هموم ملك ومستقبل وطن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل هو قدر أم حظ هذا الموقع للملكة الأردنية الهاشمية أن تكون بين فلسطين غربا والعراق شرقا، فتعيش طوال العقود الستة الماضية متأثرة سلبا وإيجابا مما يحصل في هذين القطرين؟. بعد ما اصطلح على تسميته بنكبة فلسطين بقيت الضفة الغربية من نهر الأردن تحت سيطرة الجيش العربي الأردني، وبناءا على إرادة الشعب الفلسطيني تم ضمها لتشكل مع شرق الأردن (المملكة الأردنية الهاشمية )، طوال قرابة أربعين عاما إلى أن أعلن المرحوم الملك حسين فك الارتباط مع الضفة الغربية، تدعيما للكيان الفلسطيني عقب إعلان المجلس الوطني الفلسطيني في دورته بالجزائر عام 1988 قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 أي الاعتراف بدولة إسرائيل من طرف واحد في الوقت الذي كانت الدولة الإسرائيلية ترفض الاعتراف والتفاوض مع منظمة التحري الفلسطينية وتحيل للقضاء أيا من مواطنيها يقيم أية اتصالات مع المنظمة، و بالتالي كانت المملكة الأردنية مع خيار الشعب الفلسطيني عندما قرر الوحدة ومع هذا الخيار عندما قرر الدولة المستقلة، وكذلك مع جاره العراق على الحدود الشرقية كان دوما مع ما تقرره حكوماته المتعاقبة أيا كان لونها وممارساتها حتى بعد سقوط نظام صدام حسين نأى بنفسه عن المشكلات والتوترات العراقية أيا كانت خلفياتها طارحا نفسه عامل توحيد وليس تفريق راعيا العديد من مباحثات الوحدة الوطنية، ونأى بنفسه أيضا عن تجمعات مطالبة بعودة الملكية الهاشمية لحكم العراق لأن هذا خيار يقرره الشعب العراقي وأحزابه السياسية وليس الأسرة الهاشمية في الأردن.
هذه الحقائق المعروفة تبادرت لذهني وأنا أقرأ اللقاء الصحفي للملك عبد الله الثاني مع صحيفة الشرق الأوسط اللندنية يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من يناير الحالي، معلنا همومه المحلية والعربية والإقليمية بصدق لا يخلو من اللوعة والألم على حال الأمة العربية وهي تتقاذفها أمواج المشاكل وتبدو وكأنها لا حول لها ولا قوة، وطارحا الرؤى المستقبلية بحكمة تدل على غيرة هذا الملك الشاب وطموحاته وتطلعاته، فكيف يرى الموقف في المحيط العربي بالأردن؟.
أولا: فلسطين
يقول جلالته: ( إن اللعبة تغيرت بعد حرب لبنان واللاعبون تغيروا أيضا، وعلى الجميع وفي مقدمتهم إسرائيل إدراك أنه ما لم نتوصل لحل للقضية الفلسطينية هذا العام، فإن الجميع سيدفع الثمن...على إسرائيل أن تدرك أن إيجاد حل عادل يضمن إعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، ويؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية، تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل هو الضمانة الأكيدة لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وبغير ذلك فإن المنطقة ستقبل على كوارث جديدة على شاكلة ما جرى في لبنان. ما أود قوله أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة، ونأمل أن يدرك المجتمع الدولي أن قضايا المنطقة مترابطة وأن التعامل معها وفق منظور شمولي يحقق مصالح الجميع وينهي حالة الشعور باليأس والإحباط لدى شعوب المنطقة ويسد الطريق في وجه انزلاق المنطقة نحو هاوية التطرف والعنف والإرهاب، هو الأساس الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار). إنها رؤية استراتيجية لا تحتاج لمزيد من الشرح والإضافات،وهي صراحة تقول إن الكرة في الملعب الإسرائيلي فقد قدمت القيادات الفلسطينية والعربية أكثر مما هو ممكن من التنازلات، أو أكثر مما كانت تحلم به دولة إسرائيل في كافة المراحل ورغم ذلك قادها ذلك إلى المزيد من التعنت والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي المزيد من العنف الذي يحذر جلالته منه في المستقبل، وتحديده لضرورة حل عادل في هذا العام مهم للغاية، لأن شعوب المنطقة وخاصة الفلسطيني ما عادت تحتمل المزيد من الانتظار، وأي عنف قادم ستتضرر منه دولة إسرائيل أكثر بكثير رغم تفوقها العسكري، لأن هذا التفوق لم يحل دون إنجازات عسكرية مهمة للمقاومة في لبنان، رغم أن النتيجة النهائية كانت لمصلحة إسرائيل، فهل تعي إسرائيل هذا النداء وإلى متى ستبقى ذلك المجتمع الذي يعيش في رعب وخوف وقتل وملاجىء وصفارات إنذار؟؟.
ثانيا: العراق و إيران والهلال الشيعي
هل ولاء الشيعة العرب لغير أقطارهم العربية كما صرّح مؤخرا الرئيس المصري حسني مبارك؟. يرى جلالته عكس ذلك فهو على قناعة تامة ب ( أن الشيعة العرب يؤمنون بأمتهم وعروبتهم ولا يريدون لها إلا الخير والوحدة...عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، كان الحديث عن التحالفات السياسية ولم أقصد التصنيف المذهبي للمعنى، بل نحن ننظر للأمور من زاوية ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها، ولا ننظر إليها من زاوية تحقيق المصالح الضيقة...لا مجال إذا أردنا الخير لأمتنا وتأمين مستقبل زاهر لأبنائها إلا أن يعمل مسلموها سنة و شيعة على تعظيم الجوامع ونبذ الخلافات فيما بينهم وعدم فتح المجال لأي تدخل أجنبي في شؤونهم )، والدليل على ذلك أن الشيعة في السعودية لم يحدث أن رفعوا السلاح ضد حكومة بلادهم و العمليات الإرهابية التي استهدفت مصالح حكومية ومنشآت نفطيه في الأعوام الأخيرة في المملكة كانت من منتمين لطوائف غير الشيعة، كما أن شيعة البحرين صوتوا بأغلبية ساحقة عام 1971 مع استقلال البحرين، أي أنهم رفضوا صراحة ضمها لإيران الشاهنشاهية كما كان مطروحا في الاستفتاء: الاستقلال أم الضم. إن هذه النظرة الملكية هي الأساس الذي يمكن أن يحقق الاستقرار في المنطقة، وليس الاتهامات المتبادلة والتحريض بين الطوائف، وكما أشار جلالته بوضوح فإن إيران ينبغي ( أن تعيد النظر في طريقة تعاملها مع دول المنطقة، خاصة الكف عن التدخل في شؤون العراق )، هذا التدخل الذي لا ينكره أصدقاء إيران في المنطقة وأعدائها كذلك. هل ما زالت إيران تطمح لتصدير الثورة كما أعلن الإمام الخميني عام 1979 ؟ نعم..وتصدير الثورة حسب الرؤية الخمينية لن يكون لأستراليا وكندا واندونيسيا وموزمبيق ولكن للجوار العربي المسلم، فإيران محكومة بماض شهد فترات من التوسع والهيمنة حينا والانحسار حينا آخر، ومن الماضي القريب لا بد من التذكير بأن إيران الشاهنشاهية ومن بعدها إيران الخمينية ما زالت تحتل الأحواز العربية بملايينها السبعة من العرب الأقحاح ممارسة عليهم أبشع أنواع القمع والتمييز العنصري حيث لا يسمح لهم باستعمال لغتهم العربية، وهو ما لم تمارسه دولة إسرائيل مع الفلسطينيين الذين بقوا صامدين في وطنهم بعد نكبة عام 1948، بدليل أنهم أنتجوا ثقافة عربية أصيلة عبرعمالقة في الأدب والإبداع والفن العربي أمثال إميل حبيبي وسميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد وعشرات غيرهم، في حين أن الملالي الذين يحكمون إيران منذ عام 1979 يمارسون القتل والقمع ومصادرة كافة أنواع الحريات ضد عرب الأحواز، وفي الشهور القلية الماضية تم إعدام حوالي عشرة من النشطاء السياسيين في إقليم الأحواز العربي، وبالتالي فمما لا جدال فيه فإن السلاح الإيراني أيا كان نوعه لا يهدد أمن إسرائيل مطلقا بسبب بعدها الجغرافي وامتلاكها مخزونا نوويا قادرة من خلاله بالرد الصاعق على إيران وهذا يدركه حكام إيران، لذلك فإن سلاحهم تهديد للجوار العربي دون غيره سعيا للتوسع وإعادة بعض الأمجاد الفارسية التوسعية الماضية، لذلك فتسمية جمهوريتهم ليس ( الجمهورية الإسلامية الإيرانية ) ولكن ( الجمهورية الإسلامية في إيران ) مما يعني أنها الآن في إيران والطموح أن تتوسع ودوما التوسع في الحدود المجاورة أي في الجوار العربي، بدليل استمرار احتلالهم أيضا للجزر العربية الإماراتية الثلاث، فكيف يقبل أي عربي وطني السكوت على هذه الاحتلالات الإيرانية التي يقفزون عنها و يضللون الجماهير البسيطة بالشعارات الكلامية حول التحرير والهولوكست والسلاح النووي!!. لذلك يرى جلالة الملك ( نحن نود أن نرى علاقة متوازنة وإيجابية بين العراق وإيران و بين الدول العربية وإيران، ومع ذلك نرى أن على إيران أن تمتن عن السعي لزعزعة الإستقرار في فلسطين ولبنان والعراق وأية أجزاء في المنطقة حتى يتاح لنا التقدم باتجاه بناء هذه العلاقات).
الأردنيون والعراقيون
الأردن ملكا وحكومة يسعيان لبناء أفضل العلاقات مع العراق بغض النظر عمن يحتاج الآخر أكثر، والغريب المدهش أن بعض الكتاب القوميين يعايرون الأردن بأنه يحتاج للمساعدات النفطية العراقية، وما العيب في ذلك أليس هم من يغنون نهارا ويرقصون ليلا على أنغام شعارات الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، ومن المهم أن لا ننسى أن النظام البعثي البائد في العراق وعدم الاستقرار والذبح اليومي في العراق على الهوية ودون هوية، أوصل ما لا يقل عن سبعمائة ألف عراقي للعيش والإقامة الدائمة في العراق، وهذا من حق هؤلاء الأشقاء العراقيين أن يجدوا الملاذ الآمن، إلا أن هذا العدد عبء على البنية التحتية والاقتصاد والعمالة الأردنية، ورغم ذلك لا تشكو السلطات الأردنية ولا تغلق الحدود ولا تضع العراقيل أمام هذه ألآلآف بدليل أنهم لا يتوجهون بنفس الكثافة لسورية الحدودية مع العراق أيضا كالأردن، وهذا يعني أن التسهيلات والأمن الذي يجدونه في الأردن لا يتوفر في غيرها، و عن هذا الوضع يؤكد الملك عبد الله الثاني: ( ولكننا مع وجود هذه الأعباء لن نتخلى عن تأدية دورنا الإنساني واستضافة الأشقاء حتى تتاح لهم وتتهيأ أمامهم الظروف الملائمة للعودة إلى بلدهم....الحمد لله أننا لم نسمع بأية مشكلة رافقت الوجود العراقي في الأردن، فنحن برغم صغر حجم إمكانياتنا ومواردنا الطبيعية نتشارك مع إخوتنا العراقيين لقمة العيش ونوفر لهم كل التسهيلات و الإمكانيات المتاحة وفقا لذلك....ولن نسمح في المقابل أن يستخدم الأردن ساحة لإثارة أية مشاكل مع العراق ).
ملك أكثر وعيا من بعض إعلاميي وبرلمانيي بلاده
مقابل هذه الرؤية الملكية التي ترفض التدخل في شؤون العراق إلا بما يحقق استقراره والمصالحة الوطنية بين شعبه، تثار من حين إلى آخر بعض الزوابع التي تغضب الغالبية من العراقيين، وهي زوابع في الغالب سببها إعلاميون أردنيون وهذا ما لا يحق للحكومة الأردنية منعه وقمعه لأنه ضمن حدود حرية الرأي التي تعبر عن رأي كاتبها وليس حكومة بلاده، وكما قلت في مقالة سابقة سننتقد الحكومة الأردنية لو أقدمت على تقييد حرية الرأي، فليس هناك حقيقة مطلقة، ومن حق أي شخص أن يعبر عن رأيه مهما اختلف مع سياسة بلاده، المهم أن يفهم ويتذكر الذين لا يروقهم هذا الرأي أنه يعبر عن رأي كاتبه فقط. و من هذه الزوابع ما أقدم عليه مجلس النواب الأردني بعد إعدام الطاغية صدام حسين، حيث قرءوا الفاتحة على روح الطاغية وتم تأبينه في جلسة برلمانية. هذا التصرف لأنه من برلمان لدولة لها سياستها وعلاقاتها، أرى أنه غير مسؤول ولم يفكر أولئك النواب كملك بلادهم في مصلحة وطنهم وفي علاقات شعبهم مع الشعوب العربية الأخرى، فتصرفهم هذا لا ينسجم مع السياسات المتبعة عربيا ( عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى )، فهم بتصرفهم هذا أغضبوا غالبية الشعب العراقي والشعب الكويتي، وهما الشعبان اللذان تضررا موتا وقتلا وحرقا وتخريبا من ذلك الطاغية، بدليل أن جاسم الخرافي رئيس مجلس ألأمة الكويتي عبّر عن دهشته من هذا التصرف إذ قال : ( إنني لا أتطرق هنا إلى الرأي الشخصي أو الجانب الديني لهذا الموضوع ولكني أستغرب أن يتحول ذلك إلى إجراء برلماني يعطي دون شك دلالات سياسية على التعاطف مع ذلك الطاغية دون نظرة واقعية وعادلة لما قام به نظامه من دمار وخراب على الشعب العراقي وعلى المنطقة )، وأوضح الخرافي أن تصرف رئيس وأعضاء البرلمان الأردني ( جاء للإسف الشديد بعد الدور الإيجابي الذي قام به الملك عبد الله لتجاوز ما خلفه غزو نظام الطاغية للكويت من آثار على العلاقات الكويتية الأردنية ). ورغم تأييدي لقول الخرافي هذا إلا أنه موقف انتقائي منه فهو يقفز عن وينسى نفس الموقف من البرلمانيين الجزائريين والمغاربة وفي دول عربية أخرى.
العلاقات الأردنية السورية
( العلاقات مع سورية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي تسير بشكل طبيعي، وهناك تبادل للزيارات والخبرات في مجالات التعليم والبنوك والأنظمة المالية، لكن على الصعيد السياسي فإن العلاقات للأسف ليست بالمستوى الذي نتمنى ). وهذا الأمر يدعو للأسف فعلا في ظل هذا التشتت العربي مقابل التعنت الإسرائيلي، خاصة أن أية نظرة محايدة تستوعب أنه ينبغي أن لا يكون بين البلدين ما يستدعي الخلافات، ففي الموضوع السياسي سبقت مصر والأردن لتوقيع اتفاقيات صلح وسلام مع إسرائيل، ولكن بالمقابل لا تخوض سورية حربا مع إسرائيل بل هي تسعى جاهدة للعودة لطاولة المفاوضات، كما عبر عن ذلك مرارا الرئيس السوري شخصيا، ولكن التعنت يأتي من الطرف الإسرائيلي، وقد ثبت أنه طوال أيام حرب تموز الماضية بين إسرائيل وحزب الله لم تنقطع الاتصالات السورية الإسرائيلية فعلى ماذا الخلافات إذن ؟؟ إنه نفس الحيثيات والسؤال الذي يطلق على العلاقات السورية اللبنانية فعلى ماذا الخلافات؟ لماذا لا يتم التعامل كقطرين عربيين مستقلين لهما حدودهما وعلاقاتهما كباقي الدول؟ ولماذا التوتر السوري على حدته المعلنة مع لبنان وبصمت خفي مع الأردن؟
أعتقد أن هذا يعود لنفسية السيطرة التي طبعت القيادة السورية منذ استيلاء البعث على السلطة في الستينيات، و إلا ما معنى رفض تبادل الاعتراف الدبلوماسي مع لبنان وفتح السفارات في بلديهما، ورفض ترسيم الحدود بين البلدين، في حين تمّ في زمن الأسد الأب ترسيم الحدود مع تركيا بما فيها الاعتراف بتركية لواء الإسكندرونة السوري العربي، مع وقف تدريسه في كافة المناهج التعليمية السورية من الابتدائية حتى الجامعية على أنه أرض عربية سورية محتلة. و إلا لا يوجد ما يوجب الخلافات السورية مع لبنان والأردن، إذا ما تعامل النظام السوري مع الدولتين على أنهما جارتان عربيتان مستقلتان أية خلافات معها تحل بالحوار وحسن الجوار، وليس بالهيمنة والتفخيخ والاغتيال ومقاتلة إسرائيل حتى آخر مواطن لبناني!!.
الأردن سيظل محكوما ومتأثرا بما يجري في جواره العربي خاصة الفلسطيني و العراقي والسوري، ويظل صمام أمنه وأمانه الدائم حكمة ووعي قيادته رغم زوابع بعض إعلامييه و أعضاء برلمانه!!!.