أوهود أولمرت... والحل الجنوب إفريقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
صرح أهود اولمرت بأنه إذا لم تنتهي محادثات السلام ألأخيرة بدولة للفلسطينيين فسيأتي اليوم الذي سيزيد فيه عدد الفلسطينيين على اليهود، ويبدأ صراع شبيه للصراع الجنوب أفريقي بصوت لكل فرد، وبذلك تنتهي إسرائيل. وقد كرر الفلسطينيين عدة مرات القول، "دعونا ننشئ دولة ديمقراطية واحدة، متعددة الأديان والأعراق، ولن نهتم بتراجع إسرائيل لحدود 1967." والسؤال، هل من الممكن إن يقف الشعب الفلسطيني والإسرائيلي لحظة تأمل، ويتساءل ما هو المستقبل الذي سيحققونه لأبنائهم من سعادة وأمن ورخاء بعد ستة عقود من الصراع؟ وهل سيحاول حكماء الشعبين العمل لتحقيق ما تمناه إسحاق رابيين حينما قال، "بأن الإسرائيليين والفلسطينيين سيجمعون ربيع جميع مواردهم الروحية العظيمة، ليغفروا للمعاناة التي سببها بعضهم لبعض، وسينظفون الألغام التي فرقتهم لسنوات طويلة، وسيزرعونها بأراضي الرخاء." وهل سيستمع حكماء إسرائيل لحكمة العالم اليهودي ألبرت اينشتين حينما قال، " أتمنى اتفاقية معقولة مع العرب على أساس مشاركة العيش بسلام، بدل إنشاء دولة يهودية، بحدود وعسكر وبقوة معاصرة مهما تكون متواضعة. للخوف بأن الروحانية اليهودية ستعاني من قصر نظر مفهوم القومية الضيق." فهل فعلا حدث ما توقعه أتشتين؟ وهل من الممكن أن يتحقق ما تمناه رابيين؟
لقد كتبت جريدة هارااتز الإسرائيلية في الحادي من هذا الشهر تقول، "حذر أهود أولمرت بأن العالم قد يفرض على إسرائيل الحل الجنوب أفريقي إذا لم تنشئ الدولتين. فها هو يعترف ضمنيا بأن التوسع الاستيطاني يزيد من إظهار إسرائيل كنظام عنصري... والسؤال، هل من الممكن إيجاد إسحاق رابيين آخر قادر على توقيف، لا فقط تعليق، بناء المستوطنات، ليترك للفلسطينيين مساحة كافية لبناء دولتهم." تلاحظ كيف تغير الفكر الصهيوني من فكرة إسرائيل الكبرى وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لما تطرحه اليوم أشهر جريدة إسرائيلية. والسؤال، كيف سنستفيد من هذه التطورات بعقلانية وحكمة بعيدا عن الانفعالات العاطفية الحادة، والتزمت الديني والتعصب الطائفي، وبنظرة إنسانية متزنة، تجمع بين الواقعية والمثالية تتوسطهما الأخلاقيات، مع الاستفادة من ذكائنا الشامل لإيجاد وسيلة للتعامل مع هذه المعضلة؟ وهل سنبدأ بدراسة التاريخ، وتحديد القوى المتشابكة، والتوازنات الدبلوماسية والعسكرية، وتحليل المعطيات لتحديد الخيارات الممكنة، للتعامل معها بطريقة إنسانية، وبخيارات عادلة ومرضية للطرفين؟
لقد عانى اليهود قرونا من الاضطهاد والتفرقة كللتها النازية بالمحرقة. واستفاد المستعمر من مأساتهم بزرع الاستيطان الصهيوني بقلب العالم العربي، مما أدى لنكبة فلسطينية، ومعاناة مزمنة لليهود. وقد واجه العرب ذلك الاستيطان بحروب متكررة شغلتهم عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وحينما وعى العرب لذلك، وتوجهوا لطاولة المفاوضات، تسلمت القوى الشعبية الصغيرة المتناثرة هذه المواجهة، وحولته من ساحات الحرب إلى أزقة المدن، واستفادت من تكنولوجية المعرفة. وقد عبر عن ذلك ديفيد هاول وزير الاقتصاد البريطاني السابق بقوله، "عصر الميكروشبس، بعثر القوة والمعلومة... فالصغير أصبح قاتلا والكبير أصبح مترهلا ومعرضا....ولم يعد يسير العالم من واشنطن، ولا حتى من واشنطن وبرسل معا."
فرسالة الوزير البريطاني رسالة مهمة، يجب ربطها بالتوازنات الاقتصادية والسياسية العالمية الجديدة المترافقة بدخول الصين والهند والبرازيل في المعادلة الدولية، والتطورات المستقبلية للمثلث الكوري الصيني الياباني، مع ضعف دول الغرب، وبروز القوى الغربية المضادة لسيطرة اللوبي الإسرائيلي. فقد تغيرت التوازنات الإسرائيلية الغربية، وتحولت إسرائيل من قوة رادعة إستراتيجية ضد المد الشيوعي، لأن أصبحت عالة على دول الغرب، وسببا هاما لعدم استقرار الغرب الأمني، بانتشار الإرهاب المكلف لاقتصادياته وحقوقه المدنية. كما بدأ الانقسام بين الأجنحة المختلفة للقوى الصهيونية اليمنية واليسارية والوسطى، وتغيرت نظرة العالم لإسرائيل بأنها مجتمع العنف والتفرقة العنصرية. فالمعادلة الدولية بدأت تتبعثر ويمكن أن يستفيد العرب من هذه الفرصة، بتوحيد صفوفهم، وبإنشاء سوق اقتصادية إقليمية للمينا، الغنية بأكثر من نصف مخزون الطاقة العالمي، لتلعب هذه المنطقة دورا هاما في التوازنات الدولية، وتساعد التعامل مع المعضلة الفلسطينية الإسرائيلية. وقد أثبتت التجربة الأوربية بأن التعاون الاقتصادي بين أعداء الماضي، تبعد حروب المستقبل، وتحقق الاستقرار والرخاء المشترك.
فلنناقش عزيزي القارئ الخيار الجنوب أفريقي بإنشاء دولة ديمقراطية موحدة تعيش فيها جميع الأديان والأعراق المختلفة بعدالة وسلام وأمان. وكما قالها الأمير سعود الفيصل، "بأن الشرق الأوسط يمكنه أن يصبح واحة ينعم فيها جميع أبناء إبراهيم عليه السلام بحياة طبيعية ومزدهرة وآمنة ومتحررة من الخوف." فلنتفحص دفاتر التاريخ ونتساءل، هل مر العرب واليهود بتجربة الدولة الموحدة؟ لنقراء ما كتبه الصحفي الإسرائيلي اوري افيناري، "عاش يهود اسبانيا عصرهم الزاهر تحت الحكم الإسلامي...فقد كانوا وزراء وشعراء وعلماء...كما ترجم العلماء المسيحيين واليهود والمسلمين معا المؤلفات العلمية والفلسفية الإغريقية... وحينما سيطر الملك فرناند عام 1492 على اسبانيا...وقرر اليهود الرحيل منها، استقبلهم العرب بالأحضان في دولهم الإسلامية." كما كتبت المؤرخة البريطانية المسيحية، كارن ارمسترونج تقول، "في الدولة الإسلامية في الأندلس، تمكنت الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام العيش معا بتناغم نسبي تجاوز الستة قرون."
وقد أكدت وثيقة إنشاء إسرائيل بأنها بنيت على أساس الحرية والعدل والسلام.... وبأنها ستدعم العدالة الاجتماعية والسياسية لجميع المواطنين، بدون أية تفرقة دينية أو عرقية أو جنسية. ووعدت بالحقوق العادلة لجميع الموطنين العرب في دولة إسرائيل. والسؤال هل استطاعت إسرائيل تحقيق مبادئها؟ لنستمع لما كتبته كيرن ارمسترونج في كتابها المعركة لأجل الإلهة، "نجح الصهاينة بأهدافهم المحدودة والواقعية والمعاصرة من أنشاء دولة اليهود العلمانية، ولكن ورطوا شعب إسرائيل في صراع لا يبدوا بأنه سينتهي." وطبعا تؤكد تجارب التاريخ بأنه لن ينتهي هذا الصراع ببطش آلية إسرائيل العسكرية، بل تحتاج لحل عادل للشعب الفلسطيني التواق للحرية. فهل يتعض الصهاينة بمقولة جون كندي، "القوة المؤثرة اليوم ليست الشيوعية ولا الرأسمالية ولا حتى الصواريخ الموجهة، بل هي رغبة الإنسان في الحرية."
ومن خير ما قرأت لحل هذه المعضلة المعقدة هي مقولة الكاتب الفلسطيني أدام صبرا حينما قال، "الفلسطينيون هم جميعهم أعضاء في أمة واحدة لا يمكن أن تتجزءا، إن كانوا يتكلموا العربية أو العبرية." وقد أكد الكاتب الإسرائيلي ألين بابيه ذلك، في كتابه التطهير العرقي للفلسطينيين، بضرورة التراجع عن فكرة الفصل العنصري والديني لفلسطين فقال "يجب أن تعتذر إسرائيل للفلسطينيين، بإرجاع اللاجئين، وبالتنازل عن فكرة الدولة اليهودية وبأغلبية يهودية." فمن الواضح بأن عالم الألفية الثالثة لن يقبل بخرافة احتلال شعب لأرض شعب آخر بحجة وعود اللاهية تعود لقبل إلفي عام. بل ستحتاج لحل إنساني قريب للحل الذي اعتمدته الأمم المتحدة في التعامل مع التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وذلك بأن تكون أرض فلسطين أرض ديمقراطية يعيش فيها جميع قاطنيها بسلام ومساواة. وقد يقترح البعض بأن هذه التسوية تحتاج لمرحلة انتقالية لخلق الثقة والتناغم المشترك، وذلك بالاعتراف بدولة لشعب فلسطين أولا، يتبعها بفدرالية مشتركة، لتنتهي بتوحيد الدولتين بدولة ديمقراطية. وبذلك ينهي العالم نظام عنصري، ويخلق نظام ديمقراطي يحترم شعبه ويساوي بين أفراده، ويمزج معتقدي الديانة الإبراهيمية ضمن المجتمع الواحد ليؤذوا دورهم بالمشاركة لتطوير حضارة الألفية الثالثة. فهل تتصور عزيزي القارئ بأن فكرة الدولة الواحدة فكرة عملية لمعضلة النكبة؟ وهل من الممكن أن يعيش أبناء إبراهيم عليه السلام بأمن ورخاء وسلام في دولة ديمقراطية تتساوى فيها الحقوق والواجبات؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه