كتَّاب إيلاف

الاستحقاق النيابي الأردني القادم ... خطوة نحو ماذا؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أيام قليلة تفصل المواطن الأردني عن الانتخابات البرلمانية القادمة في العشرين من شهر نوفمبر القادم، حيث يتنافس المرشحون على 110 مقعد نيابي التي سوف يتكون منها مجلس النواب الأردني وهو الخامس عشر طوال ثمانية عشر عاما من الحياة النيابية الأردنية والتعددية الحزبية التي بدأها المرحوم الملك حسين عام 1989، وهذا يعني أنه مع المجلس القادم يكون معدل عمر أي مجلس نيابي أردني لم يتجاوز سنة وشهرين. إن أهمية المجلس القادم تأتي من خلال ما أشيع من تشكيك في مصداقية الانتخابات البلدية السابقة خاصة من حزب الحركة الإسلامية وتهديدهم بمقاطعة هذه الانتخابات النيابية، ثم إعلانهم المفاجىء عن مشاركتهم فيها وتحديد مرشحيهم لخوضها، وأعقب ذلك تأكيدات قوية بدءا من الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت بضمان نزاهة الانتخابات النيابية وحيادية الحكومة إزاءها، مما مهّد لذلك اللقاء بين رئيس الوزراء وممثلين عن الحركة الإسلامية يوم العشرين من سبتمبر الماضي، وكان عبد اللطيف عربيات الأمين العام السابق لجبهة العمل الإسلامي قد وصف اللقاء بأنه (كان صريحا وبداية جيدة بين الحركة والحكومة خصوصا بعد الأزمة الأخيرة التي يمكن القول أنها مضت بكل ما فيها من تفاصيل، من أجل مصلحة الوطن وإعادة توحيد صفوف الأردنيين خصوصا في ظلّ الأزمات والمخاطر التي تحيط بالمنطقة...وأن الحزب والحكومة في خندق واحد لمصلحة وخدمة المواطن والوطن، لكن كل واحد منّا بطريقته لا سيما أننا حزب معارضة يمكن أن نتفق أو نختلف مع الحكومة في الطروحات والأراء...وإن وعد الرئيس بمزيد من الإجراءات التي التي تعزز شفافية ونزاهة الانتخابات تعيد مصداقية هذه الحكومة في انتخابات تعتبر الأهم في الحياة السياسية الأردنية).

