العقل في الرأس زينة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"الإنسانُ - كائنٌ يَبحثُ عن معنى" (أفلاطون)
أمّا بعدُ،
فقد درجَ العامّةُ لدينا، حينما لحظوا شخصًا ينفّذ عملاً يشوبه بعض الغباء، على إطلاق المقولة الشّعبيّة "العقل في الرّأس زينة". لقد قالوها تفكُّهًا على ما آل إليه صنيع ذلك الشّخص وتهكُّمًا به وبغبائه. والمقولة، على ما فيها من دعابة شعبيّة بريئة، تحمل في طيّاتها قولاً حكيمًا ينهلُ من موروث مغرق في القدم. فمثلما ذكر التّراث المشرقي القديم أنّ الإنسان هو تاج الخليقة، كذا هي الحال مع العقل في هذا التّاج، فالعقل هو درّة هذا التّاج المنصوب على رأسه، وهو، إذن، زينة هذا الرأس في نهاية المطاف.
وقد آن أوان أن ننظر قليلاً في هذه المسألة لما فيها من عون لذوي الألباب في فتح الأبواب أمامهم للوصول إلى سواء السّبيل. وما مرادي من هذا الكلام سوى شحذ الهمّة لدى بعض نفر هذه الأمّة ابتغاء الخير لها، ورفع ما ربخَ على أكتافها من غمّة.
في البدء نسألُ،
لماذا سُمّيَ هذا الجوهرُ اللّطيف، الكامن في الرأس الكثيف، عقلاً أصلاً؟ وللإجابة على السؤال حريّ بنا الذّهاب أوّلاً إلى الدّلالة اللّغويّة لهذا التّعبير. فالعقلُ، كما هي الحال مع الكثير من المصطلحات العربيّة مردّها إلى الصّحراء، وإلى البعير على وجه التّحديد، فقد قيلَ: "العقلُ مأْخوذٌ من عِقَال البعير" (عن: لسان العرب)، وَ"عقلَ البعيرَ: شَدَّ وظيفَهُ إلى ذراعه." (عن: القاموس المحيط)، وكذا هو رأي ابن الأنباري: "رَجُلٌ عاقِلٌ: وهو الجامع لأَمرِه ورَأْيه. مأْخوذٌ من عَقَلْتُ البَعيرَ، إِذا جَمَعْتَ قَوائمَهُ." (عن: محيط المحيط). أي أنّ العقل، في النّهاية "مشتقّ من العقل، بمعنى الرّبط والإحكام، كما قال بعض الحكماء." (عن: لسان العرب). فالعقل إذن هو الرّبط، أي النّظر في ما يُحدق بالإنسان من أمور شَتّى، المُجسَّدَة منها والمُجرَّدَة، ابتغاء الوصول إلى مفاهيم علميّة، ثقافيّة، اجتماعيّة وغيرها من أمور تواجه الإنسان في مسيرته على هذه الأرض وفي هذا الكون. فقد قيل إنّه: "جوهر مُجرَّد يُدرِك الغائِيَّات بالوسائِط والمحسوسات بالمشاهدة." (عن: لسان العرب).
هذا من ناحية الاشتقاق اللّغوي للتّعبير. أمّا من ناحية التّعريف، فقد قيل الكثير الكثير عنه. من بين ذلك ما ذكره الفيروزاباذي، ناقلاً عن الرّازي، أنّ العقل هو: "العِلْمُ بِصفاتِ الأَشْياءِ من حُسْنِها وقُبْحِها وكَمَالِها ونُقْصانِها." (عن: القاموس المحيط). أمّا ابن منظور فيقتبس، في معرض تعريفه للعقل، من تعريفات الجرجاني أنّ العقل هو: "جوهرٌ مُجرَّدٌ عن المادَّة في ذاتهِ، مقارنٌ لها في فعلهِ." (عن: لسان العرب).
غير أنّ الفقهاء
الّذين يعتبرون هذه الملكة نورًا روحانيًّا يقصرونها على الأمر والزّجر، أو الأوامر والنّواهي فحسب: "والمراد من العقل، ملكةٌ وحالةٌ في النّفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع واجتناب الشّرور والمضارّ، وبها تقوى النفسُ على زجر الدّواعي الشّهوانية والغضبية والوساوس الشيطانية." (عن: محمّد باقر المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول). أو كما يذكر سريّ السّقطي: "العقل: ما قامت به الحجة على مأمور ومنهي". كما أنّهم خلطوا بين النّفس والذّهن والعقل، واختلفوا في محلّ تواجد هذه الملكة: "وقيل العقلُ والنّفسُ والذّهنُ واحدة إلا أنّها سُمِّيَت عَقْلاً لكونها مُدرِكةً. وسُمِّيَت نفسًا لكونها مُتصرِّفةً وسُمِّيَت ذهنًا لكونها مستعدّة للإدراك. وقال أيضًا العقلُ ما يعقل بهِ حقائِق الأشياءِ. قيل مَحلُّهُ الرأس. وقيل محلُّهُ القلبُ." (عن: لسان العرب).
وبسبب الاشتغال بهذه المسائل، فقد ترك لنا التّراث الإسلامي أيضًا أحاديث نبويّة تتعلّق بهذا الجسم اللّطيف الّذي يُسمّى العقل. مثال على ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود: "عن عبد الله بن مسعود -رض-، قال: قال رسول الله -صلعم-: لمّا خلقَ اللهُ العقل قال له : أقبل فأقبل، وأدبر فأدبر، فقال له : ما خلقتُ خلقًا أحبّ إلي منك، ولا أركبك إلا في أحبّ الخلق إلي." (عن: إبن الأثير، جامع الأصول من أحاديث الرّسول). وهذا الحديث ينتقل ويتكرّر بروايات مختلفة واختلافات طفيفة في كثير من المصادر (أنظر مثلاً: إبن حنبل، كتاب الزّهد؛ الطّبراني، المعجم الكبير؛ البيهقي، شعب الإيمان؛ الغزالي، إحياء علوم الدّين؛ التّبريزي، مشكاة المصابيح؛ السّيوطي، الدّرّ المنثور، وغيرها). لقد ثار جدل بشأن صحّة هذا الحديث أصلاً، وبشأن أوّليّة خلق العقل، فقد قال الحافظ ابن حجر: "والوارد في أوّل ما خلق الله حديث أوّل ما خلق الله القلم، وهو أثبتُ من حديث العقل." (عن: الشّافعي، كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة النّاس).
مهما يكن من أمر،
أكانَ الحديث موضوعًا أم لا من وجهة النّظر الإسلاميّة، فإنّه يشير إلى انشغال العلماء في فترة لاحقة من التّاريخ الإسلامي بقضايا بدأت تظهر على السّاحة مع التقاء المجتمع البدوي الخارج من جزيرة العرب بالحضارات الأخرى وظهور النّزعات الفلسفيّة عبر ترجمات من الحضارات الّتي انشغلت بالتّجريد، بخلاف الحضارة العربيّة الّتي عرفت التّجسيد ليس إلاّ. في الحقيقة، لا يمكن أن تكون الأحاديث الّتي جمعت ودوّنت بعد قرنين من الزّمان على الدّعوة إلاّ موضوعة بالقوّة وبالفعل. لكن، لسنا بصدد هذه المسألة، غير أنّ ما يلفت الانتباه هو أنّنا نسمع صدى هذا الجدل الفقهي مع الفلسفة، أي الحكماء، من خلال ما أورد الشّافعي: "إن العقول عند الحُكماء أوّل المخلوقات، وإنّ العقلَ عندهم أعظمُ الملائكة وأوّل المبدعات." (عن: الشّافعي، كشف الخفاء).
في نهاية المطاف، ليس فقط أنّ العقل هو ما يفرق بين الإنسان وسائر المخلوقات فحسب، بل هو الحدُّ الفردانيّ للمخلوق البشريّ الّذي يفرق بينه وبين سائر أبناء جنسه من هؤلاء البشر، أو "هو الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم"، أي أنّ العقل هو الـ"أنا" على الإطلاق، كما يذكر الجرجاني بالنّسبة للعقل، فيقول: "وهي النّفسُ الناطقةُ التي يشيرُ إليها كلُّ أحدٍ بقولهِ: أنا." (عن: الجرجاني، التّعريفات).
من هذا المنطلق،
عندما ندعو إلى تفعيل العقل وإعلاء شأنه لدى أبناء جلدتنا فنحن إنّما ندعو إلى إعلاء شأن الإنسان، كلّ إنسان، في نهاية المطاف. فهذه الدّعوة هي دعوة إلى إعلاء شأن حدِّ بشريّته بوصفه كائنًا يبحث عن معنى. والبحث عن معنى، أي البحث عن معارف. والمعارف لا يمكن أن تُقتنَى بالإكراه، ومثلما ذكر أفلاطون فإنّ "المعرفة الّتي تُقْتنَى بالإكراه لا تَعلقُ بالعقل، كما أنّ المعرفة تتحوّل شرًّا إنْ لم تكن غايتُها أخلاقيّة".
لهذا السّبب، نرى على مرّ تاريخنا العربيّ أنّ الأوامر والنّواهي لا تصمد أمام الواقع. إنّها لا تصمد لأنّها تأتي بالإكراه ولذلك فهي لا تعلق بعقول البشر. وربّما خير مثال على ذلك ما يُنشر من إحصاءات في شبكة الإنترنت، فقد نشر أكثر من مرّة أنّ العرب هم أكثر شعوب الأرض بحثًا عن مفردة "جنس" ومشتقّاتها في الشّبكة. أليس في ذلك عبرة لذوي الألباب؟
لذلك، ليس فقط أنّ العقل في الرأس زينة، بل نواصل التّأكيد على الخير الكامن في هذه الملكة المسمّاة العقل، ففي نهاية المطاف فإنّ العقلَ وليّ التّوفيق.
وبهذه المناسبة نتمنّى للبشر أجمعين: كلّ عام وأنتم بعقل.
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات
---------
اياد الحسن -لقد حظ القران على امعان العقل في اكثر من ثلثة ولكن حضرتك يبدو ان لك عقل اخر مختلف وتمعنة في زاوية الإلحاد ولايهم وهل الإلحاد الذي تنادي به هو من سيطور العرب ويجعلهم اكثر نضجنا ويتوقفو عن البحث ع كلمة ;جنس ; كلامك--------افكاراك-------- منذ دمار اتحادك السوفيتي العقل نعمة يجب استخدامها والله ولي التوفيق
معنىأن يكون عنده عقل
عيسى العقلانى -ماذا يعنى أن يكون عنده عقل ؟معناه أن يستوعب ما تعطيه له الحواس عن العالم الخارجى ويقوم بتجميع هذه المعطيات وينظمهاويخزنها ويقوم باٍستدعائها لخدمة حياته ، والعقل يقوم بتخزين الكثير من المعلومات منها الحقيقى الذى لاشك فيه ومنها الخرافى ، وللأسف نرى بعض الناس يعظم الخرافى ويضعه فى مصاف العلوم ويأمر الناس أن يؤمنوا به ، وهنا الغاء للعقل والتجربه والعلم
ما هو العقل
رمضان عيسى -ما هو العقل يولد الانسان بدماغ خالي من اية مفاهيم أو تصورات ، وشيئا فشيئا يبدأ باسقبال ما ينعكس على حواسه من مؤثرات من المحيط الذي يعيش فيه وهنا يبدأعمل الدماغ في خزن وتركيب وتنظيم معطيات الحواس على هيئة صور ومفاهيم ، وهذا رد كافي للذين يقولون بفطرة أفكار كذا أو المعتقد كذا ،ففي غابةبأفريقيا وجد انسان يعيش مع القرود وقدر عمره بأربعة عشر عاماوليس لديه لا لغة ولا أية أفكار ولايستطيع التعبير عن رغباته الا بالصراخ . ان العقل - من تصورات ومفاهيم ولغة -هو نشاط الدماغ الذي هو مادة عالية التنظيم ويتغذى هذا النشاط عن طريق الحواس والخبرة بنفسه ومن المجتمع الذي يعيش فيه ،فليس هناك من فطرة فكرية أو اعتقادية ، بل هناك فطرة غريزية فقط.أما جميع ما فى عقل الاٍنسان من أفكار ومعتقدات فهي مكتسبة بالتعلم من خلال وجوده في المجتمع ومن خلال نشاطه العملى
العقل والوحي ؟!!
رشاد القبطي -هل العقلانية هداية ام غواية ؟!! ونحن العقلاء عندما يشقينا عقلنا نقول اهل العقول ـ المجانين ـ في راحة ، اذ سقطت عنهم التكاليف ولا تثريب عليهم ولا انكار مجانين ؟!! على ورغم ان العقل يهدينا الى الرب سبحانه وتعالى الا انه يقصر عن معرفة كنه هذا الرب و مطلوبات هذا الرب ولذلك لابد للعقل من هاد يهديه وهو الرسول ولا بد للرسول من وحي يأتيه وكتاب ينزل عليه فيه اخبار عن هذا الرب وعن مطلوباته ، لو تركنا العقل كمعيار فاننا سنختلف فما تراه انت حسن اراه انا قبيح والعكس بالعكس والمشكلة كبيرة اذا ما صرت انت صاحب سلطة وشوكة وقوة فانك ستفرض ما استحسنته وما استقبحته بعقلك وستفرضه على الناس كرها وقمعا ؟!! لكن معيارية الوحي لا يختلف عليها اثنان ذلك انها معيارية محايدة ونهائية وسرمدية وجازمة قاطعة وهذا مايريح العقل ؟!! هناك من يستثقل الاوامر والنواهي ربما لانها تذكره دائما بتقصيره وتكشفه امام عقله ؟!! واخر يرى في الاوامر والنواهي رياضة عقلية وجسدية جميلة فما اجمل ان تروض الوحش الساكن في اعماقك وكل عام والوحي انتم بخير ؟!!!
كل عام وأنتم بعقل
كركوك أوغلوا -ولكن متى يتغلب العقل على الخرافة والأسطورة ويبدأ بتسمية الأشياء بمسمياتها ؟؟!!00هل يمكن للعقل أن يؤمن بالجن ودولتهم وهم مخلوقات نارية ولكن لاضوء فيها ؟؟!!00
هات عقلك
برسوم الايلافي -اذا كان العقل من غير دليل مادي قد آمن بوجود مخلوقات غير البشر من الكواكب الاخرى فلماذا لايؤمن بوجود الجن ؟!!!