كتَّاب إيلاف

جيوبوليتيك الصهيونية: إستراتيجيات إسرائيل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عرض وتحليل كتاب "جيوبوليتيك الصهيونية، إستراتيجيات إسرائيل".

المؤلف: فريدريك أونسل. (بروفسور في العلوم السياسية و الجيوبوليتيكية في الجامعات الفرنسية).
دار النشر: أرموند كولان ـ باريس 2006 ـ 320 صفحة.


أولا ـ المنهج
يقدم المؤلف في مدخل الكتاب الطرق التي استخدمها أو تبناها لتحقيق الشكل العام لمؤلفه ولمحتوى هذا المؤلف. فبالنسبة للشكل، السؤال الذي يطرح من قبله، هو كيف يمكن بناء مخطط يغطي بشكل متزامن حركة إيديولوجية تمتد جذورها الأقل قدما إلى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، إنها الصهيونية، والتي لم تصبح دولة إلا فيما بعد، في منتصف القرن العشرين. الدولة هذه، هي ثمرة سياسية وامتداد مؤسساتي للفكرة الإيديولوجية. فهل كان من الأفضل القطيعة؟ أو الاستمرار؟ الكاتب يقول:"حتى لا نضحي بأي من الفكريتين اللتين تم تحقيقهما، قررنا تبني خطوة في نفس الوقت تأريخية و أخرى تتعلق بجوهر الموضوع.
ضمن هذا المعنى يقتبس المؤلف"فريدريك أونسل" مفهوم " إيف لاكوست" للجيوبوليتيك، حيث تحليل الجيوبوليتيك لا يعني أن نحصي عدد المدافع أو براميل البارود في لحظة معينة، ولا يعني الاكتفاء بسرد أو الحديث عن المبارزة الدبلوماسية أو العسكرية. الجيوبوليتيك يتطلب تحليل وبأولوية البيانات، المستندات والمخططات، بشكل آخر للقول، إدراك الماهية و الهوية اللتين تطورتا خلال "زمن طويل"، أو معرفة ظاهرة سياسية معقدة جدا وغير معروفة بشكل كاف، هي الصهيونية. ولإيضاح هذه الهوية يعطي المؤلف الكلام لمنظري الصهيونية الأوائل للحديث عن إيديولوجيتهم التي أدت في النهاية لقيان بلد "قديم/حديث" وفق التعبير الشهير لمؤسسه " تيودور هرتزل".

أيضا بالإضافة لذلك يلجأ المؤلف لدراسة الجوانب الجغرافية و الإستراتيجية للصهيونية أكثر مما هو لإسرائيل. إن جيوبوليتيك الصهيونية و إستراتيجيات إسرائيل كما يراهما "أونسل" تقود لدراستها: بين التيارات السياسية اليهودية في روسيا القيصرية وحتى نهاية القرن العشرين، مرورا بالإمبراطورية العثمانية، وبين القوى الأوربية، وفي النهاية بين العرب وإسرائيل.

عمليا كتاب " أونسل" ليس للحديث عن تاريخ الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي بل معالجة وتحليل للصهيونية وإسرائيل. في جميع الأحوال لا يهمل المؤلف السياق الصراعي مع العرب والفلسطينيين، وبشكل خاص عرب المشرق. ولكنه يؤكد أن دراسة الصهيونية ليست مرتبطة بشكل جوهري بالعرب أو المسلمين، حيث أصولها العميقة هي بكاملها غريبة.

ثانيا ـ أسئلة و خطوط عامة
يرى "أونسل" أن واحدة من أهم الظواهر الأكثر أهمية و التي يمكن ملاحظتها عندما نتطرق لموضوع الصهيونية و إسرائيل، إنه الافتتان الذي تحدثه هذه المواضيع البحثية وعلى المستوى العالمي. قبل الدخول في تحليل مجموعة من الحقائق السياسية،الجيوبوليتيكية و الجيوبوليتيكية العليا، و التي نستطيع أن نكرس لها كل العمل؛ نقول أن الكثير من بين 7 أو 8 مليون من اليهود في "الشتات" في العالم من المهتمين بالصهيونية يدركون بسهولة أن 290 مليونا من العرب المهتمين بالصراع الإسرائيلي/الفلسطيني هو ظاهرة طبيعية، ويمكن أن يتم تفهم هذا الاهتمام على الصعيد الإسلامي أيضا. ولكن أن مجموعة من الشباب اليابانيين لم يروا يوما أي يهودي أو حتى أي عربي يقومون باغتيال "الأعداء الصهاينة" على بعد 12000 كيلومتر من بلادهم فهذا صعب الفهم والإدراك عليهم.

إذا وفق المؤلف هناك افتتان في العالم و إعجاب بقراءة الصهيونية وثمرتها السياسية إسرائيل، ثم أكثر أو أقل باليهودية. لكن التناقض وفق "أونسل": " الصهيونية كحركة أصولها و أساسها علماني وسياسي تبحث عن اقتلاع اليهود من أبعادهم الثقافية و الدينية التي تعود لآلاف الأعوام من تاريخ اليهودية. و البعد السياسي، الإقليمي و القومي لليهودية، الذي استمر عشرة قرون مستمرا عبر القديم من "داوود" و ما بعد داوود،كان غريبا وجديدا عن حضارتي المسيحية و الإسلام ولم تفهمه أو تدركه ولا حتى تقبله. اليهود بقوا بالنسبة لهاتين الحضارتين "يهود/دين" و ليس "يهود/شعب"، و بالتالي مطالبتهم المفاجئة بقيام "اليهود/الدولة ـ الأمة" كانت مدهشة و مذهلة، مزعجة و مسخطة.

أنثروبولوجيا، الكنيسة لم تستطع التوقيع على هذا الشيء لأنه إذا "اليهود التائهون وصلوا" وفق التعبير الشهير لصاحبه" ألبيرت لوندرز"، واحدة من أهم المشاهد المسيطرة للأحكام الدوغماتية على غرار "الشعب القاتل للمسيح" سوف تتهدم ويقضى عليها. هذه الحسابات الأساسية تبين رفض الصهيونية من قبل " Saint-Siegrave;ge" في عام 1904 وأيضا لدولة إسرائيل وحتى وقت متأخر واستثنائي امتد إلى عام 1993.
في العقد الأخير الذي نعيشه، عدد من المسيحيين اليساريين أعطوا للفلسطينيين رمزا "مسيحوي" christic، تجسد في وسائل الإعلام حيث "ياسر عرفات" المسلم، يحاول بلا نتيجة وبسبب اليهود حضور القداس في بيت لحم. الأوربيون لا يذهبون إلى الكنيسة، هذا قليل الأهمية بالنسبة لهم. المسلمون، من غير الدخول في تطورهم اللاهوتي، يعطون قيمة لليهود كأول ديانة توحيدية، و لكن بكل تأكيد ليس كأمة منفصلة، فخيانتهم المتعاقبة للأنبياء المرسلين (موسى،عيسى،محمد) أبعدت عنهم هذه القيمة أو الوضعية.
الصهيونية إذا من الناحية التاريخية غير عادية وغير مألوفة ولاهوتيا هي بدعة أو هرطقة، وأما إسرائيل يجب أن تحارب(بفتح الراء) بكل قوة على أرض هي مسلمة منذ غزو عمر بن الخطاب لها في القرن السابع، حيث كانت القدس عاصمته!! نضيف على ذلك ودائما وفق "أونسل"، أن عددا من العرب المسلمين أو غير المسلمين، تحدثوا في سنوات 1940ـ 1960 إلى اليهود المهاجرين لإسرائيل قائلين لهم بأنهم ناكرين للجميل، عندما تركوا بعض المجتمعات العربية التي كانت متسامحة معهم أكثر من أوربا المسيحية.
أما في تحليله لاستراتيجيات إسرائيل فيرى "أونسل" أنه ليس من الضروري هنا قراءة هذه الاستراتيجيات من حيث هي استراتيجيات دولة، فهي على كل حال تتعرض لنقد من جميع مواطنيها الذين يحترمون من قبل دولتهم. ويعود المؤلف لتعريف شائع للدولة هنا "الدول ليس لديها إلا المصالح"، وحتى الدولة العبرية تشكل امتدادا إيديولوجيا وفيا للحركة الصهيونية عند "بن غريون" في الثلاثينات من القرن الماضي ولكن في مقاييس أقل "هرتزلية" لعام 1900 (من هرتزل المؤسس)، حيث أنها تتصرف براغماتيا ضمن سياق وظروف خاصة بها.
ضمن هذا المعنى، تقوم الدولة باستراتيجيات ذات طبيعية "تدخلية" بل " إمبريالية" وفق العديد من المراقبين أو على الأقل كما رأى الجنرال شارك ديغول في عام 1967، ولكن هذا لا يصدم أحدا وكل نقد لهذه القرارات السياسية خاضعة للتحليل وللنقاش كمل يقول المؤلف. فعلى رأس الديمقراطية الإسرائيلية، حيث الفرقاء يتناوبون على الحكومة وفق إيقاع تراقبه وسائل الإعلام، البرلمان الإسرائيلي" الكنيست" و المحكمة العليا "باكاتز"، الخيارات الإستراتيجية تتبدل وفق الضرورات التي تفهم كما هي وأحينا وفق تعبيرات إيديولوجية.
فيما تبقى، وحول موضوع الحدود، عقود للتسليح، هوية أسطورية "مأسطرة"، ذاكرة جماعية محافظ عليها، من سلام و حرب، سنكون تماما في حكم تحديد شكل للتطور والسلوك،بنيويا و نوعيا، هو إسرائيلي. وفي كتاب "أونسل" الذي بين أيدينا، واحد من مواضيعه الهامة هو مراقبة الخطوط الإستراتيجية الكبرى للدولة العبرية، وليس الكشف فيه عن أصول أساسية أو "وراثية" للدول العبرية هي غير موجودة.
إذا جيوبوليتيك الصهيونية وإستراتيجيات إسرائيل هي أشياء فاتنة و جذابة بالنسبة للمؤلف حتى يدخل فيها ويحللها. وهذا ما سنتابعه معه في الأجزاء القادمة.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحية
مدمن ايلاف القبطي -

شكرا نرجو ان تستمر في اكمال العرض ممتع ومفيد الي حد كبير

تعليق
عصام -

من ناحية علم الأجتماع نجح مؤسسوا دولة اسرائيل في تاسيس مجتمع الى حد ما متجانس لليهود القادمين من دول عديده ويحملون ثقافات وافكار وعادات متنوعه ومختلفه واندمجوا غي المجتمع الجدبد في فترة لا تتجاوز الستين سنه و نجحوا في تاسيس دولة ديمقراطيه وصناعيه ذات ناتج قومي يفوق اغلب الدول العربيه