بين مشروع الكونغرس ومشاريع الفيدراليات الطائفية..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لا نحتاج لكبير عناء لتفنيد مشروع الكونغرس، غير الملزم، حول تقسيم العراق. إنه مشروع غبي ويدل على قصر نظر سياسي بالغ.
يتبنين أن هذا ليس خيار الإدارة الأمريكية، وقد أحسنت السفارة الأمريكية في بغداد حين أعلنت رفض كل محاولة لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم منفصلة، وأن الهدف الأمريكي
إن الحزب الديمقراطي هو الذي دفع مشروع التقسيم للواجهة لتحقيق ما يريده من الانسحاب الأمريكي الفوري، ولإحراج بوش قبل الانتخابات الأمريكية، مؤيدا من أعضاء جمهوريين يرون في المشروع خير باب للخروج من العراق وتركه ومصيره، وهو ما يتعارض مع المصالح الأمريكية الكبيرة في المنطقة، وما تتطلبه من تواجد قوي. إن تحقق مثل هذا المشروع سينسف من الأساس كل ما خططته الولايات المتحدة للعراق وللمنطقة، من جعل العراق نموذجا ديمقراطيا للمنطقة، وتحقيق الاستقرار فيها باعتباره ضمانا للمصالح الغربية في المنطقة؛ كما أن التقسيم سيجعل إيران مطلقة اليدين في المنطقة بقنبلتها النووية.
إن الأهداف الأمريكية أعلاه لا تتحقق بتجزئة العراق، وسيلقى حتما قلق ورفض الدول العربية، فضلا اعن لمعارضة القوية من جانب معظم القوى السياسية العراقية.
نعم، إن العراق بلد مختلط القوميات، والأديان، والمذاهب، ولكن هناك مناطق وأحياء عديدة من العراق مختلطة التكوين، فضلا عن أن المشروع يتجاهل وجود أقليات قومية أخرى كالتركمان، والكلدو- آشوريين، وأكثر من ذلك وأخطر، أن تقسيم العراق لثلاثة كيانات مستقلة سيخلق عوامل حروب داخلية عاتية لا تبقي ولا تذر.
إن العراق اليوم هو عمليا يواجه عدة حروب متداخلة، داخلية وخارجية، والتقسيم سيعني دفع هذا الوضع إلى حريق شامل وإلى التفتيت، وإلغاء العراق.
المؤسف أن في الوضع العراق المتدهور أمنيا والمتصادم سياسيا، ما يشجع دعاة التقسيم، وسيقدمونه كحل لأزمة لا خلاص منها بغير التقسيم؛ ولكن أكبر مشجع هو الدستور العراقي نفسه، الذي يضعف صلاحيات الحكومة المركزية لحد كبير، ويأخذ قسما هاما منها لصالح حكومات الأقاليم. إنه قد تجاوز الاعتراف الطبيعي بفيدرالية كردستان، المعترف بها من معظم القوى السياسية العراقية، إلى مشاريع عدة فيدراليات خارج كردستان، وهو ما فسره المجلس الأعلى بإقامة فيدرالية الجنوب والوسط، التي تقوم على أساس مذهبي لا غير.
إن الفارق بين فيدرالية كردستان ومشروع فيدرالية الوسط والجنوب، وأية فيدرالية إضافية، هو فارق جوهري، حيث أن لإقليم كردستان خصائصه القومية، والجغرافية، والثقافية، واللغوية المتميزة، كما أن الإقليم لا يضم الأكراد وحدهم، بل يضم أيضا أقليات قومية أخرى، كالتركمان، والكلدو - آشوريين، وقد تعاملت غالبية قوى المعارضة زمن صدام مع هذه الفيدرالية بتفهم، واتخذت قوى معارضة عديدة من الإقليم ملجأ ومنطلق كفاح.
صحيح أن الحكم في العراق الحديث كان يقوم على أساس مركزية مفرطة، لم تكن تضمن العدالة في توزيع الثروات، وعناية الحكومات، وهذه المركزية الطاغية تحولت زمن العهد السابق إلى نظام شمولي غاشم، حارب بعنف القوى الوطنية، والقومية الكردية، وجماهير الشيعة وطقوسها الدينية، وهذا لا يعني أبدا أن الظلم والاضطهاد اقتصرا على الأكراد والشيعة وحدهم. إننا نتذكر مثلا أن أول عالم ديني أعدم كان البدري وهو سني، وأعدم العديد من البعثيين أنفسهم و من السنة، وحوربت القيادات الوطنية بمختلف انتماءات أعضائها.
لقد أثبتت التجارب الدولية بأن المركزية المفرطة نظام يكرس الظلم، ويؤدي لقرارات أحادية، قد تكون كارثية في بعض الأحيان، كما فعل صدام مرارا ومرارا.
إن الخيار ليس بين المركزية الطاغية، أو التقسيم، أو الفيدراليات الطائفية، بل هو بين هذا كله وبين نظام ديمقراطي حقيقي، تضمن فيه صلاحيات الحكومة المركزية، في المجالات الكبرى كالخارجية والدفاع وإدارة الثروة النفطية؛ حكومة قادرة على حل القضايا المعلقة والشائكة بعدالة وسلميا، حكومة تأخذ بيديها موضوع العلاقات مع القوات المتعددة الجنسيات ومستقبلها في العراق. إنه أيضا النظام الذي يضمن في نفس الوقت أوسع صلاحيات اللامركزية للمحافظات والمناطق خارج كردستان، بلا استئثار هذه على حساب تلك.
إن أداء الحكومات المتعاقبة بعد صدام، والانفلات الأمني، وهمجية المليشيات وخصوصا مليشيا الصدر، واشتداد الكراهية الطائفية، وصولا للأحياء المقفلة مذهبيا في العاصمة نفسها، قد أوصلت العراق إلى أزمته المتفاقمة التي لا تحل لا بالتقسيم، ولا باستمرار نظام المحاصصة، ولا بحكومة تغلب على كثير من أطرافها نزعة الطائفية، وهوس احتكار السلطة على حساب الآخرين، والركض وراء الامتيازات.
يقول كاتب عربي إن التقسيم سيجعل أهل العراق أكثر فقرا وأقل أمنا، وهذا صحيح.
إننا بحاجة لوصفة 'معجزية' للخروج من المأزق المظلم، وهذه الوصفة ليست التقسيم بكل تأكيد.
من يقدم هذه الوصفة؟ ومتى؟ هل ممكن ذلك في هذه المرحلة أو بعد سنوات قليلة؟ أشك في ذلك.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه