استعمار من نوع جديد: إنتقام الفقراء من الأغنياء!!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ذهب رجل فقير معدم لم يكن قد تذوق اللحم لسنوات إلى محل جزارة ووجد الأبقار والعجول معلقة فى مدخل المحل فسال لعابه، ودخل بجرأة إلى المحل وكله أمل وأعطى الجزار كل ما فى جيبه وهو مبلغ ربع جنيه، ودار بينهما الحوار التالى:
- ممكن تدينى لحمة بريع جنيه.
- إنته بتهزر... ما عنداش لحمة بربع جنية، ده الكيلو عدى عشرين جنيه.
- طيب إدينى حتة دهن.
- ياحبيبى قلت لك ما عندناش أى حاجة بربع جنيه.
- طيب حتة عظمة.
- الله يطولك ياروح، يابنى روح شوف حالك ما تعطلناش.
- طيب الله يخليك خد الربع جنيه وخللينى أحضن العجل!!
نقول أن "الفقر مش عيب"، "الفلوس مش كل حاجة" وهى أقوال يكررها الجميع كل يوم فى العالم كله، يكررها الفقراء لكى يّصبروا أنفسهم على بلاويهم، ويكررها الأغنياء حتى لا يطمع الفقراء فى أموالهم، حتى أبناء الطبقة الوسطى يكررونها على أمل أن يصبحوا من الأغنياء ويوجهوا هذه الشعارات للفقراء.
وأكبر دليل على أن "الفقر عيب" وأنه لا أحد يريد أن يسكن بجوار الفقير هوالمثل الآخر الذى يقول "مين جاور السعيد يسعد" (وعلى فكرة الأمثال تناقض نفسها، وتجد المثل ونقيضه، ولكن هذا موضوع آخر).
وأذكر مرة أن زرت صديق عزيز علىّ وهو أمريكى من متعصبى الجنوب الأمريكى، وبعد أن من الله عليه بثروة لا بأس بها إشترى لنفسه منزلا يتقاعد فيه فى جزيرة فى ولاية "سوث كارولينا" معظم سكانها من أغنياء القوم ولامكان بها للفقراء وخاصة فقراء السود، وكان (رحمه الله ) رجلا طيبا بإستثناء تعصبه الفكرى ضد السود، ولكنه لم يؤذ أحدا وإحتفظ بأفكاره لنفسه ولخاصته وكان يعاملنى كإبنه عندما كان رئيسى فى العمل، وفى مرة كنت أزوره فى منزله فى الجزيرة، قال لى بفخر أن (مايكل جوردون) الأسود أصبح من جيرانه حيث إشترى منزلا فى الجزيرة، وهو يعتبرمن أحسن لاعبى كرة السلة فى تاريخ أمريكا والعالم، وكان نجم فريق شيكاجو فى فترة التسعينات وبلغت ثروته مئات الملايين من الدولارات، وتعجبت من صديقى الذى نسى فجأة عنصريته وأصبح يفخر بأن (مايكل جوردون) الأسود واحد من أغنى الرياضيين فى العالم أصبح جاره، وسألته إن كان لديهم فى أمريكا المثل المصرى "مين جاور السعيد يسعد" فأبدى عدم معرفته بهذا المثل.
ولماذا نذهب بعيدا، أنا نفسى ولدت ونشأت فى حى شعبى فقير من أحياء القاهرة القديمة، وكنت أذكر بخجل مكان سكنى عند الضرورة، وعندما فتح ربنا علىّ بقرشين إشتريت شقة فى حى المعادى الراقى بالقاهرة، ومنذ ذلك الوقت كنت "أتلكك" لكى يسألنى الناس عن محل سكنى بالقاهرة حتى أقول لهم بصوت واضح وبفخر :"أنا ساكن فى المعادى"!!
...
إن كان لك قريب فقير معدم حتى لو كان إبن عمك أو إبن خالتك، وجاءت سيرته أمام الناس، ففى الغالب تقول :"آه ده قريبنا... بس من بعيد قوى"، أما إذا كان لك قريب أو حتى معرفة من بعيد لأحد من الأثرياء فدائما تدعى أنه من أقرب أقربائك حتى لو كان :إبن خالة جوز عمة البقال إللى تحت بيتكم!
الفقر دائما مرتبط بالفشل والهزيمة، والغنى مرتبط دائما بالنجاح والنصر، والهزيمة دائما يتيمة بدون أب ولا أم، أما النجاح فله ألف أب وألف أم.
....
والسياسيون لعبتهم المفضلة هو اللعب ما بين الفقراء والأغنياء، يعطون الوعود البراقة للفقراء بأنهم فى حالة وصولهم للسلطة سيصبحون بقدرة قادر من الأغنياء لذلك يجب عليهم أن ينتخبوهم، ويعدون الأغنياء بأنهم سوف يصبحون أكثر ثراءً إذا قاموا بتمويل حملاتهم الإنتخابية، وفى الغالب ما يقوم السياسيون بتنفيذ وعودهم للأغنياء فقط لعدة أسباب أولا :أنه من الأسهل تنفيذ الوعود لحفنة من الأغنياء بإعطائهم المزيد من الصفقات، ولكن من الصعوبة بمكان تنفيذ الوعود لملايين الفقراء، ثانيا: للفقراء ذاكرة قصيرة المدى ويمكن الضحك عليهم بكلمتين بخلاف الأغنياء، وثالثا: السياسيون إما أنهم أغنياء أصلا ويتطلعون للسلطة والقوة وإما أنهم من الطبقة الوسطى ويطمعون فى الإنضمام إلى نادى الأغنياء.
وفى القرن العشرين إتبع الفقراء خطة خبيثة لقهر الأغنياء وللإنتصار عليهم والإنتقام منهم تعويضا للظلم والقهر الذى عاناه الفقراء من الأغنياء لآلالف السنين، وقد إتبعوا فى هذا إسلوبا بسيطا وهو غزو الأغنياء "غزوا سكانيا" فى عقر دارهم، فبعد إهمال قرى الفقراء لقرنين من الزمان لم يجد الفقراء ما يفعلوه سوى كثرة الإنجاب ولما ضاقت عليهم فرص العمل والأرض، بدأ فقراء إندونيسيا فى فى غزو جاكرتا وفقراء الفلبيين فى غزو مانيلا وفقراء اليابان فى غزو طوكيو وفقراء الصين فى غزو بيكين وشانغهاى وهونج كونج وتايبه، وفقراء الهند فى غزو دلهى ومومباى وكالكوتا، وفقراء إيران فى غزو طهران، وفقراء مصر فى غزو القاهرة والإسكندرية، وفقراء البرازيل فى غزو سان باولو وريو دى جانيرو، وفقراء المكسيك فى غزو مكسيكو سيتى، وفقراء كوبا فى غزو ميامى.
...
وعندما غزا فقراء القرى أغنياء المدينة، كان هذا أكبر إنتقام من الأغنياء وعقابا لهم على إهمالهم للقرية، وجاءت جحافل القرويين والريفيين إلى المدن الكبرى بكل عاداتهم، فأخذوا يربون الدجاج فوق الأسطح مثلما كانوا يفعلون فى قراهم ويلقون بالقمامة فى شوراع المدينة، لأنهم لم يكن لديهم قمامة فى قراهم، وأحدثوا فوضى فى المرور وأحدثوا تكدسا فى المدارس والمستشفيات والجامعات، وعندما أكون فى القاهرة كثيرا ما أشاهد سيارتين (فى الغالب نصف نقل) تقفان فى إتجاهين مضادين فى شارع ضيق ويغلقون المرور تماما لأن أحد السائقين يرغب فى إستعارة علبة كبريت من السائق الآخر، وبعد السلام والتحية وتوليع السيجارة بالكبريت يتبادل السائقين أرقام تليفواتهم الموبايل لإتمام التعارف، ولا يهمهما ما يحدث للسيارات الأخرى والتى لا ينفك أصحابها فى الضغط على كلاكس السيارات والضغط على أعصاب كل من الشارع نياما وقياما، وعندما أشاهد ذلك أقول لصديقى وأنا أبتسم :" عندما كنت أزور القرية كنت أشاهد إثنين من الفلاحين يتقابلان على الزراعية ويقومان بإيقاف الحمارين الذين يمتطيانهما بقولهما (ييس) فى مكانهما ولا يقوم أى منهما بركن الحمارعلى جنب لتوسيع الطريق للمارة، لأنهما على الزراعية وأهل البلد معارف وربما ينضم الرائح والغادى للحديث، لذلك لم أكن أتعجب عندما أشاهد نفس المنظر يتكرر فى القاهرة ولكن بدلا من الحمار فى القرية هناك السيارة النصف نقل فى المدينة!!
وحدث ما أطلقنا عليه :"ترييف المدينة" بعد أن فشلت المدينة فى :"تمدين الريف".
......
وأحدث نوع من الإستعمار هو غزو أبناء الدول الفقيرة للدول الغنية والتى كانت مستعمرات سابقة للدول الغنية، فتجد فقراء الهند وباكستان وكينيا يقومون بغزو لندن وليفربول، وفقراء جمهوريات الإتحاد السوفيتى سابقا يغزون موسكو، وفقراء الجزائر والمغرب وتونس وجنوب البحر المتوسط الفقير يقومون بغزو شماله الغنى نسبيا، فتمشى فى شوارع باريس فقلما تجد فرنسى أصلى، وأكبر نكتة كانت فى مسابقة كأس العالم لكرة القدم والتى إقيمت فى ألمانيا فى الصيف الماضى أن فريق أنجولا الإفريقى (وهى مستعمرة برتغالية سابقة) كان به ثلاثة لاعبين ذو بشرة بيضاء من أصل أوروبى، بينما فريق فرنسا والذى وصل إلى الدور النهائى كان به إثنين فقط ذوى بشرة بيضاء من أصل أوروبى وباقى اللاعبين لهم بشرة سوداء من أصول إفريقية، وكان كابتن الفريق الفرنسى من شمال إفريقيا (زين الدين زيدان)!!
وفقراء المستعمرات السابقة يخرجون ألسنتهم الآن ويقولون لأولاد وأحفاد مستعمريهم السابقين: "فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين إستعمرتونا بالجيوش ورحلتم فى منتصف القرن العشرين، أما نحن فنستعمركم بجيوش من الفقراء و سوف نستعمركم للأبد وسوف نصبح أكثر منكم عددا و فى البداية نقوم بعمل الأعمال البسيطة والتى تستنكفون عن القيام بها، أما جيل أولادنا وأحفادنا فسوف يستولى على كل الأعمال، بعد أن إرتكنتم للكسل"، ووصل الأمر الذى حدا بألمانيا إلى إعطاء مبالغ كبيرة من المال لبعض المهاجرين لكى يرحلوا بسلام ويعودوا لبلادهم.
بل لقد طالب حديثا أحد المتعصبين للجنس الأبيض الغربيين زملاءه من ذوى الجنس الأبيض المتفوق أن يفكروا جيدا فى هجرة كوكب الأرض والمعيشة فى كواكب أخرى قبل أن ينقرضوا لصالح الأجناس الأخرى الفقيرة والتى لا تتوقف عن الإنجاب وأثبتوا أن قنبلتهم السكانية أخطر بمراحل من قنابل الجنس الأبيض النووية.
وهجرة الجنس الأبيض إلى كواكب أخرى قد تبدو فكرة جيدة للمحافظة على الجنس الأبيض، وسوف يقولون لأصحاب الأجناس الأخرى :"سايبين لكم الأرض باللى فيها"، وسوف يكسر وراهم أصحاب الأجناس الأخرى "قلة" بعد آخر مركبة فضاء تترك كوكب الأرض متجهة لكوكب المريخ، ولكن المشكلة الكبرى التى قد يواجهها السكان البيض الجدد لكوكب المريخ هى : من سوف يقوم بجمع قمامتهم على سطح المريخ؟!!