كتَّاب إيلاف

الإعلام والمادحون، المتفاخرون, المتلونون

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يشكل الاعلام في كل بلد في العالم خطا تربويا مؤثرا سلبا أوايجابا، فحينما الاعلام يرتقي بما يطرح من فكر وقيم وشخصيات ونقل للحقائق بدون كذب وزيف، سنكون امام مجتمع راق، وبعكس ذلك حينما يركز الاعلام على الشخصيات الانتهازية مبررا لها مواقفها المغلوطة، نكون امام تردي للقيم وابتعاد الاعلام عن رسالته المفترضة بنقل الحقائق والبحث عنها بنزاهة وصدق.
وبرغم ان غالبية الاعلام العربي لا تنطبق عليه رسالة الاعلام النزيهة،اذ باتت رسالته خدمة السلطة وتوجهات المتسلطين والمنتفعين ورجال المال من مالكي الفضائيات ودور النشر والصحف والمجلات والمواقع ومستخدمي طاقمها، الفارضين شروطهم على جميلاتها وكوادرها، المستعملين اسلوب الطغاة ذاته بالترغيب والترهيب، لذلك لانستغرب حينما يطبل هذا الاعلام المتردي للشخصيات المادحة والمتلونة والمتفاخرة والرخيصة، واعجب من اعلامنا الذي لايرى ولايسمع ولايتأكد مما يحصل ليشجع الجرائم ويساوي بين الغث والسمين، فلقد رأيت بأم عيني حراميا هاربا من الشرطة الاوروبية التي ملت من ملاحقته، يخرج علينا في احدى الفضائيات متحدثا عن الشفافية والديمقراطية، كما عجبت من شاعر خـَجل َ من مواقفه الانتهازية يستضيفه الاعلام العربي ويمنحه فرصة تبرير مواقفه الانتهازية ليقول ان عدي بن صدام شهيدا، برغم ان ضيفهم هذا طلب اللجوء السياسي لدولة اوروبية احترمته وآوته زمن مجازر ارتكبها صدام وابنه عدي، وعاد اليوم ليبيض جرائمهم، لاسباب لاتخفى على كل ذي لب، مما ذكرني ببيت شعر عربي يقول:

انا في زمان ٍ غادر ٍ ومعاشري يتلونون تلون َ الحرباء ِ

ليس عجبا ان يكون في زماننا حراميا او انتهازيا مداحا، لكن العجب ان يحتفى بهم على شاشات الفضائيات وفي الصحف والمواقع!
وبرغم كل ماتعانيه الشعوب من خذلان سياسي، نرى هؤلاء يلعبون دور المنتصر والمكتشف اكسير الحياة، بكلماتهم الطنانة وحركات اجسادهم المتفاخرة، مبررين امراض العظمة لطغاة ساديين بقولهم:
ان الشعر العربي مدح وفخر والادب العربي خطابات تمجيد وخيال بعيد عن الواقع, لهذا لابد من احترامهم اذ يفعل مايفعله شعراء الزمن المنصرم..
وبما انه كان كذلك فهم يريدوننا ان نبقى كما كان الشعر قبل الف عام او اكثر، مدح وتفاخر" وشمخرة" كاذبة، اي انهم يريدون ان يمحوا كل هذه المئات من السنين بكل مابها من تطور وتغيـّر في الحياة ليبقى الشعر فخرا ومدحا بالملوك وبملاك المال والسلطة...
فاي اعلام هذا الذي يريدونه لنا؟ واي فائدة من استضافة هكذا نوع من البشر ليس لديه مايعطيه للاخرين من فكر وفائدة سوى الظهور بمظهر المنتصر بسيف القرون الاولى، لكنه سيف كلمات عابرة بلهجة عامة مصفطة بطريقة بسيطة بعيدة كل البعد عن فنون اللغة وقواعدها وجمالياتها، سَهل َ عليهم رصفها باسم الشعر الشعبي الذي وجد له جمهورا غفيرا من المصفقين لكثرة مالدينا من امية وجهل وابتعاد عن الثقافة الحقة نتيجة مشاكل سياسية تخلف العلل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المدمرة..
والاكبر كارثية ان الاعلام العربي لم يبق هو المتفرد بتسليط الضوء على هؤلاء، انما الاعلام الغربي هو الاخر صار بعضه لايخجل من تلميع وجه مجرم او سفاح او غبي من امة العرب حيث امتدت اموال يعرب لتخرس السنة ملوك وقادة برلمانيين في دول كانت ولازالت شعوبها تخرج عن بكرة ابيها بسبب انتهاك حق طفل او حياة حيوان يقتل.. فهل انقلبت الدنيا لترضى هذه الشعوب بما يحصل اليوم؟
أم أن أموال العرب تحاول تخدير قادة الحركات ومسخ الديقراطية والشعور بالمسؤولية ازاء الانسان والذي تمتع ويتمتع بها الغرب على مدى نصف قرن من الزمن؟
لعلنا هنا أمام تساؤلات خطيرة، فهل كبر الفساد الى الحد الذي صار ينتشر لأبعد من مرابع العرب، لكي يحطم قيما وتقاليدا عريقة، كانت لوقت طويل قويمة في مسارها، كقيم الحق والعدالة والمساواة والديمقراطية؟
هذه القيم التي نستطيع اعتبارها من الثوابت والأسس التي ترتكز عليها الكثير من حضارات العصر الحديث والتي سارت بالانسان صوب السلام والرفاه؟
فما بال الإعلام الغربي اليوم الذي اعتبرناه قدوة لنا يسقط سقطات مخيفة أمام اعيننا رغم صرخات مضادة من شعوب اعتادت على سماع اصواتها واحترامها على مدى نصف قرن من الزمن؟
هل امتد ت امراض تأليه قادتنا لملوكهم ورؤساهم؟ ففرضوا على الناس وعلى الاعلام مافرضه اصحاب السيادات علينا؟
وهل بلغ الامر حدا يشبه ما يفرضه الناشر الذي يملك وسائل النشر على الصحفي والكاتب، حيث يستعبده ويستغل حاجته احيانا بالوعود وبدراهم بسيطة لاتساوي ثمن فكره وسهره ومثابرته؟
ومثلما يـُفرض على العامل مايريده صاحب المعمل بتحديد اجوره مهما كانت قاسية فيكتب معه عقد اذعان قاس مستغلا اضطراره للقمة العيش، وان طالب بزيادة اجره وتحسين ظروفه العسيرة يعتد السيد الغني المتسلط بمبدأ "ان العقد شريعة المتعاقدين"، ناسين ان الدنيا قد تغيرت, وان هناك مايسمى مباديء حقوق الانسان يحترمها العالم ويكرهها اغلب العرب والمسلمين..
ومثلما يـُفرض على الفلاح مايريده مالك الارض من انتهاك لابسط حقوق الانسان متذرعا بحاجة البشرية للطعام والشراب ولو على حساب الفلاح، وقد يخرج عليه بايات قرآنية وفتاوي تحرم الاحتجاج لان الفلاح واجبه اطعام الناس وعليه تتوقف حياتهم؟
هل يفرض على الاعلام والاعلاميين مايريده اصحاب الكراسي من سيادات وسعادات وحضرات ونحن نتفرج على هذا المهرجان الكبير بكل صخبه وضجيجه منتظرين الوعود؟..
Balkis8@gmail.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف