جدلية المرئي والمسموع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بعد الإنتقال من الثقافة السمعية التي راجت فيما مضى عبر الإذاعات المنتشرة في العالم العربي كما في غيرها من البلدان والتي عوّدت المستمع لتلقّي العديد من الفنون السمعية وأهمها الأغنية التي كانت تتمتّع بمصداقية عالية تحكمها شروط وأسس وقواعد يتّفق عليها بالإجماع من قبل لجان تحكيميّة للحصول على استحقاقات تخوّل هذه الأغنية وذاك المطرب، أو تلك المطربة للإنضمام إلى نخبة منتقاة من الفنانيين المبدعين بعناية فائقة ومنحها بالتالي فرصة البثّ المباشر عبر قنوات الإرسال الإذاعي كعمل مختار ومميز كي يحظى بالفرصة النادرة المذكورة وإيصالها إلى المستمع الذي كان يتمتع بذائقة ليس من السهل أو من اليسير التساهل بإرضائها حيث كان المتلقي بمثابة الناقد والمتذوّق والمروّج والرافض لأي عمل ولأيّ كان ومن خلال تلك المعطيات عرفت الذاكرة العربية أساطين الفن الشرقي وفي طليعتهم (عبده الحامولي.ألمظ. صالح عبد الحي. سيد درويش. أم كلثوم. محمد عبد الوهاب. عبد الحليم حافظ. ليلى مراد. أسمهان. فريد الأطرش. ونور الهدى. ونهاوند. ولورد كاش. وسعاد محمد) وغيرهم كثيرون.
وقد أعقبت تلك المرحلة ثقافة طارئة من نوع آخر وهي ثقافة المرئي ومع ظهور الصورة عبر الشاشة الصغيرة ظلّ الإستماع هو المقام الأول لتقديم المادة اللحنية الطربية كعمل فنّي متكامل ضمن المربع الإنشائي لأي عمل منتج يعتمد اعتماداً كليّاً على الكلمة واللحن والصوت والأداء مما جعل الصورة أمراً ثانوياً عند المشاهد الذي درّب إحساسه وشعوره وذائقته دُربةً سمعية لا يُستهان بها وخاصّة أنّ المستمع العربي وريث شرعي لتراث أدبي وشعري قائم على أوزان الخليلي المضبوطة بمعايير الجرْس الموسيقي ومع تقدّم حركة المسرح الغنائي الاستعراضي الذي استعان بالكاميرا لحفظ نتاجه وإمكانية ترويج الفن السابع كذلك أي " السينما " من خلال الشاشة الصغيرة حينها بدأت الالتفاتة الجادّة إلى التلفزيون كعامل مساعد لتكريس الفن وتوسيع دائرة انتشاره وقد ظلّ التلفزيون لوقت كبير حكراً على البيوت الميسورة إلى أن بدأت الدول الصناعية الكبرى بإنتاج أعداد هائلة من الأجهزة التلفزيونية مما ساعد في تدنّي سعر الجهاز الواحد وسهّل بالتالي عملية اقتنائه لدى المستهلك في كل مكان وخاصة المستهلك العربي السّباق عادة للإطلاع والتداول مدفوعاً لذلك بحبّ الفضول وقد ظلّ التلفزيون يحتفظ بتوازنه لتقديم المادة الفنية على اختلافها محكوماً بضوابط أخلاقية ومبدئية تراعي جملة من العادات والقيم والمثل والتقاليد في المجتمع العربي وصولاً إلى التسعينات من أواخر القرن العشرين الذي شهد إندلاعاً حادّاً في البثّ الفضائي المتزامن مع تزاحم الأقمار الاصطناعية التي غطّت مساحة شاسعة من حيّز الفضاء الخارجي وعلى غرار الدول الكبرى عهدت بعض الدول العربية إلى إطلاق أقمارها الاصطناعية أيضاً كقمر " العرب سات " و" النيل سات " وغيرها وكان من الطبيعي ولادة فضائيات عربية عديدة حيث أصبحت كل شاشة تمثل دولتها على حده.
وإذا كانت التكنولوجيا العلمية تشكّل ثورة هائلة على صعيد الإلكترونات الذرية والنترونات وغيرها فإن ظهور الديجتل ضاعف عشرات المرات استطاعة البثّ الفضائي وشجّع بالتالي ولادة شركات إنتاج تجارية بحتة هدفها الأوحد الربح السريع دون أي منهجية أخرى ومن هنا راجت تجارة من نوع أخر وهي تجارة الأغنية وصناعة الفيديو كليب، والفيديو كليب لا يختلف عن كونه فيلماً مصوراً مصغّراً يقدّم نصّاً شعريّاً ملحّنا ومغنّى من خلال مشهدية تُقام بالأصل لهذا الغرض بإطار استعراضي مكثّف لا يقلّ بتقنياته الباهظة عن متطلبات السينما من حيث الأدوات والطاقم المساعد، وربما يفوقها أحياناً ولعل تضخّم حجم الإنتاج جعل الشركات الساعية للربح السريع تُقبل على إنتاج أعمال فنية مصوّرة تحمل سمة الفيديو كليب ولكنها لا تمتلك الحد الأدنى من خصائص ومقوّمات العمل الفني وهكذا أضحت الصورة بديلاً رائجاً لسلب انتباه المشاهد من خلال مشهدية مفتعلة وأداء حركي مفرّغ من كافة أنواع الدلالة المنطقية، بعد إقحام الصورة كافة الميادين بحجّة تطوّر العصر وهكذا تحوّل المتلقّي وبانسياق طوعي من الثقافة السمعية إلى الثقافة البصرية ليتعود بالتالي إلى التلقي الخاطئ عبر التلفزيون، بحكم التكرار أولاً.. وبحكم التخمة الإنتاجية التي اعتمدت اعتماداً شبه تام على النقل الحرفي المشوّه عن الشاشات الأخرى كالأوربية والأمريكية حتى أن بعض الأعمال قدّمت ك"فوتو كوبي " معرّب لا أكثر ولا أقل وإن كان العمل الفني سابقاً له قواعد وشروط وعناصر عدّة تتفاخر لصناعته، فإنه اليوم يقتصر فقط على توافر العنصر "النسائي" كمحور أساسي لتأسيس الصورة والمشهد والحركة والمحتوى الفني عموماً!
حيث صارت المنافسة على أشدّها باستقطاب أكبر عدد ممكن من العارضات اللواتي تحوّلن إلى راقصات، ثم إلى مطربات كنتيجة حتمية فرضتها موهبة واحدة لا غير تقوم على " فنّ الإثارة " وحلّت السمة الغرائزية محلّ الذائقة عموماً وصارت الصورة على خوائها بديل الثقافة فالصورة بتسارعها المتصاعد والتي تعتمد اللقطات الخاطفة هي أشبه بالتشفير الذي يُفقد الذهن القدرة على التركيز ويسلب بالتالي ميزة " التراكم " الأرضيات التي تُبنى عليها، وأروقة الثقافة عادة، ممّا أفسح المجال لاجتياح المُخيّلة التي تعمل بظلّ ظروف ومناخات لم يعد متواّفرا لها الحد الأدنى لإتاحتها، مما أصابها بكثير من الخمول والكسل والشلل شبه التام.
هذا ليس بتشاؤم من أي نوع، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ولست بصدد طرحه
تُرى من هو المسؤول عن إعادة الاعتبار للعمل الفني لاستعادة رقيه ورونقه ودوره الفاعل في تهذيب الذائقة وتوريث الأجيال سلامتها وصحتها للمتابعة والتقدّم؟!
هل يمكن للمثقف أن يرفع الصوت مجدّداً في زحمة الأرصدة و رؤوس الأموال والتجار العابثين بمصير الحركة الفنية المُتهالكة حالياً؟!...
هل ينتصر الفنانون الحقيقيون إلى فنّهم.ويصمدون في وجه الإغواء والمنافقة؟..
في العام 2003 دُعيت للمشاركة في المهرجان التأسيسي الأول للأغنية والصورة وقد أُقيم في تونس منطقة الحمامات بحضور نُخبة جادّة من الدول العربية بحضور نقيب الفنانين في مصر " يوسف شعبان " ولفيف من المثقفين، من الجزائر. المغرب. الإمارات. سوريا. فلسطين. وآخرين على مدار ثلاثة أيام أقيمت عدة ندوات كان لي فيها شرف المشاركة في كلمة موسّعة وموثقة أعقبتها حوارات كثيرة واكبتها مختلف وسائل الإعلام العربي من مسموع ومرئي ومقروء وقد لاقى المهرجان أصداءً واسعة في الأوساط الإعلامية في ذلك الحين لذاك الحدَث،الذي انتقل في العام الذي تلاه إلى بيروت كان لي أيضا شرف المشاركة في المؤتمر بحضور عدد كبير من أهم شاشات البث الفضائي اللبناني والعربي، لكن واقع الحال لم يتغيّر إلا إلى الاسوأ فهل يمكن لسلطة المنطق أن تنقلب ببساطة على سلطة اللا معقول المتمثلة في سلطة رأس المال وأتباعه؟!..
أعلم أن المشوار طويل والدرب شائك ومحفوف بالصعاب ولم أتوقف عن تقديم المقالة تلو الأخرى والتي تُنشر في العديد من المطبوعات القيّمة سعياً منّا لانتشال الإبداع من رُكام الإسفاف الدارج، علّنا نُساهم في توسيع دائرة انتشار الصوت إذا لم نقل الصرخة. بدافع غيرتنا الحقيقية على مستقبل الثقافة المرئية كصورة ومحتوى لا تعزيزها، كصورة مفرّغة ومخرّبة.
وهذا النصّ جزء من مسيرة الألف ميل الذي يعنينا جميعا لحفظ أصالتنا ومجدنا وعراقتنا الفنية،الطريق طويل ومظلم ولا شكّ أنّ كل حرف يخطّه أيّ مثقف سيكون مشعلاً حقيقياً لمواصلة المسير
أية إعادة نشر دون ذكر المصدر إيلاف تسبب الملاحقة القانونية
التعليقات
الأذن بيت الداء!
إنجي -كنت طفلة صغيرة-وطبيعة بيتنا لم تكن تسمح بل وتفرض علينا دون عمد-الإلتزام بالبوصلة السمعية-فلطبيعتي الفضولية-أردت أن أسمع حديث الغناء-فكنت أستمع لجديد الموسيقى والفن عند صديقة لي-وكأني أمارس جرماً في الخفاء!-وسرعان ما لفظت أذني ذلك العضو الذي إخترقها خطأ!-هذا..مع الإعتذار للعمرو دياب ولمحمد فؤاد ولجمهورهما-فقد كانا الجديد في طفولتي!-أعني أن البيئة هي التي لا تسمح أو ترفض ظهور ما لا ترضاه المشاعر والذوق الحسي-ثم الأغاني في السابق-كانت تقشعر لها الأبدان-إن كانت وطنية أو عاطفية بل ودينية-وكانت تحرض على الإنتماء-وقوة محركة لسمو المشاعر-بل وعلى قيام ثورات-فلـــلما الغضب-فحالنا أمنه مستتب-ولسنا في حاجة لقيام ثورات!!-بل نحن بآذان جوعى-لذلك نحن بحاجة لأغاني كريمة بالخضار والفاكهة-فلا عتب على مجتمع يرحب بمطربين زراعيين وبيطريين!-فإن توارت حاسة السمع توارت معها المشاعر-ويسبح النظر في بحوره فتطفو الغرائز!-وكم هو مزعج هذا الإنسان-فهو من يتطور بالعلم-ويتقدم بالتكنولوجيا-فيصنع الألة-ثم يعاني ويشكو منها!-مع تحيتي0
سلاما
امير الدراجي -ما زال بي بعض القوة والفضول كي القي التحية
الأستاذ أمير الدراجي
قارئة\أ\أميرالدراجي -مرحباً أستاذ أمير الدراجي-سأعتبر أن لي نصيب من تحيتك وسلامك-وكم أسعدني فضولك فياليتك تكون متطفلاً عظيماً-والمشهد الثقافي الذي نحن به أو بالأحرى اللاثقافي-وعندما تعتكف أقلام على حبرها-أليست جريمة كبرى وهناك ضحايا لها-فلماذا تُصر أن تكون مجرماً كبيراً؟؟!!-ولك تحياتي وأمنياتي بكل الخير \إنجي0