كتَّاب إيلاف

الأمريكان عملاء الأنظمة العربية!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

منذ أيام قليلة، نشرت "إيلاف" تقريرا عن تصنيف جديد للإدارة الأمريكية، يضعها ضمن مجموعة من وسائل الإعلام العربية، الأكثر جدارة بالاهتمام و المتابعة.
لقد تذكرت وأنا أقرأ هذا التقرير، كلمات قالها لي الصديق الدكتور نمرود رفائيلي رئيس تحرير نشرة "ميمري" المركز الأمريكي المتخصص في متابعة "الميديا الشرق-أوسطية"، وذلك عندما زرته في مكتبه في واشنطن خلال شهر مارس الماضي، حيث أخبرني بأنه يوزع 35 ألف نسخة من نشرته على أهم المؤسسات والشخصيات السياسية

الفيلم الذي يروي ازدواجية المخابرات الأمريكية
إزاء انظمة تقف وراء الارهابيين

الأمريكية، في مقدمتها بطبيعة الحال، البيت الأبيض والكونجرس، لكنه يشك في أن أيا من جهات القرار الأمريكي تطلع بشكل جدي وكاف على محتويات النشرة، التي تتضمن مقالات وتقارير كتبها أو قالها أصحابها من العرب باللغة العربية، وقد جرت ترجمتها لاحقا إلى الأنجليزية.
"إيلاف" شكلت طيلة السنوات القليلة الماضية، المنبر الإعلامي العربي الأول الذي يعكس وجهة نظر التيار الليبرالي العربي، وهو التيار المتهم بقوة "من المحيط إلى الخليج" بموالاة الولايات المتحدة الأمريكية والتسويق لمشروعها في المنطقة العربية، وبصرف النظر عن تهافت هذا الاتهام لكونه أحد أعراض مرض العقل السياسي العربي المغرم على الدوام بنظرية المؤامرة والتكفير والتخوين وهدر دماء الخصوم الفكريين والسياسيين، فإنه لمفارق ومثير للغرابة أن تكتشف "إيلاف" بعد سنوات من قبل الإدارة الأمريكية، وأن يدرك الساسة الأمريكيون أن في الموقع شيئا قد يكون مهما الإطلاع عليه..يال الهول..
تذكرت أيضا وأنا أطالع تقرير إيلاف، كيف قامت الإدارة الأمريكية بالاستغناء عن عشرات المستشارين العراقيين، غالبيتهم من خبراء التخطيط والاستراتيجية المرموقين، بمجرد أن سقطت بغداد بسرعة متناهية، فقد ظن المسؤولون الأمريكيون أن "طريقهم زراعي" في العراق، و أن انتصارهم العسكري السريع على فلول الطاغية صدام، كاف لإدارة شؤون البلد دون حاجة للخبرات المحلية والخطط التي وضعت بمعية هؤلاء الخبراء والمستشارين طيلة سنوات سبقت السقوط، و تضمنت أدق التفاصيل التي ترشد الإدارة العراقية الجديدة إلى كيفية تثبيت السلم الأهلي وتوفير الخدمات للمواطنين والحفاظ على الوحدة الوطنية.
الآن، يتحدث الناس في بغداد و أماكن كثيرة أخرى، بمرارة عن خيبة الأمل تجاه السلوك الأمريكي في العراق، الذي اتسم في رأيهم بكثير من الجهل بالبيئة العراقية (والعربية والإسلامية عموما)، مصحوبا بعنجهية واعتماد شبه مطلق على القوة العسكرية في معالجة الشأن العراقي، وهو ما أحرج الأصدقاء و مد الأعداء بعناصر قوة مجانية لم يكونوا يحلمون بها، ولا أدل من أن العراق قد تحول إلى مثال لإضعاف المطلب الإصلاحي والديمقراطي في الشارع العربي، بدل أن يشكل منطلقا لنشر الإصلاح والديمقراطية في البلاد العربية.
والحق أن خبرا كالذي نشر في "إيلاف" عن قرار أمريكي بمتابعة وسائل الإعلام العربية، والذي أكد شعورا لدي عدت به من زيارتي الأمريكية قبل أشهر، يفسر إلى حد كبير الجهل الأمريكي الكبير بالعالم العربي والإسلامي، رغم كثرة مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة في الولايات المتحدة، كما يفسر أيضا أسباب التعثر الأمريكي في العراق والمنطقة الشرق-أوسطية عموما، فبلد يذهب إلى احتلال بلد آخر في منطقة نائية عنه، لا يملك دليلا واضحا متمكنا وافيا عن صحافة تلك المنطقة، وعما يكتب فيها، وعن اتجاهات التحليل والرأي فيها، لا شك أنه متجه إلى هزيمة.
ثمة مؤشرات أخرى أيضا تدعو إلى التساؤل عن أسس السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وتدفع إلى الاعتقاد بأن الغرور والعنجهية هما اللذين يوجهان هذه السياسة بيريز في زيارة لقناة الجزيرة للأسف الشديد، فالشارع العربي ما فتئ يتهم الأنظمة العربية بالعمالة للولايات المتحدة، لكن الذي يتفحص الواقع العربي مليا، سيلمس مدى العجز الأمريكي، بل عجز الرئيس الأمريكي شخصيا، عن الإفراج عن معارض سياسي عربي واحد، مصنف في خانة أصدقاء واشنطن، قابع في السجن منذ سنوات كأيمن نور، ومن قبله الدكتور سعد الدين إبراهيم، على الرغم من حديث أكثر من مسؤول أمريكي عنه، فهل يمكن أن يؤمن أحد بأن للولايات المتحدة أصدقاء في المنطقة العربية من غير مصالحها.
لقد قدمت العديد من الأنظمة العربية طيلة العقد الماضي عشرات الأدلة، بأنها لا تأبه كثيرا لدعوات واشنطن للإصلاح والديمقراطية، وبأنها لاتخشى غضبها أو حتى عقوباتها، بل إن أي نظام سياسي عربي معني بالإصلاح لم يقدم على إحداث أي تغيير ولو بسيط على سيرته، فالذي يبغي التوريث ماض فيه، والذي يتطلع إلى رئاسة أبدية غير متراجع عن تطلعه، والذي يتوخى سياسات فاسدة مفسدة ممكنة للعائلة والفرد مصالح شعب وأمة لم يتردد في تنمية هذه السياسات وتعميقها، والذي يصر على إلقاء معارضيه السياسيين في غياهب السجون والمعتقلات طيلة حياتهم وإبقاء هيمنة الحزب الواحد الأوحد على الحياة السياسية لم يتراجع قيد أنملة.

خلاصة القول أن الأنظمة العربية "تستوطئ الحيطة الأمريكية"، وأن الحالة العراقية جعلت الولايات المتحدة أعجز من أن تتجرأ على أي خطوة ذات مصداقية في أي بلد عربي آخر، بما في ذلك سوريا، التي حارب فيها نظام الأسد الإبن واشنطن على جبهتين، في العراق ولبنان، وأثبت إلى حد الآن أنه المنتصر على الخطين، فاغتيالات دعاة الاستقلال اللبناني ما تزال متواصلة بكل "بجاحة" على رغم من وضوح هوية اليد المجرمة، وجماعات الإرهابيين التي تفجر الأبرياء في بغداد وكثير من مدن بلاد الرافدين، ما تزال مسترسلة مسنودة في غير خوف أو تردد أو وجل من تخبط القوة الأعظم في العالم.
إن أي ناظر بسيط في الحالة العراقية، يعلم أن الأنظمة العربية المستبدة، صديقة الولايات المتحدة ظاهريا، هي من حارب ويحارب الولايات المتحدة في العراق باطنيا، فقد أدركت هذه الأنظمة مسبقا أن استقرار الديمقراطية في العراق الجديد سيؤشر إلى بداية النهاية بالنسبة لها، ولقد بدا عمليا أن هذه الأنظمة كانت أعلم وأدرى بتفاصيل البيئة العراقية من قوات الاحتلال الأمريكية، وأنها أقدر على التصرف وتجنيد الموالين وتعبئة الأتباع والمناصرين لإجهاض المخطط الأمريكي من الأمريكيين. وإن ما جرى ويجري في العراق لا يعد في حقيقة الأمر انتصارا للإرهابيين على الأمريكيين فحسب، بقدر ما هو انتصار أجلى للأنظمة العربية على الولايات المتحدة الأمريكية.
المثال القطري يصلح كذلك - وأكثر من أي مثل آخر- ليكون خاتمة لهذا الرأي، ففي بلد منح نصف مجاله البري والبحري والجوي ليكون أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة الشرق-أوسطية، توجد أهم وسيلة إعلامية عربية مناهضة للسياسة الأمريكية، وإن القيام بأي عملية سبر آراء في الشارع العربي، سيؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن أكبر محرض على معاداة الولايات المتحدة وكراهية سياساتها في العالم العربي والإسلامي، هو قناة الجزيرة الفضائية.
وعلى الرغم من الانتقادات الرسمية وغير الرسمية، وما قيل أنه تغييرات أمريكية أخيرة في مجلس هيئتها الإدارية، فإن الجزيرة باقية "قلعة للصمود والتحدي" إلى جانب شقيقتها القلعة السورية، تعلمت تحدي المسؤولين الأمريكيين من الزعماء العرب فيما يبدو، ولم يجد مديرها ما يستحق المراجعة والتغيير في خطها التحريري.
لقد صرفت الولايات المتحدة في سنة واحدة ما يزيد عن مائة وخمسين مليون دولار لتحسين صورتها في العالم العربي، وسيكتشف المسؤولون الأمريكيون لاحقا بأن هذه الأموال قد أهدرت دون نتيجة، تماما كمن سكب الماء في الرمل تماما، لأنه لا أحد يمكن أن يحسن صورته بالمال فقط، فالمال عامل مساعد لا أكثر، والأهم منه هو معرفة المكان المراد تغييره جيدا، والأهم معرفة الناس الذين يعيشون في هذا المكان مناط التغيير، فضلا عن تغيير السياسات تجاه هذا المكان، لتكون أكثر توازنا وتواضعا ومصداقية..ولكي يكون لها فيه ناصحون وأصدقاء لا خونة في نظر شعوبهم و عملاء.

كاتب تونسي

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف