كتَّاب إيلاف

حقوق لغير الإنسان ولا حقوق للإنسان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"ينبغي أولا أن يظهر الإنسان داخل الكون كقيمة عليا حتى ترتبط فكرة الحق به هو وحتى يغدو هو محط ذلك الحق" (لوك فيري/ألان رينو)

ربما مازلنا إلى الآن تحت هيمنة التصور الإغريقي للإنسان zoon echoun legon الذي يفصل بين الإنساني والحيواني و يحصر دائرة الإنسانية في الرجل الحر العقلاني السوي المالك ويستثنى منها العبيد والأطفال والنساء والمرضى والغرباء والأميين على الرغم مرور البشرية بالعديد من التغيرات الذهنية والثورات المعرفية والطفرات الحقوقية ولعل أهمها هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليوم 10 ديسمبر 1948 الذي نحتفل هذه الأيام بذكراه، فكيف بقيت نظرة الإنسان إلى نفسه هي هي منذ الإغريق إلى عصر العولمة؟ ألم تقع مراجعة هذا التصور عند ظهور الحداثة وفلسفة الذاتية وعند بروز النزعة الفردانية في الفكر السياسي مع الثورة الفرنسية وإعلانها الكوني لمبادئ الإخاء والحرية والمساواة؟ ماهي قيمة مثل هذه الإعلانات الكوسموبوليتية؟ وهل أحدث في الحالة البشرية ما كان مرجو منه؟ إلى أي مدى وقع التقيد به على أرض الواقع؟

1- حقوق لغير الإنسان:
تخمة الحقوق أصيب بها غير الإنسان هذه الأيام ففي ظل الثورة الخضراء صار للبيئة والمحيط حقوق وأصبحت العناية بالنبات والحيوان والهواء والماء من أوكد الضروريات والتفتت الحكومات والهيئات العالمية إلى ذوي الاحتياجات الخاصة التفاتة كبيرة ونظمت أيام للمكفوفين والقاصرين والعجز وأصبحوا هؤلاء من المبجلين في المحافل الفنية والرياضية والمؤتمرات السياسية وأصبح يخصص لهم أماكن خاصة ويحصد المبدعون منهم العديد من الجوائز التقديرية وظهرت مفاهيم مثل حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الحيوان وعبر العقل الايكولوجي عن نضجه عندما كلف نفسه مسؤولية مقاومة النفايات السامة والفضلات الملوثة وحرص على نظافة كوكب الأرض من كل إشعاعات نووية وما تبذله منظمة Green peace في هذا المجال من جهود ومشروعات يذكر فيشكر وتصب كلها في مصلحة تمتع الأجيال المقبلة بحياة غير مختلفة كثيرا عن حياة الأجيال السابقة على الرغم من ارتفاع درجة حرارة الأرض وحالة الاحتباس الحراري وتزايد نسب التصحر وابتلاع مياه البحار والمحيطات لليابسة وتكاثر الأوبئة الفتاكة والأعاصير والكوارث. كما خصصت العديد من جمعيات الرفق بالحيوان عناية كبيرة بالسلالات النادرة والمهددة بالانقراض وبذلت جهود للمحافظة عليها ومساعدتها على النمو والتكاثر في حدائق خاصة وبيئة اصطناعية ونفس الشيء وقع القيام به مع النباتات وذلك لضبط التوازن البيئي الضروري لكي يصلح الإنسان ما كان قد أفسده بنفسه بسبب التقانة والإفراط في استعمال الطبيعة والتسابق على امتلاك الأسلحة وغزو الفضاء.

2- صفر من الحقوق للإنسان:
فقد الإنسان في عصر العولمة الكثير من الحقوق التي حملتها إليه الحداثة السياسية وبشرت بها ثقافة الديمقراطية ودولة القانون ولعل أهم الحقوق المصادرة هي الغذاء والصحة والسكن والتعليم والشغل وهي حقوق بديهية كان من المفروض أن يمتلكها كل إنسان في المعمورة قبل الحديث عن أي حقوق لأي كائن آخر، في الواقع تعيش البشرية اليوم أزمة حقيقية في الغذاء إما لضعف القطاع الزراعي وندرة المحاصيل أو لارتفاع سعر المواد الغذائية الأساسية وتدهور القدرة الشرائية للعائلات واستعمال المزروعات الغذائية لتوليد الطاقة البديلة، كما يشهد قطاع الصحة تراجعا في نفقات القطاع الحكومي في هذا المجال مما أدى إلى عودة بعض الأمراض التي كادت البشرية أن تتخلص منها مثل السل والكوليرا والجدري وتزايد عدد المصابين بالايدز والسرطان والأمراض النفسية، زد على ذلك انتشار مدن الصفيح حول المدن الكبرى نتيجة النزوح والبناء الفوضوي والتجاء البعض من الناس إلى القبور والأقبية كشكل من أشكال المأوى يؤكد ظهور أزمة سكن في العالم بسبب امتلاك فئة الأغنياء لعدد كبير من المنازل في مقابل عجز الأغلبية الصامتة عن امتلاك منزل واحد، أما حال الأمية
فحدث ولا حرج فنسبتها مرتفعة وشكلها في تطور إذ أن الذي لا يحسن استعمال الحاسوب ولا يبحر في الأنترنت يعتبر أميا وهذه عملية مكلفة وليست في متناول كل الناس وحتى البرامج التعليمية التي تدرس فتبرمج من الخارج ولا تحتوى على أي مضمون ولا تحرص على التكوين بقدر ما تحرص على تخريج الإطارات الملائمة لتلبية سوق الشغل، بقي أن نشير إلى أن عصر العولمة هو عصر اللاعمل أو العمل اللامادي الافتراضي وبالتالي فان مواطن الشغل في تناقص مستمر وان عدد المسرحين والعاطلين أكثر بكثير من الذين يشتغلون ويمثلون جزءا من علاقات الإنتاج .
نستخلص إذن أن الإنسانية لا تتمتع بالقدر الكافي من الحقوق المادية الأساسية وهي حقوق ضرورية لاستمرارها كإنسانية فمابلك بالحقوق الدينية والثقافية والسياسية فحدث ولا حرج وخاصة حق التعبير وحرية المعتقد وحق المشاركة السياسية وحرمة الشخصية وهي كلها دوائر منتهكة من طرف الدولة.
6 - الحق في الحقوق:
من حق جميع الناس اليوم أن تتمتع بجميع الحقوق المنصوص عليها في الوثيقة الصادرة عن الأمم المتحدة ومن حقهم أيضا أن يتمتعوا بالحقوق التي وقع الاهتداء إليها بعد ذلك خاصة وأن البشرية تشهد إطلاق الجيل الثالث لحقوق الإنسان والتي يمكن أن نذكر من بينها:
حق الحياة والموت:
الإنسان له حق الحياة ولا يجوز أن ينتزعه منه أحد ولا أن تتصرف فيه أية سلطة وفي هذا السياق تناضل الإنسانية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام بعد أن ألغت الرق،زد على ذلك حق الإنسان في الموت الرحيم خاصة عند لحظة الاحتضار وتجنبا للشعور بالأم والعذاب الجسدي وحق جسده الجثة في الدفن والصيانة من أي خدش وتنكيل.

التسامح الديني وحرية العقيدة:
حق جميع الأديان في الوجود وأن تكون العلاقة بين الناس علاقة تعايش وتسامح بنبذ التعصب والانغلاق وبتنسيب الحقائق والمعتقدات كما يمتلك الأفراد الحق في الاعتقاد فيما يشاءون وفي تغيير عقيدتهم دون اعتراض أو تتبع قانوني فإذا اختيار الكفر مشروعا فان التكفير غير مشروعا.

حق الملكية والمحافظة على الممتلكات:
ينبغي أن يمتنع الجميع في التصرف في ممتلكات الآخرين لأن الملكية حق طبيعي لا يجوز مصادرته أو انتهاكه بل يمكن تقنينه ورسم حدود ضابطة له من كل إفراط أو تسويف والملكية الحقيقية هي الملكية الفكرية الرمزية لأن ملكية المال متبدلة بينما ملكية الأفكار باقية. وبالتاي يحق للدول أن تشجع على الاستثمار الاجتماعي وتنبذ الاحتكار وكل أشكال الربح الأنانية حتى لا يتحول الإنسان المواطن إلى مجرد خادم للإنسان الأناني.
حق الشعوب في تقرير المصير والسيادة والديمقراطية:
حاجة الشعوب إلى الإصلاح والتنمية والتطوير والتغيير تفوق أحيانا حاجة الأفراد إلى الغذاء والدواء والشغل لأن تجارب الديمقراطية تشهد انتكاسة وهي في تراجع مستمر خاصة في المنطقة العربية كما أن العديد من شعوب العالم لم تنتقل إلى العصر الديمقراطي بعد ولم تعرف مؤسسات سياسية مدنية بل اقتصر تنظمها على الحكم الفردي والحزب الواحد مما ساهم في تنامي النزاعات داخلها وكثرة الانقلابات والحروب الأهلية وبالتالي فان حقها في ثقافة الديمقراطية والاستقلال وتمتعها بالسيادة هي من المطالب الحقوقية الملحة.

الحق في العدالة والمساواة والحرية:
هي من الحقوق التي لا يمكن فسخها في أي نظام سياسي ناشئ لأنها ركائز أي حكم مدني يريد أن ينظم الحياة السياسية تنظيما عقلانيا والعدالة هنا ليست عدالة الأقوى بل هي بالأساس عدالة توزيعية والمساواة هي الإنصاف والقسط في فرض القانون على الجميع للقضاء على مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية وذلك بالفصل بين السلطات والاحتكام إلى السلطة الرابعة وهي سلطة الرأـي العام المرتبطة بحرية الصحافة ومصداقية الإعلام أما الحرية فيجب أن تكون استطاعة كل فرد أن يفعل كل ما لا يضر بالآخرين وبالتالي فحريتنا هي من الممتلكات التي يجب أن نحافظ عليها مثلما نحافظ على أرضنا وحياتنا. ألا ينبغي أن نميز عندئذ بين الحقوق الحريات (هذا لي حق فيه) والحقوق الديون ( هذا لي حق عليه) حتى نخلص مفهوم حقوق الإنسان من التصورات التقليدية ونؤسسه تأسيسا فلسفيا جديدا؟ هل نطالب العرب بأن يحترموا حقوق الإنسان أم نلزم حكوماتهم بمجموعة من الواجبات تجاه الإنسان حتى يخرجوهم من حالة القصور إلى حالة الرشد؟
من هنا يتبين لنا الفرق بين المجتمعات التي لا تعطي حقوق حتى للإنسان الإغريقي والمجتمعات التي تتحدث عن حقوق للكائن الحي مابعد إنساني ألا ينبغي أن نضمن نحن العرب الحقوق لأنفسنا قبل أن نطالب بتوفيرها لغيرنا طالما أن فاقد الشيء لا يعطيه؟ ألا ينبغي أن يولد الإنسان أولا في الفضاء العمومي العربي ثم نطالب فيما بعد بإعطائه الحقوق التي تلزمه؟ لكن كيف سيولد هذا الإنسان والبحث فيه ظل مؤجلا والسؤال عنه في الفكر العربي ظل غائبا؟ فلماذا غاب مبحث الإنسان عن الفكر العربي؟

كاتب فلسفي

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الجواب
خوليو -

الجواب على السؤال هو أن الإنسان في العالم العربي الإسلامي لايعتبر إنسان، وإنما عبد خلق ليعبد ويتعبد وبعد موته سيحاسبه إله السماء، هذه هي النواة التي بنيت عليها التربية العربية الإسلامية، حقوقنا تأتي بعد موتنا، الإنسان في الدول الحضارية حصل على كثير من الحقوق التي ذكرها السيد الكاتب في مقالته الجيدة، ما تقوم به منظمات حقوق الإنسان هو العمل على زيادة هذه الحقوق لتغطي الحاجيات الضرورية الأساسية للعيش بكرامة، وهناك الكثير من العمل أمامها، على الأقل الفرق بيننا وبينهم أنهم يعملون لمصلحة الإنسان ، أما نحن فلا نزال في مرحلة المطالبة بالإعتراف أنّ هذا الكائن الذي يسير منتصباً هو إنسان.