السيرك القومى العربى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فى بداية الستينييات فى مصر لم تسلم أى شركة أو مؤسسة من التأميم وضمها إلى ممتلكات الدولة حتى الفرق الأهلية لألعاب السيرك لم تسلم من التأميم وأنشأت الدولة ما يسمى ب (السيرك القومى)، وكانت ألعاب السيرك فى مصرتتحكم فيها بصفة أساسية عائلتان: (عائلة الحلو) وكان لديهم ( سيرك الحلو)، و(عائلة عاكف) وكان لديهم (سيرك أولاد عاكف) ومنهم كانت الفنانة متعددة المواهب (نعيمة عاكف) والتى لم تنجب مصر مثلها، فكانت ترقص وتمثل وتغنى وتلعب ألعاب السيرك وكانت خفيفة الظل، مصرية فى جمال الملامح والشقاوة .
وفى أعقاب إنشاء السيرك القومى تم ضم بعض أفراد العائلتين (الحلو وعاكف) ليكونا نواة هذا السيرك، وكانت أحد المشاكل وقتها هو عدم توفر أحد الشخصيات الرئيسية فى السيرك، وهى شخصية (مهرج السيرك)، وتم وقتها وضع إعلان فى الجرائد المصرية لتعيين مهرج السيرك، وكانت النكتة وقتها: أن المهرج موجود، ولكنه لا يستطيع ترك منصبه وقتها، ألا وهو منصب رئيس الجمهورية!!
وعند بدء تشكيل الهيكل الأدارى للسيرك القومى ظهرت التشنيعات على مسميات الوظائف، وعلى حسب التدرج فى السلم الوظيفى، فهذا منصب: البهلوان الأكبر، ومنصب بهلوان أول، ومنصب بهلوان ثان، ومنصب نائب بهلوان ومنصب مروض أسود درجة أولى، ومنصب نائب مروض الأفيال، حتى الحيوانات لم تسلم من البيروقراطية المصرية القديمة قدم أبو الهول، فهذا فيل أول وفيل ثان، وهذا أسد برتبة ملك الغابة وبعده نائب جلالة ملك الغابة، وقد رفض عبد الناصر إعطاء لقب ملك الغابة إلى أسد السيرك، وتم تغيير اللقب ليصبح رئيس جمهورية الغابة!
ولا أدرى لماذا تذكرت السيرك القومى عندما أتابع هذه الأيام أحوال العالم العربى، فتجد فيه الكثير من المهرجين والحواة ولاعبى الجلا جلا والثلاث ورقات وكثير من الأسود والنمور الورقية وعدد لا حصر له من المشعوذين وقارئي البخت والفنجان ومن يمشون على الحبل بمهارة فائقة، ومن يغطون فى نوم عميق من المشاهدين لأنهم قد شاهدوا (الفيلم ده قبل كده).
ألم تمل الشعوب من مشاهدة هذا الفيلم الممل والسيرك القومى العربى، ألم تمل أن يتحكم فيها مجموعة من المهرجين الأرزقية والذين لا تأتمنهم على إدارة كشك سجائر، أم أن الحكام هم من جنس شعوبهم، وأن الشعب مشارك فى السيرك كما أنه من المشاهدين أيضا.
........
والسيرك عادة يجذب البهجة ويحب أن يشاهده الأطفال والكبار عندما يذهبون إليه فى نزهة جميلة، أما السيرك القومى العربى الحالى فهو سيرك للكبار فقط نظرا لما فيه من مناظر رعب وإرهاب وقتل وذبح وإغتيالات ومناظر يعجز عنها خيال أى مخرج لأفلام الرعب فى هوليوود.
وبنظرة سريعة إلى السيرك العربى فنجد (على سبيل المثال لا الحصر) مهرج السيرك صاحب الجماهيرية العظمى يطلع علينا كل يوم بتقليعة جديدة، فهو يوم عربى قومى ويوم مسلم متنور يطالب السماح باليهود والمسيحيين بزيادة الكعبة والأماكن المقدسة،ويوم يلبس بدلة الماريشال وعليها عدد لا حصر له من غطيان الكازوزة!!، ويوما يطالب بإنشاء دولة إسراطين تجمع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومؤخرا لبس بدلة أبيض فى أبيض وعليها خريطة أفريقيا وأحيانا يلبس زى قبائل شمال أفريقيا والمشهد كله مشهد عبثى وكأنك بالفعل تشاهد بهلوان فى سيرك أو تشاهد مسرحية من مسرحيات اللامعقول على أفضل الأحوال.
أما إذا رغبت فى مشاهدة أسود السيرك فما عليك إلا أن تطير إلى شمال شرق البحر المتوسط وهناك تلتقى "بأسد على وفى الحروب نعامة"، وأصبح الأسد أسدا مروضا تقوم إسرائيل بالإعتداء عليه وكل مرة يصرح بأن بلاده سوف ترد فى الوقت المناسب وإلى أنه سوف يحدد زمان ومكان المعركة!! ونسى أن يقول أن زمان المعركة سوف يكون فى المشمش!! وفى الوقت نفسه يزأرهذا الأسد زئيرا مخيفا تجاه جارته القطة الوديعة لبنان ويتساقط الضحايا بصفة موسمية وبمحض الصدفة يكون القاسم المشترك الأعظم بينهم هو معارضتهم لنظام الأسد وتدخله فى شئون لبنان.
وقبل أن نترك لبنان لابد أن نذهب جنوبا لكى نشاهد مشعوذا آخرا يطلق على حزبه لفظ الجلالة ويطلق على "نصره" أنه "نصر إلهى" ويقوم بوضع العقدة فى المنشار ويقوم بدور فتوة السيرك و لايستمع إلا لصوت مروضه القادم من بلاد فارس.
وإذا أردت أن تشاهد أفلام الرعب الحقيقية، فما عليك إلا أن تتجه شرقا حيث بغداد "قلعة الأسود" وهناك تشاهد أسودا حقيقية تلتهم وتقتل الحملان الوديعة من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، و أسود بغداد لهم مروضون من مختلف البقاع فهذا مروض من بلاد فارس، وآخر مروض من بلاد الجزيرة العربية، وثالث مروض من البيت الأبيض، ورابع مروض من مخلفات صدام والأسود تقتل كل من يصادفها بدون تفكير ولا رحمة وحسب أوامر من يروضوها.
وإذا أردت حقيقة أن تشاهد من يلعبون على الحبل، فما عليك إلا أن تتجه غربا مرة أخرى حيث أرض الكنانة (بالمناسبة هى الكنانة يعنى إيه) حيث تجد أن بلاد الكنانة بقدرة قادر وبقدرة ساحر السيرك قد عادت إلى الوراء أجيال كثيرة وتجد هناك من يلعبون على كل الحبال قومجية ماشى إسلاموية ماشى، عسكرية فاشية ماشى، وماستر السيرك يمسك بالكرباج يطرقعه فى الهواء كلما أراد أن يحقق الإنضباط، وكله ماشى!!
...
... وقديما كانت هناك وظيفة يطلق عليها "مهرج الملك"، أما زعماؤنا فقد إستغنوا عن هذه الوظيفة خفضا للنفقات، وأصبحوا هم المهرج والملك والرئيس والزعيم والكل فى الكل!
.....
و فرق السيرك عادة فرق عائلية يتوارثها الأبناء بعد الآباء،لذلك نجد أيضا أن السيرك القومى العربى يتبع نفس السياسة فها نحن نرى التمهيد لتوريث ألعاب السيرك للأبناء، والسؤال هو: هل سيصبح الأبناء فى مهارة الآباء فى إستخدام الكرباج؟ وهل تظل الجماهير مشاركة فى ألعاب السيرك أم أنها ستزهق يوما ما وتقلب خيمة السيرك على من فيها؟!!
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونيه