كتَّاب إيلاف

في التنوير الأصيل: التقدم الاجتهادي بدل التقليد المذهبي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

" لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر" (المدثر 37 )
" الحب هو المبدأ والنظام هو القاعدة والتقدم هو الهدف" (أوغست كونت)

استهلال:
نتكلم هاهنا في التراث والإسلام والعروبة والعصر والتقدم والاجتهاد والتقليد والمذاهب فإنها عبارات وردت في التجربة التاريخية للملة ولم تملك واحدة منها معنى يخصها وحقيقة توافقها لغة واصطلاحا. وذلك يرجع الى التباس هذه الألفاظ وتشعب المجالات التي تتنزل فيها من جهة والى اختلاف طرق استعمالها وتناقض أساليب تداولها من جهة أخرى. وبدل الغوص في بحر فن التحديد والذهاب نحو ساحة أصول التعريف وما يرافق ذلك من تجريد صوري وتأمل نظري حري بنا أن نعالج الأسئلة التي يطرحها تواجد مثل هذه العبارات جنبا الى جنب وأن نتحسس الاحراجات التي تسببها مواجهة العصر بالتراث والمذاهب بالاجتهاد والإسلام بالتقدم والتقليد بالتجديد، فما المطلوب اليوم في زمن العولمة من حضارة اقرأ؟ الإصلاح أم التحديث؟ التفسير أم التغيير؟ التنمية أم الترقي؟ التطور أم التقدم؟ الاجتهاد أم التأويل؟

ماهو بديهي أن التطور سنة الحياة وأن العقل في تكوثر دائم وأن حركة التاريخ هي دائما في صيرورة مستمرة وتحمل لنا الجديد والأحداث الطارئة والمباغتة على الدوام وما هو مسلم به أن العرب والمسلمين امتلكوا ولا يزالوا رصيدا كبيرا من تجارب النهوض والتمدن والتحضر وقد أفادوا في ذلك شعوب وأمم بما حملوا إليهم من قيم وشرائع ومناهج،أما الأمر الذي لا يحتاج فيه الى حجة وبرهان فهو قابلية الإسلام نفسه في أصوله وفروعه للتطور والتجديد وجاهزية الملة العربية الى المواكبة والترشد لامتلاكها خزان من الحقائق والمعاني لم تقدر كل التجارب وكل ألوان الترحال الوجودي على استنفاذها واستخدامها.

أمام هذه البديهيات والمسلمات تبرز بعض الشبهات والمؤاخذات إذا ما تدبرنا عن قرب حال الفكر العربي الإسلامي اذ تتراءى لنا مجموعة من المعطيات المحيرة والوقائع المربكة:
- حدوث أزمة حضارية شاملة تجلت بشكل واضح في الانغلاق والتعصب والتشدد وغياب الحوار بين الداخل ورفض الحوار مع الآخر واحتدام التوتر العرقي والفرقة المذهبية.
- توظيف الإسلام والعروبة توظيفا رجعيا رأسماليا معولما لخدمة أجندة غربية من قبل فئة طفيلية تابعة من الداخل تحافظ على مصالحها الآنية وتحتكر السلطة لنفسها وتعيد توزيعها بشكل رمزي.
- تفشي الأمية وانحسار عملية الإبداع وتوقف باب الاجتهاد وشيوع المد السلفي والاكتفاء بالتقليد وانحراف دعاة التنوير نحو التغريب والمجون والميوعة الفكرية.

هذه اللوحة الرمادية ليس المراد منها أن تحجب عنا الحقيقة المأساوية التي يتكون منها الواقع ولا تجميل المشهد وتبرير المايحدث وتخفيف الأوجاع وتسكين الآلام بل المقصود منها هو الشروع الجدي في بناء عملية حضارية شاملة وتحسس الانبعاث من جديد الذي يبدأ بتحطيم الأوثان وإزالة المعوقات وتفكيك العراقيل من أجل تغيير القبلة وتحييث المقدس والتوجه بالفكر من المدن الغربية الغارقة في ظلام العولمة والعقلانيات اللامعقولة والتنوير المتسلط نحو كهوف الشرق وأم القرى وما تحمله من حكمة وتدبير وإنصاف ومحبة وصداقة.

- قد يتبادر الى الأذهان أن هذا المبحث يتنزل في سياق المعركة بين أنصار التقليد وأنصار التجديد وبين من يدافع عن الهوية ومن يدافع عن الحداثة غير أن طرح المشكل بهذه الصيغة وضمن هذه الزاوية وداخل هذا السياق هو انزياح عنه وتحويل خارجي له وتفويت أية فرصة جدية لطرحه بدقة والتعمق في تناوله وتحليله ولذلك فضلنا الطريق الثالث الذي يقاوم الجبهتين في نفس الوقت ويقوم بتجديل العلاقة بينهما ويحاول أن ينحت الإسلام التقدمي والتراث العصري.

فإذا كان مطمحنا هنا هو بناء فهم متكامل عن الإسلام يواكب روح العصر وينصهر مع العروبة بعيون جديدة ويرد على كل التحديات ويحل كل العقد الدفينة والأزمات المستديمة فإن هذا المقصد لن يتحقق إلا بنحت مفهوم التقدم من خلال تراث الإسلام وبدفع الإسلام نفسه نحو تحقيق هذا التقدم نظريا وعمليا.
من أجل تحقيق هذا الغرض لابد أن نبين خطورة الدعوة الى التقليد وندحض مزاعمهم ونكشف بطلان دعواهم في مقام أول.
ثم في مقام ثان يلزم علينا أن نبين خطورة الدعوة الى التغريب وندحض مزاعمهم ونكشف المآسي التي سببتها حضارة المصنع وثقافة البضاعة وكوجيطو الاستهلاك المجنون على الساكن الأصلي.
أما في مقام ثالث فإننا سنوضح ملامح التقدم الحضاري الأصيل الذي يجع بين الشكل والمضمون وبين النظر والعمل وبين العلم والأخلاق والإسلام والتقدم،فكيف سيكون ذلك كذلك؟

I/ آفة التقليد المطلق:
"وإذا توالوا في الأزمان واحدا بعد آخر فإن نفوسهم تكون كنفس واحدة ويكون الثاني على سيرة الأول والغابر على سيرة الماضي..." [1]
التقليد هو قبول رأي الآخر بلا حجة ولا دليل،وبعبارة أخرى هو إتباع الانسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقدا للحقيقة فيه من غير نظر وتأمل في الدليل كأن هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادة في عنقه. وعلى هذا معظم الناس فلذلك يحتاجون الى معلم ومرشد ومن يعرفهم أمور دنياهم ودينهم وجميع شرائعه وفروضه ومن ينهض نحو فعلها. ويتميز المقلد بالإتباع والمسايرة والعجز والقصور والتعويل على الغير وعدم استعمال ملكاته الطبيعية في التفكير والفعل والوجود والارتماء بين أحضان الخيال والخرافة والسحر والتصور الغيبي للزمن.
"ومن لم يكن له قدرة على أن ينهض غيره نحو شيء من الأشياء أصلا ولا أن يستعمله فيه وكان إنما له القدرة على أن يفعل أبدا ما يرشد إليه لم يكن هذا رئيسا أصلا ولا في شيء بل يكون مرؤوسا أبدا وفي كل شيء"

[2]
يمكن تسمية هذا الموقف بالمحافظ لاعتقاده في كمال الدين وقداسته وثبات شرائعه وعلوية أحكامه ووجوب فرائضه مهما تغيرت الظروف وصلاحية أحكامه في كل زمان ومكان وحجتهم في ذلك أن شريعة الإسلام جاءت محكمة تامة اكتمل بها البناء وختمت بها الدعوة. ويرى أصحاب هذا الموقف ضرورة الاكتفاء الذاتي للتراث ويؤمنون بأنهم الفرقة الناجية وأن المواقف الأخرى مواقف ضالة يجب إما تبديعها أو تكفيرها. "وذلك يعني أن تراثنا القديم حوي كل شيء مما مضى أو مما هو آت وهو فخرنا وعزنا وتراث الآباء والأجداد علينا الرجوع إليه ففيه حل لجميع مشاكلنا الحاضرة".
ويستند هذا الموقف الماضوي على حديثين للرسول صلعم هما:"خير القرون قرني ثم الذي تلاني"

و"لا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها". ومعنى هذا أن حاضر هذه الأمة لا يتقدم إلا بالرجوع الى الماضي وأن التاريخ يسير في تدهور مستمر وأن قمة التطور كانت في عصر ذهبي في الماضي وأنه لا يمكن استعادة هذه التجربة المتطورة مهما حاولنا فذاك عصر الطهارة قد انقضى وولى.
و يتبع أصحاب التقليد مناهج قاصرة وتغلب عليهم النزعة الخطابية التي تعطي الأولوية المطلقة للوحي على التاريخ والشرع على العقل ولله على الانسان وللسماء على الأرض ولعالم الغيب على عالم الشهادة فيغيب الوضوح والعمق النظري والنضج الفكري وتسود العاطفة والانفعال والاندفاع والمراهقة والتكرار وتحصيل الحاصل والتقريظ أو الدفاع الذي يتحول إلى تبرير والجدل والمهاترات اللفظية التي لا تمتلك سوى حدس قصير المدى وبالتالي فإنهم يعانون من ضعف في التنظير ويحتكمون إلى آراء جاهزة وأحكام مسبقة ويفضلون الظن على اليقين والإجماع الضعيف على الحجة الدامغة وحتى إن تحدثوا على التغيير فإنهم يرونه بواسطة القديم عبر استعادة حرفية للماضي والعودة الكلية للسلف الصالح من خلال توظيف ملكات الذاكرة والخيال والوجدان والنص دون إعطاء أي اعتبار للعقل والعصر والتجربة والتاريخ والتغير والتقدم.

إن السلفية بقطع النظر عن مضامينها المختلفة قد تحولت إلى فكرة إسلامية مهيمنة على المجال الإيديولوجي الحركي الإسلامي ويغدو السجال حول دلالتها المحددة رأسمالا رمزيا يحاول الفاعلون الإسلاميون استثماره سواء على مستوى إنتاج السلطة المعنوية أو على المستوى الحركي العملي.
فإذا كان البوطي يعتبر السلفية مرحلة زمنية مباركة وليس مجرد مذهب ديني يضاف الى بقية المذاهب فان محمد عمارة يربطها بالتاريخ العربي الإسلامي ويحاول أن يبحث لها عن جذور حضارية تراثية فهي حسب رأيه ظاهرة عباسية ترتبط بالتيار الفكري الذي قاده أحمد ابن حنبل ضد المعتزلة وما عرف بمحنة خلق القرآن والتي انتهت الى انتصار أصحاب الحديث والنص على أصحاب الرأي والعقل. وإذا كان محمد الغزالي يعتبرها نزعة عقلية عاطفية ترتبط بخير القرون وتعمق ولاءها لكتاب الله وسنة رسوله فان محمد عابد الجابري يتحدث عن السلفية الوطنية وينوه بالنموذج المغربي خاصة عند علال الفاسي الذي هو أقرب ما يكون منهجا من أن يكون مذهبا ويميز بينها وبين الماضوية التي ترجع الى الماضي وتتمسك به لذاته دون نقد أو تمحيص وتعتبر سلوك السلف نموذجا صالحا لكل وقت ولكل مكان بينما السلفية الوطنية ترجع "الى نقطة مضيئة في الماضي ليس من أجل الماضي نفسه بل من أجل التحرر مما تراكم من انحرافات وظلمات في المسار الذي يفصل الحاضر عن تلك النقطة المضيئة" [3].

عموما تمثل السلفية إطارا معرفيا شاملا يحكم طريقة إنتاج الفكر الإسلامي للمنهج المطابق لمنهج السلف الصالح في القرون الهجرية الثلاثة الأولى والذي بموجبه تكون السلفية هي الدين نفسه كما فهمه الرسول والخلفاء والقراء ومجمل الصحابة والتابعين،على هذا النحو"يشكل الانتماء الى السلفية قاسما مشتركا بين مختلف الحركات الإسلامية في الفضاء السني في القرن العشرين أمعتدلة إصلاحية كانت أم راديكالية متطرفة...إن أهم السلفيات هي السلفية التاريخية والسلفية المدرسية والسلفية النهضوية والسلفية الوطنية والسلفية الحركية والسلفية الجهادية والسلفية التحررية والسلفية المحدثة.
إن السلفية بقطع النظر عن مضامينها المختلفة قد تحولت الى فكرة إسلامية مهيمنة على المجال الإيديولوجي الحركي الإسلامي ويغدو السجال حول دلالتها المحددة رأسمالا رمزيا يحاول الفاعلون الإسلاميون استثماره سواء على مستوى إنتاج السلطة المعنوية أو على المستوى الحركي العملي".

4]
يستند الموقف السلفي على جملة من الفرضيات القبلية أهمها التمييز بين الإسلام والإيمان والإحسان والإخلاص وبين الاستحسان والاستصحاب،فالإسلام هو الخضوع والانقياد لما أخبر الرسول صلعم،أي كل ما يكون إقرارا باللسان من غير مواطأة بالقلب،والإيمان هو التصديق بالقلب والاعتقاد بالوجدان والإقرار باللسان،أما الإحسان فهو فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير أي أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فأنه يراك،في حين أن الإخلاص يفيد ترك الرياء في الطاعات بأن لا يطلب المؤمن لعلمه شاهدا غير الله، ويختلف الاستحسان عن الاستصحاب فالأول هو عد الشيء واعتقاده حسنا بترك القياس والأخذ بماهو أرفق للناس أما الثاني فهو الحكم الذي يثبت في الزمان الثاني بناء على الزمان الأول وهو عبارة عن إبقاء ما كان على ما كان عليه لانعدام المغير.

والحق أن السلفية متغلغلة في عقولنا وقلوبنا ولا نستطيع التحرر منها مهما حاولنا وتؤثر في نظرتنا الى أنفسنا وفي علاقتنا بالآخر وإقامتنا في العالم فهي تسقطنا في النظرة الضيقة والموقف الدغمائي وتجعلنا نتصور مفهوم الانسان تصورا أحادي الجانب،كما أن تبني الموقف السلفي يسقطنا في التقليد والمحاكاة وينتج عنه عدة آفات وأخطاء مثل التمركز حول الذات واعتقاد امتلاك الحقيقة المطلقة والانتماء الى الفرقة الناجية ثم العجز عن الفعل والقصور والالتجاء الى التعويض والانتظار والإرجاء.
علاوة على ذلك يترتب عن التقليد المطلق للماضي عدة أخطاء ومساوئ ينبغي تفاديها نذكر منها ما يلي:
- إيثار الدولة الدينية على الدولية المدنية الحاكمية الإلهية على الشورى الانسانية وتقسيم المجتمع الى مؤمن /كافر والعالم الى دارين: دار طاعة/دار حرب.


- إعطاء صورة سلبية عن الإسلام تبدأ بالحدود والعقوبات وتوصي بالتشدد في الالتزام بالواجبات وتهمل الحقوق والحريات وما هو جائز ومباح بالنسبة للناس.
- التوقف عن التطوير والإصلاح والتركيز على عصر ذهبي واعتباره النموذج الذي ينبغي إعادة استنساخه في كل مرحلة وهو ما يعني معاداة التجديد والثورة وعدم الأخذ بعين الاعتبار للمستجدات والتحولات التي تطرأ على العالم في كل يوم.
- جدل الكل أو لا شيء عند الممارسة والميل الى التعصب بدل الوعي الفكري المتبصر وسيطرة النعرات الطائفية والحميات القبلية على الموقف التاريخي.
-
تنظيم الجماهير في جماعات مغلقة ينقصها الحوار والمشاركة الحقيقية ومطالبتهم بالطاعة المطلقة وتعويدهم على الاعتقاد بأنهم على حق والآخر على باطل.
- محاولة تغيير الواقع بالقوة واستعمال العنف للاستيلاء على السلطة دون المرور بمراحل الدعوة والتربية ودون تنوير للناس وإعدادهم لهذا التغيير بالكلمة الحسنة والمبادئ القويمة.
-
فهم الإسلام فهما يمينيا رأسماليا والنظر إليه على أنه يبيح الملكية الخاصة ويقر بالتفاوت بالدرجات بين الناس وإهمال قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية التي تجسيد للعدالة الإلهية.
والجلي أن الموقف التقليدي هو موقف محكم البناء متناغم الأجزاء بحيث يصعب اختراقه من أجل تقويضه من الداخل لمتانة البناء وكثافة الطبقات التي يرتكز عليها النسق مما جعل البعض يخيرون ضرب هذا النسيج على عرض الحائط وإلقائه برمته في سلة الماضي الخاطئ وتفضيل تقليد الغرب تقليدا أعمى وتبنى نهج الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة وهو ما يعني ارتكاب خطأ أفدح في محاولة لتفادي خطأ تقليد الماضي التراثي فماهي الآفات المنجرة عن تقليد الغرب؟

II/ في التقدم المطلق :
"إننا نقدر الأقدمين والأسلاف أكثر مما يستحقون،فالزمان الحاضر أسمى من الزمان السالف لأن الأول يعتمد على تبرير من التجربة وفي الوقت نفسه يستند الى الزمان السالف والناس يستفيدون دائما من المزيد من التجارب التي تتم مع مضي الزمان" (فونتنل/محاورات الموتى)
التقدم هو الحركة الى جهة معلومة سلفا أي هو السير الى الأمام لكون الشيء موجودا قبل الآخر بحيث لا يوجد الثاني إلا إذا وجد الأول،وهو بذلك ضد التراجع والتأخر والانحطاط والتخلف. والتقدم في الفيزياء يقاس كميته بأنها حاصل ضرب كتلة الجسم في قوة سرعته ونستنتج ارتباط التقدم بالمادة وبالحركة السريعة. ويقع التمييز بين التقدم الإضافي الذي هو من الحسن الى الأحسن والتقدم المطلق الذي هو من التخلف الى النمو وهو ناشئ عن الحتمية التاريخية والضرورة الكونية.


على هذا النحو يكون التقدم انتقالا تدريجيا في نظام متصل من الأدنى الى الأعلى ومن النقص الى الكمال ويكون إما في شكل خط مستقيم أو في شكل خط لولبي أو في شكل الخط المنحني الصاعد.
إذا كان تقم الفكر هو تقدم تدريجي فإن التقدم الحقيقي الجدير بالإعجاب هو ذلك الذي يتحقق بعد تحرر البشرية من طغيان الملوك. وإذا كان أفلاطون في محاورة الثياتات يرى أن"الشباب يتقدم نحو كل شيء" وأكد في محاورة النواميس على أن الأوائل قد وضعوا الفنون والصناعات لبني الانسان لكن بعد الطوفان بقي الكثير منها مجهولا ولم يعرف الكثير منها إلا حديثا فإن أرسطو يرى أنه من العبث التوقف عند ما فعله الأقدمون أو استرجاعه لأن التقدم هو المبدأ الذي ينبغي أن يتبعه الناس فالتحرك هو الأفضل كما أن العادات والقيم الأولى هي متوحشة ومبتذلة، ويكون التقدم في الفنون والصناعات لكي يتم كل إنسان ما ينقصه عبر الزمان وقد قال من أجل ذلك في الأخلاق الى نيقوماخوس أس 24 :"إن الزمان هو المخترع أو المساعد الجيد للاختراع".

للافت للنظر أن القائلين بالتقدم يرون أن التطور ليس مقصورا على ازدياد التقوى ونماء الحياة الروحية بل يؤمنون بالتقدم المادي والتقني ويعتبرون العصر القديم ليس كعصر ذهبي بل كانت فيه الحياة شبيهة بحياة الحيوان ولذلك دعوا الناس نحو طلب العلم والثقافة والالتزام بالأخلاق بالتمسك بالتجربة ونبذ الخرافات وبالكشف عن أسرار الطبيعة وإنقاذ الظواهر وتطوير الحرف والمهن.
من هذا المنطلق يرى بايكن في كتابه الأرغانون الجديد أن احترام الأقدمين ينافي تقدم العلم لأن الحقيقة بنت الزمان وليست خاضعة للسلطة بل إن غواية السلطة يشل مواهب الانسان ويعوق التقدم ولا ريب في أن الانسان سيعرف الكثير في المستقبل أكثر مما لا يزال مجهولا عندنا وربما يأتي اليوم الذي نتعجب فيه أولادنا من جهلنا،ومن المعلوم في كتابه مقال عن المنهج شبه المقلدين من الذين يتبعون آراء أرسطو ويخضعون لسلطته العلمية بنبات العليق الذي يحاول أن يصعد الى أعلى من الشجرة التي تحمله فوقها وسيكون هؤلاء المقلدون في نهاية الأمر أكثر جهلا مما كانوا عليه.
هكذا فإن التقدم الإنساني غير محدود اذ يزداد كمالا باستمرار وان خطة الطبيعة تقوم على أساس أن الاستعدادات الانسانية قدر لها أن تنمو وتتطور تماما وفق لغاية محددة،في هذا السياق يقوم فيلسوف التنوير كانط:"إن الانسان يكمل نفسه بنفسه وفقا لغايات اتخذها بنفسه من حيث هو حيوان عاقل".

ولهذا فإن تاريخ الانسان هو تاريخ التقدم حتى وان كان مرتبطا بحيلة العقل ومكره وعن طريق الحروب والصراع بين الأضداد وقانون الجدل ألم يقل ماوتسي تونغ في كتاب الأحرار:"إن العالم يسير قدما والمستقبل وضاء ولا يستطيع أحد أن يغير مجرى التاريخ هذا ولذا علينا أن ننشر التقدم في العالم بين الشعب باستمرار ابتغاء أن يكسب الثقة بالانتصار". لكن ماذا تخفي هذه الثقة بالتقدم المطلق؟ ألا يمكن أن يتحول الهيام بالتقدم الى اليوطوبيا خاصة في ظل واقع التخلف الذي نعيشه في حضارة اقرأ؟
يتوزع الموقف التقدمي في الخارطة السياسية على مختلف الاتجاهات من:
- الليبرالي الوطني وريث الدولة القطرية ما بعد الاستعمار المباشر.
- الاتجاه القومي العلماني المتأثر بفكرة القومية كما بشرت بها البرجوازية الغربية.
- الاتجاه الاشتراكي والماركسي الملتزم بالتجارب الشمولية كما مورست في المعسكر الشرقي.
وتتميز التجارب التي تنادي بالتقدمية بمجموعة من الخصائص:
- الإيمان بالعلم والتقنية والفكر الوضعي ومعاداة الفكر الرمزي والتجارب المعرفية الوجدانية الأخرى.
- فهم العلمانية على أنها فصل ماهو روحي عن ماهو حياتي وتفضيل ماهو دنيوي مادي على ماهو معنوي غيبي.
- الدعوة الى إحداث قطيعة ابستيمولوجية مع التراث واعتبار الماضي كله مجموعة من الأخطاء ينبغي محوها الى الأبد.
- الوقوع في تقليد الحاضر واستنساخ التجارب الجاهزة والانشداد الى المستقبل دون امتلاك رؤية إستراتيجية متكاملة.
- الميل الى نهج الإقصاء ورفض المختلف والعمل على الاستئصال وتفضيل الحلول الأمنية في التعامل مع المواقف المباينة.
- بروز الازدواجية وإتباع سياسة ميكيافلية هوبزية تفضل العقل الحسابي الأداتي على العقل التواصلي الاتيقي والايكولوجي.
- التعامل البراغماتي مع الأشخاص والنظر الى الكائن البشري على أنه موجود من أجل ذاته وإهمال كونه موجود كذلك من أجل الآخر.
هذا الفهم الضيق للتقدم أدى الى إنتاج عدة أخطاء في النظرية والممارسة على السواء:
إن التقدم عوض أن يكون الى الأمام تحول الى حركة الى الخلف فصار يعني السير من السيئ الى الأسوأ والتفويت في الكامل من أجل الرضا بالناقص،وبالتالي أصبح التقدم يعني الشدة والتكاثر والازدياد في البؤس والمأساة والفقر والأمية كقولنا تقدم القمار والإجرام والفساد والمقصود هو تضخم هذه الظواهر وتفاقم أمرها. وقد تنبه أفلاطون منذ الإغريق الى هذا الأمر في كتابه النواميس 676 أ عندما قال:"انه في المدينة الدولة قد يحدث مع التقدم في الفضيلة الانحطاط نحو الأسوأ".
من هذا المنطلق شبه سيناك المتقدمين بالحمقى وعلل ذلك بأنهم يعتقدون أنهم تقدموا بينما في الحقيقة هم في الواقع لم يقوما بأية خطوة الى الأمام بل ظلوا على حالهم أو تراجعوا الى الوراء وليس فقد على الصعيد الأخلاقي والروحي بل وكذلك على الصعيد المادي والصناعي وقد بلغ الأمر بجون جاك روسو أن أنكر التقدم جملة وتفصيلا وآمن بالترقي أو قابلية الاكتمال اذ يقول في هذا الصدد:"لا يوجد تقدم حقيقي للعقل في النوع البشري لأن ما يكسبه من ناحية يفقده من ناحية أخرى" ويستدل على ذلك بقوله في مقالة في العلوم والفنون 1750:"بقدر ما تتقدم علومنا وفنونا نحو الكمال بقدر ما تزداد أرواحنا فسادا" وبعبارة أخرى:"كلما ازددنا تقدما كلما ازددنا توحشا".
فما العمل لبناء تقدم حضاري حقيقي يتفادى آفة التقليد المطلق والتقدم البهرج؟

III/ بينات من التقدم الأصيل:
"إن الآلهة لم تكشف للناس الفانين كل شيء مقدما ولهذا ينبغي عليهم أن يكتشفوا ما أبقته مستورا تدريجيا..." اكزينوفان
ما يميز واقع الانسان اليوم هو التأخر المعرفي والتأخر العملي،التأخر المعرفي يظهر في استعباد الانسان من الحياة العامة والقضاء عليه كفرد له مجموعة من الحقوق وكشخص معنوي وذات عارفة وتهميش دوره والنظر إليه كشيء وأداة طيعة في خدمة السلطة وكموضوع قبل للملاحظة والاستهلاك،التأخر العملي معناه ظهور أشكال جديدة من الرقابة والتأديب تكرس الهيمنة وتؤدي الى الاغتراب ناتجة عن تسيد قيم النجاعة والمردودية على قيم الحرية والمسؤولية والحياة زيادة على تزايد مجموعة من الحاجات غير قابلة للإشباع مما يولد الشعور بالضيق والحرمان والحصر وكلها أمور تولد سوء النية والنفاق.زيادة على ذلك هناك تعارض بين سهولة إدانة الواقع الراهن وتكاثر المتذمرين منه والساخطين عليه وقلة الممانعين وندرة المساهمين في عملية التصدي والصمود واعتراف الأغلبية بعجزهم وبصعوبة تجاوز الأزمات المستفحلة.بيد أن الأمر الجلل وأصل البلاء هو تعايش التقليد والتقدم واختلاط المعقول باللامعقول والتداخل بين القديم الموروث والجديد الوافد دون الوصول الى حالة من الانصهار والاندماج وإعادة التشكل على أسس صلبة تبيح إمكانية العود على بدء والانطلاق الى ماهو أفضل.كل هذه المفارقات هي بمثابة تحديات على الانسان العربي أن يتخير السبل الكفيلة بمواجهتها و العمل على تفكيكها.

ليس لنا من بد إذا أردنا الخروج من هذا المطب سوى تغيير نظرتنا الى التقدم والإسلام وذلك بجعل هذا الدين يتقدم وتقديم بينات من التقدم الأصيل من المخزون الثقافي لحضارة اقرأ،فإذا كان الإسلام هو الحرية والتوحيد والعدل والفطرة فإن دلالات التقدم في التراث مشرقة ويمكن الاستضاءة بها لتجاوز هذه الفوضى في تحديد المفاهيم.
لقد جاء في تعريفات الجرجاني ثلاث أجناس من التقدم:
- "التقدم بالطبع: هو كون الشيء الذي لا يمكن أن يوجد آخر إلا وهو موجود وقد يمكن أن يوجد هو ولا يكون الشيء الآخر موجودا.بعبارة أخرى ما لا يتم وجود غيره إلا مع وجوده ووجوده يتم دون ذلك الغير،كالواحد بالنسبة الى الاثنين فإن الاثنين يتوقف على الواحد ولا يكون الواحد مؤثرا فيه.
- التقدم بالعلة: عبارة عن ما وجود غيره مستفاد من وجوده ووجوده غير مستفاد من ذلك الغير لكنه لا يكون إلا معه في الوجود أي أن يكون المتقدم على المتأخر،فالمحتاج إليه إن استقل بتحصيل المحتاج كان متقدما عليه تقدما بالعلة كتقدم حركة اليد على حركة المفتاح أو الخاتم،فالتقدم بالعلية هو العلة الفاعلية الموجبة للنسبة الى معلولها.

- التقدم بالشرف: هو ما له تقدم بالزمان وهو ما كان أقرب من غيره الى مبدأ محدودة له وتقدمه تلك الأقربية.فما بينه وبين غيره في الوجود إمكان قطع مسافة وهو قبلي كتقدم موسى على عيسى في النبوة." [5]
ويمكن أن نضيف الى هذا الجهد ما قام به الآمدي في كتابه المبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين:
- "التقدم بالشرف:فهو اختصاص أحد الشيئين عن الأخر بكمال لا وجود له فيه كتقدم النبي محمد صلعم على العالم وسائر الأنبياء.
- التقدم بالمرتبة:فعبارة عن ما كان أقرب الى مبدأ محدود عن غيره كتقدم الإمام على المأمومين بالنسبة الى المحراب.على النحو فأن المقدم هو عبارة عن ما حكم بملازمة غيره له واتصاله به كقولنا:إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود." [6]
على هذا النحو تحدد دلالة التقدم على أنها امتلاك جملة من القدرات المعرفية والأخلاقية كفيلة بأن تؤهل المجموعة البشرية الى ارتقاء نحو وضع مدني أفضل من وضعها السابق،وينقسم التقدم الى تقدم معرفي وتقدم عملي.

التقدم المعرفي هو الحصول على معرفة علمية ناجعة تقطع مع المعارف الأخرى باعتبارها أقوالا خرافية وتؤكد البعد الايجابي للعلوم لما حققته من فتح وانتصار عندما فتحت العديد من القارات وحققت عدة اكتشافات مكنت من السيطرة على الطبيعة والتحكم في الظواهر.
التقدم العملي وهو إبداع قيم جديدة ترتبط بحاجيات العصر وتنظم العلاقات بين الأفراد تكرس مبدأ وحدة الأديان وضرورة حوار الحضارات وتنفتح على الايتيقا والايكولوجيا بماهي طرق فلسفية راهنة لتدبير إقامة الناس في هذا الكون الأصم.
ينبني التقدم الاجتهادي على الإيمان بالاستراتيجيات التالية:
- فهم القرآن بالاعتماد على فلسفة تأويل تعيد تأصيل الأصول وتقطع مع السياج الدغمائي القديم الذي أغلق باب الاجتهاد ومنع العقل من الخلق والإبداع.
- الربط بين العروبة والإسلام من خلال مفهوم الهوية السردية وتحويل لغة الضاد من لغة هوية متكتمة على ذاتها الى لغة فكر منفتح على التاريخ والأغيار.
- إتباع الطريق الثالث بين العلمانية والسلفية وبين التراث والحداثة والأصالة والمعاصرة وبذل الجهد من أجل إحياء التراث الاعتزالي الرشدي الخلدوني باعتبار احتكامه الى العقل ونبذه روح التعصب والتكفير ومحاولته العودة الى الطبيعة والواقع وبناء وعي تاريخي.

خاتمة:
" لم تخمد النار بعد في الهشيم ومازالت العنقاء قادرة على البعث من خلال الرماد.فمصر والشام شعوب مازالت تنبض بالحياة في مقاومة التطبيع،تحن الى القومية والناصرية والى حياة العزة والكرامة ومازالت الحركة الإسلامية قادرة على الجهاد وعدم الاستسلام واليمين الأمريكي والصهيوني ليس باقيا الى الأبد بعد سقوط القتلى من الأمريكيين والاسرائليين في العراق وفلسطين،ولم تنفع معاداة الناصرية ولا التنكر للقومية ولم يشفع الانبهار بالغرب والتبعية له،ولم تنجح محاولات الخلط بين الإرهاب والمقاومة.فمازال بصيص من ضوء في نهاية النفق." [7]

إن طبيعة التقدم مزدوجة لكونها حركة الى الماضي من أجل العودة الى الذات باستيعاب التراث وإلمام بنقاطه المستنيرة ولكونها حركة الى الأمام من أجل إمساك الحاضر وتحقيق الزمنية المفقودة واستشراف المستقبل بتجاوز كل تجارب الإخفاق والتعثر وبناء إستراتيجية النجاح والتفوق. إن جوهر التراث حي دائم لا يموت ومخزون نفسي في قلوب الناس لا يمكن استئصاله أو القضاء علية فنحن نعلم جيدا الدور الذي يضطلع به السرد في توجيه التاريخ وسلطة الذاكرة والمخيال على الحاضر.
إن التراث كوني ويقبل التجدد وإعادة التأصيل ونصوصه تتميز باللانفاذية وزاخرة بالمعاني والدلالات التي لا تختزل ولا تدجن.إن مواجهة التراث بروح العصر تقضي أن يواجه تراث الإسلام نفسه وأن يتجاوز عقده ويفكك مكبوتاته الدفينة ويستأنف عملية النقد الحرة والواعية لمسلماته وفرضياته القبلية ويتغلب على العراقيل والصعوبات الذاتية التي منعته من التقدم والتجديد.إن تبني عقلانية نقدية معاصرة تلتقي مع روح الاعتزال والفلسفة الرشدية والفكر التاريخي الاجتماعي الخلدوني هو خير وسيلة لتحقيق النهوض والرد على موجة التقليد العارمة وانفلات المكبوت اللامعقول من كهوفه المظلمة. إن ما ينقصنا حقيقة هو فهم الواقع الإنساني في مختلف مجالاته من خلال قراءة تأويلية شاملة تعمل على فضح أشكال الاغتراب الثقافي والسياسي والديني وفك عرى الارتباط بين المعرفة والسلطة وبين الأنوار والاستبداد وبين التمركز الاثني والعنصرية مع الانفتاح على أشكال مغايرة من المقاومة مثل الفن والدين المستنير والتصوف الاثباتي تصوف البقاء وليس تصوف الفناء.

هذا الأمر الجلل لا يتحقق بمجرد التوفيق بين التراث والتجديد ولا من خلال التقليد الأعمى للغرب ولا بتقليد الماضي المجيد ولا بالارتماء بين الأحضان الحداثة بل من خلال التخلي عن التقليد النصي السلفي والإقلاع عن استنساخ تجارب الغرب والشروع الجدي في بناء حركة تقدم اجتهادي شاملة تتعالى على التوتر الحاصل الآن بين المذاهب وتنبذ منطق الملل والنحل وتجعل وحدة الفكر عنوانا لتوحد الأمة وحق الاختلاف وسيلة من أجل التعدد الثري وليس المشتت والمفرق،فنحن قوم أشداء على أعدائنا رحماء بيننا. فلنكن معا في الطريق المؤدي الى الاستئناف الحضاري،جميعنا دون استثناء.

المراجع:
الجرجاني التعريفات دار الكتب العلمية ص 68 بيروت 2000
الفارابي السياسة المدنية سيراس للنشر 1994
محمد عابد الجابري في نقد الحاجة الى الإصلاح مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2005
محمد جمال باروت مؤثرات السلفية في الحركات الإسلامية المعاصرة مجلة الآداب عدد 52 2004
عبد الأمير الأعسم المصطلح الفلسفي عند العرب الدار التونسية للنشر 1991
حسن حنفي جذور التسلط وآفاق الحرية مكتبة الشروق الدولية القاهرة الطبعة الأولى 2005
*كاتب فلسفي

هوامش:

[1] الفارابي السياسة المدنية سيراس للنشر 1994 ص 69
[2] الفارابي السياسة المدنية سيراس للنشر 1994 ص 68
[3] محمد عابد الجابري في نقد الحاجة الى الإصلاح مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2005 ص 53/54
[4] محمد جمال باروت مقال مؤثرات السلفية في الحركات الإسلامية المعاصرة مجلة الآداب عدد 52 2004 ص 39
[5] الجرجاني التعريفات دار الكتب العلمية بيروت 2000 ط 1 ص 68
[6] عبد الأمير الأعسم المصطلح الفلسفي عند العرب الدار التونسية للنشر 1991 ص 418/419
[7] حسن حنفي جذور التسلط وآفاق الحرية مكتبة الشروق الدولية القاهرة الطبعة الأولى 2005 ص 321

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف