عن الثقافة والمثقف العربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
(ينطوي الشغف بالمعرفة، على شيء من التخلي عن الحياة، وعن مباهجها ضمنا)تودوروف، نحن والآخرون
في كتابه؛ أخلاقيات العلم، يتوقف رزنيك D.Resnikعند ثلاثية (الأمانة، الحذر، الانفتاح)، بوصفها قواعد منهجية أصيلة، تيم من خلالها تحديد المعيار الأخلاقي للبحث العلمي.ولعل السؤال المباشر يتوقف عن مجال الثقافة العربية، ودور المثقف العربي تحديدا في صلب تلك الإشكاليات الثلاث. هذا بحساب، أن الجميع ومن دون استثناء يتوقف عند مسألة الأمانة في البحث العلمي، فيما تتجلى الاختلاقات والتحريفات، بادية موجعة، مشيرة إلى كم الوجع والوهن الذي راح يعاني منه الخطاب الثقافي العربي، بدءا من الانشقاقات والتحزبات، وصولا إلى العيوب النسقية التي تفرضها دالة الانحيازات، تلك التي تتفاعل في الذات، حتى تكون عائقا ومانعا يسد الطريق على فاعلية الحراك العلمي. هذا الذي يبقى يدور في فلك من التأسي والإحباط في المجال العربي، فيما تبقى التجارب الأخرى للمجتمعات النامية على أقل تقدير، وقد أخذت زمام المبادرة نحو الانتقال من البكاء على الأطلال، إلى مرحلة التنسيق والاشتغال والبحث والتقصي.
أين تكمن أزمة المعرفة العربية؟ وليس الثقافة العربية، هذا بحساب حالة التمييز اللازم بين المصطلحين، هل المسألة تقوم على انكسار بنيوي راسخ ثابت غير قابل للتفكيك والزحزحة، أم أن فسحة ما يمكن أن تلوح في الأفق، باعتبار حتمية التحول والتبدل والتغير، تلك الأخيرة التي تحتاج إلى وقفة متأملة وعميقة في جذور التفاعلات وطبيعة العلاقات والأنساق الحاكمة.
الراهنية والجاهزية
يتوقف المثقف العربي، عند جملة من المعطيات الثابتة والراسخة، تلك التي تتبدى بوصفها نموذجا قادما من الآخر المكتنز بالاكتمال، والمترع بأسباب القوة والمقدرة على التجاوز والتغيير، ومن هذا فإن المحاكاة تبلغ مداها الأقصى، حين يتم النهل ومن دون تحفظ عن الآخر، باعتبار السعي إلى الكمال، إنها الأزمة التي تقوم على ثنائية (الراهنية والجاهزية)، الراهنية بما يقوم عليه النموذج المتقدم والغربي تحديدا، حيث التفاعل والتفعيل، و الإرادة الحرة والقدرة على المبادرة، والنقد الجذري لكل التفاصيل التي تزخر بها الحياة، إلى الحد الذي يتبدى فيه المثقف الآخر المنضوي ضمن سياقاته الخاصة، قادرا على تقديم صورة (التناقض) التي تدخل في روع مثقفنا، حول المثقف الغربي الذي لا يكتفي بالنقد السطحي، بل نراه يوغل في الكشف الصادم في الكثير من الأحيان، فيما يبقى مثقفنا مستندا إلى المراوغة واللعب على الأطراف من دون أن يلامس شيئا من الواقع. إنها أزمة الجاهزية، تلك التي تقوم على الأخذ بنموذج نجح في سياق ما، ليتم تطبيقه على الواقع العربي، بافتتان وغيبوبة تدعو للرثاء، وبالقدر الذي يقع المبدع العربي، في ملاحقة الموضة الأدبية، تلك التي راحت تتشكل لتمثل علامة لتمييز الأجيال الأدبية العربية، إن كان على صعيد الوجودية وصعود نجم سارتر في الستينات من القرن الماضي، أو ملاحقة ما تبقى من البنيوية تلك التي تم إسقاطها على يد ثورة الطلبة عام 1968، أو الانخراط في تجليات المابعديات بوصفها الموضة الأكثر رواجا في الفكر السائد. أو الوقوع في حبائل الواقعية السحرية، تلك التي أسس لها ماركيز، باعتبار شرعيته النوبلية(نسبة إلى جائزة نوبل). إنه اللهاث وراء التقليد والنهل والنقل والتهجير القسري للمعاني، حيث العواقب التي تتبدى حاضرة في التسويغ والتبرير.، والتكلف والتصنع.
التلقي والتلقيات
كيف يمكن الوقوف على موضوعة التلقي في المجال العربي؟ ما هي الشروط التي تحكمه وتفعله وتستثيره وتحفزه؟ وأين يمكن ترصد مجال الأمانة وكم الخداع الكامن فيه، هذا بحساب البحث في سوية عملية التلقي، إن كان على صعيد إنتاج الخطاب، أم على صعيد استقبال المعاني. الواقع إن التداخل يتم له الحضور بمساحة واسعة، باعتبار أن الخيط الفاصل بين الشك واليقين يبقى مغيبا، سوط لوثة التوزيعات التي يعيش تحت ظلها المثقف العربي، فهو يبقى مرتهنا لا لجملة من العوائق، يقدر ما يكون في مواجهة الجدران الصلدة من التحريفات والتشظيات التي راحت تلح عليه، حتى أضحت عملية التلقي، عبارة عن دائرة واسعة من الخداع والتعقيدات والتهويمات الماكرة. بحساب غياب الهدف الأصيل الذي تقوم عليه فعالية الثقافة، حيث الركون إلى الواجهة، فيما يتم التغاضي عن غاية الثقافة بوصفها أداة للنقد الجذري وحفز الواقع، بقصدية التغيير والتحول.
وجد المثقف العربي نفسه، ساعيا وسط لجة من التداخلات والتناقضات، ليساهم هو بنفسه في تكريس صورة الاجتزاء والاجترار والخشية والقلق والإحباط، حتى أضحى الرقيب الداخلي فيه، يتعملق ويكبر وينمو، فيما غابت عليه معالم الفواصل بين الحقول، حتى راح يتم تعريفه بالوسط الاجتماعي، بـ (أبو العريف!)، فعليه أن يكون ضليعا بكل شيء وأي شيء، بدءا من (السياسة وصولا إلى السلطة والكباب وكرة القدم وقدر المحشي) وإلا فإن منزلته الثقافية ستتعرض للتدهور والانحطاط، ومن هذه الصراعية الاجتماعية، راح المثقف العربي، يختط لنفسه، أدوارا وهمية قوامها أنصاف أو أجزاء، لا رابط فيها سوى تركيز صورة القناع الثقافي، المستند إلى الرغبة في الإبهار والحصول على الإعجاب، إنها العقدة المستحكمة، تلك التي راحت تتراءى في المخيال الثقافي الجمعي، فهو المنبهر بالآخر، والساعي إلى إبهار محيطه، وكأنها العدوى التي تنتشر كالوباء.
مجتمع الديتا Data Society
وتبقى جملة من المسؤوليات الجسام التي تقف أمام المثقف العربي، باعتباره صانعا للمعرفة، حتى لتتقدم الأسئلة حول:
1. كيف يمكن للمثقف العربي التعامل مع المفاهيم، و طريقة رصد هجرة المعاني.
2. أين يكمن رهان المثقف العربي، هل يبقى منغرسا في توزيع الثنائيات، ذاتي وموضوعي، ظاهري وجوهري، أم أن رهانا ما لابد أن يظهر في الأفق، لاسيما وأن العالم اليوم لم يعد كما كان.
3. كيف ينظر المثقف إلى موقع الثقافة في التغيير ومسؤولية التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
4. كيف يمكن التوافق مع جملة التحولات التي يعيشها العالم، حيث الثورة الرقمية و الاتصالية والقرية الكونية، و الرأسمال المعلوماتي. هل سيبقى الاعتماد على التراكيب المعقدة للغة والعناية بالصورة العجيبة الخلابة، على حساب تقديم المعلومات الدقيقة، النائية بنفسها عن الترضيات والتوافقيات.
5. كيف يمكن تعريف مفهوم التنافس في البيئة الثقافية العربية؟ هل هو التزاحم والتدافع بالمناكب، بغية الحصول على المكانة، ونيل حظوة الإشارة بالبنان لهذا العملاق الثقافي الذي تكلس، في الشللية والجاهزية التي ما أن تتم الدعوة لمؤتمر ثقافي ما، حتى تكون الدعوات وقد جيرت لصالح أسماء بعينها.
6. إلى متى تبقى الثقافة خاضعة لمقاييس السوق، حيث الصراعية الناشبة للمصالح، على حساب المعرفة، وكيف هي الاستقلالية في ظل التهميش الواقع بحق المثقف الجذري.
إشارات وإحالات:
1. ديفيد رزنيك، أخلاقيات العلم، ترجمة عبد النور عبد المنعم، سلسلة عالم المعرفة، الكويت 2005. ص 113.
2.Elie Kedouri, Nationalism in Asia amp; Africa, London 1974.P 74.
3. هشام شرابي، النقد الحضاري للمجتمع العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1990.ص 49.
4. تيمونز روبيرتس، من الحداثة إلى العولمة، ترجمة سمر الشيشكلي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت 2004، ص 70.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات
المثقف
محمد المشاكس -مما لاشك فيه تأصل الخداع في مما يسمى بمثقفي العالم العربي. تتجلى سياسة الخداع بالألقاب مثلاِ. ملماذا نرى لقب دكتور أمام العديد منهم وبدون تقديم مجال الدكترة والتي هي في معظم الأحوال غير الموضوع المكتوب عنه؟ هذه الضبابية المقصودة من قبل مايسمى بالمثقفين تساعدهم على تأصيل سياسة خداع القراء. يعمل المايسمى بالمثقفين بسياسة الخداع لنسف أسس التخصص والذي هو أهم أسباب التقدم. هنا يجب النظر إلى مايسمى بالمثقفين على أنهم أعداء التقدم. فالتخصص غير موجود ولهذا يكتب أحد المايسمى بالمثقفين عن السياسة، علم الإقتصاد، الفلسفة، الأدب والنقد الأدبي...الخ. بالطبع لايغادر معظم المثقفين كراسيهم للتحقق العلمي من ماينقلونه بسرقة عن نصوص آخرى. أما عن علاقتهم بالسلطات وعن تعيشهم من وراء هذه الثقافة المزيفة فهذا شيء إضافي، وكذلك ركاكتهم وضعف إسلوبهم الأدبي وقلة ثقافتهم بشكل عام. فكيف يمكن لما يسمى بمثقف أن يعرف آخر المصطلحات المعرفية ونظرياتها مثلاً؟ هنا تأتي سياسة خداع القارى عبر لغة المثقفين الصعبة المخترعة أصلاً لوهم القارى بسعة علمهم. السؤال المهم هنا: هو هل وجود هذه الطبقة الطفيلية ضروري؟
الى محمد المشاكس
عبد القادر الجنيد -تتحدث على (سياسة الخداع بالألقاب) وانت لا تذكر اسمك الحقيقي بل تذكر صفتك فقط. كان العرب يطلقون لقب (خصي الرجال) على من يلم بعلم واحد ويجهل ما عداه . وماالضير فى ان يحوز الانسان المثقف وغير المثقف على علوم متعددة؟ الكاتب مثل الطبيب يمكن ان يكون طبيبا عاما او اختصاصيا. والكاتب هو من يكتب لأيصال معلومات الى القراء ، قد يكون عالما فيزياويا يكتب عن موضوع من اختصاصه ولكنه لا يجيد النحو والصرف فتظهر كتابته وفيها أغلاط نحوية، ولكن المهم هو محتوى الكتابة بالدرجة الأولى. من تسمى ب (الطبقة الطفيلية)؟ هل هذه هى لغة ثقافتك؟
المعرفة والعرب
خوليو -بقيت المعرفة في العالم العربي والإسلامي محدودة جداً على الرغم من بعض نقاط الضوء من قبل أطباء وفلاسفة غردوا خارج نظرية الحقيقة المطلقة فأبدعوا قليلاً، المشكلة الكبيرة هي في نظرية الحقيقة المطلقة، حيث يفني الكتاب والمتعلمين وكثير من المثقفين أعمارهم، ليبرهنوا على صحة الحقيقة المطلقة، مستخدمين أدواة الطبيعة، فيتأملوا عناصرها الدقيقة وكواكبها، لينتهي بحثهم أن لهذا الكون منظّم وهي الحقيقة المطلقة وينامون عليها... الآخرون تبدأ خطواتهم من اعترافهم بقلة المعرفة، ثم يبدأون بالتفتيش عليها، فلما وجدوا أنّ المعارف العلمية لاتنطبق مع حيثيات الحقيقة المطلقة، ابتعدوا عن هذه الأخيرة، واستمروا في طلب المعرفة العلمية حتى وصلوا للقمر ولتكوين المادة الحية، فامتلكوا أدواة المعرفةالعلمية ومفاتيح العالم، وهذا هو الفرق بين المطلق والنسبي.
لايهم الإسم
محمد المشاكس -إلى الأخ عبد القادر. لايهم إسمي والمهم هو الأفكار الموجودة في ماأكتبه بعيداً عن العلاقات الشخصية وأوافقك على موضوع المحتوى. أنا لاأدعي بأني مثقف بل أنا مستهلك لما ينشره مايسمى بالمثقفين ولهذا يهمني أن أقرأ صحة مايكتب. وأما عن التخصص فهو دعامة أساسية للفكر. بالطبع شيئ جميل أن يقوم أحد الأطباء بنشر كتاب في العلوم السياسية مثلاً ولكنه لن يصل إلى مستوى كتاب عن نفس الموضوع بقلم دكتور في العلوم السياسية. أما عن مصطلح الطبقة الطفيلية فهذه هي قناعتي الشخصية عن المايسمى بالمثقفين وأدافع عن هذه النقطة متى شئت وبالأمثلة الحقيقية. وأما عن العرب وما يسمونه خصي الرجال فهذا كلام فارغ المعنى والمضمون لآن العصر الحديث والحداثة إنتصرت للإختصاص وكما يقال بالإنجليزية: . jack of all trades master of none
أوافق محمد المشاكس
منوشهر -من خلال تعليقاته يظهر انه انسان مثقف وذو لغة عربية غنية وواضحة الدلالات بعكس كثير من كتاب مقالات الانشاء الضعيفة في ايلاف. ليس فقط كتابات انشاء بل هي كتابات لا معنى لها، لانها عبارة عن كلام فاضي مليء باللت والعجن...نطلب من هيئة تحرير ايلاف ان تطلب من محمد المشاكس ان ينضم الى الكتابة اليها باسمه الحقيقي. وفي نفس الوقت اسقاط بعض الاسماء من ايلاف وشكرا.