الحمير في الأفلام المصرية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حدثنا أبو سفيان العاصي -تجاوز الله عنه- بأنه كان عطوفاً على الحيوانات، يلمّ بشأنها ويدافع عنها.. وأكثر ما كان يشده ويتعاطف معه من هذه الحيوانات "الحمار"، معتبراً نفسه مسؤولاً عن تعثّر أو وجع أي حمار في "الحارة"، مردداً في جلساته ومحاضراته أن الحمار أكثر الكائنات الحية تعرضاً للظلم عبر التاريخ.
وقد كان شيخنا أبو سفيان يقول: ومن طريف ما لاحظته على الحمير أنني كنت مرة شاخصاً ببصري أمام التلفزيون، أقلّب بـ"الريموت" -أو "المتحكم" كما يقول الفصحويون راغبو التعريب- وإذا بي أشاهد فيلماً من الأفلام المصرية القديمة التي يرجع عصرها إلى أيام الملك فاروق، وكان المشهد يضمّ حماراً أبيض اللون، وسيم الطلعة!
تأملت الحمار -في ذلك الوقت- فوجدته "يحمل آذاناً طويلة"، وكعبه محنى وعيونه "حلوة وعسلية"، تشعر أنه حمار بمعنى الكلمة "ملو هدومه"، يمشي واثق الخطوة، التفاتته كأنها التفاتة ملك من ملوك مملكة "حِمْيَر"، علماً بأنه لا يلتفت إلا لأمر عظيم أو حدث جسيم، إذ ليس من شأنه التدخل فيما لا يعنيه، إذا ركبه صاحبه وجده قوياً ممتلئاً، وإذا نظر إليه رآه كائناً بديعاً "يسرّ الناظرين"، لو اشترك في سباق "مزايين الحمير" لكان فيها الأول، رغم أن كل الحمير "مزايين"!
صحته مكثفة محتدمة بعافة الخليج -كما هو تعبير الشاعر الروعة محمد الثبيتي-، أرجله -الملك لله- تنهب الطريق، تتحرك وفق توازنات العرض والطلب، وخطوط الطول ودوائر العرض.
أما نهيقه فكأنه نغمة موسيقية، أين منها مقاطع بتهوفن وموازين السلّم الموسيقي.. إنه يصدر أصوتاً تسر السامعين تذكّر بما قاله الفيلسوف الحجازي حمزة شحاتة -رحمه الله- حين قال إن صوت الحمار المُنكر ليس راجع لقبح صوته، بل راجع إلى أن الإنسان لم يتعود أن يسمع "الأصوات" التي يتغنّى بها الحمار، لأن الحمار يعزف على درجات صوتية لا تتوافق مع "الذائقة البشرية"، إذا فالخلل في الأذن البشرية وليس في أصوات الحمير الموسيقية!
عندها -والحديث لشيخنا أبي سفيان العاصي- حرّكت "الريموت" وقلّبت "القنوات"، وإذا بي أقع في فيلم حديث، يضم "حماراً" آخر!
عندها بكيت لـ"حال الحمير"، وأنا الذي نذرت نفسي للدفاع عنهم، بكيت للحالة التي ظهر فيها الحمار، حيث بدا هزيلاً حزيناً، إذا رأيته حسبته جداراً يريد أن ينقضّ، وإذا مشى ظهرت عليه ملامح "التخبّط"، وتصرف وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة، مخيراً نفسه بين مرارة الانكسار أو بشاعة الانتحار!
حتى النهيق في الفيلم كان وكأنه "بكائيات عاشوراء" أو "ثكلى نياحة تبكي ولدها"، وقد ظهر في عينيه وكأنه يقول: ليتني متّ قبل هذا وكنت جثماناً منسياً.. باختصار تشعر بأنه حمار لا يمثل نفسه، ولا يمثل عشيرته الحميرية! إنه حمار لا يشبه الحمير، ليس "ملو هدومه"، بل من غير هدوم أصلاً، يلتفت يميناً ويساراً وكأنه دجاجة حائرة في طريقها، يتدخّل في كل قضية كالكتّاب "الكشميريين"، يبدي رأيه في كل شاردة وواردة!
ثم أخذ الشيخ أبو سفيان -والدمع يتصبّب من عينيه- يقول: تصوروا حتى القنوات الفضائية هضمت "حقوق الحمير" حين منعت هذه القنوات -رغم ردائتها وفُحشها- أغنية "بحبك يا حمار، يا عم الحمير كلهم".. مُنعت رغم أنها تشير إلى أن الإنسان إذا ارتقى في فنّه أصبح حماراً، وعلى ذلك يُحمل ما جاء في لسان العرب من أن كلمة "فنان" تعني حماراً لتفننه في العدو والحركة!
وسامح الله شاعراً بشرياً قال ذات حماقة:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَعْشَقْ، وَلَمْ تَدْرِ مَا الهَوَى
فَقُمْ فَاعْتَلِفْ تِبْناً فَأَنْتَ حِمَارُ!
Arfaj555@yahoo.com
كاتب المقال واحد من عمّال المعرفة
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية