كتَّاب إيلاف

الاستثمار في الانسان.. سرنجاح التجربه اليابانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

سفير مملكة البحرين باليابان
حين قررت البدء في الكتابة عن تجربتي في اليابان فكرت أن ندخل أنا والقارئ العزيز في حوار حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في وطننا العربي والتعرف على تحدياتها وأسبابها، وطرق التعامل معها والوقاية من تكررها، مع دراسة و الاستفادة من التجربة اليابانية. وسأناقش في الحلقات القادمة تحديات التعليم في وطننا العربي والتي أرجو أن نتدارسها معا ونتواصل في الحوار عبر البريد الالكتروني. ولأذكر القارئ العزيز بأنني لست بصدد تقيم تحديات التعليم في التجربة اليابانية، بل سأركز على النقاط الايجابية في تلك التجربة التي يمكن الاستفادة منها للتعامل مع التحديات التي نواجهها. وأعتذر مقدما إن زل قلمي في أدب الحوار أو طرحت فكرة غريبة عن مجتمعنا، وكل ما أتمناه أن تكون هذه التجربة غنية للقارئ العزيز والكاتب الصديق.
وسنبدأ هذه الحلقة بدراسة موضوع الاهتمام بالموارد البشريه وتطويرها في التجربة اليابانية والتي هي على رأس خطة حكومة الحزب الليبرالي الديمقراطي في اليابان. وقد ألف رئيس الوزراء السابق شنزو ابيه كتابا بعنوان"اليابان: الأمة الجميله". وقد إهتم بطرح تصورات حزبه لتهيئة اليابان لمرحلة العولمه القادمه. وركز على موضوع التعليم والاقتصاد. وحينما استلم رئاسة الحكومة السابقة درٌس خطة التعليم مع الحكومة، وقدمها للبرلمان، وتمت الموافقه عليها بعد حوار عميق. وقد ركزت الخطة التعليمية على الثقافة اليابانية للطفل، وتعزيز حبه وأخلاصه لوطنه، وتطوير طريقة تفكيره وتنمية ذكاءه.
وأرجو أن يلاحظ القارئ العزيز بأن اليابان ثاني أكبر قوة أقتصادية في العالم، ويعتبر طلابها في مقدمة الدول المتقدمة في العلوم الطبيعية والرياضيات والتكنولوجيا، ومع ذلك أول موضوع تطرحه الحكومه ويناقشه البرلمان هو انتقاد بناء لمعوقات التعليم ومحاولة تطويره، فهل هذا هو سر تفوقهم؟عدم الرضا عما حققوه والاستمرار في الإصلاح، والاهتمام بالقوى البشرية وتطويرها. فالاهتمام بالإنسان هو سر نجاح التجربة اليابانية. كما لن يتوقف الياباني عن إكتشاف الاخطاء في أي عمل يقوم به ويحاول الوقاية منها والاستمرار في التطوير.. ويقولون من لا يخطئ لا يعمل، وكلمة المخطئ في اليابان تعني التطوير، أي الاهتمام بتقييم العمل، وإكتشاف معوقاته، والاستمرار في التطوير لمرحلة ما قبل الكمال. ولا يوجد لكلمة الكمال وجود في اليابان. فهي كلمة تعني الموت، فالكمال هو تقييم لما بعد الحياة، حين يتوقف الإنسان عن العمل لا يخطئ ولا يتطور..وحينما يكون حيا سيخطئ ومن الضروري اكتشاف هذه الأخطاء، وإصلاحها والوقاية من تكررها ليستمر التطور والوصول لمرحلة ما قبل الكمال، وقد تكون هذه الفلسفة اليابانية مهمة للتقدم والنجاح.
وأحد المواضيع المهمة التي يناقشها التعليم في اليابان اليوم، وناقشها البرلمان الياباني هي "الشخصيه المستأسدة" بين الاطفال وهي من أحد المشاكل الرئيسية المقلقة. فالمجتمع الياباني بني على كلمة "اليونيفورمتي" اي التشابه والتماثل. الكل يجب أن يكون متشابها بمواصفات معينه مدروسه. التعليم يتعامل مع المدرسة كمصنع، يدخل الطفل ويتخرج بمواصفات معينه يجب أن تكون جميعها متشابهه. لأن المدرسة تعامل كالمصنع والمدرسيين كالآلة الانسانية، وقد حددت خطة التعليم نوعية المواطن الذي تريد أن تنتجه بعد الدراسات الدقيقة. وبعد ذلك درسوا آلية العمل لانتاج هذا النوع من الطفل، وتوفير الفرص المتساوية له، والنتيجه طبعا يجب ان تكون متشابهة. وفي قائمة الاولويات تعزيز لطف وادب المعامله عند الطفل، الذي سيخلق منه فردا منتجا في الفريق المنتج.
ويشجع التعليم الياباني عمل الفريق ويقوم بغرسه من خلال حصص حوار دراسية مدروسة. حيث يقسم الاطفال في حصص الحوار لمجموعات صغيرة للمحادثة والمناقشة لتطوير قوة الحوار والعمل الجماعي عند الأطفال. وتهتم المدرسة بتعليم الانضباط واحترام الوقت وتقديسه، والإخلاص في العمل وانتاجيته، بالاضافة لتدريب الطالب للاستفاده من الرياضيات والعلوم الطبيعية والاجتماعية لحل المعضلات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.
والجدير بالذكر بان الدولة تهتم بالطفل في بداية حياته اكثر من بعد استكمال نموه اي بعد الخامسة عشر.. فالحضانه ورياض الاطفال والمدرسة الابتدائية والمدارس الوسطى توفرها الدولة وحتى السنة الخامسة عشرة والتعليم فيها إجباري حسب الدستور الياباني. أما بعد ذلك يتجه الكثير من الطلبة للدراسة بمعاهد التكنولوجيا أو الكليات ذات البرامج لمدة سنتيين. وبعدها يتخرج الطالب ويبدأ العمل في المصنع أو الشركة وطبعا مفهوم العمل في اليابان وهو الانتاجية من خلال التدريب المستمر.. كما ينتقل الموظف من دائرة لدائرة كل عدة سنوات، للمحافظه على حبه للعمل وإكتشاف تحديات جديدة للتعامل معها ولتطوير قدراته المختلفه. وطبعا تهيئ القوى العاملة لكي تستطيع القيام بأي عمل مع قليل من التدريب، استعدادا للتغيرات التكلنولوجيه وتموجات اسواق بيع البضائع. والطالب الذي يقرر أن يتوجه للدراسة الاكاديمية او التخصص في مجالات التعليم والطب او المحاماة، يحتاج إلى ان يكمل دراسته في المدرسة الثانوية ويتوجه للجامعة ليدرس في كلياتها على مدى اربع لست سنوات. ولو أمعنا النظر نجد أن النظرة اليابانية تتوافق مع حديث رسول الهدى(صلعم) حينما قال "هذبوهم لسبع، ثم علموهم لسبع، ثم صادقوهم للسبع".
وليسمح لي القارئ العزيز بالعودة معي لمشكلة "الطفل المستأسد".. فالتربية النمطيه في اليابان تلزم الاطفال ان يكونوا متشابهين في كل شئ. واذا لم نبالغ فإن جميع اليابانيين نفس الطول تقريبا،و نفس الوزن، ونفس اللباس، ونفس اللطف والادب مع قليل من الخجل والحياء، نفس الانضباط وتقديس العمل، نفس طريقة التفكير، نفس طريقة الحياة. ولو أختلف أي فرد فيكون شاذا وغير مريح للتعامل معه. وهذه مشكله كبيرة في المدرسة إذا اختلف الطفل عن الجماعة، فيتعرض للاساءة من بعض الاطفال المستأسدين. ومن طبيعة الشخصية اليابانية أنها لا تحب الأساءة لأحد ولا تتحمل ابدا أي نوع من الاساءة. والإساءة المفرطه قد تدفع بالاطفال للاكتئاب ونادرا ما تنتهي للانتحار. ومع الأسف الشديد هذه حقيقة شائعة في اليابان، وسأستعرض تفاصيل هذا الموضوع حينما نناقش تعزيز الذكاء العاطفي والاجتماعي.
ونستخلص من حديثنا بان اليابان تستثمر في الانسان، تهتم بتربيته في المراحل الابتدائية وتهتم بتعليمه في المراحل المتوسطة، ثم توجهه ليختار صيغة مستقبله. فهل سنستفيد من هذه التجربه الغنية بالاستثمار في الانسان والتركيز في التعليم على مرحلة الحضانة ورياض الاطفال، وتوجهه إلى مرحلة ما بعد المتوسطة في تجهيزه لاختيار المهنة من خلال التدريب في المدارس الثانوية المتخصصة والمعاهد التكنولوجية. فالطالب في مجتمعاتنا العربية يريد دخول الجامعة لتكملة دراسته الأكاديمية، ليتخرج وقد ينتهي ويفاجئ بانه غير مهيئ للعمل في أية مهنة.
والسؤال لعزيزي القارئ هل نضيف في وطننا العربي للتعليم الإجباري مرحلة الحضانة ورياض الأطفال وبأن تنتهي الدراسة التعليمية بعد سن الخامسة عشرة، اي بعد الدراسة المتوسطة؟ وهل تبدأ بعدها مرحلة التدريب للعمل في المدارس الثانوية المتخصصة والكليات المهنية؟ ففي المرحلة الثانوية يتوجه الطالب لاختيار تدريبه لمهنة مستقبلية، وبذلك ننظم إقتصاد التعليم، وندرب بعض الشباب بعد الدراسه المتوسطة للعمل في المصانع والبناء والبنوك والاعمال الحرة.. أما من يريد مثلا أن يصبح محاميا اومهندسا أو طبيبا او أقتصاديا او معلما، فعليه ان يكمل الدراسة في الجامعة ويتخصص. ولننجح في ذلك يجب ان نغير ثقافة الشهادات المتعمقة في المجتمع. ومن المعروف ان احد اغنى رجال العالم وهو بل جيتس المالك الاول لشركة ميكروسوفت ترك الجامعة وتفرغ لتطوير شركته.. فقد كان يدرس في احسن جامعة في العالم وهي جامعة هارفرد وقرر أن يترك الدراسة وان يتفرغ للابداع في التجارة فبدأ بشركة ميكروسوفت وحولها الى اعظم شركة في العالم وباتت تخدم العالم بأجمعه.
سفير مملكة البحرين باليابان
khalil.rasromani@gmail.com
طوكيو

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الطبيب الإنسان كاتبٌ
زهرة حيدري -

أنت مبدع في الكتابة يادكتور كونك إنسان حساس في جميع الجوانب حتى وأنت في مركز سياسي تفكر في الطفل الإنسان ،شاب وشابة المستقبل . ليتنا نجد من يستنسخ هذه القوانين الجملية من الدول المهتمة بالإنسان ويطبقها على أطفالنا الذين يسرقون جهاراً نهاراً ويتقاتلون في المدارس ويحملون الأسلحة البيضاء ولا رادع.

totally different
ahmed -

I am arabic man I am living in Japan long time, I found japanese people hate their system, they want be more open, this system started after the second world war, but now with this generation nobody accept this because in reality it''s army style. I hope Mr khalil ask directly young people in Shibuya or Shinjuku famous place in Tokyo so can catch the real think . Also one think very important now the number of poor people growing very very fast in Japan so public schools very very bad rich people bring their children to the international schools.Anyway I have many things to say but I hope you catch it by yourself there is one famous japanese proverb see one time better than listen 100 times.

انتقاد بنّاء
خوليو -

اتفق مع رؤية السيد السفير والرؤية اليابانية في المناقشة الدائمة والنقد الياباني المتواصل لمعوقات التعليم، هذه هي أولى الخطط لتحسين التعليم، ولكن من يجرؤ في بلادنا على نقد المعوقات في العلوم الطبيعية التي ندرسها بشكل بدائي، مثل، وكما تعلمنا في إحدى الأشعار في المرحلة الإبتدائية: من علم العصفور أن يبني عشاً في الشجر؟ ويعدد الشاعر عدة حشرات وعلى نفس الوزن، مثل النحل، ودائماً يسأل من علمها؟ ويأتي الجواب بنهاية القصيدة ليقول: الله قد علمها.. فهل هناك شعر مشابه في المراحل الإبتدائية في اليابان؟ أجوبتنا سهلة جداً ،فإذا كان الجواب نفس جواب الشاعر سننجح جميعنا ولا حاجة لفكر وعلوم طبيعية أعقد من ذلك ، ننتظر مقالاتك القادمة لمناقشة معوقات تطور التعليم في الوطن العربي، ونأمل أن لاتكون نفس أجوبة الشاعر، المصالحة صعبة سيادة السفير.

Thank you
Mostafa -

Thank you Mr. the Ambassador. I will look forward to read more from you.

بلد شهادات
لينا -

انا اؤيد تماما انتهاء الدراسة التعليمية بعد سن الخامسةعشركما انه بالنسبة للذين يودون اكمال دراستهم الاكاديمية تحمل وزرها يجب النظر بواقعية اكثر لما يحفظه طلابنا عن ظهر قلب استعدادا للامتحاناتفالجميع يدرس ويدخل فروعا لا يحبها املا في الحصول على وظيفة براتب مظمون هناك مواد دراستها انما للنفع الشخصي كالتاريخ او الفلسفة او الفنون الجميلةوانا لا اقول بعدم دراسة اصول هذه المواد في المراحل التعليمية الاساسية ابدافماجستير بالتاريخ مثلا لا يحظر بالضرورة الشخص للتعامل مع الناس او اعداد برنامج لخطة الانتاج الموضوع طويل ومهم جدا وارجو متابعة النقاش وشكرا لسعادة السفير ولك يا ايلاف

لإغناء النقاش
بهاء -

لا جدال على أهمية طرح السيد خليل عن ضرورة التركيز على بناء الإنسان بالمدرسة والمثال الذي طرحه خوليو معبر، فمهمة المدرسة تحريض العقل والإبداع وليس كحال تعليمنا الآن المعتمد على التلقين والتكرار من ناحية وعلى تعزيز السلطات الفوقية للمدرس المتوافقة مع قيم المجتمع الدكتاتوري بحجة ترسيخ الاحترام للمعلم إلا أن ذلك أبعد ما يكون عن احترام الإنسان، لإن احترام الإنسان الطفل واجب أيضا ويجب تعويد الطفل منذ ضغره على النقاش ورفض أو قبول أحكام الكبير. من ناحية ثانية فما طرحه السيد أحمد من اليابان يستحق النقاش، فمن احتكاكي مع عدد من اليابانيين والكوريين الجنوبيين لاحظت نفس الملاحظة وهي التذمر والتمرد على نمطية الحياة والقيود المفروضة من قبل العادات والتقاليد على الشباب ولذا تصل معدلات الانتحار باليابان لأعلى المعدلات العالمية، والشباب الياباني يقارن مع الغرب ويطالب بحرية اجتماعية أعلى، وقد بدؤوا يرفضون أن يكون الياباني كما ذكر الكاتب نموذجا واحدا في السلوك وحتى المظهر لأن الطبيعة الإنسانية تتعارض مع التنميط القسري لكل الأفراد! لذلك أرجو من الكاتب مناقشة هذا الموضوع بسلبياته وإيجابياته.

طبيب عموده ممرض!
إنجي -

دكتور خليل حسن:ماسبق لك من مقالات لها كل التقدير-إنما هذا المقال-له تقدير خاص عندي-لأنه يخص(العمل على الإنسان)-الذي هو ودون مبالغة شغلي الشاغل-فالإنسان هو القوة المحركة الحقيقية للحياة-فبناء الإنسان هو بناء المجتمع-والمجتمع ليس مجموعة من البراكين والأعاصير وأمطار ورياح-خارجة عن إرادتنا-(وإن كان الإنسان إستطاع خلقها بشكل آخر!)-إنما المجتمع هو إنتاج بشري-فدون تعميم نجد أن الفرد عندما يخطيء-ينهار ويهبط على ركبتيه-دون إستناده على كلتا يديه محاولاً النهوض من جديد-ويترك نفسه فريسة لعبث النفس-ويقع وسط دائرة الأمراض النفسية-كذلك يلتهي الفرد بمجتمعاتنا بالآخر..أي آخر له-يلبس ويأكل ويتصرف ويتزوج ويتعلم من أجل الآخر-الكل يرغب أن يصبح خريج أحدى كليات القمة-ربما ليس من أجل نفسه أو مجتمعه-ولكن من أجل نظرة الآخر له-فمن يجهل أن ممرض غير متمكن-يؤدي لفشل عملية ناجحة لطبيب ماهر-وعامل غير متخصص يؤدي لسوء تصنيع-وبنا غير دارس-يؤدي لإنهيار مشروع لمهندس بارع-أعني تكاتف مجموعة العمل وبناء قدرات الإنسان وإختلاف توجهها-هام لبناء مجتمع متقدم لا مجتمع تسميته الصحيحة منفرد-تحياتي0

فاتت عليك
المهندي -

لكن فات الكاتب ان الغرب لايمكن له الا ان يقمع اشواقنا الى الحرية والى الاستقلال والانعتاق من الهيمنة ، لاحظ ان الغرب قد قام عدة مرات تاريخيا باجهاض مشاريع النهضة من محمد علي الى جمال عبدالناصر الى صدام حسين وهاهو يتهدد الان مشروع احمدي نجاد ، لن يرضى الغرب لنا بالاستقلال والانعتاق من الهيمنة الاجنبية هو يريدنا ارضا للخامات الرخيصة واسواقا لمنتجاته غير مسموح غربيا بقيام نهضة علمية حقيقية لا على مستوى الاقوال ولا على مستوى الافعال وهذا هو الاخطر بالنسبية عليك ان لاتغفل العامل الدينيى التاريخي لدى الغرب ان خائف من هذه الامة التي لا هي ماتت ولاهي رضيت بهيمنته ؟!!