنه لم يكن في باله أن يغدر الغادرون، هؤلاء الذين ساندوه وقوموه وصيروه حاكما مطلقا وتخلوا عنه في احلك فترات ضعفه، ومع أنهم غالبا ما تخلوا عن صنيعتهم، الا إن الرجل لم يتعظ وظن إن الأموال التي وصلت الى خارج العراق، نقدا أو صفقات، شركات أو مؤسسات، عقارات أو مافيات، جميعها ستغني عن وقوعه في قبضة العراقيين، وفي أتعس الأحوال التمكن من الأفلات من تلك القبضة بمقايضات سياسية أعد لها كل العدة، لكنه اسقط في يده فصارت تلك الأموال في ايادي الغير.
وبعد سقوط سلطة صدام وسيطرة المحتلين على العراق، انشغلت تلك السلطات بترتيب امورها ومخططها، في حين انشغل العراقيين في خصوماتهم السياسية والطائفية، وبقيت تلك الأموال بعيدة عن الملاحقة والتدقيق الفاعل، فلم تشكل لجنة من قضاة متخصصين بملاحقة تلك الأموال، ولاشكلت لجان برلمانية لمعرفة العقارات والفلل والقصور التي سجلت باسم العائلة، ولم تكن هناك ملاحقة عراقية لصالح الخزينة العراقية، ولاتم الأعلان عن المبالغ التي تمت سرقتها من خزينة البنك المركزي من قبل العائلة، ولاتم الlsquo;لان عن مجموع الملايين التي تم العثور عليها بحوزة صدام أو أولاده، ولم تكن السلطة العراقية جادة في اعادة تلك الأموال في هذه الفترة بالذات.
وكشفت الحقائق تعاون بعض المسؤولين في المنظمة الدولية بعمليات تهريب النفط العراقي لصالح صدام في ظل الحصار المفروض، وفي ظل عمليات النفط مقابل الغذاء والدواء، وصارت تلك القرارات الجائرة بحق العراقيين مصدر تسويق لصدام وعائلته لتهريب الملايين من الدولارات تحت شتى الذرائع والأسباب، وبعد الأحتلال صرح مسؤول في وزارة الاقتصاد السويسرية يعلن ان الوزارة تمكنت من تحديد جزء من الودائع المجمدة في سويسرا يتراوح بين ثمانية وعشرة ملايين فرنك سويسري (5 الى 3،6 مليون يورو) وتعود الى عراقيين مدرجين على لائحة سوداء سيتم تحويلها الى صندوق لاعادة اعمار العراق.
وقال نائب وزير الاقتصاد السويسري اوتمار فيس ان السلطات السويسرية دققت لائحة اصدرها مجلس الامن الدولي في تموز (يوليو) عام 2003 وتضم اسماء 55 عراقيا من الافراد وخمس شركات ومنظمات لتحديد اصحاب هذه الودائع. واضاف ان هذه الاموال سيتم تحويلها الى صندوق تنمية العراق، ومن الودائع المجمدة أموال تعود الي المصرف المركزي العراقي السابق ومصرفي الرشيد والرافدين وشركتي الطيران والتأمين العراقيتين. ولم يوضح فيس ما اذا كانت الأموال عائدة الي هذه المؤسسات او لإفراد استخدمت المؤسسات غطاء لتحويل هذه الأموال. وأوضح فيس ان عدة ملايين من الأموال العراقية المجمدة ما زالت موجودة في حسابات في سويسرا مجمدة في إطار العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة علي بغداد في العام 1990.
وكانت صحيفة الشرق الأوسط قد نشرت خبراً عن قصور صدام خارج العراق في عددها الصادر في 6 أكتوبر يقول :
(( أكدت مصادر عراقية في باريس لـ الشرق الأوسط، أن التقارير الصحافية التي أفادت بامتلاك الرئيس العراقي السابق صدام حسين وعائلته قصرين بالغي الفخامة على الشاطئ الفرنسي على البحر الابيض المتوسط المسمى الشاطئ اللازوردي. ويقع القصر الأول على مرتفعات مدينة كان المعروفة بمهرجانها السينمائي السنوي الشهير وبفللها وفنادقها الفخمة التي يرتادها مشاهير العالم وبمجموعة الكازينوهات التي تحتضنها. وتقدر قيمته بعشرة ملايين يورو.
اما القصر الثاني فيقع في مدينة غراس المعروفة بأنها عاصمة العطور في فرنسا )).
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها إذاعة ( أر تي أل ) المسجلة في دوقية لوكسمبورغ والتي تبث بالفرنسية، فإن القصر الأول يقع على مرتفعات مدينة كان المعروفة بمهرجانها السينمائي السنوي الشهير وبفيلاتها وفنادقها الفخمة التي يرتادها مشاهير العالم خصوصا نجوم السينما والفن وبمجموعة الكازينوهات التي تحتضنها. وبحسب الإذاعة المذكورة، فإن مساحة قصر صدام في مدينة كان الواقع على تلة مشرفة على خليج كان، وفي المنطقة الراقية منها، تبلغ 600 متر مربع. والقصر المتروك منذ عام 2003، مزود بمسبح وتزينه الأعمدة الرخامية البيضاء ما يعني أن قيمته الحقيقية تزيد على عشرة ملايين يورو. وأفاد الصحافي الذي نجح في زيارته أن صالون القصر شبيه بقاعة المرايا في قصر فرساي التاريخي الشهير الذي سكنه لويس الرابع عشر وطردت منه الثورة الفرنسية خليفته لويس السادس عشر الذي تدحرج رأسه أمام المقصلة في ساحة الكونكورد.
وقصر صدام في مدينة كان المهجور منذ سقوطه وتم تجريدة من كل مقتنياته، مجهز بغرفة نوم من الطراز القديم مطلي سريرها بالذهب وبقاعة حمام يتوسطها جاكوزي حنفياته من الذهب ما يعكس جنون العظمة الذي كان يتحلى به سكانه. ويؤكد صحافي أر تي أل أن موجودات القصر نهبت تماما على يدي الحارس العراقي القريب من صدام الذي اختفى اثره منذ مغادرته القصر عقب سقوط نظام الرئيس العراقي السابق.
وللعلم فأن قصر كان قد استضاف أفرادا من عائلة صدام ومنهم ابنه عدي، بالأضافة الى أخوه غير الشقيق برزان التكريتي ورجال المخابرات العراقية. أما المقر الثاني لصدام الواقع في مدينة غراس المعروفة بأنها عاصمة العطور في فرنسا، فهو مهجور تماما ومر عليه الكثيرون الذين لطخوا حيطانه ودمروا موجوداته أو ما كان قد تبقى منها. ويبدو أن بلدية غراس قد ناءت تحت ثقل مطالب جيران هذه الفيلا التي يملكها صدام.
هذين القصرين مثالاً على المنتجعات والقصور والأماكن التي أشتراها صدام من أموال العراقيين وعلى حساب مستقبلهم ودموعهم وعرقهم لغرض أن تتمتع بها عائلته، وليستطيع ان يسد بها جوع الروح الذي بقي يلاحقه ولم يستطع ان يملأه من أموال العراق، قصور وفيلات وشركات وأرصدة وأموال مستثمرة جميعها بحاجة لمتابعة أمينة وبحاجة لملاحقة جدية وفاعلة.
وتحدثت المعلومات والصحف من أن المقبور برزان التكريتي كان المسؤول عن أدارة العديد من تلك الأموال خلال تعيينه سفيرا للعراق في جنيف، حيث استغل وضعه الدبلوماسي وماتوفره له الوظيفة من غطاء في عمليات عديدة، وأشارت صحيفة "تايم" الأميركية الى ان برزان لم يكشف للمحققين الذين قاموا بأستجوابه معلومات ذات قيمة قد تقود إلى معرفة أرصدة لصدام التي تقدر بمليارات الدولارات. وهو المتهم بإخفاء ثروة وأرصدة خارج العراق تقدر بعدة مليارات دولار.
وكانت مصادر مطلعة قد أكدت ان عملية واسعة بدأت لملاحقة ورصد مليارات الدولارات العائدة لعائلة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين والتي يعتقد انها وضعت في شبكة معقدة في شركات تعمل كواجهات وفي حسابات مصرفية سرية تمتد من بنما الى سويسرا والاردن، وهذه الأموال تم غسيل قسم منها فيما لم يستطع أن يتم تحويل القسم الاخر حيث بقي بأسماء الشركاء.
وكان من بين الاصول العراقية، التي افلحت شركة كرول في تحديدها عام 1991، شركة واجهة تحمل اسم ( مونتانا مانيجمنت )، بدت نموذجاً لعمليات شركات صدام. وعلى الرغم من انها كانت مسجلة في بنما، فانها كانت تؤدي اعمالها من سويسرا. وكانت مونتانا تمتلك حصة 8.4 في المائة من شركة ?هاشيت فيليباتشي ميديا ? الفرنسية للنشر، التي تصدر مطبوعات بينها ( إيلي ) و ( كار اند درايفر ) و ( بريميير ). كما انها كانت تمتلك حصة 2.5 في المائة في شركة ( ماترا ) الفرنسية التي تعمل في مجال تصنيع الكترونيات الصواريخ والدفاع.
وتبلغ قيمة الحصص العراقية في شركتي هاشيت ماترا، والتي جمدتها الحكومة الفرنسية، حوالي 90 مليون دولار. وقال متحدث باسم هاشيت ان الشركة ستتعاون في تحويل حصص مونتانا الى الحكومة العراقية الجديدة ما ان تصادق الامم المتحدة على ذلك.
ووفقاً لما ذكره يوليس كرول، مؤسس الشركة المتخصصة بالتحقيقات المالية، فان معظم استثمارات صدام كانت في بنما وسويسرا وفرنسا والمانيا وقبرص وبريطانيا وايطاليا. وقال كرول ان ) صدام) كان يعمل عبر شبكة من الشركات الاجنبية، مضيفاً ان الاموال يمكن ان تمر عبر ثلاثة اماكن قبل ان تصل الى حساب مجهول الاسم، وفي استقراء للايرادات العراقية من العملة الاجنبية من خلال عمليات التهريب، اعد فوسيت تقديراً معتدلاً للاموال المتيسرة لعائلة صدام، والتي قال انها تتراوح بين 5 الى 10 مليارات دولار.
الأموال العراقية التي سرقت من العراقيين طيلة فترة الحكم الصدامي كبيرة وتم تعدد اساليب توزيعها وسرقتها، وعلى المختصين في مجلس النواب ووزارة المالية وكل الجهات المختصة متابعة هذا الجانب قانوناً وملاحقة المستفيدين منها وأعادتها الى العراق.
وقد عمد برزان الى المماطلة والتسويف بناء على دراسة وتعليمات تلقاها قبل إن يستلم ويدير جزء من تلك الأموال، تفيد بأن الكشف عن الأموال سيؤدي به الى الإعدام وأن تنتهي تلك الثروة المسروقة، وهي جزء من كل الأموال التي استطاع صدام إن يقوم بتهريبها خارج العراق، والتي بقيت مسجلة بأسماء أشخاص وشركات، ستكشف الأيام القادمة عن تصادم وحرب شعواء بين هذه الأسماء وبين بقايا العائلة التي تديرها اليوم ابنة الطاغية من عمان، والتي وظفت قوافل من رجال القانون والاقتصاديين والصحافيين والمافيات لتجميع تلك الموال للاستفادة منها وإعادة ترتيبها وتوظيفها، وهو ما سيخلق لها وضعا قانونيا عصيبا، وسيتم التعامل بشكل فاضح للاستيلاء على تلك الأموال.
بقي برزان التكريتي مصرا على عدم كشف تلك الأسرار وأماكن وأسماء وأرصدة تلك الأموال، وتعمد على المقايضة التي لم تكن مع الطرف الأساس في هذه العملية، وعبثا حاول إن يلتقي برئيس المحكمة الجنائية ليكشف له بعض تفاصيل تلك الضغوط عليه، لكن الأخير لم يستجب له حسب ما أفاد بت لجريدة الحياة لكون الموضوع خارج عن أطار القضية موضوعة الدعوى المنظورة، فقد كان يعرف في قراره نفسه انه يخفي هذه الحقائق ولكنه بقي مصرا على عدم كشفها حتى نهايته حيث بقيت تلك الأموال متصلة برقاب من تم تكليفه بها، في حين انفصلت رقبته عن جسده عند اعدامه بأرادة الله وحكمته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف