كتَّاب إيلاف

التعددية بين نقيضها وطبعاتها المزيفة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إن مفهوم التعددية هو أحد القيم الأساسية في الثقافة السياسية الحديثة، رغم أن له جذورا في أفكار فلاسفة ومفكرين، وأدباء، قبل عصرنا، ولكنه أخذ صيغته ومحتواه الراهنين في عصرنا.
لقد أصدر العديد من الباحثين دراسات عن التعددية، ومنهم 'أندريه ريزلر'، الأستاذ الجامعي في جامعات أمريكا وجنيف، في كتابه الرائع عن التعددية الصادر في جنيف عام 1990، ثم عام 2001، وهو كتاب ساعدنا على الاطلاع على كثير من النصوص الفلسفية والأدبية التي تصب في معنى التعددية.
يقول الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس إنه عندما نلقي النظر فلا نجد غير أهداف جزئية وتواريخ جزئية، ونحن نقع في النظرة النمطية الكليّانية لو تصورنا أنها تشكل فصول هدف واحد، وتاريخا يدمج تواريخ الآخرين. إن الحضارة الإنسانية هي مجموع حضارات كثيرة العدد، مثلما أننا لا يمكننا فهم الكرة الأرضية ككل واحد من دون النظر للقارات، والبلدان، وتفاصيل جغرافيا كل بلد، وبالتالي، فإن من المنطقي أن يكون هناك تبادل للثقافات والحضارات، وتأثير متبادل بينها، وذلك بالضد من عقيدة 'الفرادة الاستثنائية'، التي يؤمن بها الشموليون، وبعض المتقوقعين على نمط معين من الفكر، والنظام الاجتماعي، الذين يتوهمون أنهما النموذجان المثاليان لكل الشعوب.
يرى الباحثون الغربيون أن التعددية، مع قيم محددة أخرى، كالديمقراطية، وحقوق الإنسان، كلمة فيها فهرست كل القيم، والمعتقدات الأكثر تنوعا، والتي تشكل جوهر مجتمعاتنا.
إن التعددية تؤمن بأن الحقيقة نسبية، وبأنه لا توجد حقيقة مطلقة، وبأن لكل ظاهرة عدة جوانب، ولذا تحتمل عدة تفسيرات، ومن هنا، مبدأ الحق في الاختلاف، ووجوب الاعتراف به، واحترام الرأي الآخر.
إن هناك أنماطا مترابطة من التعددية: سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، ودينية، وهي أشكال مقترنة ببعض، وبالديمقراطية الحديثة، وباللبرالية، ولا يمكن اعتبار نظام ما، أو مجتمع ما تعدديا إذا استثنى واحدة منها، فهي ليست تلفيقا دينيا أو طائفيا، أو ترقيعا سياسيا.
إن السلطة السياسية الديمقراطية، التعددية تلعب دورا حاسما في ضمان احترام جميع أشكال وأنماط التعددية، أي النظام السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة، وضمان الانتخابات الحرة، ووجود المعارضة المنظمة، ومجتمع مدني ورأي عام مؤثرين، وتعدد الأشكال الاقتصادية، واقتصاد السوق، مما يعارض مبدأ التخطيط الفوقي والصارم للاقتصاد.
لقد برهنت التجربة السوفيتية على أن الوحدة القسرية والنموذج النمطي ينخران في المجمع والدولة، أي أن الوحدة القسرية تفرّق في نهاية المطاف، والتعددية تضمن تماسك المجتمع.
إن مبدأ التعددية يعتبر الفرد محورا في الحياة الاجتماعية، له جوانبه المتعددة، وأن من الممكن أن يغير أفكاره عدة مرات، وأن يعدل بعض تصرفاته، وعند النظر إليه، ينبغي تشخيص الإيجابي والسلبي فيه للحكم عليه، وهذا هو النقيض التام لما تطبقه الأنظمة والأيديولوجيات الشمولية، التي تذيب المواطن في المجموع، والمجموع في الدولة، ومجموعة الأفكار والثقافات في فكر واحد، وثقافة واحدة، والدولة في الحزب الواحد، وفي القائد الفرد، أو المرجع الأعلى؛ أي أن التعددية هي تقيض تلك الأنظمة والأيديولوجيات التي تتدخل حتى في كل خصوصيات الفرد، وتفاصيل حياته الشخصية، كما يفعل الإسلاميون وهم في السلطة، [نقطة ضوء: من النصوص الأدبية ذات العلاقة بدور الفرد وتعدديته، والتي اطلعنا عليها في كتاب التعددية، قول الأديب الإيطالي بيرانديلو - 'إنني أكوّن نفسي باستمرار، وأنا أكوّنك، وأنت تفعل الشيء ذاته']
إن النظم الفاشية والنازية التي أشعلت الحرب الدولية الثانية كانت النماذج الأكثر بشاعة، وفظاعة، للشمولية، وإن الستالينية، بدورها، كانت شمولية، برغم الفوارق الكبيرة مع تلك من حيث في المنطلقات، والغايات، وثمة أنظمة جاءت بعد تلك وهذه أخذت الكثير جدا من جميعها في الأساليب، والسياسات، كقيام نظام الحزب الواحد، والقائد المعصوم. إن من أمثلة الأنظمة الجديدة التي نتحدث عنها النظام الصدامي المنهار، وكذلك أنظمة الإسلام السياسي بحكم استنادها لحكم الشريعة، والعمل لفرض تقاليد، ومراسيم، وأفكار، وتصرفات واحدة على جميع المواطنين، وعلى المجتمع والحياة العامة.
صحيح أن التعددية، كمبدأ وأساس للتنظيم السياسي والاجتماعي، شديدة التنوع في التطبيق نظرا لاختلاف الظروف والأوضاع في كل بلد، ولكن الجوهر يبقى واحدا.
إن هناك تعددية، وتعددية، بمعنى وجود طبعات مشوهة، ومموهة للتعددية، تتحايل عليها، وتلتف، مثلما يجري أيضا تشويه الديمقراطية عندما تختزل إلى مجرد الانتخابات وحدها بصرف النظر عن مستلزماتها، وثقافتها، وممارساتها، ونتائجها؛ [بخصوص الديمقراطية، يقع الغربيون أيضا في بعض الأحيان، ومن منطلق الحرص على نشر الديمقراطية في العالم، في مطب مثل هذه التفسيرات وحيدة الجانب للديمقراطية.
على ضوء ما مر، هل يمكن اعتبار النظام العراقي اليوم تعدديا لمجرد وجود تركيبة حكومية تضم عددا من الأحزاب والتنظيمات التي يتحرك معظمها باسم الطائفة، أو العرق؟
نعتقد من جانبنا أن الوضع العراقي غير تعددي، وذلك للأسباب التالية:
1 - إن تركيبة السلطة لم تقم على برامج سياسية واضحة بل على انتماءات طائفية أو عرقية، ولذا لا نعتقد أنها تمثل جبهة وطنية، سياسية، وائتلافية حقا؛
2 - إن المجتمع العراقي اليوم، باستثناء كردستان، محكوم عليه بعقيدة أيديولوجية دينية تستثني الأديان الأخرى، وتتدخل في الصميم من السلوك الشخصي اليومي، وتقمع كل فكر غيرها، وكل ثقافة غير ما تراه منطبقا مع حكم الشريعة. أجل، أية تعددية في وضع يجري فيه الاعتداء المتكرر على المسيحيين، والصابئة المندائيين، والأيزيدية؟ أية تعددية ثقافية عندما يحارب الفكر الديمقراطي والعلماني، ويجري تحريم الموسيقى، والفنون كافة، وتهدم التماثيل، وعندما يفرض على الأنثى منذ الصغر لبس الحجاب - أي قمع حقها في الاختيار والتنوع في مجال شخصي بحت؟؟
لا نقول إن النظام العراقي اليوم قد صار شموليا متكاملا، ولكنه يسير بسرعة إلى هذا، ما لم تتغير السياسات، وتسد روح المواطنة، وتلغَ الطائفية، وتنتشل التيارات العلمانية نفسها من التحجيم والتهميش، وما لم يجر تشريع دستور جديد يقوم على الديمقراطية التعددية، وحقوق الإنسان، وليس على حكم الشريعة، وما لم ينتعش المجتمع المدني ويستطع أن يلعب دورا فاعلا في الحياة العامة؛ ونقول ببساطة، ما لم يعد شارع أبو نواس إلى عهد ما قبل صدام، وتتعايش الكنائس، والمساجد، وأماكن سهرات العائلات جنبا لجنب، ونشاهد الأفلام لاستعراضية والعاطفية، ونسمع أغاني زهور حسين، والقبنجي، وحسين نعمة، وزملائهم، بينما يأتي من المساجد صوت الأذان، ومن الكنائس دق نواقيسها!
إن التعددية الديمقراطية عدو لدود، فكريا وسياسيا، للأفكار المتطرفة، دينية كانت أو سياسية، أو اجتماعية، أي الأفكار التي تحارب الحرية، والتعايش السلمي، والتآخي، والعدالة، وتسبب الاحتراب الداخلي، والفتن الدموية، ولذلك فهي عدو للاستقرار ولأمن المواطنات والمواطنين. إن هذا الخطر الداهم يستوجب كفاحا فكريا، وسياسيا مستمرا، وصبورا، في التعامل مع تلك الأفكار المتطرفة التي تنشر التفرقة والكراهية، ولجم دعاتها، وفي المقدمة اليوم أيديولوجية التطرف الإسلامي والاستخدام السياسي للإسلام.
إن التجارب الوطنية، والإقليمية، والدولية، تبرهن على أنه عندما تسود في المجتمع مشاعر التعايش والتآخي بين مختلف المكونات الدينية، والمذهبية، والعرقية، فإن المجتمع يضمن لحد كبير الاستقرار والأمن، بينما يلعب العامل السياسي أحيانا دورا خطيرا في تعكير الصفو الاجتماعي، وتغذية الكراهية، والتخاصم في المجتمع، كما تفعل إيران وسوريا في لبنان، والعراق، وغزة، وكما عمل صدام على تأجيج النزعة الطائفية.

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف يسبب ملاحقه قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الديمقراطية للديمقرا
شلال مهدي الجبوري -

احسنت يا ابو ندى على هذا المقال الواقعي.الديمقراطية يبنيها الديمقراطيين ولن يبنيها المؤدلجون بالافكار الشمولية سواء كانت سياسة او دينية. لم اسمع ولم اقرا ولم ارى دولة ديمقراطية بنيت من قبل احزاب دينية بالعالم.المالكي رجل دين غير معمم ينتمي الى حزب ذو آيديولوجية دينية شمولية مثل احزاب اخوان المسلمين يجمعهم هدف واحد بناء نظام ديني شمولي, مهما يلكون ليلا ونهارا بالديمقراطية لان الواقع يقول شئ آخر وكما اشار الحاج. لايمكن للقوى الدينية ان تبني دولة حديثة بالمقايسس العالمية المعاصرة مطلقا لانها اسيرة الماضي .انا واثق ان الفوضى ستستمر في العراق طالما قوى الاسلام السياسي في قمة السلطة والايام القادمة ستشهد على ما اقوله. يجب ان يرحل رجال الدين الى مساجدهم وفصل الدين عن الدولة.

التعددية عند جماعتك
حميد -

الحري بك وانت كعراقي معروف عنك بنزعتك الكردية حيث كنت حليفا للاكراد لكونك كردي قبل ان تكون عراقي حري بك ان تعلم اوتهذب من الطغيان القومي للكرد في العراق هولاء الكرد بخططون للانفصال ويرفضون العيش مع العرب والترك ان شهيقهم وزفيرهم اليومي هو التخطيط لاقامة دولة كردية وسلب كركوك انهم وربما اتت منهم سبيلهم هو العداء التام للعراق اذ يعتبرون انفسهم اكراد اولا واخيرا اما العراق فهو مصدر للسلب والنهب وموضع للابتزاز

مقال ممتاز
reem -

فصل الدين عن الدوله عامل اساسي لانقاذ العراق من هذه الفوضىمقال ممتاز شكرا