منطلقات الفكر السياسي صراع حتميات أم تكامل وجودي؟؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"إذا أراد الإنسان يومًا أن يجد حلا لمشكل السياسية فعليه أن يقاربه من خلال الجماليات، إذ لا يمكن للإنسان أن يشقّ طريقه نحو الحريّة إلا عبر الجمال"
(شيلر: رسائل حول التربية الجمالية للإنسان)
ينظر كثير من المحللين بشك وريبة الى الطروحات السياسية المتعلقة بالديموقراطية والعلمانية والحريات الفردية... كما يشككون في انتماء أصحابها و وطنيتهم و وقوميتهم و دينهم وعروبتهم، وغالبًا ما تُثَار علامات الإستفهام حول الأفراد الذين يتبنون الفكر العلماني لا سيما في منطقة الشرق الأوسط في الوضع الراهن، حيث يوضع هؤلاء الأفراد في خانة "العملاء" فهم يُصَّنفون على أنهم يريدون تسويق المشروع الأميركي في المنطقة.
بيد أنَّ حقيقة الإشكالية وصلبها يقع في البنية المؤسسة للفكر، فالتاريخ الثقافي للأمم أثبت فشل الأنظمة الصادرة عن تعميم صورة نموذجية واحدة، تُفرض وكأنها الترياق الشافي لكل المشكلات وأن على الشعوب اتباع هذا النموذج " الكليّاني"، فمن الدواعي الأساسية لفشل الستالينية واللينينية، أنها قبعت ضمن إطار مرسوم للنموذج ولم تتحرر منه، ولم تتمسك بحكمة التثاقف والتلاقي مع المجتمعات الأخرى والأديان المتنوعة؛ أيضًا المشاريع القومية العربية منها وغير العربية فشلت لأنها أرادات أن تقدم صورة نموذجية واحدة عن اجتماع الاقوام في المملكة الإنسانية.
ونحن اليوم أما نموذج "كلياني شمولي جديد " يتمثل بإدارة المحافظين الجدد، يَفرض على البشرية باللين تارة وبالحروب تارة، نموذج يعتمد فكريّا على حتمية الصراعات من خلال مقولة هنتنغتون، ويتستر عمليًّا بستار نشر الديموقراطيات في العالم ومكافحة الإرهاب هذا الواقع، دفع بغالبية شعوب المنطقة بطبيعة الحال، الى رفض كافّة الطروحات التحررية ووضع أصحابها في دائرة التخوين دون تمييز، والمراقب اليوم يجد أن معظم الحركات التي قامت لترسي مفاهيم التعددية الثقافية وغيرها وتؤسس الديموقراطية وتفتح الأبواب للتحرر، انتهت الى بث الفوضى والذعر والرعب ونشرت البلبلة من أفغانستان الى العراق.
فالطروحات الثقافية التي فرضتها ادارة المحافظين الجدد لم تأخذ بعين الاعتبار تعدد مستويات الواقع، كما أغفلت ان الكائن الانساني هو محور المدنيّة لا العكس، كما أنها فرضت توسع المدنية ذات "النمط الاميريكي"، على العالم كله الامر الذي وضع الناس امام نتائج كارثية.
إذن تكمن الإشكالية في محنة العقلية الأحادية، التي تختزل المفاهيم الإنسانية والحضارية برمتها في بُعد واحد فقط، و تحصر الحلول في نموذج واحد فقط، متجاهلة كافة الأنماط الثقافية المغايرة ومختزلة الواقع بمستوى واحد، معتمدة المعنى الديني فقط من الجانب الثقافي، مما وضع الشعوب أمام حتميّات أيديولوجية قُدّمت كنظريات ثابتة لا نقاش فيها.
فهنتغتون أدخل البشرية في خرم حتمياته الفكرية من خلال إطلاق الأحكام المسبقة على الأديان وصراعاتها وتصنيفها، تمامًا كما فعل سيد قطب قبله عندما اختزل الإنسانية كلها بالحضارة الإسلامية، تمامًا كما قرر ابن خلدون أن القوّة المحركة لتاريخ الأمم هي العصبية التي لا تتم من غير شوكة واضًعا الأمم وطبائع العمران أمام تسلسلات حتمية.
ربما اليوم نحتاج الى فكر يعكس وجوه التنوع الثقافي الهائل للكائن الانساني، وذلك من خلال ترجمة أي ثقافة في اي عصرمن العصور، الى اي ثقافة أخرى، سواء وجدت في نفس العصر او اي عصر آخر. واضعًا في حسبانه مستويات الواقع المتعددة بحيث يتم التحاور الفعلي بين الثقافات دون ان يؤدي ذلك الى ذوبانها.
و تصبح التعددية الثقافية المعنى تعدادًا، تشبه مفهوم العدد في الحساب، الذي يجعل من اضافة وحدة الى عدد ما عددا جديدا، ويصبح التنوع الثقافي وتعدد مستويات الواقع هو اللحمة التكاملية للوحدة الوجودية والكونية، لأنها تفترض منذ البداية تعددًا أصليًّا ونسبيّة قائمة في جوهر الأشياء، وتكمن الوحدة وراء هذا المفهوم عن التعددية، فنكون في النهاية أمام مفهوم وحدة الكثرة.
أمام هذا الطرح تكون مفاهيم الجمال هي معبر لحل الازمات بما فيها السياسية، عندها سنجد في قراءة ابن رشد مدخلا، ونستشرف أفق الانسانية من خلال تجارب مثقفو الانوار من فولتير الى ليسنغ، إنها رؤية ثقافية مشرقة ومتفائلة تستوعب المغاير والمتغير، وتحترم ثقافات شعوب نُسجت بالذاكرة والأرض، بالجسد والمقدس بالغيب وبالواقع، وتطرح روابط تضامن القيم والفكر والمآلات المشتركة لبني البشر.
عن هذه الرؤيا تتولد العلمانية التي لا تغفل عمل الروح والقلب والتي تحترم الأديان والثقافات، وعن هذه الرؤيا تتولد الديموقراطيات الحقة التي تحترم حقوق الكائنات الانسانية، وعن هذه الرؤيا يتولد التسامح الحقيقي ويولد السلام.
عندها نجد حلولا لمشكلاتنا السياسية من خلال مقاربة صوفية!!!... ربما
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
كاتبة لبنانية
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات
حرية رفض الاحسن
د. رأفت جندي -مبدأ الأجبار علي الافضل هو فكر مرفوض, وغو فكر كل الظالمين سواءكان الاقضل في نظرهم هو دين او عقيدة او فكر ثقافي او نظام اجتماعي. وعلي هذا فالديمقراطية المفروضة مرفوضة ايضا. سأل السيد المسيح المريض المقعد من سنوات طويلة هل تريد ان تبرأ؟ ولم يفرض عليه الشفاء, ايضا قال للجموع من يريد ان يتبعني فلينكر ذاته ولم يفرض علي احد ان يتبعه بالرغم من انه قال لهم جئت ليكون لكم حياة. الرب الاله خلقنا بحرية الأرادة وسلبها حتي للاحسن ليس فكر الله. نقطة اخيرة هل نحن نرقض الديمقراطية ام حكامنا الذين يرفضوها؟
مقال رائع
د. رأفت جندي -سامحني نسيت ان اقول انه مقال رائع وفكر راقي
ماهو السر إذاً ؟
خوليو -وصلت الكاتبة لنتيجة توافق عليها كل االعقول المنفتحة التي ترى أن في التعددية المصاغة في برنامج حضاري تعددي، تؤدي للتقدم، تبقى بقعة عتمة لم توضحها الكاتبة وهي : ماهو السر في أن المجتمع الذي يعيش فيه هنتغتون يسمح له بقول رأيه ويسمح لآراء أخرى بضحده ومناقشته والتقليل من أهميته، بينما في مجتنع سيد قطب لاتزال الرؤية الأحادية المضادة للتعددية هي المسيطرة وهي المالكة للحقيقة برأي أصحابها؟ يجب أن يكون هناك أسباب يتحاشى معظم كتابنا الخوض فيها.
الديمقراطية
مازن احمد -الديمقراطية ليست فكرة انما سياسة اخذة للارتقاء بنوع وشكل المواطن الذي يتطلع اليها ونجد جميع الدول التي تتخذ من الديمقراطية شعار لها تؤمن بمبدأاحترام حقوق الانسان والتداول للسلطة ولكننا لا نستوعب مثل تلك الكلمات لان المؤسسة الدينية التي تحكم الفكر العربي مسؤسسة بالية عفى عليها الدهر لذلك نجد الكثير من المفردات التي تخص حياة الناس مثل الديمقراطية والعلمانية .. الخ أفكار غربية المنشأ فنجد بعض الاقلام التي تربت تحت طاولة الحكام لاتؤمن بمثل تلك المصطلحات ,,
مجتمع سيد قطب
حمزة -لا يعقل ان يقوم مثقف الزعم بان مجتمع سيد قطب قائم في اي مكاناو انه قام حقيقة منذ انتهاء الخلافة العثمانية بعد تكالب القوى المسيحية عليها مدفوعة بقوى اليهود. واذا ظن نصف المثقف هذا ان ما هو قائم من ظلم وفساد هو مجتمع اسلامي او مجتمع سيد قطب فانه لا يدرك حقيقة الاوضاع وغاب عنه ان الداعين لصيغة المحافظين الجدد من الديموقراطية لن يسمحوا لمجتمع متسامح كذاك الذي دعا له سيد قطب بان يقف على رجليه الا اذا قضى الله امرا اخر