ومن المهم ملاحظة موضوعية هذا الطرح المختلف بشكل جذري عن تصريحات زكي بني ارشيد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الأردنية، فمنذ انتخابه أمينا عاما منذ نهاية عام 2005 وهو مصدر العديد من التصريحات ذات الطابع التأزيمي للعملية السياسية والحزبية والانتخابية. وهناك حسب ما ورد في (عمان نت) بتاريخ الثامن من أكتوبر 2006 من يرى (أن ترشيح زكي بني ارشيد الشخصية الإشكالية في الحزب قد تمّ مواجهته بالرفض من قبل عدد من القيادات التاريخية للحركة الإسلامية، حيث قيل في حينه أن اعتذار المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السابق عبد المجيد الذنيبات عن ترشيح نفسه لولاية جديدة في قيادة الإخوان جاءت بعد خلافات داخلية ضد ترشيح بني ارشيد لقيادة الجبهة، بحجة أنه مقرب من حركة حماس). وكان آخر تصريحاته الاستفزازية البعيدة عن منطق السياسي الذي يحترم كافة قطاعات شعبه، هو ما صرّح به لجريدة (جوردان بيزنس) إذ كما نقلت جريدة الرأي الأردنية يوم التاسع من سبتمبر الماضي،قد قال. (تزعم الحكومة أن قانون الانتخابات 1993 جاء لدعم المناطق الأقل حظا والذين يسكنون في المناطق الهامشية، وهولاء الناس في هذه المناطق أقل تعليما ومعرفة ثقافيا وسياسيا، لذلك يجب أن لا يشكلوا أغلبية في البرلمان). وقد قوبلت آنذاك تصريحاته بنقد شديد من برلمانيين وإعلاميين، كان من أبرزها ما قاله رئيس مجلس النواب الأسبق سعد هايل السرور إذ قال (نربأ بأنفسنا أن نقسم الأردن، إننا نفترض بالنواب أنهم يمثلون كل الأردن لا مناطقهم فحسب....وإذا كان بني رشيد لا يعلم أو غير متابع ولا مطلع على الحياة الديمقراطية أنه في كل العالم تراعى ظروف المناطق في التمثيل في البرلمانات من ناحية المساحة الجغرافية والظروف الاقتصادية والاجتماعية والكثافة السكانية) مذكّرا إياه بالخبرات والكفاءات العديدة التي عرفها الأردن من أبناء تلك المناطق التي يستخف بها بني ارشيد، وكان من أطرف وأقوى من ردّ على تصريحاته الاستفزازية تلك الكاتب الأردني الساخر عبد الهادي راجي المجالي، ومما جاء في ردّه آنذاك: (بدو الأردن وإن غابت شمس الإنصاف عنهم، ولكنهم يشرقون في صباحاتنا كل يوم عسكرا وأساتذة جامعات وأطباء ويشرقون وطنا على الوطن...فهم الذين قاتلوا وما استكانوا حين وجب القتال، وهم الذين أسسوا أول مداميك العسكرية والخير وهم الذين اسمعوا صهيل الخيل للعدا، وما جفلت تلك الخيل ولا عادت بفرسانها...ولا نريد للذين يجهلون التاريخ، ويعتقدون أن " تمسيد اللحى"" وشتم الناس صار وظيفة، بأن يتطاولوا على مكون من مكونات الدولة وعلى ألقها وكبريائها...ومع ذلك لا نملك إلا أن نقول جملة واحدة نعاتب فيها الزمن الذي أصبح فيه البعض يتطاول على المسلمات والمقدسات وضمير شعب كامل...نهاية المقال كله كلمة واحدة تشفي من غليل القلب قليلا وهي " هزلت ").

وقد تندر الشارع الأردني على بني ارشيد مذكرين بأن أصله من استوكهولم السويدية وربما من فيرجينيا الأمريكية، كما صدرت العديد من البيانات والتصريحات عن عشائر أردنية تندد بتصريحاته تلك، مهددة بمقاضاته خاصة أن تلك الإساءات لأبناء العشائر والبادية موثقة في جريدة (جوردان بيزنس) مهما حاول التنصل مها، والغريب أن الحركة الإسلامية التي يصف رئيسها أهل البادية بالتخلف وعدم التعليم، تعاملت هي بعشائرية وقبلية لا مثيل لها مع ردود الفعل المذكورة، فبدلا من اعتذار زكي بني ارشيد عن تصريحاته تلك الموثقة في جريدة أردنية، ذلك الاعتذار الذي كان سينهي المشكلة وتداعياتها، حاول التملص منها ونفي صدورها عنه بشكل ملتوي، ولمّا استمرت ردود الفعل المستنكرة كان تعامل الحركة الإسلامية العشائري القبلي بأن دعت عشيرتها وقبيلتها من المناصرين والمصفقين إلى ما سمّي (الملتقى الشعبي لمؤازرة زكي بني ارشيد) يوم الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي، وكان حشدا قبليا من مختلف الأطياف، وكأن الشخص نفسه أصبح قضية في مستوى وطن بكامله،يستدعي هذا الحشد من الأنصار والمؤازرين والمصفقين بغوغائية متناهية حيث اعتبروا النقد الذي وجه له من العشائر التي أهانها في تصريحاته بأنه (نوع من الاغتيال السياسي) حسب قول بعض المتحدثين في الملتقى الشعبي المذكور، قافزين بقبلية عمياء على أن تصريحاته أكثر من اغتيال لكافة الخبرات التي خرجت من تلك العشائر، لأن من يقودون الأردن في كافة المجالات العلمية والفنية والأكاديمية هم من أبناء تلك العشائر، والمشاركون في ذلك الملتقى يعرفون ذلك.

قانون الصوت الواحد وخلافات الحركة الإسلامية

ومن المعروف أن هذا القانون الذي ينظّم طريقة التصويت في الانتخابات منذ عام 1993، قد جاء بديلا لنظام القائمة المفتوحة الذي كان يسمح للناخب أن يصوّت لعدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد النيابية المخصصة لمنطقته الانتخابية، لينصّ على التصويت لمرشح واحد فقط ممن رشحوا أنفسهم في دائرته الذين هم عادة من اثنين إلى تسعة. وقد قوبل هذا القانون بانتقادات شديدة من العديد من القوى السياسية، إلا أن الموقف التطبيقي منه كان متذبذبا حتى في داخل الحركة الإسلامية، فقد هددت بمقاطعة انتخابات 1993 إلا أنها شاركت فيها، ثم قاطعت انتخابات عام 1997، ثم شاركت في الانتخابات اللاحقة إذ كان لهم في البرلمان الأخير الذي انتهت سنواته الأربع في يونيو الماضي 17 نائبا من 110 عدد أعضاء البرلمان، وهي نسبة بسيطة لم تكن تؤثر في أي قرار تراه أغلبية ما في البرلمان. ومما يؤكد وجود خلافات أساسية داخل الحركة الإسلامية أن بعض المراقبين للشأن الأردني يتكلمون ويكتبون علنا عن تيار حمائم و صقور، معتبرين أن قائمة المشاركين في الانتخابات القادمة استبعدت الرموز المتطرفة التي تسعى للصدام مع الحكومات الأردنية بغض النظر عن الظروف والأسباب أي الصدام لمجرد الصدام للبقاء في الصورة الإعلامية الفاقعة، وهذا ما يؤكده عودة الرموز المعتدلة التي أسهمت في انتشار الجماعة الإسلامية وقاعدتها الجماهيرية مثل عبد اللطيف عربيات وإسحاق الفرحان وعبد المجيد الذنيبات ورحيل غرايبة، بعكس آخرين مثل زكي بني ارشيد الذي أشاع نفورا من الحركة الإسلامية ليس في أوساط الحكومة فقط بل في قطاعات من الشعب الأردني، لأن النائب في أي دولة يركّز جهوده لخدمة بلده ودائرته الانتخابية، في حين أن زكي بني ارشيد من تصريحاته ومواقفه أعطى انطباعا على أنه ممثل حركة حماس في الأردن أكثر منه كسياسي أردني، خاصة تلميحه بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية في يناير 2006 إلى أن أية انتخابات نزيهة في الأردن ستكون نتيجتها وصول الإسلاميين للسلطة.

احتمالات طرح الثقة في بني ارشيد

لذلك بدأت المعلومات حول الخلافات داخل الحركة الإسلامية حول مركز بني ارشيد تنشر علنا، مما يعني أن موقعه أصبح في مهب الريح خاصة بعد تصريح عبد المجيد الذنيبات المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين الذي قال فيه صراحة (إن بني ارشيد لا يصلح أن يكون أمينا عاما للحزب)، ولما كان أهل مكة أدرى بشعابها فقد نشرت جريدة المجد الأردنية المعارضة يوم العاشر من شهر أكتوبر الحالي معلومات مفصلة عن هذه الخلافات تحت عنوان. (اجتماع وشيك لمجلس شورى الإخوان المسلمين لطرح الثقة بأمين عام جبهة العمل الإسلامي)، ومن المعلومات التي نشرتها الجريدة (أن الخلافات الحادة تدور بين تيار بني ارشيد المحسوب على التشدد الراديكالي، وتيار رحيل الغرايبة نائب الأمين العام المحسوب على خط المهادنة والاعتدال الذي كرّسه داخل الحركة الإسلامية لعدة أعوام الشيخ عبد المجيد الذنيبات، ومن الأسباب التي يطرحها تيار المعتدلين لطرد بني ارشيد من زعامة الحركة:(إفساد العلاقة التاريخية الحميمة التي كرّسها حكماء الإخوان بين الحكومة والحركة الإسلامية، وكذلك تعزيز العلاقة بأكثر من اللازم بين جبهة العمل وحركة حماس الفلسطينية، وأيضا تأزيم العلاقة مع بعض أحزاب المعارضة)، وهذا يذكرنا بالموقف الشجاع والجريء لأحزاب المعارضة الأردنية التي رفضت المشاركة فيما سمّي (الملتقى الوطني) الذي دعا له حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون) في يونيو الماضي عقب انقلاب حماس في قطاع غزة وبعد أن أيدوا علنا كل ممارسات حماس وتعدياتها، أطلقوا على ذلك الملتقى (إطلاق مبادرة لحل الأزمة الفلسطينية)، فرفضت كافة أحزاب المعارضة المشاركة فيه، مطالبين (الحركة الإسلامية بعدم المحاولة لنقل ما يجري من صراع في الأراضي الفلسطينية إلى الساحة الأردنية، مؤكدين التفافهم حول القيادة الهاشمية التي ما توانت للحظة عن تقديم الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة...،أن الأمن في الأردن خط أحمر لن يسمح لأية جهة أو حزب أو طرف المساس به لخدمة حالة التفهم والتبرير التي يسوقونها) كما أعلن ذلك صراحة الدكتور منير الحمارنة آنذاك باسم أحزاب المعارضة الأردنية، فهل كل هؤلاء على خطأ وبني ارشيد وتياره فقط هم الذين يحملون الحقيقة المطلقة؟.

التنجيم السياسي مهنة للإسلاميين فقط

ومما يؤكد وجود هذه الخلافات الحادة بين تيارات الحركة الإسلامية ما صرّح به نقيب المحامين الأردنيين صالح العرموطي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين والمدعوم منهم، حيث انتقد بشدّة في لقاء له مع " الجزيرة نت " نهاية سبتمبر الماضي، قرار الجماعة المشاركة في الانتخابات النيابية القادمة محذرا الحركة الإسلامية مما سمّاه (استدراجها واستغفالها) معتبرا أن هذه المشاركة (مقدمة لاغتيال الحركة الإسلامية سياسيا)، ويمكن أن نعتبر أن هذا رأي خاص بالعرموطي هو المسؤول عنه ومن حقه التعبير عن أرائه، ومن المؤكد أن له قراءته السياسية الخاصة التي أوصلته لهذا الرأي اتفقنا معه أم اختلفنا، ولكن ما لا يمكن فهمه هو ممارسته مهنة التنجيم السياسي عندما يتنبأ في نفس المقابلة ب (أن مجلس النواب القادم سيكون أسوأ مجلس في تاريخ الأردن " و " محذرا من تمرير مشاريع الكونفدرالية حسب الشروط الإسرائيلية ". لم أفهم على أية معطيات اعتمد في أن هذا المجلس سيكون أسوأ مجلس في تاريخ الأردن، والانتخابات لم تجرّ بعد و لم يعرف أسماء الفائزين فيها؟ أليس هذا نوع من التنجيم أو التذاكي السياسي غير الموضوعي؟ وما دخل الكونفدرالية بمجلس النواب القادم تحديدا، خاصة أن الملك عبد الله الثاني شخصيا وكافة المصادر الحكومية أعلنت أكثر من مرة في الشهور القليلة الماضية بصراحة صارمة، أن الأردن لن يتعاطى مطلقا بموضوع الكونفدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدودها المرسومة بوضوح وتقبل بها السلطة والشعب الفلسطيني، وبعد ذلك فالكونفدرالية خيار يقرره الشعبان الفلسطيني والأردني. وضمن نفس السياق فالسلطة والشعب الفلسطيني ضد خيار الكونفدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فلماذا هذا الزج والخلط بين موضوعات لا علاقة بينها سوى الظهور الإعلامي الفضائي، خاصة أن الجميع ممن يقرءون السياسة بشكل جيد، يعرفون أن الكونفدرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بحدودها التي يقبل بها الفلسطينيون أنفسهم، لا تعني سوى تمرير الحل الإسرائيلي الذي لن يعطي الفلسطينيين سوى جيتوات من الضفة الغربية معزولة ومقطّعة الأوصال، وهو ما لن تقبل به أية حكومة أردنية خاصة أن قرار فك الارتباط عام 1988 كان أشجع القرارات الأردنية في زمن الملك حسين، لأنه كان تأكيد على الكيانية الفلسطينية التي يجب أن تتجسد في قيام دولة فلسطينية مستقلة عوضا عن استمرار البعض رفض هذه الدولة على اعتبار أن الضفة الغربية جزء من المملكة الأردنية الهاشمية.

قوانين الانتخابات والتنمية السياسية

وعودة للقوانين الانتخابية وعلاقتها بالتنمية السياسية في أي بلد، فلا بد أن تأخذ التركيبة الاجتماعية للبلد في الاعتبار فليس هناك تنمية سياسية بشكل مطلق، فما ينفع في بلد ليس حتميا أن ينفع في بلد آخر، كما أن الديمقراطية الحقيقية التي تعيشها بلدان أوربا الغربية والولايات المتحدة لم تأت في يوم وليلة، بقدر ما هي نتاج تربية وثقافة وممارسات في البيت وبرامج تعليم من دار الحضانة حتى الجامعة، فليس هناك مواطن يولد ديمقراطيا أو تسلطيا، وبالتالي فإن العديد من الاعتراضات على العشائرية التي يرسخها قانون عام 1993، ليس القانون وحده هو المسؤول عنها بقدر ما هو الناخب والمرشح أيضا اللذان في مجموعهما على مستوى الوطن يشكلان تركيبته الاجتماعية، والعشائرية أو القبلية ملازمة للمجتمعات قليلة السكان التي لم تتوفر لها وسائل العيش المتنقل عبر مساحات الوطن عندما يكون شاسع المساحة كما في مصر مثلا، حيث من الصعب وجود عشيرة أو قبيلة واحدة متمركزة في نطاق جغرافي واحد، وتقيم أعرافها وتقاليدها الخاصة بها، بينما نجد ذلك في منطقة سيناء شبه القاحلة في مصر، حيث ما زالت القبائل والعشائر موجودة وبشكل أكثر تماسكا عما هو في الأردن، وهذا يعني أنه لا بد من تربية وثقافة وممارسة تفكك التطبيق الميداني لمفهوم العشيرة، بمعنى أن التضامن العائلي مطلوب ولكن بعيدا عن الممارسة السياسية وتوابعها، والملاحظ أن الذين ينتقدون العشائرية التي يرسخها القانون المذكور يعتمدون في الغالب على العشيرة لضمان نجاحهم في الانتخابات، وهذا يعني أنهم يطالبون بأمر ويمارسون نقيضه، ورغم ذلك لا بد من العمل الجماعي الودي بين الحكومة والنواب والبرلمان للوصول إلى قانون انتخابي عصري يلبي متطلبات التنمية السياسية التي تلائم المجتمع بكافة قواه الاجتماعية والسياسية، وهناك من الخطوات التي يجب تثمينها في التطور بين قانون وآخر، فقانون الانتخاب الأخير لعام 2001 مقارنة بما سبقه من قوانين، احتوى على بعض التطويرات المهمة، خاصة خفض سن الناخب من 19 إلى 18 عاما، مما يعني زيادة ملحوظة في عدد المشاركين في الاقتراع، كما تمّ زيادة المقاعد النيابية من 80 إلى 110 مقعدا، مما يعني تمثيل أوسع للمواطنين،و تخصيص حصة للنساء تضمن لهن 6 مقاعد في مجلس النواب وبدون هذه الحصة ما كانت ستصل أية امرأة لمقاعد المجلس في ظل سيادة مفاهيم المجتمع الذكوري في غالبية الأقطار العربية.

لذلك فإن الانتخابات البرلمانية القادمة في الأردن من الممكن أن تكون خطوة مهمة في مسار تجذير وتوسيع المسار الديمقراطي الأردني على ضوء التأكيد الحازم للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني: (نحن ملتزمون هذا العام بإجراء انتخابات نيابية نزيهة، يشارك فيها الجميع لأننا نؤمن أن الأردن هو لجميع أبنائه وبناته، بغض النظر عن أي انتماءات سياسية أو حزبية أو عشائرية، إننا نأمل أن تؤدي هذه الانتخابات إلى انتخاب مجلس نيابي قوي، يكون بحجم الطموحات والتحديات التي تواجه مسيرة هذا الوطن)، وهذا يتطلب قدرا عاليا من المسؤولية بعيدا عن الأساليب الاستفزازية التي أصبحت سمة ملازمة لبعض قيادات الحركة الإسلامية لغرض الصراخ ولفت الأنظار فقط، بدليل إدانة بعض هذه القيادات لهذه الأساليب، وكما يؤكد واحد من عقلاء ومعتدلي هذه الحركة وهو الدكتور رحيل غريبة - المساعد الأول للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي - (أن الانتخابات سوف تجري وفقا لقانون الانتخاب القديم الذي يحظى بنقد شديد من مختلف أطراف الطيف السياسي، إلا أننا جميعا مدعوون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق بذل الجهد من الإعلاميين والكتاب والسياسيين وأصحاب المواقع المؤثرة بتعزيز ثقافة انتخابية راقية قادرة على تجاوز ثقافة شراء الذمم وبيع الأصوات والتعصب المقيت وضرورة الارتفاع إلى المستوى الذي يليق بوعي الشعب الأردني واتساع نطاق التعليم فيه، وارتفاع مستوى الشهادات العليا الذي ينبغي أن ينعكس إيجابا على طريقة الفرز والانتخاب، ومقاومة الأمراض الفتاكة الغريبة على حس المجتمع الأردني المثقف....طرق الباب بشكل دائم لا يتوقف، والإصرار على الجهر بالرأي الحر السديد هو المنهج الذي ينبغي أن نتفق عليه في هذه اللحظة، لأن ذلك سوف يدفع حتما نحو التغيير وليس الانسحاب والعزلة والجلوس في البيوت، ولذلك أقول كلمة لكل المترددين والذين غلب عليهم التراجع والانسحاب، الأفضل أن يكون لموقفك أثر، بأن تمنح صوتك لمن يحمل فكر الإصلاح والتغيير، ويحمل همّ الأمة حتى لا يأتي أصحاب الأجندات الشخصية وأصحاب البرامج الضيقة). هذا الصوت العقلاني في صفوف الحركة الإسلامية جدير بالاحترام والدعم، خاصة أنه هو صاحب شعار (التصعيد ليس هو الحل)، لأن أصحاب التصعيد والاستفزاز عليهم أن يتذكروا أن الإخوان المسلمين في الأردن طوال العقود الستة الماضية، كانوا في رعاية وحماية البيت الهاشمي في الوقت الذي كانوا في أقطار مجاورة وما زالوا يتعرضون للتعذيب والسجون وقانون الحكم بالإعدام على من ينتمي لهذه الجماعة، وهذا لا يعني أن يكونوا (شاهد ما شافش حاجة) أو (شاهد زور)، بل عليهم الاستمرار في العمل الدؤوب من أجل المزيد من الإصلاحات الداخلية وتوسيع هوامش الديمقراطية وتطوير المجتمع للوصول إلى الآفاق المطلوبة، ولكن بإسلوب ونهج الدكتور رحيل غرايبة الذي يقول للحكومة نحن لسنا معنيين بالسلطة ولكن بمستوى وحياة المواطن الذي يجب أن تتوفر له كل مقومات الحياة الكريمة ضمن معرفتنا بظروف الأردن الإقتصادية والظروف الأمنية التي تحيط به شرقا وغربا. تلك هي ظروف وتداعيات الاستحقاق النيابي القادم في الأردن، وما هي إلا أيام قليلة ونعرف أين رست سفينة الناخب الأردني وعندئذ لكل حادث حديث.
ahmad64@hotmail.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف