هل تحل الاعدامات أزمة القوميات في ايران ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تمتاز ايران بتركيبة سكانية متنوعة الأعراق والأديان والمذاهب تضاف إلى خصوصيتها القومية والحضارية التي ساعدتها في السابق لتكون ولمدة طويلة من الزمن إمبراطورية عظمى هيمنت على شعوب وأمم عديدة. ولكن على الرغم من زوال إمبراطوريتها، والتي اشتهرت بحكمها القاسي على سكان الأراضي التي كانت قد وقعت تحت هيمنتها، إلا أن ايران بقيت تحتفظ بالكثير من خصوصيتها المميزة التي هيئت لها لتكون جزء مهما من الأمة الإسلامية وان تلعب دورا ملحوظا بإغناء تراث وحضارة هذه الأمة وذلك على الرغم من مساعي الشعوبيين والمتطرفين الذين حاولوا وبكل قوة فصل ايران عن جسد الأمة الإسلامية والعودة بها إلى حضارتها المجوسية التي كانت عليها قبل دخولها الإسلام تحت راية الفاتحين.
إلا أن تمسك المؤمنين من أبناء الأمة الفارسية بالإسلام وحضارته الإنسانية التي ساهموا في اغنائها أفشلت مساعي هؤلاء الشعوبيين وأبقت ايران عضوا من أعضاء الأمة الإسلامية. ولكن هذا لا ينفي أيضاء أن هؤلاء الشعوبيون قد تمكنوا من الحفاظ على قوتهم في جسم الدولة الإيرانية ومازالوا يعملون على توسيع الثغرات السلبية التي تنحوا بإيران إلى المواجهة مع البلدان الإسلامية والعربية منها تحديدا بدلا من التكامل معها. والسبب في ذلك حسب ما عبر عنه الكثير من منظري الحركة الشعوبية هو الحنين إلى أمجادهم الغابرة واعتزازهم بثقافتهم وحضارتهم القديمة التي كان الإسلام والعرب سببا في زوالها. و على الرغم من مضي اكثر من أربعة عشر قرنا من اندثار الإمبراطورية الفارسية إلا أن هؤلاء الشعوبيون مازالوا يعيشون مرارة تلك الهزيمة ومازالت الجاهلية تنخر في أفكارهم و مع الأسف إن بعضهم يتقلد مناصب مرموقة في الدوائر الرسمية والشعبية ذات التأثير المباشر في صنع القرار الإيراني و يعمل على تعطيل القرارات الإيجابية التي تحد من التطرف والغلو.
و بإلقاء نظرة على الخارطة السكانية لإيران يمكن مشاهدة الآثار السلبية التي خلفتها وما تزال تخلفها سياسات هؤلاء المتطرفون على مكونات المجتمع الإيراني. فإيران كما هو معروف بلد يتشكل من أقوام وشعوب مختلفة الأعراق والديانات والمذاهب، و الشعب الفارسي ليس إلا واحد من هذه المكونات المتعددة لدولة الإيرانية الحديثة التي كانت تعرف بـ " مملكة فارس " قبل أن يغير اسمها الشاه رضا بهلوي في ثلاثينيات القرن الماضي بعد انقلابه على الحكم القاجاري إلى " الدولة الشاهنشاهية الإيرانية " و ذلك بعد إخضاعه المناطق والأقاليم، التي كانت تعيش في زمن الأنظمة التي سبقته ( وهي القاجارية، الافشارية، الصفوية ) بين الحكم الذاتي و اللامركزية الموسعة، إلى سلطة طهران المباشرة التي اتسمت في عهده بالدكتاتورية المطلقة والتي أرخى فيها العنان للمتطرفين الفرس لممارسة سياسة التمييز العنصري و الطائفي ضد أبناء الشعوب والقوميات غير الفارسية وهو ما دفع بأبناء تلك الأقليات إلى مواجهة سياسات رضاخان بهلوي عبر الانتفاضات والثورات الشعبية و حركات التمرد المسلحة. إلا أن تلك الاحتجاجات سرعان ما كانت تخمد نتيجة القمع الشديد الذي كانت تواجهه من قبل الحكومة المركزية التي كانت تحظى بدعم القوى العظمى.
و من ابرز القوميات والشعوب التي كانت وما تزال مستمرة في المطالبة بحقوقها القومية، الشعب الآذري الناطق باللغة التركية والتي يشكل أبنائه ما نسبته الثلاثين بالمئة من مجموع سكان ايران البالغ عددهم سبعين مليون نسمة. و يقول الآذاريون أنهم يتجاوزون عدد الفرس إذا ما أضيف إليهم التركمان و القشقائيون و الازبك، وهم جميعا من القوميات الإيرانية الناطقة باللغة التركية.
و الآذاريون، الذين غالبيتهم من الشيعة الأثنى عشرية، من أهم القوميات التي انتفضت ولمرات عديدة بوجه النظام البهلوي وقد افلحوا في عام 1945م من إقامة جمهوريتهم الديمقراطية بزعامة " سيد جعفر بيشه وري" الذي كان يحظى بدعم الاتحاد السوفيتي. ولكن انسحاب السوفيت من شمال ايران، والذي جرى بموجب الاتفاق الذي كان قد وقع في مؤتمر طهران عام 1943 والذي اتفق الحلفاء فيه الحفاظ على وحدة ايران والانسحاب منها فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، أدى هذا الانسحاب إلى انهيار جمهورية آذربيجان التي لم تدم سوى عام واحد فقط و قد وفر زعيمها بيشه وري هاربا إلى باكو في الشق الشمالي من آذربيجان التي تحولت إلى جمهورية شيوعية في إطار الاتحاد السوفيتي عقب انسلاخها من آذربيجان الجنوبية.
وكان الآذاريون و بسبب مشاركتهم الفعالة في الثورة الدستورية التي شهدتها ايران في مطلع القرن الماضي، قد تمكنوا من إدخال مادة مهمة في أول دستور إيراني وهي المادة الخاصة بمجالس الأقاليم والولايات والتي تنص على منح القوميات الإيرانية غير الفارسية نوعاً من الحكم الذاتي المحدود. غير أن هذه المادة وكسائر مواد الدستور عطلت في عهد الشاه رضا بهلوي ولكن في عهد ابنه الشاه محمد رضا حاول رئيس وزرائه الجنرال (رزم آرا) في عام 1948 تطبيق هذه المادة لصالح الشعوب الإيرانية غير الفارسية إلا أنه واجه معارضة شديدة من قبل رئيس الكتلة الوطنية في البرلمان الإيراني آنذاك الدكتور محمد مصدق ورفيقه الدكتور حسين فاطمي الذي أصبح في ما بعد وزيرا للخارجية في حكومة مصدق عام 1951و الذي كان الوزير الوحيد الذي اعدم بعد الإطاحة بمصدق وعودة الشاة إلى السلطة.
هذا بشأن الآذاريين أما الأكراد الذين يبلغ عددهم قرابة العشرة ملايين، حسب ما تقوله أدبيات حركاتهم السياسية، فهم موزعون على عدد من المحافظات والمدن الإيرانية الغربية و أهمها محافظة كردستان وعاصمتها سنندج وأغلبهم من اتباع المذهب السني، ولم يكونوا بأقل من نظرائهم الآذاريين تحركا في مواجهة الحكومات المركزية، وليس ذلك في عهد رضاخان بهلوي وابنه محمد رضا وحسب بل أنهم شكلوا حركة دائمة ما تزال مستمرة في مواجهة حكومة طهران. وقد أثمر كفاح الأكراد في مواجهة النظام البهلوية عن إقامة جمهورية مهاباد الكردية التي استمرت من شهر كانون الأول 1945 و لغاية كانون الأول 1946 بقيادة " قاضي محمد" الذي اعدم فيما بعد على يد الحكومة الشاهنشاهية. إلا أن هذه الجمهورية الكردية كما الجمهورية الاذارية لم تعمر أكثر من عام واحد فقط و انهارت بعد انسحاب الروس من شمال وغرب إيران في 9/ آيار 1946م لتعود بعدها السلطة في المناطق الكردية إلى الحكومة المركزية في طهران و التي ذكر زعيم حزب الديمقراطي الكردي الإيراني المغدور عبد الرحمن قاسملو في مذكراته أن الأمريكان والبريطانيون أمدوا حكومة الشاه بالخبراء والسلاح للقضاء على جمهوريات أذربيجان ومهاباد وذلك عبر السفير الأمريكي ج.آلن الذي اشرف بنفسه على سير القتال في كردستان بصحبة الجنرال رزم آرا رئيس الأركان العامة للقوات الشاهنشاهية الإيرانية. ولكن مع ذلك ورغم القمع الذي تعرضوا له لم يتخل الأكراد عن محاولاتهم في الحصول على الحكم الذاتي.
أما البلوش و الذين يشكلون نسبة الثلاثة بالمئة من عدد سكان ايران فانهم يشكون باستمرار من اضطهاد قومي ومذهبي مزدوج كونهم من اتباع المذهب السني. وقد كانت لهم محاولات عديدة في عهد النظام البهلوي للحصول على حقوقهم القومية والمذهبية المشروعة إلا أن محاولاتهم تلك لم يكتب لها النجاح وذلك بسبب تعارضها مع المصالح الغربية في المنطقة من جهة وشدة القمع الذي مورس ضدهم من قبل السلطة المركزية من جهة أخرى. وبالإضافة إلى الآذاريون والأكراد و البلوش هناك التركمان الذين يربوا عددهم على المليون ونصف نسمة ويقطنون في الشمال الشرقي من ايران واغلبهم من السنة وهناك الازبك والطاجيك الذين يقنطون في إقليم خراسان وهم أيضاء من أهل السنة وجميعهم عانوا من سياسة التمييز القومي والمذهبي في عهد النظام البهلوي ومازالوا يشكون من هذه سياسة ضدهم.
أما عرب الأحواز والذين دأبت الحكومات الإيرانية المتعاقبة على وصفهم بـ " عرب اللسان " فهم يشكون على الدوام من سياسات الدولة الإيرانية ضدهم. وقد شهدت الأحواز في عهد النظام البهلوي ثورات وانتفاضات عديدة إلا أنها لم يكتب لها النجاح في تحيق آمالهم وقد استمرت مناهضتهم للنظام البهلوي إلى أن تم إسقاطه بثورة شعبية شاركت فيها جميع مكونات المجتمع الإيراني.
بعد انتصار الثورة الإسلامية شاعت أجواء من التفاؤل بين الشعوب والقوميات الإيرانية وذلك اعتقادا منها أن السياسات العنصرية والطائفية التي كانت تمارس ضدها قد ولت وسوف لن يكون لها أثرا في عهد النظام الجديد الذي اتخذ من " الإسلام " عنوان له. إلا انه وعلى الرغم مما وعد به قادة النظام الجديد وما جاء به دستور الجمهورية الإسلامية من مواد تنص على جزء من حقوقهم الثقافية المشروعة إلا أن ذلك لم يلغي تذمر أبناء الشعوب والقوميات الإيرانية من ما يسمونه بالسياسات التمييزية ضدهم. مستدلين على ذلك بجملة من الوقائع والوثائق التي يعرضونها كدلائل ملموسة على صحة ما يتهمون به نظام الجمهورية الذي لم يطبق المواد الدستورية التي تنص على نبذ التمييز الطائفي والعرقي والاعتراف بالحقوق الثقافية والقومية للأثنيات الإيرانية ومنها على وجه التحديد المواد الدستورية رقم 15 و 19 و 48 التي تنص على أن يتمتع أفراد الشعب الإيراني من أي قومية أو عشيرة كانوا، بالمساواة في الحقوق، ولا يعتبر اللون والعنصر أو اللغة و ما شابه ذلك سببا للامتياز. كما لا يجوز التمييز بين مختلف المحافظات والمناطق في مجال استغلال المصادر الطبيعية للثروة والموارد الوطنية العامة وتنظيم وتقسيم النشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ومناطق البلاد، بحيث يوظف في كل منطقة رأس المال والإمكانات الضرورية في حدود حاجاتها واستعدادها للنمو. وقد قد نصت المادة15 من الدستور على حق القوميات الإيرانية بان تكون لها صحفها ووسائل إعلامها وتدريس آدابها ولغاتها إلى جانب اللغة الرسمية، أي الفارسية في جميع المراحل الدراسية. إلا أن تلك المواد الدستورية وعلى الرغم من مضي ربع قرن من