كتَّاب إيلاف

المثقف العربي والسلطة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس عيبا ان ندرس مجتمعاتنا العربية بالمقارنة مع مجتمعات الغرب الذي قطع شوطا في بناء الحضارة وتحقيق الرفاهية لابنائه, فالتاريخ علمنا انهم قد استفادوا من علومنا وتقدمنا يوم كان لنا علوم وتقدم غادرنا منذ قرون وبقينا نلوك بذكراه كتاريخ عتيد ومجيد وتليد وما الى ذلك من كلمات لا تقدم سوى الامراض النفسية والانشداد الى كل ماهو بال عفى عليه الزمن.
اذن مالضير في ان نعمل العقل لفائدة شعوبنا و نستفيد ممن استطاع حل معضلاته لنمسك ولو بخيط واحد يعتبر حلا لما وصلنا اليه من فوضى وعلل اجتماعية وسياسية لا تنتج سوى القهر والهجرة والتشتت في بلدان العالم الفسيح مودية بنا بالتالي الى ان نكون ضمن حضارات سادت ثم بادت؟
من هذا المنطلق احب ان اقارن علاقة المثقف العربي بالسلطة قياسا لعلاقة المثقف الغربي بها.
لا يخفى على احد مالتأثير الثقافة على حياة الشعوب وتطورها، فاهمية المثقف وأفكاره تبقى ميراثا تعود له الاجيال ابدا، اما السياسي فهو لا يشكل سوى وضع طارئ لمهمة تنتهي بانتهاء نزوله عن الكرسي اوالمنصب الذي يجعل اسمه معروفا في الاوساط الاعلامية, ذلك الاسم الذي يزول بزوال المؤثر غالبا " السلطة ".
اتذكران احدى اخواتي سالتني يوما وهي تدفع بي صوب الثقافة وكتابة الشعر والادب بعيدا عن السياسة وطموحاتها قائلة:
هل تعرفين من هو رئيس الوزراء زمن شكسبير اواي سياسي بارز في زمانه؟
اجبت بالنفي فقالت لي وهل يوجد من لا يعرف شكسبيرالمبدع او ان لا يحفظ له على الاقل مقولته الشهيرة:

to be or not to be "اكون او لا اكون"؟
الفرق بين المثقف والسياسي، هوان السياسي مهما كان عظيما تبقى فائدته مؤقته، وقد يترك باحسن الاحوال عبرة يعتبر بها واثرا جميلا ومثلا يهتدى به، لكن المثقف تأثيره أعم وأكبر وأشمل وأبقى، فهو الينبوع الذي تشرب منه الاجيال اينما كانت وكيفما تكون, فالثقافة تبني الاجيال على مر العصور وحاجة المجتمعات للمثقف اكبر من حاجتها للسياسي مهما كان دوره..
الذي دفعني لهذه المقالة وتذكري ما دار بيني وبين اختي، هو العبودية التي أراها عند مثقفينا العرب، فكم من كاتب او شاعر يتباهى قراؤه بقراءتهم لكتاباته وافكاره، ويحتفظون بنتاجاته كأهم واثمن مايملكون, او فنان مبدع نحفظ فنه عن ظهر قلب ويتراكض الجمهور لاخذ صورة معه او الاحتفاظ بتوقيع صغير له, وكم من مبدع نحبه بكل براءة وصدق ونورث حبه لابنائنا, نراه ينحني بقامته التي نجلـّها ليقبـّل يد ملك لا فضل له على البشرية سوى انه ابن ملك!
متى يدرك مثقفونا العرب انهم اهم ملايين المرات من ملك اورئيس اووزير اوسفير اومسؤول؟
متى نعرف ان الحضارة لايبنيها السياسي, انما تبنيها العقول المثقفة والابداع من فكر وادب وفن.
متى يتذكر مثقفونا تعريفا شهيرا لمعنى السياسة يسير عليها اغلب السياسيين والتعريف يقول:
السياسية بحر والسياسي من عبر البحر ولم يغرق"
وقد فهم اغلب السياسيين, ان عبور البحر فيه الكثير وفيه اسماك القرش القاتلة التي لابد من مواجهتها حتى وان كان على حساب كل القيم وكل الناس، كما ان البحر فيه الحيتان وفيه احياء يمكن استغلالها والعبورعلى ظهورها ليكون السياسي ناجحا حقا وينتهي به الامر الى عبور البحر..
ان رؤية المشهد الثقافي العربي, قد باتت ضبابية ومشوبة بصور الرؤساء والملوك والمسؤولين والسفارات والاحتفالات والولائم وضجيج المنتفعين بعيدا عن هدف الثقافة الحق وبعيدا عن احداث اي تغيير نافع، حتى غدا المثقف العربي في غالب الاحيان يدا مساعدة لأصحاب الكراسي المهزوزة.
واسفة اقول:لقد انقلبت الموازين, فبدلا من ان تكون السياسة خادمة للثقافة, منحنية لها من اجل البناء الحضاري للمجتمع، صارت الثقافة جسرا وحجة بيد السياسيين ليعبروا بحره المرعب المليء بمعارك الظلم والنصب والاحتيال، فهمهم البقاء على الكراسي التي نفخ بها المثقفون بعلمهم او بدونه لتكون ساحرة وسهلة الحصول من قبل اغلبية القادة المصابين بداء العظمة وجنونها..
حتى اضحت المناسبات السياسية منبرا لاستغلال المثقفين وجرهم الى السكوت عما يفعله السياسي وغض الطرف عما يجري من اصحاب المناصب للمنافع الشخصية، كما استطاع بعض المسؤولين تكوين صداقات كاذبة مع المثقفين مشترين بذلك اقلامهم وافواههم وعيونهم، مما ادى الى ابتعاد نسبة كبيرة من المثقفين الحريصين على هدف الثقافة النبيل عن اجواء المنظمات لثقافية والديمقراطيةالتي تحولت في اغلب الاحيان من منظمات معارضة للسلطات الى منظمات داعمة لها, مصفقة وهاتفة بحياتها ضمن جماهير البسطاء والخائفين على لقمة العيش, سيما قد استعمل السياسيون اسلوبا حقيرا بتجويع المثقف الذي وجد نفسه مضطرا لان يكون صوتا للذي يدفع والجوع ابوالكفار وسيدهم المطاع.
وهناك اسماء لمثقفين سطعت ولا زالت تضيء حاضرنا كما اضاءت تاريخنا المعاصر, هذه الاسماء لم تبع نفسها للسلطة رغم صعوبة ظروفها، فبيرم التونسي الذي مات جائعا بعد معاناة من التشرد والفقر والتهميش، هذا الانسان المبدع كم بحث عن بصلة يؤجل بها موته لأنه كتب قصائد ضد السلطة ايمانا منه باهمية المثقف في تنوير الناس واحقاق الحق, واحدى قصائده هي " بائع الفجل" التي ينتقد بها المجلس البلدي حيث يقول في خاتمتها:
يا بائع الفجل بالمليم واحدةً كم للعيال ِ وكم للمجلس البلدي؟..
بينما كانت فوقية أبنة الملك فؤاد سبب معاناته وعمله عتـّالا في ميناء مرسيليا بعد ان انتقد زوج ابنة الملك حيث قاسى سنوات من النفي والحرمان، وهنا نتساءل ما فضل فوقية على البشرية؟
وهل توزن هذه المرأة بميزان واحد مع بيرم الذي ترك لنا روائعه التي تغذي ارواحنا؟ ....
Balkis8@gmail.com
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف