كتَّاب إيلاف

هلوسات مثقّفة مُشبّهة بالفعل

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كم من الوقت يلزمك كي تبدو راضيا أمام مرآتك، تقف في الطابور خلف شخوصك المتعددة تُبارك هذا وتلعن ذاك، حتى تصل إلى ماتظنّه حقيقتك وإن بعد حين؟!.
وجها لوجه أمامكَ وحدك، وخلف ظهرك أكداس الماضي تستحضرها لحظات وتغصّ مختنقا بالزمن الباهظ الذي تسرّب من مسامك ولم يترك لك غير قليل من زهو وكثير من ضجر.
تُذهلك خطواتك التي تُسابقك بلا هوادة، تُرهقك، تُسمّرك مكانك على أمل الإنطلاق نحو الأفضل، فالأفضل، فالأفضل، الذي يُلاحقك كهاجس موتور، تخاله قريبا كظلّك
لتدرك أنّ الأفضل على مرمى كوكب لم يتشكّل بعد، كوكب قد تجد فيه أملا، شغفا، شغبا، أحبّةً، ملاذا، أمنا، ووطن !
بدأ الحلم الجميل مع تميّزك على زمانك، تفاقم الحلم الجميل مع تميّزك على ذاتك، تعاقب الحلم الجميل، حبرا، ومعان، ومبان، ومواقف، وجرأة، وخيبات، وأخيلة، وحروف وافرة ومهدورة كمواسم تشرينية.
لديك فسحة للنشر هنا، وحيّز إطناب هناك، تصفيق مارق مُتكلّف، وتدبيج إطراء قد يعنيك، محاط أبدا بعناية السخط المتزامن مع تهافت المعجبين المرتدّين على أعقابهم عنك تارة وإليك أخرى.
كل ذلك كفيل بالانتفاخ وحريّ بالتوّرم ، هكذا الحال لديك ، وهكذا كان من الممكن أن يكون الحال لدي تماما، لكنّ بساطة أميّ التي هربتُ منها دهرا غلبتني، وجعلتني امرأة بغرور هشّ، وتباهٍ أبكم، وتفاخر أصمّ، خاوية الوفاض إلا من ثقتي بحروفي التي لا تقلّ نموّا في داخلي عن قمم الهيمالايا.
هكذا أتيت، وهكذا آثرت المضيّ دائما، محكومة بأمزجة الجغرافيا وخصوصيتي في غربلة رقيّ العواصم حيث لا شارات مرور بين المثقّف والجاهل، وحيث تندر الحدود الفاصلة بين النساء اللواتي لا يميّزن بين غسيل الصحون وغسيل الأفئدة، حيث تعدم التصاريح الأمنية بين الجِملة المفيدة والذكور المجترّة، حيث لا خريطة للطريق المرصوفة بالتعدي، وليس من ملصقات للتحذير وإن على عجل لمن نكتب ولمن نرفع الصوت نادرا والصمت باستمرار؟. الأخطر من هذا كله ضرورة البحث عن راعٍ، راعٍ يؤمن بالعقل لا بالعصا، راعٍ يؤمن بأهمية القطاع بعيدا عن حسابات القطيع، راعٍ يقدّس مفهوم الوطن، ويترفّع عن فكرة الاستيلاء الأرعن، والسلطة العمياء.
هكذا أراوح حبيسة الزمن المركّب بين عاصمتين مُتناقضتين، هكذا أتخبّط ضمن حدود المعنى المفقود لمفهوم الانتماء، هكذا أتهاوى صريعة وهم الاستقرار وطمأنينة المُرتجى، فكم شائك هو توصيف العلاقة بينهما، ومربك تصوير الوقائع، كم مخجل ترويج الشائعات، ومملّ رصد الحقائق، ومع ذلك لا يسعنا إلا أن نُدرك أنه بين بيروت ودمشق ثمّة مسافة شاسعة للتناغم والالتباس، بين بيروت ودمشق ثمّة محطة إقلاع للتحليق الخائب والمراوحة القاتلة، بين بيروت ودمشق ثمّة مواطنون كُثُر تُربطهم كل مشاعر الحب والحقد والغلّ والسلام، ثمّة مثقفون يتبادلون سرّا وعلانيّة الكلمة الخفيّة لدخول العالمية وإن من الباب الخلفي لدائرة الضوء، ثمّة تجّار مشاعر يلعبون على بورصة العواطف الشاخصة بين البلدين يستغلون فراغ الأفئدة والجيوب، يستثمرون إفلاس الأمل ويستصلحون يباس المرحلة بتعميق الشروخ، وعلى امتداد التصدعات تنشط الأعشاب المرعية بالسياسات الخبيثة، المخصّبة بالأطماع، والمسمّدة بالسموم، ولبنان وحده بين "مزدوجين ومتجاوزين" رهن الخلافات الدولية والإقليمية والمحلية، رهن الطوائف والأحزاب والمذاهب والمصالح والغايات، رهن الأطماع التي لا تُبقي ولا تذر على أي بصيص نزاهة لأحد على الإطلاق، فهل أكتب عن هذا كلّه.. عن الأغلفة المغلقة والمتداولة بين صرحٍ ومجلسٍ ومبعوثٍ ومهووسٍ ومسؤولٍ ومتعدٍّ ومُتطاولٍ ومُتطفّلٍ ومعنيٍ حقيقيٍّ ومراوغ؟.
هل أكتب عن مسرح الدمى المُسيطر على مفاصل المدينة، ومسارح الدمّ المنذور للنتائج؟.
هل أكتب عن سأم المواطن؟، عن هلع الأمهات؟، عن حذر الشوارع؟، عن وجوم الأرصفة؟، عن دموع الجدران التي تحصي عبثا عدد أيام المغدورين بسبحة ألكترونية؟
هل أكتب عن وصلات الأخبار التي "تفسرّ الماء بعد الجهد بالماء "؟
هل أكتب عن هؤلاء الصامدين بيقين والشامخين بإيمان، هؤلاء العازمين على توفير الأمن، رغم أنف كل العابثين بأمان البلد، الذين لا أملك لهم سوى يد مهزوزة ألوّح بها تلويحة عابرة عند كلّ حاجز ومفرق ومصفحات عسكرية تتمركز عند منعطفات الطرق ومفارق التاريخ المرّ، تسوقنا قُدُما نحو المجهول؟.
سألني صديقي المثقّف والطيب جدا، وما دخلك أيتها الدمشقية بالمصير المنتظر لمَ لا تتركي بيروت وشأنها؟ وقد تغاضى هذا الطيب جدا أنني أنتمي إلى بيروت بحكم العِشرة والحبر والحرف الشاهد بيننا، بحكم العقد والنصف من الزمن والمواقف والخيبات، بحكم الانتظار لجدية الحكومة وجدواها علّها تنهض من سُباتها لتنتقي "رعاياها " بجدارة، وتعي بحنكة وحكمة معنى أن أرفض غوغائية "التجنيّس" وعشوائية الانتماء يوم أفتُتِح الباب للتزاحم، تحت عباءة السلطة المُستعارة، والأمن الملغوم، وقبل أن أسمع جواب صديقي المثقّف الطيب جدا استودعته سؤالي ومضيت، تراني لو حملت ورقة التجنيس مع من حملوا، هل بوسعك أن تعتبرني وقتها معنية بالوضع اللبناني وأمنه، وبيروت وشأنها؟
أجزم أنّ الكتابة عن رئيس مُنتظر للبنان هو ضرب من ضروب الإدّعاء المكشوف أو الغباء المغْرض، خاصّة وأنّ جميع الأقلام وفي مجمل المنابر مُستلّة من غمدها إمّا للطعن بهذا أو للإشادة بذاك، وأنّ أي تحليل موضوعي لمنطق الأمور الحالية، سيأتي فارغاً من المنطق نظرا لانعدام منطقيّة الأمور الحالية أصلا، لهذا آثرت الكتابة من ذاتيّة مشوشة تُشبه جملة وتفصيلا ذاتيّة الراهن المشوش بضراوة.
ولو قدّر لي فسحة مختلفة للبوح لا مُخلّة للاتزان في وقت ملائم للتفكير، وليس للتكفير كالذي يتربّص بنا، لدوّنت علنا شغفي ب"بطرس حرب" ليس لأنه يندرج تحت لائحة التقويم السياسي من السنة "الحريرية" بل لأنه وباختصار شديد رجلٌ يليق بكلمته وحضوره ورأيه ورؤيته وفكره وحواراته المعتّقة في خوابي المنطق، رجلٌ يحرّك كافة كثبان الأمل الهامدة في صحراء كينونتي وكياني، يحرّك مداراتي العاطلة عن الاكتراث لأكترث ولاستعيد إصغائي وانتباهي ومواطنيتي "المكتسبة" وأنوثتي المنسيّة. أكتب وياله من فعل منافٍ للحكمة أرتكبه بدافع الهلوسة في زمن الخوف، تحت وطأة البرق والرعد والمراوحة وانهمار التصاريح الكاسحة للطمأنينة كهذا الشتاء المُبكر، والانتخابات المؤجّلة منذ سقوط الاحتلال والاحترام بين كافة الجهات الرسمية. أكتب ولم يبق في الطابور سواي بعدما انتحرت كافة "شخوصي" لفداحة المرحلة وضآلة مرآتي المهشّمة التي تعكس الواقع الآثم بدقة مُتناهية.
أكتب لأحدٍ قدْ يحلو له أن يقرأ فعلا، وإن بعد حين.

www.geocities.com/ghda_samman
yahoo.com@gaidoushka

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هل فهتم؟
مثقف -

انا شخصيا كمتابع لايلاف لم افهم شيئا مما ورد في كلام السيدة فهل فهم احد شيء منه؟ الرجاء افادتي وارجو ان لايكون الرد من قبل كاتبة المقال الضبابي باسم مستعار..

فعلا هلوسات
محمد القيسي -

استعراض العضلات الكتابيه لن يحقق الشهره للكاتبه...اكتبي شيئا مهما ولا تاخذي مساحة غيرك في ايلاف

مذهل
الاعلامي فاضل رشاد -

الفكرة واضحة ومذهلة وهذا ما يعيشه المثقف وما يحسه كل شيء مبعثر غياب اشارات المرور بين المثقف والجاهل اكبر دلالة للكاتبة على نبوغها اللغوي

اللغة والفكر
فوزي فوزي -

ألم يحن الوقت لكي نسخر اللغة من أجل الفكر، ولكننا للأسف لازلنا نعيش في عصر الجاهلية الثقافية التي نسخر فيها الفكر من أجل اللغة...

شتان
لبنانى -

غادانفحة معطرةمن ياسمين دمشق وروحهاعامرة بحرية يعرفهانزار؛

ماأحوجنا
monsef -

كلامك يجري كالبلسم في عروقناالجافة ايتها الدمشقية العتيدة

رائعة
مواطن عربي -

رائعة أنت يا غادا....مقالك هذا لن يفهمه الكثير من العرب ...مزجتي من الشعر والوصف الرائع للمشاهد البشرية الواقعية....وردا على تعليق مثقف...من الواضح أنك لا تتمتع بعمق لغوي وحس عميقللقراءة الفكرية ...أخرجوا من سطحيتكم و تطرفكم يا بشر...

!!!!!!!!!!!!!
كاتب سوري -

نخبة القراء التي تميل إلى قراءة نصوص أدبية أو نثر شعري في اضمحلال وتلاشي مستمر ، بعض الردود تؤشر غياب الذائقة الأدبية، وفقدان عالم المشاعر النبيلة والحس الراقي ..ربما بسبب طغيان كتابة الإستهلاك الصحفي وأزدهار لغة ( شبيحة )الإنترنت.. تحياتي للكاتبة على نصها، الذي قرأته ( قبل حين )

اشتباه
متابع -

على كيفكم بالمديح يمعودين.. هذه ليست الروائية غادة السمان بل امراة سورية اسمها غادة فؤاداستغلت اسم الروائية لاجل الشهرة فقط.. ولم نقرا لها سوى ضبابيات.. ويمكن وصفه باي شيء الا الكتابية المحترفة التي يمكن نشرها في مجلة مثل ايلاف

واحسرتاه
أمير الحب -

فى البداية لا يمكننى الا ان اتوجه بالتحية للكاتبة التى تتحرك بين الاحرف و الكلمات لتمرر الفكرة الغائبة عنا نحن شباب و مثقفى الوطن العربى الذين اصبحنا لا هم لن الا الاستهلاك و السنهلاك و لا شىء سواه لقد اندثرت لدينا روح الشهامة و العنفوان لكن على من تقراء مزاميرك يا داوود انى آسف لمن اتقد الكاتبة لمجرد الانتقاد و لم يقراء ما بين السطور الا اننا تعودنا على مثل هؤلاء الذين لا صفة لهم و لا لون عذرى لهم بانهم من مجموعة الانترنت الفارغ الذى لا يهدف الا للاستهلاك و لم يرو مايجب أن يروه فى الختام ان من لا يرى من الغربال يكون أعمى تحياتى للنص و كاتبته و لكل من يقدر ما يكتب لبين السطور

توضيح لابد منه
خالد الصباغ -

قرأت هلوسات غادا فؤاد السمان و هى هلوسات قريبة من مرايانا جميعا و حتى لا نقع فى هلوسات التعليق كالتى لفتنى من غليها المعلقون الكرام بحثت عن غادا فؤاد السمان و خاصة ان موقعها منشور فى ايلاف بشكل غير صحيح و جدت لها الكثير من الروابط على غوغل مع انى أحمل ايلاف مسؤولية التعريف بها ككاتبة مميزة عن غيرها اسما و الوبا و كتابة

صف حكي
محمد المشاكس -

كما كانت تقول والدتي...صف حكي..نريد معرفة حقيقة بدون كلام منمق وبدون معنى

شكرا غاده
نعمان بن سراي صحفي -

يقتلني هدا الجفاف الفكري في عقول بعض منا غاده وانا اقرا لها كان بركانا بين اضلعي ينفجركان غاده تقول ما يتاجج في قلبيبلغتكم وبالمكم ولا تفهمون يا عربنعمان من الجزائر