عمر الجمهورية الإسلامية فإنها ما تزال مجرد حبرا على ورق. علما أن الوعود بتحقيق تلك المواد الدستورية كانت من أهم الشعارات الانتخابية لحملة الرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي الذي ورغم ما حظي به من شعبية طوال مدة رئاسته التي استمرت ثمانية سنوات إلا انه لم يتمكن من تطبيق تلك المواد المعطلة وذلك بسبب النفوذ القوي للحركة الشعوبية المتطرفة و المتقلقة في أحشاء النظام والسلطة الإيرانية حسب ما يعتقده نشطاء الحركات السياسية لأبناء الشعوب والقوميات الإيرانية التي تحمل النظام الإيراني مسؤولية ما يحدث أحيانا من احتجاجات و أعمال عنف دامية في أقاليم ومناطق القوميات والتي شهدت ايران خلال العامين الماضيين وقوع العديد منها و كان أبرزها قد وقع في أقاليم، أذربيجان و بلوشستان و الأحواز و كردستان.
وفي إقليم بلوشستان الذي يبلغ عدد سكانه اكثر من ثلاثة ملايين نسمة وغالبيتهم من أهل السنة فبحكم وقوع الإقليم في منطقة المثلث الإيراني الباكستاني الأفغاني الذي تحيطه الجبال من الشرق والشمال فقد اصبح هذا الإقليم ممرا ومرتعا خصبا لمافيا المخدرات الدولية.ويعتقد نشطاء البلوش أن تعمد الحكومات الإيرانية المتعاقبة بإبقاء هذا الإقليم على ما هو عليه من الأوضاع الحياتية البائسة لم يكن ناجم من النظرة العنصرية والطائفية التي يكنها المتطرفون في السطلة للشعب البلوشي السني فقط و إنما هناك قوى المافيا التي عملت بشدة على منع الحكومات من تحسين أوضاع أقليمهم لإجبار البلوش على التعامل مع منظمات المافيا الناشطة في قضايا تهريب المخدرات والسلاح والرقيق الأبيض الذي اصبح مؤخرا واحد من أهم السلع المتاجر بها حسب قولهم. وهذا ما دفع بالبلوش لإنشاء تنظيمات وحركات سياسية تطالب بالحقوق القومية والمذهبية التي حرموا منها طوال المائة عام الماضية.
ومن ابرز هذه الحركات التي نشأت في بلوشستان في السنوات الأخيرة يمكن ذكر" منظمة جند الله " ذات التوجه الإسلامي السلفي والتي شنت العام الماضي سلسلة من الهجمات المسلحة ضد مراكز حكومية وعسكرية إيرانية أسفرت عن مقتل العديد من عناصر ومسئولي الدولة في الإقليم. وكان من ابرز تلك الهجمات،عملية الكمين الذي نصبته لقافلة حكومية في منتصف شهر مارس العام الماضي على طريق " تاسوكي" الواصل بين مدينة زاهدان مركز الإقليم ومدينة زابل ثاني اكبر المدن البلوشية وقد أسفر الهجوم عن مقتل حاكم مدينة زاهدان واثنين وعشرون شخصا آخر واحتجاز سبعة آخرون. وكانت منظمة جندالله قبل ذلك قد هاجمت مخفرا حدوديا و أسرت ثمانية من عناصره أطلقت سراح سبعة منهم لاحقا فيما أعدمت قائد المخفر.
وفي الثالث عشر من آيار من ذات العام نصبت مجموعة غير معروفة من قبل تدعى " فدائيو الإسلام" كمينا في منطقة " دارزين" الواقعة بين مدينتي كرمان وبم وسط ايران وقد أسفر الكمين عن مقتل اثني عشر شخصا و إحراق أربعة سيارات وقد تمكن المهاجمون من الفرار باتجاه القرى البلوشية الواقعة في سفوح جبلية محاذية لحدود مع باكستان.
وفي مساء يوم الخميس الرابع عشر على الخامس عشر من الشهر ديسمبر / كانون الأول / المنصرم وعشية انتخابات مجلس الخبركان والمجالس البلدية التي شهدتها ايران مؤخرا انفجرت سيارة ملغومة أمام مقر حاكم إقليم بلوشستان و قد أعلنت " منظمة جند الله " التي غيرت اسمها حاليا إلى " حركة المقاومة الشعبية في إيران " مسئوليتها عن الانفجار واصفة إياه بأنه محاولة غير ناجحة لاغتيال حاكم الإقليم. وقد توعدت الحركة في بيان لها نشر على موقعها الإلكتروني على شبكة الانترنيت بشن هجمات مسلحة جديدة تحت عنوان ( الاقتدار 2) قائلة إنها سوف تطال أهدافا مهمة في العاصمة طهران.
وكانت السلطات الإيرانية في الأشهر الأخيرة وردا على تلك الهجمات قامت بإعدام أعدادا من أعضاء منظمة جند الله.
أما على صعيد مناطق الأقليات القومية الأخرى فلم تكن الأحوال فيها افضل حال من مناطق البلوش و الآذاريين حيث كانت المناطق الكردية في العام المنصرم قد شهدت الكثير من الحوادث الدامية التي نجم بعضها عن مظاهرات احتجاجية والبعض الآخر عن صدامات مسلحة بين قوات المعارضة الكردية و قوات الجيش والحرس الثوري الإيراني وقع ضحيتها العديد من الأفراد من كل الجانبين.
وعلى الرغم من أن الحركات الكردية الرئيسية وهي حزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومنظمة كومله قد أوقفت و منذ ما يقارب العشرة سنوات جميع أنشطتها المسلحة إلا أن ذلك لم يحد من ظهور حركات كردية مسلحة جديدة في المنطقة،ومن أبرزها منظمة " PJAK " القريبة من حزب العمال الكردستاني التركي، لتقوم بشن هجمات مسلحة ضد القوات الإيرانية بهدف الحصول على الحكم الذاتي للأكراد.
وفي الجنوب من ايران فقد شهد إقليم الأحواز العربي العام الماضي حوادث كانت الأعنف منذ عدة سنوات تخلها سلسلة من الانفجارات استهدفت مراكز تجارية و أنابيب للنفط و عدد من مكاتب حكام المدن العربية الرئيسية في الإقليم.
وعلى اثر هذه الهجمات قامت السلطات الإيرانية في مارس آذار الماضي بإعدام اثنين من النشطاء الأحوازيين بعد أدانتهم بتنفيذ جزء من تلك الهجمات التي أوقعت اكثر من 22 قتيلا واكثر من مائة جريح. كما صدرت أحكام بالإعدام في أكتوبر الماضي على خمسة عشر ناشطا احوازي آخر ينتمون إلى مجموعة تطلق على نفسها " كتائب الشهيد محيي الدين الناصر " أعدم ثلاثة منهم في يوم الثلاثاء 19 كانون الأول 2006م واعدم أربعة آخرون يوم الأربعاء 24 الشهر الجاري.
ويعاني عرب الأحواز باستمرار من سياسة التمييز العنصري والطائفي الذي يتعرضون له، و يستشهدون بالعديد من الوثائق والمستندات التي بحوزتهم لتأكيد على صحة ما تقوم به السلطات الحكومية ضدهم.
وعلى الرغم من أن أغلبيتهم من الشيعة إلا أن ظاهرة العودة إلى المذهب السني في الوسط الأحوازي آخذة بالارتفاع. وحسب ما يؤكده أحد الناشطين في العمل الدعوي فأن نشر فقه المذهب السني يعد جريمة يعاقب عليها الداعية من قبل السلطات الإيرانية ولذلك فان نشر فقه المذهب السني في الأحواز.
و يقول الأحوازيون السنة انهم محرومين من بناء المساجد و إنشاء الجمعيات الاجتماعية فهناك مسجدين لاهل السنة في الأحواز فقط والاثنان يقعان في مدينة عبادان والاثنان مغلقان. ويقولون أن اعتقال زعيم سنة الأحواز الشيخ عبد الحميد الدوسري في العام الماضي والحكم عليه من قبل محكمة الثورة بالسجن ثمانية عشر عاما إنما جاء عقب رفضه التوقف عن إلقاء خطب الجمعة و إغلاق المسجد الوحيد لاهل السنة في الأحواز قبل إغلاقه مؤخرا.
و يشكو السنة الإيرانيون عامة من سياسة التمييز ضدهم و هم يتساءلون عن السبب الذي يجعل السلطات الإيرانية تلجئ إلى هذه السياسة. بالرغم من أن أهل السنة الذين يقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون نسمة قد اثبتوا ولائهم على مر التاريخ إلى وطنهم وكانت لهم مساهمة كبيرة في انتصار الثورة الإسلامية وقيام النظام الجمهوري الحالي ولكن مع ذلك نجد أن السنة يعاملون معاملة الرعية لا معاملة المواطنين فدستور الجمهورية الإسلامية يحرم السني من تبوء المناصب العليا في الدولة كمنصب رئاسة الجمهورية و رئاسة مجلس الشورى ( البرلمان ). وتخلو الحكومة الإيرانية الحالية من أي وزير سني كما لا يوجد محافظا أو سفير سني واحد في الحكومة الإيرانية. أما أعضاء مجلس الرقابة الدستورية الذي يبلغ عدد أعضائه أثنى عشر عضوا، ستة منهم رجال دين يعينهم مرشد الثورة والستة الآخرون حقوقيين يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويقدمهم للبرلمان الذي يصادق على تعينهم، فهؤلاء الأعضاء جميعهم من الشيعة وليس فيهم سني واحد. وهناك الكثير من الأمثلة الآخرة الدالة على السياسة التمييزية ضد أهل السنة.
وعلى الرغم من نفي المسؤولين الإيرانيين الدائم للاتهامات الموجهة لهم بانتهاكهم لحقوق السنة إلا أن ذلك النفي لم يمنع ابرز علماء أهل السنة وهو الشيخ مولوي عبد الحميد إمام جمعة مدينة زاهدان من نقد سياسة التمييز الطائفي التي تمارس ضد أهل السنة. فقد صرح الشيخ مولوي في نوفبمر الماضي قائلا: إذا لم يتم مواجهة المتطرفين ووقف تصرفاتهم العنصرية والطائفية فان مخاطر كثيرة سوف تواجه الجمهورية الإسلامية، و أننا نأمل من قادة النظام أن يقفوا بوجه المتطرفين الشيعة بان لا يفرضوا مزيدا من القيود الطائفية على أهل السنة.
و أضاف مولوي عبد الحميد، أن أهل السنة بذلوا قصارى جهدهم لأي لا ينقلوا شكواهم من السياسات التمييزية التي يتعرضون لها إلى الخارج، حيث إن غيرتنا الإسلامية و إيرانيتنا منعتنا من نقل شكوانا من بعض المسؤولين في النظام إلى المجامع الدولية.
يذكر إن أهل السنة المقيمين في طهران والذي يبلغ عددهم قرابة المليون شخص، قرروا مؤخرا إقامة صلاة الجمعة في الحدائق العامة بعد أن تم إغلاق المدرسة الباكستانية التي كانوا يقيمون صلاة الجمعة فيها وذلك لعدم وجود مسجد لاهل السنة في طهران إلا ان السلطات الأمنية منعتهم من ذلك.
لقد تعاملت الدولة الإيرانية عبر أنظمتها وحكوماتها المتعاقبة على استخدام القمع وسيلة لإسكات أصوات الشعوب والقوميات المطالبة بحقوقها. ولكن متى ستستمر هذه السياسة، وهل سيتمكن النظام الايراني من حل أزمة القوميات عبر سياسة القمع و الاعدامات ؟.
الكاتب : رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي