كتَّاب إيلاف

السياسة والعمل الانساني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"إن عملية إعادة الحقوق لأصحابها لا يسمّى عطاءً، ولكي يوصف أي عمل بأنه إنساني ينبغي أن يُقدّم دون مقابل.."

لا شك في أن عمق الصراعات والنزعات المسلّحة الذي يشهدها العالم تضع المجتمع الدولي أمام الكثير من التحديّات خصوصًا على المستوى الإنساني، فلم يَعد بوسع الدول تجاهل حجم الدمار الهائل أو حجم المعاناة الإنسانية التي ترزح تحت وطأتها الشعوب المنكوبة، فالنتائج الكارثية للحروب اتسعت خصوصًا في ظل التنامي المتسارع لكافة أنماط التبادلات الدولية سواء على الصعيد الإقتصادي المادي أو على الصعيد الفكري والثقافي.

والمراقب اليوم يجد أن حالات التدخل الدولي في الدول التي شهدت صراعات مسلحة خلال التسعينيات شمل دول كثيرة منها تيمور الشرقية وأفغانستان والشيشان وكوسوفو وجنوب السودان... و قد تضاعفت هذه التدخلات مع مطلع الألفية الثالثة خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في العراق وفلسطين ولبنان، و قد باتت تؤدي دورًا محوريًّا مباشِرًا في عملية إدارة الصراعات من جهة وإدارة الأزمات المترتبة عليها من جهة أخرى.

وقد تنوعت أنماط التدخل الدولي غير أننا نسجل عدة ملاحظات منها:
bull;أن عمليات المساعدة والإغاثة كانت غالبًا ما تخضع لأجندات سياسية، فكانت المساهمات الديبلوماسية وعمليات الأعانة تشكل ورقة ضغط أحيانا وتتلازم مع الأهداف السياسية المعلن منها وغير المعلن.
bull;كما نرصد غياب المشاركة الذي يتميز بعدم اكتراث دولي للعنف البالغ الذي تصطبغ به صراعات معينة لا سيما فيما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي، فوضع "غزة" الحالي خير شاهد على عصر الهمجية، إذ أنه ينذر بكارثة انسانية حقيقية، كما أن مجزرة قانا في جنوب لبنان تمت تحت أعين المجتمع الدولي.
bull;أن التدخل الدولي في بعض الصراعات كان يجري عن طريق استخدام القوة المسلّحة لصالح طرف من أطراف النزاع ضدّ الأطراف الأخرى، يعقبه فرض وصاية دوليّة على الأراضي التي توصف ب"المحررة".

هذه الأنماط من التدخلات ولو تواكبت مع الدعم الانساني، جعلت الشعوب تنظر بكثير من الريبة والشك حتى حيال عمل المنظمات الدولية العاملة في الميدان الانساني، فالانسان البسيط ينظر الى "الأجنبي " او الغريب أنه غازيًّا، ولو قدّم له المعونة، وفي هذا السياق لا بد أن نسجل نقطة غاية في الأهمية خصوصًا فيما يتعلق بالحرب على العراق، وهي أن منظمات العمل الانساني الغير حكومية، لا سيما الأوروبية منها، قد تعرّضت إلى ضغوط بالغة، من قبل رعاة الحرب على العراق مطلع 2003، وذلك بهدف دفعها للإعلان عن موقفها من الحرب بشكل صريح، علمًا أن العاملين والمتطوعين في ميدان الإغاثة هم دعاة اللاعنف والسلام، ولديهم الرغبة الواضحة في الابتعاد الجليّ والكلّي عن الموقف البريطاني - الأميركي الداعي للحرب على العراق.
وحول هذا السياق يشير روني برومان وهو رئيس منظمة اطباء بل حدود، إلى أنه قد عُرِض على عدد من المنظمات الإنسانية مدّها بأموال حكومية أمريكية للانضمام الى "التحالف " لأداء دور "إنساني " في ظل الحماية والتنسيق لعملية أطلق عليها " حريّة العراق " والحرب كانت ما تزال في طور التخطيط.

إن الإدارة الأميركية ربما أرادت من خلال إلحاق منظمات الإغاثة بركب الحرب البرهنة على إلتزامها بالقيم الأخلاقية وابداء اهتمامها بالمدنيين، لذلك فإن الكثير من العراقيين بكافة شرائهم ينظرون إلى تلك المنظمات على انها "مكاتب استعمارية" تابعة لواشنطن.

يقول:" ستيفن جونسون " نائب مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون الإنسانية حول دور ذلك
" ينبغي علينا في ظلّ ظروفٍ معينة أن نتساءل عن مقدار سعادتنا بأداء مثل هذا الدور: فهل نريد حقًّا القيام به وهل أُسِّسَت منظمتنا لهذا الغرض؟ "

ومهما يكن فإن المصاعب بدون شك واجهت وكالات الأمم المتحدة العاملة في الإغاثة التي استطاعت أن تحول المعضلات السياسية الى قضية لجمع الاموال بهدف الاعانة.. وهنا يتساءل المرء: هل تحول دور المنظمات الانسانية من دور عطائي الى دور دعائي تتستر خلفه القوى السياسية من أجل تمرير مشاريعها؟؟؟

لقد أوضح ذلك أندرو ناتسيوس مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ، في كلمته التي وجهها الى المنظمات الأمركية الغير حكومية إبان الحرب على العراق، بأن المنظمات التي تُمارس أنشطتها بمقتضى عقود أميركية تشَكّل: " راعًا للحكومة الأميركية " ويتعين عليها أن تُنجز مهمة أفضل لتسليط الضوء على صلاتها بإدارة بوش إن هي أردات مواصلة تلقي أموالها.

ربما من حق الشعوب المنكوبة في المنطقة لا سيما العربية منها أن تشعر بعدم الطمأنية الى المساعدات التي تُمنح لها ، في وقت تحول مصطلح "إنساني" الى مصطلح " دعائي" فالإدارة الاميركية قامت بتوظيف كل المصطلحات الانسانية النبيلة من الحرية والعدالة من أجل مشروعها السياسي والاقتصادي في المنطقة مستخدمة كل الوسائل لتحقيق ذلك بما في ذلك التستر خلف الاعمال الانسانية

إن حقيقة العمل الانساني تكمن في استقلاليته عن اي تبعية سياسية وينبغي ان يُقَدّم دون اي مقابل، لا أن يكون مفروضًا او الزاميًّا بموجب القوانين، أو دينًا يسدد على صورة تعويض عن ضرر او أذى تتسبب الإدارات السياسية للدول به، فإعطاء الفرد سلعة كنا قد حرمناه منها لا يُعدّ تبرعًّا، وإعادة الشيئ لمالكه الأصلي ليس هبَة!

ويحضرني الآن موقف مازال مطبوعًا في ذاكرة طفولتي إبان الاجتياح الاسرائيلي على لبنان عام 1982 أنه اثناء اجتياز امرأة عجوز لأحد المعابر وهي تحمل امتعتها على رأسها حاول أحد عمّال الإغاثة الأجانب مساعدتها، نظرت إليه بعمق رافضة العون متنهدة قائلة: " أكبر مساعدة يمكن أن تقدمونها لنا هي أن تتركوننا وشأننا وتنصرفوا!!"

1- Jack Epstein , Charities at odds with Pentagon : Many turn down work in Iraq because of US restrictions , San Francisco Chronicle , 14 June 2003


Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
روائع
وليد الجزار -

محطات رائعه فى كتاب ايلاف بدايه للمستشار العشماوي مرورا بمروه كريديه....احيانا اشكر ايلاف من قلبي

مروه حياديه
وليد الجزار -

اقترح اسم جديد للكاتبه مروه كريديه وهو مروه حياديه ...فليس لها اجنده مسبقه مدفوعه من اى جهه خلاف معظم الكتاب ولا تحابي طائفه ولا معسكر بل تكتب بشفافيه مطلقه

أطباء حول العالم
خوليو -

منظمة غير حكومية تعمل في فلسطين منذ 1995 وتقدم مساعدات صحية وطبية وإنسانية مشهود لها وتقوم بإدانة اسرائيل وفضح قمعها ومعاملتها للفلسطينين، تجمع التواقيع وتراسل رؤساء الحكومات الأوربية للضغط على اسرائيل، تفضح بناء الجدار وتطالب بإزالته، ترافق وتذهب لبيوت العائلات المنكوبة والمحاصرة عند الهجوم الإسرائيلي وتنشر ذلك على صفحات مواقعها، ولانتكلم عن الإمدادات الصحية والمساعدات لتخفيف آلام المصابين، قارني هذه الأفعال مع قتل شاب فلسطيني في غزة من قبل من تدافع عن قضيتهم أطباء العالم، لأنه مسيحي لم يمتنع عن بيع كتبه الدينية، ثم فكري في تلك المرأة اللبنانية التي قالت للمساعد الإنساني حلوا عنا، التعبئة الدينية الموجودة عندنا تعمي الأبصار والقلوب فلا يفرق المواطن بين الصالح والطالح، ومع كل ذلك لاتتخلى أطباء العالم عن مد يد المساعدة.

انتقائية القس
برسوم الايلافي -

لكنك ايها القس العلماني لم تكتب سطرا واحدا عن المسلمين الذين قتلهم المسيحيون الموارنه في تل الزعتر ورسموا الصليب على صدورهم بالاتهم الحادة عاش مسيح المحبة والسلام ؟!!

سوء الفهم
بهاء -

مثال المرأة العجوز على المعبر يشير لسوء فهم كبير بين الشرق والغرب، فالناس هنا لا تميز بين الشعوب الغربية وساستها ورأسماليتها النهمة. الغربيون ككل البشر يتحلون بالطيبة والسماحة وزاد هذه الأخلاق تركيز كبير على تنمية القيم الإنسانية ونشر مبادئ المساواة والتسامح الإنساني، وذلك على عكس سياسييهم (بالذات بالدول الفاعلة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا). وبالمقابل تجد سوء الفهم لدى الغربي عن الشرقي حيث غلبت صورة الإرهابيين المتأسلمين على صورة الإنسان العادي المسالم، ولعبت هنا وسائل الإعلام دورا كبيرا بتشويه الصورة المتبادلة بين الشعوب، وهذا للأسف ما أسميه انتصار العنصريين الجدد في البيت الأبيض ومدعي حماية الدين بالشرق الحزين.

برسوم المسكين
خوليو -

يعيش برسوم خارج الزمن ، الموضوع هو عمل المنظمات الإنسانية التي لايعرف برسوم المسكين عنها شيئاً، نحدثه بالشرق يجاوب بالغرب، كل المنظمات غير الحكومية بالعالم، أدانت مذبجة صبرا وشاتيلا وفي أوروبا رفعت عدة منظمات دعوة قضائية ضد شارون وفي بروكسل أدانته المحكمة لجريمته بفعل ضغط المنظمات الإنسانية التي تنتسب للجنس البشري يابرسومي ، ماعلاقة هذا الفعل البشع بذبح فلسطيني بسكين فلسطينية وبدم بارد كل ذنبه لأنه مسيحي، ويعيش بين منظمات إسلامية على ما يبدوا برسوم وإخوته وخواته أعضاء فيها يقتاتون من فتاة الحضارة وعلى هامش الإنسانية ، في أوربا المنظمات الإنسانية التي ساعدت البوسنة بالطعام والكساء والعلاج لاينكرها سوى الجهال الذين يعيشون في الظلام والذين لايدرون في أي كوكب يعيشون.

منظمات مسيسة
محمد المشاكس -

إذا نظر الأعمى إلي من مؤسسي أطباء بلا حدود فسوف يجد برنارد كوشنير أكبر المطبلين للحروب في الوقت الحالي من مؤسسيها وكل مافعله الرفيق الكوشنير له غاية سياسية والساذج فقط يؤمن بالرسالة الإنسانية لهذه المنظمة التي أجبرتها الظروف وتدفق المتطوعين والمتطوعات على أداء بعض الخدمات الإنسانية أحياناً في مناطق ساخنة

الجزار
؟؟؟؟؟؟؟؟؟ -

وانت هل تدفع لك كريدية حتى تمدحها كل هذا المديح؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