كتَّاب إيلاف

الأقباط في الصحافة المصرية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

في السنوات الأخيرة، وفي الشهور الأخيرة خصوصا، تزايدت المساحة الصحفية والأعلامية في مصر التي تتناول الشأن القبطي، ورغم أن تناول الشأن القبطي بصفة عامة يعد أمرا إيجابيا إلا أن الموضوع ليس بهذه البساطة، فالشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون، وطريقة تناول الصحافة والأعلام المصري للشأن القبطي هي التي سوف تبرز في التحليل النهائي ما إذا كان هذا التناول يعد مسألة إيجابية أم لا. إذا أعتبرنا أن هناك محاورا رئيسية فيما يتعلق بالشأن القبطي تعالوا نرى باختصار شديد كيف تناول الأعلام المصري هذه المحاور:_


المحور الأول: أوضاع الأقباط ومشاكلهم
هناك ندرة في الأقلام التي تتناول أوضاع الأقباط ومشاكلهم بشكل موضوعي وحقيقي وشامل، ولا يعود ذلك بالطبع إلى قلة الكتاب الذين يعرفون حقيقة الأوضاع القبطية وتفاصيلها وإنما إلى مساحة المسموح به في هذا الأطار والرقابة الذاتية لدى الضمير الجمعى للأغلبية. بعد كل حادثة تقع ضد الأقباط تخرج بعض الأصوات من المسلمين المنبهة والمحذرة والمستنكرة لما يحدث، ولكن لا يوجد اطار شامل لتشريح هذه المشاكل ووضع حلول جادة لها علي ارضية المواطنة، فالامر فى النهاية يندرج تحت بند التعاطف والمواساة أكثر من كونه تيارا عاما جادا ينادى بحقوق المواطنة المتساوية.
وبالطبع هناك مساحة واسعة،وخاصة في صحف التيار الديني الإسلامي تليها الصحف المعبرة عن النظام، التي يتراوح خطابها بين نفي المشاكل والتهوين منها، بل وتتبجح بعض الأصوات وتقول أن الأقباط في وضع حقوقي أفضل من المسلمين.

فى نفس الوقت يضيق الإعلام المصري ويهرب من الأصوات التي تتحدث بشكل موضوعي حقيقي عن هذه الأوضاع.
وسوف اعطيكم مثالا،ففي نوفمبر 2005 أجرت معي صحيفة الأهرام عبر مراسلها في واشنطن حوارا حول المشاكل القبطية بمناسبة مؤتمر الأقباط الذي عقد في واشنطن ولكن لأن الحوار يحمل أرقاما وحقائقا موجعة عن الأوضاع القبطية تم حذف الحوار في القاهرة كما قال لي مندوب الأهرام وقتها.ايضا مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط في واشنطن أجرى معي حوارا بمناسبة أصدار الرئيس مبارك لقرار بتفويض المحافظين بتصريح إعادة بناء الكنائس وترميمها وبلغني المراسل أنه رفض نشر الحوار في القاهرة. وينطبق ذلك ايضا على العديد من الصحف الخاصة حتى أن صحفيا يعمل في المصري اليوم كان فى زيارة لواشنطن وأجرى معي حوارا في سبتمبر 2006 بمناسبة ذكري 11 سبتمبر ورفض الحوار في القاهرة، وقس على ذلك العديد من الصحف الحكومية والخاصة أيضا التي تجري حوارات معي ولا تنشرها رغم أن كبريات الصحف فى العالم تجرى معى حوارات آخرها ما نشر فى واشنطن بوست بتاريخ 22 يناير 2007.

وحتى لا يفهم أحد أن ذلك لكوني قبطي أعيش في المهجر، فقبل هجرتي رفضت الصحف لي عشرات المقالات المكتوبة بمنتهي الموضوعية والمهنية.. ففي النهاية الحقائق موجعة والأطار العام للإعلام المصري لا يتناول الموضوع بشكل جاد، إلا في استثناءات معدودة من الأقلام وما حدث معي يحدث مع الكثير غيري من الأقلام الجادة.

المحور الثاني: عقائد الأقباط
أما فيما يتعلق بعقائد الأقباط، أي تفاصيل عقائدهم المسيحية ومماراساتهم الدينية وطقوسهم العبادية، فهي أما غائبة بشكل قد يكون كاملا أويتم التعاطى معها بشكل هجومي معتبرين أن تناول تفاصيل عقائد الأقباط هو نوع من التبشير للمسلمين يجب تجنبه حماية لعقائد المسلمين ولكن لا مانع من تناول ذلك بشكل رمزي في مناسبات أعياد المسيحيين
أما الهجوم على عقائد المسيحيين في مصر فحدث ولا حرج فهو مثل المرض المنتشر بشكل وبائي في الصحافة والإعلام المصري، وأيضا يأتي أما نتيجة للتعصب المستشري في الجسد المصري أو رغبة في حماية عقائد المسلمين بالهجوم على العقائد الأخرى وتشريكها وتكفيرها والاستخفاف بها والافتراء عليها. وهناك موجات للهجوم بدأت متتالية في العقود الثلاثة الأخيرة بسماح من الدولة وعبر أجهزة إعلامها بداية من متولي الشعرواي ومحمد الغزالي وكشك وعمر عبد الرحمن وصلاح أبو إسماعيل وانتهاءا بالموجة الحالية والتي تضم يوسف القرضاوي ومحمد عمارة وزغلول النجار ومحمد سليم العوا وعمر عبد الكافي وأحمد الطيب وأبو إسلام أحمد وغيرهم الكثير.

المحور الثالث : الكنيسة القبطية
عادة ما يتم تناول الكنيسة القبطية بشكل سلبي هجومي عدائي. وهناك حملات مدارة أيضا للهجوم على الكنيسة القبطية، وهناك ثقافة عامة عدائية وللأسف الكثير من حملات الهجوم على الكنيسة تدار بتوجيهات من أجهزة الدولة المصرية.
وأذكر في بداية التسعينات من القرن الماضي قامت مجلة روز اليوسف بحملة هجومية ضد قداسة البابا شنودة والكنيسة القبطية وقد كنت مقيم في القاهرة وقتها ولم اكن قد هاجرت بعد، وذهبت إلى رئيس التحرير المسؤول وقدمت له مقالة هادئة تصحيحا للمغالطات والتشويه فقرأها وقال لي لا أستطيع نشرها، وعلمت بعد ذلك من مصدر موثوق أن الموضوع كله كان موجها من أجهزة الدولة وتم وقف الحملة بناء على اتصال الكنيسة بالرئاسة. فالحملات على الكنيسة تأتى بتوجيهات عليا إما لإبتزاز الكنيسة أو للضغط عليها إذا احتجت على أوضاع الأقباط...وهكذا ترتهن إرادة الكنيسة من دولة تبتزها وتتربص بها وتراقب دقائقها..
وفي زيارتي الأخيرة للقاهرة تقابلت مع عدد من الصحفيين الشباب من الأقباط واشتكوا لي بمرارة من أن الصحف التي يعملون بها تريد منهم فقط الكلام عن الكنيسة بشكل مثير غير موضوعى وفي بعض الأحيان عبر موضوعات مختلقة، وبعضهم ترك هذه الجرائد نتيجة لهذا الابتزاز، وقد نصحتهم وأعود أنصحهم بأنه أشرف للإنسان ألف مرة أن يجلس في بيته ولا يعمل من أن يتدني لمستوي أختلاق قصص مثيرة ومقززة عن كنيسته تماشيا مع مزاج بعض المتعصبين أو محبي الإثارة أو جرائد تسعي للردح بدلا من تقصي الحقائق. وما ينطبق على الكنيسة ينطبق على أى موضوع آخر، فكيف يحترم الإنسان نفسه وهو يختلق روايات ويفبرك اكاذيب وينسج حكايات من خياله.

المحور الرابع: أقباط المهجر
منذ أن أعطي السادات منذ أكثر من ربع قرن إشارة البدء فى الهجوم على أقباط المهجر لا توجد تهمة إلا والصقها الإعلام المصري بأقباط المهجر، ولا يمكن إحصاء عدد المقالات التي كتبت ضدهم بل أن قائمة الاتهامات أخذت تتسع وتتمدد بدءا من التخوين حتى العمالة، فشيطنة أقباط المهجر قاسم مشترك بين أغلب الصحف المصرية. كل ذلك لأنهم يقفون بقوة للدفاع عن المواطنة في مصر وحق المصريين جميعا في المساواة والكرامة والحرية والمشاركة.. ولا داعي للاستطرد فالكل يعرف ما هي صورة أقباط المهجر في الأعلام المصري.

المحور الخامس: النشاط الاقتصادي للأقباط
يتناول الإعلام المصري النشاط الاقتصادي للأقباط بكثير من المبالغات وصلت إلى حد أن محمد سليم العوا يدعي بتبجح أنهم يسيطرون على نصف الاقتصاد المصري، ووصل الأمر إلى إدعاءات بسعي الأقباط للسيطرة على الأقتصاد القومي وأن هناك قوى خفية ودولية تساعدهم على ذلك والكثير من هذه الأوهام والرؤي التآمرية
وهناك أسباب كثيرة لتهويل وتضخيم دور الأقباط اقتصاديا ياتي في مقدمة هذه الأسباب لنفى الأضطهاد والتمييز الذي يقع ضدهم وكذلك لاقناعهم وأقناع العالم بأنه تم تقسيم الكعكة حيث المناصب السياسية للمسلمين والاقتصاد للأقباط، رغم أن الواقع يقول أن مشكلة الفقر أصبحت من المشاكل الرئيسية التى يعاني منها قطاع كبير من أقباط مصر.. وتحجيم الأقباط سياسيا واقتصاديا مستمر منذ عام 1952، والكثير من الأقباط لجأو إلى العمل الخاص بعد أن أغلقت أمامهم الكثير من أوجه المشاركة والتوظيف.

المحور السادس: الأسرة القبطية
هل يتناول الإعلام المصري المشاكل التي تقع على الأسرة القبطية والضغوط والاغراءات التي وقعت على الكثير من البنات القبطيات بموضوعية؟ الاجابة طبعا بالنفي.. والتفاصيل تحتاج إلى مقال آخر.
المحور السابع: الثقافة القبطية
ماذا يعرف المسلم المصرى عن الثقافة القبطية؟ أو الحقبة القبطية التي أستمرت أكثر من ستة قرون؟ أو الاسهام الحضاري للاقباط في التاريخ المصري؟ أو عن الفنون والاثار والعمارة القبطية؟ أو عن الموسيقي والألحان القبطية؟ أو عن عادات الأقباط الخاصة؟ أو عن حتى اللغة القبطية والتى هى من المفروض لغة مصر القديمة... الخ، الاجابة اليسير وللأسف فإن هذا الجزء الصغير من المعرفة بالثقافة القبطية عند المسلم تختلط فيه الحقائق بالأساطير.. أين الصحافة والإعلام المصري من الثقافة القبطية؟ أين التعليم المصري الجامعي وقبل الجامعي وبعد الجامعي؟ أين المؤسسات الثقافية المصرية من الدور الثقافي للأقباط؟ أين وأين وأين...

المحور الثامن: الشخصية القبطية
هل ينصف الإعلام أو الدرما الشخصية القبطية ويقدمها بشكل طبيعي وكما هي في الواقع؟ الاجابة قطعا بالنفي والموضوع يطول شرحه.
هذه فقط إشارات موجزة عن بعض المحاور في الشأن القبطي وكيف يتناولها الإعلام المصري، والمسألة تحتاج إلى أبحاث مدققة ومستفيضة حول تناول الإعلام لكل محور بالاضافة إلى العديد من المحاور الأخرى.
زد على ذلك أن الصحف المصرية تفتح أبوابها للكتاب الأقباط إذا تناولوا الشأن القبطي بهذا التشوه الذي خلقه الإعلام وتقف بالمرصاد لكل كاتب قبطي يتصدي لهذا العبث والتجنى الذي يقع على كل ما هو قبطي.

وللأسف بلع بعض الأقباط الطعم وراحوا يشاركون في تشويه كل ما هو قبطي في الإعلام المصري أما لهثا وراء الشهرة أو سعيا لمصالح صغيرة وفتات يلقي لهم أو تجاوبا مع الأجهزة الأمنية التي تستخدمهم ضد شعبهم. وفي النهاية يحتقر النظام و المسلمون كل قبطي يقبل هذه المهمة. وتستحضرني قصة لقاء مسؤول مصرى رفيع مع مجموعة من الشخصيات القبطية في باريس يوم الجمعة 27 ابريل 2001 لمناقشة أوضاع الأقباط، ووسط النقاش قال أحد الحاضرين للمسؤول وقفوا كلاب السلطة من الأقباط الذين تستخدموهم ضدنا، وأشار إلى عدد من الأسماء القبطية التي تنتشر فى وسائل الأعلام المصرية وتنافق السلطة والمجتمع لتشويه أوضاع الأقباط وأنكار حقوقهم وتمجيد الإسلام نفاقا وتمتدح النظام بابتذال.
التقط المسؤول لفظ "كلاب السلطة" وأجاب على الفور "دول مش كلاب السلطة دول كلاب فقط".

وهكذا ينظر النظام والمسلمون في مصر إلى هؤلاء الأقباط الذين يبيعون ضمائرهم للأضرار بمصالح شعبهمhellip;. ولكن لابد من استخدامهم من آجل التضليل والكذب والنفاق والتزلف والوقوف في وجه شعبهم وكنيستهم وحقوقهم المهضومة وفي النهاية يحصلون على الفتات الساقط من الموائد وينظر إليهم علي أنهم كلاب فقط!!!

magdi.khalil@yahoo.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف