كتَّاب إيلاف

العولمة تساوي الأمركة؟ اسألوا نجيب ساويرس

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

غالباً ما يتم انتقاد العولمة بدعوى أنها " أمركة "، أي هيمنة الاقتصاد والثقافة الأمريكيتين على باقي دول العالم. وهذا فهم خاطئ لحقيقة العولمة التي تعني أساسا حرية تدفق الاستثمارات و البضائع والخدمات والأفكار والخبرات، بحيث تتخصص كل دولة في إنتاج وتصدير ما تقدر على إنتاجه بصفة أفضل، و تستورد مقابل ذلك ما يستطيع الآخرون إنتاجه بصفة أفضل. وعلى هذا الأساس، يتطور الإنتاج بحكم المنافسة الخارجية، كما يستفيد المستهلك من حرية الاختيار المتاحة بين المنتجات المحلية والمستوردة المتوفرة بأسعار عالمية. وللتأكد من هذا، يكفي المقارنة مع البديل في ظل الحماية للمنتجات الوطنية والتضييق على الواردات بنظام " الكوتا " والوكالات التجارية والتعريفة الجمركية المرتفعة، إذ يؤدي هذا النظام إلى منتوج وطني غير تنافسي - لا مكان له للمزاحمة في السوق الدولية -، بينما لا تتوفر للمستهلك حرية الاختيار ويضطر إلى دفع أسعار عالية على المنتجات المستوردة بحكم التعريفة الجمركية.

وقد أكدت المقارنات العالمية، خلال العقود الخمسة الماضية، أن الاقتصاديات المنفتحة على الخارج تحقق نمواً سنوياً يقارب 5%، بينما لا يتجاوز نمو الاقتصاديات المنغلقة على نفسها نصف ذلك. وبحكم التراكم على مر السنين، ينتج فارق هائل في مستوى العيش، حيث لم تعد هناك مقارنة بين ما حصل في الدول التي راهنت سياساتها الاقتصادية على التصدير ( النمور الآسياوية، تونس، التشيلي... ) والدول الشبيهة بها التي اتبعت سياسة معاكسة.

وللتأكد من أن العولمة تعني حرية الاختيار على المستوى العالمي - وليس بالضرورة القبول بالمنتجات الأمريكية كما هو الرأي الشائع عندنا - يكفي التذكير بأن الازدحام الذي تشهده محلات العطورات بالمطارات موجة أساسا للعطورات الفرنسية لا الأمريكية، والطلب العالمي على الموضة موجه أساسا للماركات الإيطالية لا الأمريكية، كما أن الطلب العالمي على السيارات اليابانية داخل السوق الأمريكية نفسها يفوق الطلب على السيارات الأمريكية -. و يحدث نفس الشيء مع الصين في تبادل عديد البضائع الأخرى، و نتج عن هذا فائض هام لكل من اليابان و الصين مع أمريكا مقابل عجز الميزان التجاري الأمريكي الهائل مع البلدين. و يتركز الطلب العالمي على المنتجات الأمريكية فقط في المجالات التي تتفوق فيها هذه الأخيرة مثل أجهزة الكمبيوتر والاتصالات، و ربما كان هذا تفوقا مؤقتا لان الهند غدت منافسة شرسة لها في هذا الميدان.
أما بخصوص ما يشاع عن هيمنة الشركات الأمريكية العملاقة في الاقتصاد المعولم، فلا داعي لأن نذهب بعيداً إلى ما وراء الأطلسي، ويكفي أن نتأمل ما حققه رجل العمال المصري نجيب ساويرس صاحب مؤسسة " اوراسكوم - تيليكوم " للهاتف الجوال، و التي تنشط في 7 دول في العالم و لها 46 مليون مشترك، كما تفوز بعديد الصفقات على حساب كبرى الشركات المنافسة من دول الشمال. و سيتدعم هذا في المستقبل، على الأرجح، بعد إعلان شراكتها مع شركة " هاتشيسون وامبوا " لتوحيد جهودهما في الأسواق الناشئة.
وقصة نجاح نجيب ساويرس و " أوراسكوم " ليست بحالة فريدة، إذا جاء في تقرير أخير نشرته مجلة " نيوزويك " في عدد 25 ديسمبر الماضي أن كبرى الشركات العالمية العملاقة، التي ستكون لها الريادة خلال العقود القادمة ستكون من الدول النامية بالاستناد إلى كتاب جديد لخبير الأسواق الناشئة (Antoine Von Agtmad) " بعنوان " قرن الأسواق الناشئة "، ومن الأمثلة المقدمة :
-شراء شركات صينية متخصصة في الصناعات الإلكترونية لأقسام هامة في شركات " تومسون " و " الكاتيل " الفرنسيتين، وشراء شركة " لينوف " الصينية لقسم تصنيع الكمبيوتر المحمول التابع لشركة عالمية في مايو 2005 بـ1.75 مليار دولار.
-استحواذ الشركات الهندية علـى 112 شركة أجنبية خلال التسعة أشهر الأولى لسنة 2006، بما قيمته 7.2 مليار دولار، معظمها في مجالات تكنولوجيا المعلومات وصناعات الأدوية وصناعات السيارات .


والحقيقة أن توسع شركات الدول النامية خارج حدودها - وفي الدول المتقدمة - هو في ازدياد مطرد من 5 شركات عام 1998 إلى 34 عام 2002، إلى 59 عام 2005، وهو رقم مرشح للارتفاع خلافاً لما تروج له نظرية الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد المعولم، وهو توسع في مقدرة الدول العربية الاستفادة منه كما اثبت ذلك رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. و كيف ننسى ارتحال " Delocalization " الشركات من دول الشمال من بلدان الشمال إلى بلدان الجنوب سيكون سبب التحاق هذه الأخيرة بركب التقدم الاقتصادي و الاجتماعي؟ ألم تحقق الصين من التقدم الاقتصادي في عقدين ما حققته بريطانيا في قرنين بفضل هجرة الاستثمارات من اليابان و أمريكا و أوروبا اليها؟
إن المشكلة تكمن لدينا في ضعف تنافسية المؤسسات الصناعية العربية نتيجة الحماية المفرطة التي تتمتع بها في الأسواق المحلية والعراقيل البيروقراطية، مما يتطلب إيجاد حلول ملائمة وعلى جناح السرعة حتى لا تفوت دولنا الفرصة المتاحة، في هذا المجال، كما سبق وأن فوتت فرصاً سابقة، وخسرت بذلك السباق، خصوصاً مع الدول الآسيوية.

كاتب المقال محلل ايلاف الاقتصادي ، باحث أكاديمي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
Abuk1010@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف