كتَّاب إيلاف

الحب كلمة مفقودة أم شعور انتهى؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يقول غابريل مارغيز في روايته "الحب في زمن الكوليرا" وهي الأكثر شهرة من مجموع أعماله الروائية التي ألفها قبل نحو عشرين عاما على لسان بطل الرواية /فلورينتينيو /: "لاشيء أكثر صعوبة من الحب"، لعل هذه العبارة في حينه لم تستوقفني كما ينبغي لأتأمّلها بإمعان وتبصّر وتأيّيد مطلق سأعرفه فيما بعد، إذ أن تلك العبارة برأي كانت عصيّة على الاستيعاب، بل ذهبت لما هو أبعد من ذلك وصولا حتى مشارف الدهشة والغرابة والذي يبررهما أنني كنت مجرد شابة في مقتبل المحاولة، وريعان التجربة مفعمة بالتفاؤل، ومزدحمة بالودّ، ومكتظّة بالأحاسيس، والمشاعر، والحيوية، والحب، الحب وحسب قناعاتي الفتية وقتها الذي لا بدّ وأن يتلازم قطعا مع الحياة كفكرة ومفهوم ومنطلق وهدف وغاية ومُعطى ومُعاش ومسعى وضرورة وشرط أساس من شروط تحقيق التوازن والسعادة والحق والعدالة والجمال اللا محدود، كل ذلك كان بتقديري هو كنه المنطق الواعي الذي يجب أن يتزامن كنتيجة حتميّة مع أدق التفاصيل العابرة والمميزة نبضا بنبض على مدار الدورة الدموية، وكان من اليسير جدا أن ألوي عنق عبارة غابرييل مارغيز لأثبت العكس تماما حيث "لاشيء أكثر بساطة أو بداهة أو تسليم من الحب "، ولاشيء أكثر جدارة وجدوى من الحب، ولا شيء أكثر أهمية وارتقاء من الحب، ولاشيء أقرب إلى أنفاسنا ونبضنا من الحب، الحب الذي كان يداهمنا بنظرة، ثمّ بابتسامة، ثمّ بلفتة، ثمّ بلمسة، ثمّ بكلمة، ثمّ بأشياء كثيرة متعاقبة بين البراءة والجرأة والحشمة والمغامرة فقدناها على امتداد الرحلة الطويلة، لنجد أنفسنا مثقلين بكل ما فينا من لواعج إنسانية مهملة، كمن يمتطي زورقا مهددا بالغرق ولا يملك إلا أن يتخفف من أحماله وكامل ما لديه من مؤنٍ ومتاع وأحلام وأمنيات، فيرمي بها تباعا دون تردد أو تدقيق أو مفاضلة، لنعلن خوائنا التام في عرض التجربة، وما إن نعود إلى قارعة وجودنا الموحش حتى نضرب كفّا بكفّ ونمضي بغصّة كبيرة دون أن نلوي على مغزى واحدا فقط نسأل أنفسنا على إثره ماذا جنت يدانا؟
ويدانا ما كانت إلا لتكون أداة من أدوات التعبير، التعبير عن الاحتفاء والاحتواء والتواصل والمؤازرة والمساندة والمواساة والمدد واللهفة والمشاركة والمناصرة والمعاضدة والحب، فما الذي حوّلها لتصبح على هذا القدر من الأنانية والعدائية والغدر، أياد تبحث عن الخراب في كل مكان تتهيّأ لساعة الشر في كل حين، لا تتقن غير فنون البشاعة والاغتيالات والتدمير، أياد تخطط بضمير غائب، وأياد تنفذّ بدم بارد، وكلنا ضحايا برسم الإجرام، الإجرام تراه هل يعرف الحب؟ هل يدرك الحياة؟ هل يعي الندم؟، كيف توصّل هؤلاء إلى أن يتغلغلوا في ثنايا المجتمع، وثنايا الواقع، وثنايانا برمّتها، هل كان ينقصهم الحب، هل قصّرنا في تعليمهم قيمة الحب؟ من بوسعه أن يعلن مسؤوليته تجاه كل ما جرى وما يجري وما سيجري بعد؟ أهي التربية؟ البيئة؟ المعتقدات؟ المثل؟ القيم؟ التقاليد؟ المفاهيم؟ التعاليم؟ المغالطات؟ الإدّعاء؟ الخيبات؟ الظروف؟ القادة؟ الأهواء؟ الأمراض؟ الحركات؟ الأحزاب؟
ما الذي جعلنا على هذا القدر من الازدحام بالأطماع، لنكتظّ بما لم يكن فينا من الجشع؟ بل كيف توارثنا سواد القلب على هذا النحو الذي جعلنا جيلا يفاخر بفجوره بعد جيل؟
يا لبؤسنا ونحن لا نملك لهفة المصارحة، وحميميّة المفاتحة، و"صميمية" البوح، كلما رحل صديق تتملكنا غصّة خانقة ليس لفقده وحسب بل لفرط التحفظ الذي كان يعتري صداقتنا، التحفظ الذي سلبنا تلقائيتنا وعفويتنا وطيبتنا ونبلنا، ليضع لنا شروطا لا حصر لها تبدأ بالإبهام والغموض وتنتهي بالتعويم، أتذكر برعب منذ قرن من الزمن لم أقل لأحد أحبك، ومنذ قرن من الزمن وأنا ألعن كل من قال لي يوما أحبك، أشعر بالصدأ يعتري مفاصل الروح، أشعر برهبة المفردة، بانسيابية وقعها، بمرارة نسيانها، بزركشة حضورها، جميل أن نتمسك بكلمة الحب، والأجمل أن نعيها، ونعنيها، والأجمل الأجمل أن لا نبخل بقولها لكل من حولنا، فحقا كما قال السيد المسيح: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" وقطعا أنّ الحب كفيل الارتقاء في كل زمان ومكان.
كان بودي أن استرسل دون تلكأ لأجعل من رؤاي طوفان حب يجرفنا جميعا إلى مبتدأ آمن، لكنني بالكاد أملك تلك المفردة، التي سأنثرها في مهبّ الروح، علّها تنبت سبع سنبلات تملأ حقول الوجدان، وتعيد الخصب إلى بيادر الضمير، وتستعيد الإنسانية ثمار إنسانيتها، ويكون الحب حليف المواسم، ورصيد الأزمنة الثابت.

www.geocities.com/ghada_samman
gaidoushka@yahoo.com

أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هرمون الحب
نصيف الناصري -

الكثير من الناس تجهل أن للحب هرمون وحين ينتهي أو يصاب بعطب بسبب الملل أو العادات اليومية يتوقف تماماً . البعض شكو من أن حبيبه قدر غدر به وأحب آخر سواه . طبعاً هذا الحبيب لم يغدر بل توقف هرمون الحب عنده مع شريكه السابق واتجه صوب الحبيب الجديد . ظلت أمي طوال 30 سنة تود الطلاق من المرحوم أبي بسبب موت حبها له لكنه كان كلما تأففت وأرادت الطلاق يهددها بالويل والثبور . المسكين هو أيضاً توقف عن حبها بعد أن أنجبت 3 أولاد لكن العادات الاجتماعية السخيفة مثل { الزواج . العائلة . الأولاد } كانت تجبره أن يحتفظ بها الى حين موته .

الحب خطاب لا يُكتب
إنجي -

أدعو لعودة الحب للذاكرة-وإن روى الدمع زهرته!-فبالنتيجة أريج فواح!-فقط لمن أراد البقاء-فمن بلا حب كمن يمارس فكرة الموت الرحيم-على قلبه أو كل ذاته!-ولا يقتصر الحب فقط بين رجل وإمرأة-بل يسمو بيننا وبين المعاني والأشياء-وقول لشكسبير(ما أقوى الحب- فهو يجعل من الوحش إنساناً-وحيناً يجعل الإنسان وحشاً)فهل ما بحياتنا من وحوش أهي وحوش أحبت؟-أم أناس أحبت وتوحشت؟!-أما قولي أنا المتواضع..فالحب هو الخطاب الوحيد والجميل الذي لا يُكتب-مع تحيتي0

ولو بعد حين ..
Thekra -

للأسف لم يعد هذا الفعل المضارع مع رائحة البارودوفلاشات القنابل الضارية ، لم يعد على القائمة الروحية ..المُضارع الوحيد الآن هو المُشاهدة الحمراء والسماعالشائط (رؤية مُهلهلة في حدقة إعتادت الهز) .. ست غادا لجمتني عدة عبارات في نصكِ الفاخر هذامن يُفكر في الحب بإكتراث بالتأكيد يُتابع من زاوية بعيدة ليحصي الخسائر ويُثني على ضيف الشرف . قال وليم شكسبير: تكلم هامساً عندما تتكلم عن الحب ..على الرغم من أن المشي على أطراف الحنجرةأصبح أمراً مستعصياً إلا أن هُناك ما يستدعي المخاطرةولو بعد حين .. نص في غاية الرقي .. تحياتي لكِ ياصانعة الحرف ..

do it
hussein talal -

love is like candies on the shelf, just help your self

الحب لا يسقط
د. رأفت جندي -

كثيرا ما نخلط بين الحب والشهوة, الحب عطاء بينما الشهوة أخذ (من كلمات البابا شنودة) اما بولس الرسول فقد قال عن الحب انه يترفق, يتأني, لا يحتد, لا يتفاخر, لا يظن السوء, لا يطلب ما لنفسه, لا يسقط ابدا. القديس يوحنا يقول: كاذب من قال انه يحب الله الذي لا يراه وهو يبغض آخاه الذي يراه. الانجيل يقول هكذا احب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية. ونقول عن المسيح اننا نحبه لانه احبنا اولا, اذ ونحن بعد خطاه مات المسيح لاجلنا. لهذا الوصية الاولي في المسيحية هي المحبة التي تجاهد لكي تصل لمحبة الاعداء.

التربية
موعزيز -

الحب أنواع وأشكال ، من المستحب إلى المكروه ،ولولا الحب ما كان للحياة أن تستمر عل اليابسة ،وهذا من فضائل الله ونعمــــه على مخلوقاته ،وما احوج الإنسان العربي إلى هذاالإحساس الجميل،وما احوج مقرراتنا الدراسية إلى مواد ونصوص تزرع بذور الحب ليس بيننا فقط بل تتعداه إلى الكون وما فيه ، فبالحب وحده يندثر التطرف والإرهاب ، ويتراجع الإجرام والخوف ، ألم يقل رسولنا الكريم ، لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفســــــــــــــــــــــــــــه .