الإنسان في خطاب الإسلام السياسي المعاصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإنسان في خطاب الإسلام السياسي المعاصر
عنصرية وانجراح للهويّة
من خطاب النهضة إلى حركات الاسلام السياسي:
شكّل محمد رشيد رضا لحظة تحوّل مفصليّة، في مسار الفكر الاسلامي، والتوجّه من خطاب النهضة الاصلاحي إلى الخطاب الاسلامي المعاصر، الذي تجلّت فيه النزعة الانكماشية التي طرأت على الأجواء الإسلامية (1) في معظم الدول العربية والاسلامية.
والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى اختلال العلاقة مع الدول الطالعة، علاوة على التأزم الثقافي والسياسي الذي واجه الاصلاحيين في تصدّيهم للاستعمار،الأمر الذي ساهم في تهيئة الأجواء لبروز الفكر المؤسس لحركات الإسلام السياسي.
والمقصود بحركات الإسلام السياسي، تلك التي تصرّح وتسعى لاقامة دولة "إسلامية"،وتمتلك البنى التأسيسية التنظيمية لذلك، و لها قواعد جماهرية شعبيّة مؤيدة لمشروعها، وإن اختلف حجم هذا التأييد وفعاليته من مكان لآخر. وقد استطاعت هذه الحركات أن تحوّل الدين من وظائفه الأخلاقية والروحية الى دور سياسي برغماتي فاعل عبر ترجمة أطروحات أيديولوجيّة معارضة للأنظمة الحاكمة التي بغالبتها فاسدة وقامعة وديكتاتورية،الأمر الذي أدّى الى نجاح تلك الحركات في الأواسط الشعبية والنقابية والمهنية
الإنسان في أطروحة "الحاكمية ":
استمدت الحركات الاسلامية خطابها الأيديولوجي والبنى الأساسية له، من الفكر السلفي في عصور الانحطاط، لقد استدعت الطوباوي والمثالي من خلال مقولة "الحاكمية " التي تعني الاحتكام لله من خلال تطبيق الشريعة الاسلامية في كل مناحي حياة الانسان،وهذا الاحتكام لا يكون الا عبر الاستناد الى القرآن والسنة،الأمر الذي أدّى الى اسبعاد أي إنسان لا يتحلّى بتلك المعايير،مما أوقع ممثلي هذا المشروع في فتاوى التكفير واستحلال الدم والتفريق بين المرء وزوجه.
وتعود فكرة النظام الكامل هذا الذي رأسه الحاكمية وهدفه تطبيق الشريعة الإسلامية (2)، إلى الخمسينيات من القرن العشرين على يد أبى الأعلى المودودي زعيم " الجماعة الإسلامية" في باكستان، ثم في مصر أوائل الستينيات على يد سيد قطب الذي يعتبر أحد أبرز مفكري "الإخوان المسلمين ".
لقد استخلص سيد قطب مفهومه عن الانسان من الواقع وحوّله الى نظام فكري مطلق قاطع، فمصدر المعرفة النهائي عنده هو الله تعالى، وجوهر الله وصفاته لا يمكن التوصل إليهما أو فهمهما عن طريق الفكر الإنساني، ومعرفة الإنسان هي للحقائق، لذلك فإنه يقول باستحالة المعرفة عن طريق الفلسفة لأنها بنظره فرع المعرفة، كما أن هناك أجزاء من الطبيعة لا يمكن للفكر الإنساني الاطلاع عليها، لان فهم الإنسان محدود بالطبيعة، ودور العقل هو وسيلة التلقي والفهم والتأمل من أجل التوصل إلي حقيقة ما هو موجود، فالو سائلية هي أساسية في فكر سيد قطب، لذلك عند عدم وجود نص قرآني في موضوع معين فانه يعود إلى فائدة الأفكار من أجل التوصل إلى صحتها أو عدمها، فالأفكار عنده ليست مهمة بذاتها بل بنفعها، والقواعد هي تقديرات تجريبية، والإسلام عنده ليس شعائر دينية أو دعوة أخلاقية أو مجرد نظام حكم أو نظام اقتصادي...... فهي كلها أوجه للإسلام وليست الإسلام كله، فجوهر الإسلام هو مفهومه للحياة وللكون، والذي يشكل الأرضية لكل اوجه الإسلام، وعليه فان النظام السياسي الذي يجب أن يحكم الحياة الإنسانية يتوقف في صحته ومصداقيته على التفسير الشامل للمفهوم الإسلامي وقيمه والذي يتميز بسبعة خصائص أهمها التوحيد، ويعتبر انه من دواعي التوحيد وضروراته اتباع المنهج إلهي المستمد من عقيدة إلهيه،وهو المنهج الوحيد والصحيح،وما سواه فهي أنظمة وضعية من صنع البشر،والمجتمعات هذه هي مجتمعات " جاهلية "، وعليه فان هذه المناهج الوضعية تتعدى على الخاصية الألوهية، وتمسّ توحيد البشر فهؤلاء الذين يستمدون منهجهم من ملك أو أمير أو عشيرة أو شعب فهم ليسوا أتباع دين بل أتباع دين الملك أو العشيرة أو الشعب (3) وهم " طواغيت " ويعيشون في "جاهلية"(4)، والخضوع للأنظمة هو إشراك بالله إذا ناقض الرسالة الإلهية، وبناء على ذلك فلا يمكن للمسلم أن يكون مسلما وهو يتبع منهج غير إسلامي في حياته، فالمنهج هو الدين.
النزعة الانكماشية نتيجة مشاريع الهيمنة:
إن أطروحة "الحاكمية " أدت الى استبعاد المسلم العادي فكيف بغير المسلم؟ فهذا الخطاب يتمسك أثناء طرح قضاياه بوضع حدّ حاسم بين "الإنسان المسلم " و "الانسان غير المسلم "، كما أنّ هذه المقولة تحصر مفهوم "الانسان " في بُعدٍ عنصريٍّ ضيّق، لأن الانسان في تلك الأطروحة لا يكتسب انسانيته إلا من خلال الانتماء لهذا الفكر الذي يستبعد وينفي كلّ البشر، فينكمش مفهوم الانسان في خطاب الاسلام السياسي المعاصر ويتضاءل لينحصر في "المسلم "، المنطوي تحت جناح تأويلات النفع السياسي للدين والعقيدة، فتتباعد المسافات، وتتسع الهوّة بين "مثالية " النصوص الدينية من جهة، وبين " واقع " الفكر الديني بشقيه الرسمي والمعارض من جهة أخرى.
وتأتي الظروف السياسية والعسكرية والاقليمية لتكرس نزعة الانكماش العنصري هذه بسبب التدخل السافر من جانب قوى الهيمنة والسيطرة الدولية المتمثلة بسياسة الادارة الاميريكية التي تتحكم في مصائر البلاد والعباد، من خلال الاحتلال العسكري المباشر او من خلال فرض حكومات ديكتاتورية وانظمة شمولية قامعة على الشعوب باسم "حقوق الانسان " وهو امر اقل ما يقال فيه بأنه مخجل ومضحك في آن.
ان مجتمعنا العربي الحالي يتعرض اليوم للاستغلال والتمييز والظلم فهو يواجه سياسة اغتصاب سافر متمثلة في اسرائيل من جهة وقوة هيمنة متمثلة في تحكم الادارة الاميركية في قرارات الامم المتحدّة من جهة أخرى، علاوة على وجود حكومات مترهلّة قامعة له.
هذا المجتمع مطالب اليوم في سياق تلك التحديات بتكريس قضية الدفاع عن الانسان وحقوقه وجعلها القضية الرئيسية في خطابه. وذلك لن يتحقق إلا من خلال تحرير الفكر من كل تبعية، لأنه عند مناقشة القضايا المجتمعية المنبثقة عن الرؤية التي يحددها المجتمع تجاه الكائن الانساني وحقوقه وواجباته، غالبا ما تذوب المشكلات الأساسية في سياق التأويلات المؤدلجة النفعية لنص الخطاب الديني. فالتحرر الإنساني من الارتهان الخارجي والقمع الداخلي مرتبط وقبل كل شيئ بالتحرر الاجتماعي والفكري العام.
هوامش:
1- وجيه كوثراني: " قضايا الإصلاح والشريعة والدستور في الفكر الإسلامي الحديث "، مقالة في مجلة الاجتهاد، م 3، 1989 ص. ص 208 - 238، رضوان السيد: " الفكر الإسلامي الحديث، أصوله واتجاهاته و مآلاته "، محاضرات جامعية ألقاها في المعهد العالي للدراسات الإسلامية، بيروت، شتاء، 1999.
2- فهمي هويدي: " الحاكمية بين أهل الدعوة وأهل القانون " مبحث من كتاب: ندوة التيارات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي، طرابلس، 1987 ص 28.
3- سيد قطب: " المستقبل لهذا الدين "، القاهرة، مكتبة وهبة، 1965 ص ص.12 - 14.
4- سيد قطب: " معالم في الطريق " دار الشروق، مصر، القاهرة، ص ص.190 -191.
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://www.marwa-kreidieh.maktoobblog.com